تتناول الأوساط الفلسطينية في مدينة القدس، في الأيام الأخيرة قضية التفاهمات الإسرائيلية- الأردنية حول الحرم القدسي الشريف، وكيفية إظهار هشاشة هذه التفاهمات ومدى ابتعادها عن الجوهر السياسي للخلاف الإسرائيلي- الفلسطيني حول الحرم بشكل خاص، والقدس بشكل عام. كما وينتظر الفلسطينيون تحديد التوقيت المناسب “لتحريك” هذا الملف، أو ربما انتظار الاستفزاز الإسرائيلي القادم، لتسريع موجة احتجاجات جديدة تهدف إلى القول إن قضية القدس، والحرم القدسي، لا يمكن اختزالها بكاميرات رقابة، تعزز السيادة الإسرائيلية كما يقول لـ “المصدر” مسؤول فلسطيني.
حسابات سياسية واضحة تمنع القيادة الفلسطينية من التعبير عن غضبها وامتعاضها من هذه التفاهمات، التي وصفها لنا المسؤول الفلسطيني على أنها سخيفة ولا علاقة لها بالواقع، ولا بأرض الواقع، “ولا يمكن حتى الحديث عن كبسولة “أسبيرين” تم إعطاؤها لشخص يعاني من سرطان متقدم”.
وقد رأى الفلسطينيون كيف تعامل الأردن بعدم رضى واضح مع تصريحات وزير خارجية السلطة، رياض المالكي، التي انتقد فيها التفاهمات الإسرائيلية – الأردنية، ليقرروا أن يمتنعوا عن أي سجال سياسي علني في الموضوع، وإعداد الشارع بشكل هادئ للمحطات القادمة.
من وجهة نظر الفلسطينيين، هناك 3 محطات قادمة يمكن أن تؤدي مجددا إلى انفجار الأوضاع في القدس، لتظهر للعالم مدى ضعف هذه التفاهمات. من بين هذه المحطات:
1- بدء إسرائيل بهدم بيوت الفلسطينيين الضالعين في عمليات الطعن التي شهدتها القدس مؤخرا. مسؤولو السلطة لا يقولونها علنا لكنهم يأملون، أنه لو قامت السلطات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات الهدم، أن يهب الشارع المقدسي مجددا ليقول إن الحرم، رغم قدسيته، هو جزء من المشكلة وليس كل المشكلة، وأن في هذه الحالة الكاميرات، حتى لو كانت بتقنية عالية، إسرائيلية الصنع أو يابانية الصنع، لن تمنع الناس من التعبير عن رفضهم للاحتلال وللمخططات الإسرائيلية المتعلقة بأحياء المدينة الشرقية.
2- عمليات سحب الهوية من سكان المدينة الفلسطينيين. بطاقة الهوية الإسرائيلية هي الوثيقة والوسيلة التي تتيح للمقدسي التحرك والتعليم والعمل. ويعني سحبها أن المقدسي سيكون مقيّدا في كافة تحركاته وبالتالي إنْ بدأت السلطات الإسرائيلية بعمليات سحب للهويات فإن هذا قادر على تحريك الشارع.
3- المحطة الثالثة هي قضية جثامين الفلسطينيين التي لا زالت إسرائيل تحتجزها. هذه القضية يعتقد أبناء فتح والسلطة في القدس، أنهم قادرون على تحريك الشارع حولها في اللحظة المناسبة.
فتح وقواعدها، كذلك السلطة الفلسطينية وفصائلها، غير راضين عن تفاهمات إسرائيل والأردن، وينتظرون اللحظة المناسبة “لنري الجميع أن هذه التفاهمات لا تتعدى كونها مهزلة، لا تُلزم الشارع الفلسطيني. قد نكون غُيّبنا في الاتصالات حول الحرم القدسي، لكن فيما يتعلق بالشارع لا يمكن تغييبنا، لأننا الطرف الموجود في الشارع والطرف القادر على تحريك الشارع”، يقول المسؤول الفلسطيني.
جانب من الحرم القدسي الشريف (Yossi Zamir/FLASH90)
ويشير المسؤول إلى أن السلطة لم تتخذ قرارا بإثارة الشارع الفلسطيني لضرب هذه التفاهمات، “لكن البركة في إسرائيل. نحن على ثقة أنه طالما هناك عقلية احتلالية، فغدًا أو بعد غد، سيحاول معتوه إسرائيلي اقتحام الحرم والصلاة فيه، أو سيقوم شرطي إسرائيلي بالاعتداء على فلسطيني أو فلسطينية، أو ستقوم السلطات الإسرائيلية بتنفيذ تهديداتها بسحب الهوية، وهدم البيوت، والتلاعب في قضية جثامين الشهداء؛ كل واحد من هذه الأمور كفيل بتحريك الشارع مجددا. ونحن رأينا كيف حينما حاول نتنياهو وضع الحواجز، تعرض لانتقادات اليمين، واتّهم بتقسيم القدس، لذلك الحواجز لم تكن الحل، كما أن الكاميرات لن تكون الحل. أزقة البلدة القديمة كلها خاضعة للكاميرات، هل منعت هذه الكاميرات ممن يفكر بالقيام بعملية الطعن، هل منعته من أن ينفذ عمليته؟ معنى هذا الحديث أن المسكنات والحلول الأمنية قد تثبت نجاعتها لبعض الوقت، لكن لن تكون أبدا هي الحل”.
ويهدف الفلسطينيون من تحركاتهم المستقبلية، “المدعومة من الشارع”، إلى أن يقولوا إن ملف القدس والحرم القدسي الشريف، هو ليس ملفا أمنيا إضافيا في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. هدف الفلسطينيين هو أن “تفهم الأطراف كافة أن الفلسطينيين، هم لاعب أساسي في القدس، وفي الحرم القدسي الشريف”، بحسب مسؤول مقدسي. ويرى المسؤول “أن عدم نجاح السلطة في أن يتم اعتبارها لاعبا رئيسيا في هذا الملف، لا يعني، ولن يعني، أننا تنازلنا عن سيادتنا على الحرم، وعن دورنا في الحرم وفي مجمل قضايا القدس الشرقية”.
التفاهمات غير المكتوبة بين إسرائيل والأردن، والاتفاقيات السياسية الموقعة بين الطرفين، تمنح للأردن أولوية ومسؤولية عن المقدسات في القدس، لكن ما حصل في الأيام الأخيرة، شكل صدمة للفلسطينيين: ليس فقط تم تحييدهم كليا عن الملف، ولكن تم التعاطي معه على أنه نقطة احتكاك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أي تم التعاطي معه كما يتم التعاطي مع أي نقطة تماس شائكة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
“في بعض مواقع الاحتكاك، وضع الإسرائيليون أسلاك شائكة، وفي مناطق أخرى أقاموا جدارا، وفي الحرم سيضعون كاميرات، هذه الحلول يمكن أن يقبل بها من لا يعيش الوضع على حقيقته، لذلك لا يمكن لنا السكوت على ما حصل. أنا لا أدعو إلى مواجهة فلسطينية – أردنية، فالأردن داعم استراتيجي لنا في الكثير من القضايا، لكن يجب مراجعة كافة التوازنات في ملف المقدسات، وملف القدس بشكل عام. القدس، بإجماع العرب، هي عاصمة الدولة الفلسطينية، والحرم جزء من القدس، وليس من المريخ، وبالتالي لا يمكن التعاطي معه أو فصله عن جواره كأحد أبرز نقاط الخلاف بيننا وبين الإسرائيليين. على إخواننا في المملكة أن لا يسمحوا لإسرائيل بالاستمرار في المناورة بيننا واللعب على وتر المنافسة الأردنية – الفلسطينية في ما يتعلق بالحرم والمقدسات، لأن للأسف هذا ما حصل الأسبوع الماضي، ونحن على قناعة أن الأمور لن تبقى على حالها”.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني