تُعبّر أحداث نهاية الأسبوع الأخير في الشمال – إطلاق الكاتيوشا من سوريا إلى الجولان والجليل وإصابة الجيش الإسرائيلي شبه المباشرة بخلية الجهاد الإسلامي الفلسطيني، التي بحسب إسرائيل مسؤولة عن إطلاق الصواريخ – كما يبدو عن محاولة إيرانية للحفاظ على جبهة محدودة، يمكن من خلالها الشجار مع إسرائيل دون إشعال حرب واسعة. وذلك دون أن تورّط طهران من دون مبرّر شركاءها الأهم في المنطقة: نظام الأسد في سوريا وتنظيم حزب الله. ولذلك، فرغم الفشل الذي حلّ بالهجمة على إسرائيل، يجب أن نفترض بأنّه ستجري محاولات أخرى كهذه، على الأقل واحدة كل بضعة أشهر.
نشطت الحدود الإسرائيلية السورية في بداية عام 2013، بعد نحو أربعين عاما من الهدوء التامّ تقريبًا، كاشتقاق جانبي للحرب الأهلية في سوريا.
بدايةً، استخدمها حزب الله للهجمات المحددة ردّا على قصف قوافل الأسلحة على الحدود السورية – اللبنانية واغتيال أعضائه في لبنان، والتي نسبها لإسرائيل. لاحقا فعّلت إيران، عبر قوّة “قدس” التابعة للحرس الثوري، شبكتين محليّتين في الجولان: إحداهما، كان يقودها القاتل المحرّر سمير القنطار، وارتكزت على الدروز من مواطني سوريا من قرية الحضر، والثانية، وصفت بأنها قوة نخبة لحزب الله ويقودها ويترأسها جهاد مغنية.
ولكن نسبت سلسلة العمليات التي نُسبت لإسرائيل إلى أي مدى كانت تلك الشبكات مخترقة وضعيفة أمام الاستخبارات الإسرائيلية. أصيب رجال القنطار ثلاث مرات على الأقل، إحداها عندما كانت إحدى الخلايا في طريقها لوضع عبوات ناسفة بالقرب من الحدود. قُتل مغنية، عناصره المقرّبون وجنرال إيراني عمل كحلقة وصل معهم نيابة عن الحرس الثوري، في قصف قرب القنيطرة في كانون الثاني الأخير.
سمير القنطار
وأظهر إطلاق صواريخ الكاتيوشا في الأسبوع الماضي أنّ إيران قد وجدت لنفسها وكيلا جديدا على الحدود؛ شبكة من الجهاد الإسلامي، وهو تنظيم فلسطيني – سني، والذي على الرغم من الشرخ الهائل بين الشيعة والسنة، مستمر في الحصول على التمويل والتعليمات من طهران. ولكن يبدو أنّ اللاعب الجديد في الساحة مكشوف بما لا يقل عن سابقيه أمام أعين الاستخبارات الإسرائيلية. ليس فقط لأنّ أعضاء الخلية قد قُتلوا في عملية انتقامية إسرائيلية بعد أقل من يوم من إطلاق الصواريخ، وإنما لأنّ الجهات الأمنية التي تحدثت إلى الصحافيين في إسرائيل استطاعت وصف سلسلة القيادة في الخلية بشكل تفصيلي، بدءا من اسم الضابط الإيراني الذي يشغّلها نيابة عن قوة قدس، سعيد أيزدي، وصولا إلى حلقة الوصل في التنظيم الفلسطيني، أكرم عجوري، الذي يعمل نيابة عن الأمين العام للتنظيم، رمضان شلح.
إلا أن استعدادية إسرائيل للكشف عن مثل هذه المعلومات الاستخباراتية الحساسة – بل وربما حتى المخاطرة بالمصادر المحتملة – تدل على ما يبدو على اعتبارات أكثر خطورة على المحك. السياق هو بطبيعة الحال صراع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ضدّ الموافقة على الاتّفاق النوويّ بين إيران والقوى العظمى الستّ. إحدى حجج إسرائيل الرئيسية ضدّ الاتفاق هي أنّ إزالة العقوبات عن إيران ستؤدي إلى تدفّق مليارات الدولارات إلى سلسلة طويلة من التنظيمات الإرهابية والعصابات التي يموّلها الإيرانيون في جميع أنحاء الشرق الأوسط. قبل إطلاق صواريخ الكاتيوشا من سوريا بيومين زار رئيس الحكومة، وزير الدفاع ورئيس الأركان قيادة المنطقة الشمالية وأجروا رصدا للأراضي اللبنانية. استغلّ نتنياهو الفرصة من أجل نقل أقوال زعماء إيران وحزب الله، الذين وعدوا بمواصلة القتال ضدّ إسرائيل.
رئيس الوزراء الإسرائيلي يتفقد ألأحوال الأمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل (Facebook)
ويؤكّد إطلاق الصواريخ ما علمته الاستخبارات الإسرائيلية مسبقًا: على الرغم من أن الأسد أبقى في يده السيطرة بصعوبة على عُشر الحدود مع إسرائيل في الجولان، وحتى هذه فقط إذا وضعنا في الحسبان إلى جانب الممرّ الذي يربط بين القنيطرة ودمشق أيضًا البؤرة الدرزية في الحضر، فترغب إيران بمواصلة شنّ هجمات صغيرة من هناك ضدّ إسرائيل.
منذ اللحظة التي سُجلت فيها محاولة أخرى كهذه، ضربت إسرائيل ردّا على ذلك بشدّة: سواء الخلية نفسها أو حواجز اللواء 90 التابع للجيش السوري، والتي تسيطر على الطريق الواصل بين دمشق والحدود.
وقد سارعت أيضًا في استغلال الحادثة لتجميع النقاط الإعلامية في حربها ضدّ الاتّفاق النوويّ. والقضية هي أنّ واشنطن لا تتأثر بشكل خاص بهذه الحجة، التي تُعتبر هناك هامشية مقارنة مع ما تصفه حكومة أوباما بالإنجاز الكبير؛ وهو إيقاف البرنامج النووي الإيراني بفضل اتفاق فيينا. يبدو الآن أن نتنياهو يجد صعوبة في تجنيد الدعم الكافي من أعضاء مجلس الشيوخ ضدّ الاتفاق النووي، ولكن هذه قصة أخرى.
نُشر هذا التحليل للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني