الطريق للشفاء

موشيه عصيون (لقطة شاشة)
موشيه عصيون (لقطة شاشة)

خسر ابنه بسبب قذيفة وينقذ حياة أطفال غزة

والد إسرائيلي عمره 84 عاما، ثكل ابنه يتطوع من أجل مرافقة الأطفال الفلسطينيين المرضى ومساعدتهم يوميا على الانتقال من قطاع غزة إلى المتشفيات الإسرائيلية

موشيه عصيون عمره 84 عاما من كيبوتس نيريم بالقرب من الحدود مع قطاع غزة. رغم عمره المتقدم فهو يستيقظ في الصباح باكرا، ويسافر إلى معبر إيريز (بيت حانون) عند مدخل قطاع غزة، وينقل مجانا متلقي علاج فلسطينيين من قطاع غزة إلى مستشفيات إسرائيلية لتلقي العلاج.

ولكن هناك شيئا واحدا لا تعرفه عنه العائلات الفلسطينية التي يساعدها يوميا. فقبل ثلاث سنوات، قُتِل ابنه بعد أن تعرض لقذيفة أطلِقت من قطاع غزة باتجاه كيبوتس نيريم الذي يسكن فيه.

“بعد أن قُتِل ابني، كانت أمامي إمكانيتان، أو أن أعاني من الاكتئاب أو أن أمارس حياتي كالمعتاد”، هذا ما قاله موشيه للقناة الإسرائيلية العاشرة. فمن جهته، العمل وفق مبادئ يؤمن بها، ومساعدة الأطفال المرضى، يشكلان أحد المبادئ الأساسية الهامة للعودة إلى الحياة العادية.

“كنت مستعدا للقيام بهذا العمل سابقا وحاليا أيضًا. هؤلاء الأطفال ليسوا مذنبين. أعتقد أن مساعدة الأعداء أيضا هو عمل جميل جدا. فنحن في الواقع ننقل الجرحى السوريين ونقدم لهم علاجا. فهذا عمل إنساني”، قال عصيون مضيفا: “كان ابني متطوعا من أجل كل عمل خيري، وأنا على قناعة أنه لو كان عليه تقديم المساعدة للأطفال المرضى، فكان سيستجيب مثلي”.

اقرأوا المزيد: 174 كلمة
عرض أقل
عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي
عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي

عندما التقيت لأول مرة عائلة فلسطينية، بطريقنا إلى مُستشفى إسرائيلي

مُتطوعون إسرائيليون يساعدون مرضى فلسطينيين بطريقهم إلى مُستشفى في إسرائيل، على أمل خلق واقع مُختلف بين الشعبين

الساعة قُبيل السادسة صباحًا، أقود سيارتي شرقًا، حيث بدأت تُشرق الشمس  وترسم خطًا برتقالي اللون فوق جبال الضفة الغربية. عندما وصلت إلى حاجز إيال، قرب قلقيلية، شاهدت عشرات، وربما المئات، من العمال الفلسطينيين ينتظرون بداية يوم عمل جديد. بعضهم يلتفون حول المواقد، يُحضرون القهوة لتبعث بهم الدفء في هذا الصباح البارد. ينتظرون المقاول، ليُقلهم، أو أي مواطن إسرائيلي، عشوائي، يأتي باحثًا عن عُمال، على أمل أن يترزقوا.

ظهرتُ في المنطقة، وخلال دقيقة استطاعوا تمييزي. توجه طفلان إلى سيارتي، كان الولد مع أمه والبنت مع والدها. “إلى شيبا”؟، سألوني. أومأت برأسي، خرجت من السيارة وحييتهم بتحية “صباح الخير”. بعد تثبيت الطفلين بكرسي الأمان، أجريت مكالمة قصيرة للتأكد من أن هؤلاء هم من علي أن أُقلهم، وانطلقنا باتجاه المُستشفى.

بدأتُ التطوع في جمعية “الطريق للشفاء”، التي تقوم بتوصيل مرضى فلسطينيين إلى المُستشفيات الإسرائيلية، في الصيف الماضي. في غزة اندلعت حرب، وفي إسرائيل زادت درجة الكراهية بشكل كبير، وأنا بحثت عن طريقة أحاول تحسين الوضع من خلالها أو أن أخفف من ذلك الشعور السيء تجاه نفسي. شاهدت في أحدى الأيام، صدفة، فيديو على موقع فيس بوك يصف الطريق التي يقطعها يوفال روت، مؤسس الجمعية، مع أفنان – طفلة رائعة وذكية، من المُستشفى في حيفا، الذي مكثت فيه لأشهر طويلة بسبب مرض السرطان، عودة إلى بيتها في غزة. إنما بسبب إطلاق الصواريخ من غزة، تم إغلاق المعبر في ذلك الصباح، وانتظرت أفنان فتح المعبر مع يوفال، وأطفال كيبوتس حتسيريم، في الملجأ المُحصن ضد الصواريخ، إلى أن أُعيد فتح المعبر وعادت أفنان إلى بيتها لترى أُمها وأشقاءها اللذين لم تشاهدهم منذ مدة طويلة.

مؤسس الجمعية: “أؤمن من صميم قلبي بالحاجة، والفرصة المتاحة للطرفين بلقاء حميم وأصيل، يُحطم الحواجز والعقبات، الأمر الذي يُقرّب القلوب ويفتح بابًا للتصالح.”

ذلك الفيديو لامسني في الصميم. إن العلاقة الخاصة بين يوفال، الذي أخذ على عاتقه عملية النقل، والطفلة المريضة، التي أثرت بي كثيرًا، حقيقة أن كل واحد من الشخصين لديه أصدقاء ومعارف في الطرف الآخر، وإدراك أن المساعدة التي يُقدمها يوفال للمرضى وعائلاتهم أغلى من أي شيء آخر، كل تلك الأمور قادتني للتواصل مع يوفال. وجدت نفسي، بعد أيام من ذلك، على حاجز قرب نعلين، أُقلُ المرضى بنفسي.

مُذاك الحين، مرة كل أسبوع أو أسبوعين، كنت أستيقظ باكرًا وأُسافر إلى الحاجز، ومن هناك إلى المُستشفى وأعود إلى البيت أو العمل. يتغيّر الأطفال وعائلاتهم دائمًا، أتمكن من التحدث مع بعضهم قليلاً، وأهتم بقصتهم، من أين أتوا، منذ متى يتعالجون. وآخرون يكونون هادئين، خجولين، لا يقولون كلمة واحدة حتى نصل المُستشفى، هناك فقط يشكرونني بتواضع وبنظرات مُمتنة. ينام الأطفال أحيانًا في المقعد الخلفي، يكون الأهل مُنشغلين بالمكالمات، تنسيق ومُتابعة الأمور. أحيانًا أحظى بنقل أشخاص سبق أن نقلتهم، يبتهج الأهل أيضًا عندما يرون وجوهًا يعرفونها، وأنا أشعر بالسعادة، وفي أفضل الحالات، حين أرى تحسنًا في حالتهم.

أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى "هداسا"
أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى “هداسا”

كثيرًا ما أحظى بعناق دافئ أو بالدعاء لي بالتوفيق والوفرة. تملأني مشاعر الامتنان الصادقة تلك كل مرة من جديد، وتُذكّرني بمدى أهمية عمل الخير الذي أقوم به. يصنع اللقاء المُباشر والبسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين أشياء عجيبة برأيي. أنا، الذي عشت طوال حياتي على بعد 10 دقائق من الفلسطينيين، تعرفت بأربعة منهم أو خمسة. التقيت في السنة الأخيرة عشرات الفلسطينيين، الذين تفاعلتُ جدًا معهم، رأيت كيف يصارعون كل يوم من أجل حياتهم، في واقع صعب، وهم لا يريدون إلا أن يمنحوا أولادهم حياة ومُستقبلاً. حطم لقائي بهم الكثير من الصور المأخوذة عنهم، الأفكار المُسبقة وحتى المخاوف التي كانت تعتريني تجاه الفلسطينيين.

من جهة أخرى، يُظهر التطوع في الجمعية للكثير من الفلسطينيين، أن الإسرائيليين الوحيدين الذين سبق أن رأوهم هم فقط الجنود على ما يبدو، وربما بعض المستوطنين، وأن هناك إسرائيليين آخرين، ليسوا عنيفين، وليسوا عنصريين. يحبون المساعدة، مُكترثون، إنسانيون. في الحديث الذي خضته مع موسى (اسم مُستعار)، والد طفل يعاني من مرض السرطان؛ من رام الله، الذي أوصلته إلى المُستشفى، اكتشفت مدى أهمية ذلك.. هو ذاته يعمل في المنطقة الصناعية باركان، مع اليهود، بينما زوجته، التي ظلت تجلس هادئة خلال الرحلة، لم تلتق من قبل يهودًا إلى أن اضطرت لمرافقة ابنتها إلى مُستشفى في إسرائيل.

أب فلسطيني لبنت مريضة: “في المستشفى تجد نفسك متساويًا مع الجميع، لا يسألونك من أين أنت، إن كنت يهوديًا، مسيحيًا أو مُسلمًا. عند المعاناة والألم كلنا سواسية، وكلنا أخوة”

قال إنه في المستشفى، يتعامل الإسرائيليون معهم كبشر. هناك تجد نفسك متساويًا مع الجميع، لا يسألونك من أين أنت، إن كنت يهوديًا، مسيحيًا أو مُسلمًا. “قرب سرير ابنتي كان هناك طفل مسيحي وطفلين يهوديين في الغرفة المجاورة.عند المعاناة والألم كلنا سواسية، وكلنا أخوة”. معرفة أن أول إسرائيليين التقتهم الزوجة كانوا أشخاصًا طيبين ساعدوها، رسمت ابتسامة على وجهي.

قال لي الأب خلال الرحلة إنه قبل أن يلتقي مُمثلي الجمعية، الذين توجهوا إليه في المُستشفى، كان يدفع 400 شاقل (أكثر من مئة دولار) فقط مقابل السفريات، في كل مرة كانوا يضطرون للذهاب إلى المُستشفى، ما جعل كل ذلك الأمر أكثر من مُجرد تعب نفسي وجسدي، بل أيضًا اقتصادي. لم يسمع عن الجمعية من قبل، مثله مثل الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين، وتفاجأ عندما قلت له إن كل ذلك يتم بشكل تطوعي كامل، في الوقت المتاح لدى المتطوعين، ودون مقابل. في إحدى المرات، يروي، وصل هو وزوجته وابنته لتلقي العلاج، بعد أن أوصلا بناتهما الثلاث إلى مدارسهن، إنما بعد أن اجتازوا الحاجز اكتشفوا أنه يوجد في السيارة طفل آخر مريض مع والده، حيث بقي فقط هناك مكان واحد للأم ولابنتها. عندما قال إنه سيأخذ سيارة أُجرة ليلحق بهما، أخرجت المتطوعة مباشرة تكلفة السفر من جيبها وصممت على أن يأخذ المال كهدية. حتى هذا اليوم، كما يقول، يتمنى أن يلتقيها ثانية ليُعطيها المال، أو لكي يشكرها ثانية.

أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى "هداسا"
أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى “هداسا”

عدد المتطوعين في الجمعية أكثر من 500 وكل واحد منهم يختلف عن الآخر. هنالك متقاعدون، شبان، أهل، من كل أطياف المجتمع الإسرائيلي، من كل أنحاء البلاد. تقوم الجمعية بنحو 3,600 عملية توصيل تقريبًا في العام، ودائمًا من الحاجز إلى المُستشفيات المختلفة في إسرائيل. بدأ مؤسس الجمعية، يوفال روت، نشاطه بالصدفة المحضة. حدثني عن بداية ذلك في مقابلة لي معه:

“أنا عضو في منتدى العائلات الفلسطينية والإسرائيلية الثكلى من أجل التصالح والتسامح والسلام. انضممت إلى المنتدى قبل 15 عامًا على إثر مأساة فقدت فيها شقيقي أودي أثناء أدائه الخدمة الاحتياطية. استجبت قبل 10 سنوات لطلب عضو معنا في المنتدى الفلسطيني، من قرية يعبد، حيث طلب مني أن أُقل شقيقه إلى أحد المستشفيات في حيفا. ومن هنا بدأت تتطور الأمور. قام بتوجيه المزيد من العائلات إليّ، من العائلات التي كانت بحاجة لمساعدة، صار رقم هاتفي ينتقل بين المرضى، على اختلافهم. حين أدركت بأنني لا أستطيع أن أستجيب وحدي لكل الطلبات، طلبت المساعدة في البداية من الأشخاص القريبين مني وبالتدريج بدأت تتبلور مجموعة من المتطوعين المساعدين.

“يُظهر التطوع في الجمعية للكثير من الفلسطينيين، أن هناك إسرائيليين آخرين، ليسوا عنيفين، وليسوا عنصريين، يحبون المساعدة”

يتم تلقي المعلومات عن المرضى من خلال عاملين في المستشفى، ويعمل المتطوعون وفق المعلومات التي تصلهم أو بعد نشر أخبار في وسائل الإعلام. تتلقى الجمعية تبرعات أيضًا، تُساعد المعنيين بنقل المرضى والذين لا يستطيعون تحمل أعباء الوقود، وتُستغل التبرعات أيضًا للمساعدة في تكاليف العلاج وأيام استجمام للمرضى وعائلاتهم.

“أؤمن من صميم قلبي بالحاجة، والفرصة المتاحة للطرفين بلقاء حميم وأصيل، يُحطم الحواجز والعقبات، الأمر الذي يُقرّب القلوب ويفتح بابًا للتصالح”. قال لي يوفال. “ليس هناك أي شيء مشابه، في ظل الواقع المُعقّد الذي نعيشه، لهذا النشاط بمعنى اللقاء الإنساني، على مستوى لقاء بين البشر. لا يسعني أن أذكر كل كلمات الشكر والمشاعر الطيبة من جهة المتطوعين على هذه الفرصة التي منحتهم إياها الجمعية، والامتنان من جهة المرضى أيضًا، هذه حقائق تمنحني القوة والدعم لأُكمل رغم كل الصعوبات”.

مقال عن مؤسس الجمعية، يوفال روت، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2009
مقال عن مؤسس الجمعية، يوفال روت، في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عام 2009

في الختام روى لي حكاية لا تنفك تؤثر بي مرارًا وتكرارًا. “كان رزق خريبات، مواطن من قرية في جبال الخليل، يعاني من سرطان وقد ساعده متطوعو الجمعية بالوصول من معبر ترقوميا إلى مُستشفى شيبا، لأكثر من عام. تُوفي، للأسف الشديد. ذهبنا، قبل شهرين، كممثلين عن الجمعية لتعزية العائلة بوفاته. لم يعرف ولداه، وسام ومحمود، كيف يشكراننا على المساعدة التي تلقاها والداهما من الجمعية، وعبّرا عن رغبتهما بمساعدة الجمعية بأية طريقة. أول فكرة اقترحتها عليهما هي إنشاء جمعية فلسطينية موازية لنا تساعد المرضى داخل الأراضي المُحتلة للوصول إلى المعبر من الجانب الفلسطيني.

لا تزال الفكرة، بالطبع، بحاجة إلى التطوير إلا أن الشيء المؤثر في القصة هو تعهدهما، وعندما ودعناهما أقسما لنا بأن العلاقة التي نشأت بيننا وبينهما، بعيدًا عن مسألة توصيل المرضى، ستستمر. بالنسبة لي هذه هي خلاصة القصة”.

يبدو أن شعار الجمعية – “الطريق للشفاء، الطريق للسلام والمصالحة – الإنسانيّة قبل السياسة”، هو أكثر بكثير من مجرد شعار آخر. تحوّل ذلك إلى واقع.

إن أردتم التبرع للجمعية، يمكنكم أن تفعلوا ذلك هنا، أو من خلال الموقع الرسمي للجمعية.

اقرأوا المزيد: 1321 كلمة
عرض أقل
المقالات الأبرز في عام 2015
المقالات الأبرز في عام 2015

هيئة “المصدر” تختار المقالات الأبرز في عام 2015

هيئة تحرير "المصدر" تختار المقالات الأبرز لعام 2015 وتُقدّم لكم لمحة عن المواضيع التي أثارت وصنعت السنة الماضية

31 ديسمبر 2015 | 12:34

أحمد الطفل السوري- عامر دكة

أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)
أحمد الطفل السوري من مدينة درعا يتلقى علاج في مستشفس إسرائيلي (Noam Moskowitz)

اخترتُ هذا العام التركيز تحديدا على الموضوع الأكثر تغطية في العالم: الحياة الجهنّمية التي يعيشها اللاجئون السوريون في أنحاء العالم. إذ تُحطّم الحرب الأهلية السورية كل جزء صغير من الإنسانية، وتفكك صعوبات الوصول إلى الحرية الأسر والعالم صامت.

زرتُ هذا العام بعض الجرحى السوريين في مستشفى المدينة الإسرائيلية الشمالية، صفد، على الحدود السورية الإسرائيلية، حيث يتلقى هناك الكثير منهم علاجا طبيًا متواصلا حتى شفائهم وإعادتهم إلى بلادهم. والتقيتُ أثناء زيارتي بالعديد من الأسر الثكلى، وشهدتُ حزنا كبيرا وعيونا يائسة. لا تزال شقاوة الطفل أحمد، الذي تهشّمت ساقه تماما من قذيفة ألقاها نظام الأسد في فناء منزله بدرعا، مؤثرة فيّ روحيًا ونفسيًّا. من كان يصدّق أنه بعد عشرات السنين من العداء بين إسرائيل وسوريا تُفتح الأبواب وتسقط الحواجز وينجح طفل واحد، لم يبق له الكثير في هذه الحياة، في الوقوف على رجليه بل ويطلب مني أن ألعب معه بالكرة. شقاوة تلك الولد هي بمثابة بصيص من الأمل في نظري.

الضابط الإسرائيلي الذي أنقذ حياة منفّذ عملية الطعن الفلسطيني في الضفة الغربية – يؤاف شاحام

"كان من المهم لدينا أن نعالجه بسرعة، فكل ثانية كانت حاسمة جدّا" (IDF)
“كان من المهم لدينا أن نعالجه بسرعة، فكل ثانية كانت حاسمة جدّا” (IDF)

جعلت الانتفاضة التي ضربت جميع أنحاء الضفة الغربية ودولة إسرائيل في الثلث الأخير من عام 2015 ملايين الناس يواجهون حالات صعبة تتطلّب اتخاذ قرارات مثيرة للجدل. على سبيل المثال، الحالة التي واجهها الملازم أول موشيه كوهين، في الجيش الإسرائيلي، وهو المسؤول الطبي الإقليمي عن منطقة شمال الضفة الغربية. لقد سارع الملازم كوهين والطاقم الطبي إلى معالجة الجرحى في ساحة عملية إرهابية في الضفة الغربية، واكتشفوا أنّ الجريح الأكثر تضرّرا في المكان هو فلسطيني حاول طعن الجنود. في مقابلة خاصة بموقع “المصدر” سألنا كوهين: هل فكرت أثناء تقديمك العلاج للشاب بأنّك تعالج شخصا حاول قتل إسرائيليين؟ فأجاب: “في اللحظة التي تعالج فيها شخصا ما تتركز فقط بما تعلّمت، كيف تعالجه، وليس بأي شيء آخر. ولا تنشغل بأي شيء آخر إطلاقا”.‎ ‎

يهود وفلسطينيون في الطريق نحو الشفاء- هداس هروش

عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي
عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي

اخترتُ مقالا كتبته كعامود شخصي شاركتُ فيه القراء تجربتي أثناء تطوّعي في جمعية “الطريق نحو الشفاء”. كان التطوّع في الجمعية أحد الأشياء الأكثر أهمية مما قمتُ به في السنة الماضية، وفي نظري، فالمقال ينقل جيّدا الأهمية الكبيرة لنشاط الجمعية: سواء كان يجري الحديث عن مساعدة المرضى، أو اللقاء المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كبشر يلتقون معا، وليس كأعداء من جانبي الصراع الذي لا ينتهي بين الشعبين. لقد أثار المقال، الذي كان مهمّا جدّا بالنسبة لي، ردود فعل عديدة، وأثّر فيّ أحدها بشكل خاصّ، عندما تحدث مواطن غزّي كيف تلقى المساعدة من الجمعية عندما احتاج إلى علاجات طبية في إسرائيل. وكلي أمل أن يقرأ المزيد والمزيد من الناس هذا المقال، ينشروه، ويدركوا أننا جميعا في الشرق الأوسط بشر، وإذا استطعنا أن نساعد بعضنا البعض بدلا من إيذاء كل منا الآخر، فستكون الحياة هنا أجمل بكثير.

“بروفايل” دونالد ترامب- المصدر

المرشح الجمهوري دونالد ترامب (AFP)
المرشح الجمهوري دونالد ترامب (AFP)

لماذا “بروفايل” المرشح الرئاسي دونالد ترامب مهم؟ لأن الرجل منذ أن دخل حلبة الانتخابات الأمريكية، بات يتصدر العناوين في أمريكا والعالم دون انقطاع. فقد استطاع ترامب خلال عام ‏2015‏، بتصريحاته المثيرة ومواقفه العنصرية وأسلوبه الغريب، أن يتحول إلى ظاهرة إعلامية بارزة. ولا ننسى تفوقه في استطلاعات الرأي الأمريكية. طبعا لن ينتهي الحديث عن ترامب بانتهاء العام الجاري، لأنه سيرافقنا خلال عام ‏2016‏. ومن يدري؟ ربما يصبح – في حين تفوق على خصومه في الحزب الجمهوري- رئيسا لأمريكا!

اقرأوا المزيد: 502 كلمة
عرض أقل
عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي
عائلة فلسطينية بطريقها إلى مُستشفى إسرائيلي

عندما التقيت لأول مرة عائلة فلسطينية، بطريقنا إلى مُستشفى إسرائيلي

مُتطوعون إسرائيليون يساعدون مرضى فلسطينيين بطريقهم إلى مُستشفى في إسرائيل، على أمل خلق واقع مُختلف بين الشعبين

الساعة قُبيل السادسة صباحًا، أقود سيارتي شرقًا، حيث بدأت تُشرق الشمس  وترسم خطًا برتقالي اللون فوق جبال الضفة الغربية. عندما وصلت إلى حاجز إيال، قرب قلقيلية، شاهدت عشرات، وربما المئات، من العمال الفلسطينيين ينتظرون بداية يوم عمل جديد. بعضهم يلتفون حول المواقد، يُحضرون القهوة لتبعث بهم الدفء في هذا الصباح البارد. ينتظرون المقاول، ليُقلهم، أو أي مواطن إسرائيلي، عشوائي، يأتي باحثًا عن عُمال، على أمل أن يترزقوا.

ظهرتُ في المنطقة، وخلال دقيقة استطاعوا تمييزي. توجه طفلان إلى سيارتي، كان الولد مع أمه والبنت مع والدها. “إلى شيبا”؟، سألوني. أومأت برأسي، خرجت من السيارة وحييتهم بتحية “صباح الخير”. بعد تثبيت الطفلين بكرسي الأمان، أجريت مكالمة قصيرة للتأكد من أن هؤلاء هم من علي أن أُقلهم، وانطلقنا باتجاه المُستشفى.

بدأتُ التطوع في جمعية “الطريق للشفاء”، التي تقوم بتوصيل مرضى فلسطينيين إلى المُستشفيات الإسرائيلية، في الصيف الماضي. في غزة اندلعت حرب، وفي إسرائيل زادت درجة الكراهية بشكل كبير، وأنا بحثت عن طريقة أحاول تحسين الوضع من خلالها أو أن أخفف من ذلك الشعور السيء تجاه نفسي. شاهدت في أحدى الأيام، صدفة، فيديو على موقع فيس بوك يصف الطريق التي يقطعها يوفال روت، مؤسس الجمعية، مع أفنان – طفلة رائعة وذكية، من المُستشفى في حيفا، الذي مكثت فيه لأشهر طويلة بسبب مرض السرطان، عودة إلى بيتها في غزة. إنما بسبب إطلاق الصواريخ من غزة، تم إغلاق المعبر في ذلك الصباح، وانتظرت أفنان فتح المعبر مع يوفال، وأطفال كيبوتس حتسيريم، في الملجأ المُحصن ضد الصواريخ، إلى أن أُعيد فتح المعبر وعادت أفنان إلى بيتها لترى أُمها وأشقاءها اللذين لم تشاهدهم منذ مدة طويلة.

مؤسس الجمعية: “أؤمن من صميم قلبي بالحاجة، والفرصة المتاحة للطرفين بلقاء حميم وأصيل، يُحطم الحواجز والعقبات، الأمر الذي يُقرّب القلوب ويفتح بابًا للتصالح.”

ذلك الفيديو لامسني في الصميم. إن العلاقة الخاصة بين يوفال، الذي أخذ على عاتقه عملية النقل، والطفلة المريضة، التي أثرت بي كثيرًا، حقيقة أن كل واحد من الشخصين لديه أصدقاء ومعارف في الطرف الآخر، وإدراك أن المساعدة التي يُقدمها يوفال للمرضى وعائلاتهم أغلى من أي شيء آخر، كل تلك الأمور قادتني للتواصل مع يوفال. وجدت نفسي، بعد أيام من ذلك، على حاجز قرب نعلين، أُقلُ المرضى بنفسي.

مُذاك الحين، مرة كل أسبوع أو أسبوعين، كنت أستيقظ باكرًا وأُسافر إلى الحاجز، ومن هناك إلى المُستشفى وأعود إلى البيت أو العمل. يتغيّر الأطفال وعائلاتهم دائمًا، أتمكن من التحدث مع بعضهم قليلاً، وأهتم بقصتهم، من أين أتوا، منذ متى يتعالجون. وآخرون يكونون هادئين، خجولين، لا يقولون كلمة واحدة حتى نصل المُستشفى، هناك فقط يشكرونني بتواضع وبنظرات مُمتنة. ينام الأطفال أحيانًا في المقعد الخلفي، يكون الأهل مُنشغلين بالمكالمات، تنسيق ومُتابعة الأمور. أحيانًا أحظى بنقل أشخاص سبق أن نقلتهم، يبتهج الأهل أيضًا عندما يرون وجوهًا يعرفونها، وأنا أشعر بالسعادة، وفي أفضل الحالات، حين أرى تحسنًا في حالتهم.

أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى "هداسا"
أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى “هداسا”

كثيرًا ما أحظى بعناق دافئ أو بالدعاء لي بالتوفيق والوفرة. تملأني مشاعر الامتنان الصادقة تلك كل مرة من جديد، وتُذكّرني بمدى أهمية عمل الخير الذي أقوم به. يصنع اللقاء المُباشر والبسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين أشياء عجيبة برأيي. أنا، الذي عشت طوال حياتي على بعد 10 دقائق من الفلسطينيين، تعرفت بأربعة منهم أو خمسة. التقيت في السنة الأخيرة عشرات الفلسطينيين، الذين تفاعلتُ جدًا معهم، رأيت كيف يصارعون كل يوم من أجل حياتهم، في واقع صعب، وهم لا يريدون إلا أن يمنحوا أولادهم حياة ومُستقبلاً. حطم لقائي بهم الكثير من الصور المأخوذة عنهم، الأفكار المُسبقة وحتى المخاوف التي كانت تعتريني تجاه الفلسطينيين.

من جهة أخرى، يُظهر التطوع في الجمعية للكثير من الفلسطينيين، أن الإسرائيليين الوحيدين الذين سبق أن رأوهم هم فقط الجنود على ما يبدو، وربما بعض المستوطنين، وأن هناك إسرائيليين آخرين، ليسوا عنيفين، وليسوا عنصريين. يحبون المساعدة، مُكترثون، إنسانيون. في الحديث الذي خضته مع موسى (اسم مُستعار)، والد طفل يعاني من مرض السرطان؛ من رام الله، الذي أوصلته إلى المُستشفى، اكتشفت مدى أهمية ذلك.. هو ذاته يعمل في المنطقة الصناعية باركان، مع اليهود، بينما زوجته، التي ظلت تجلس هادئة خلال الرحلة، لم تلتق من قبل يهودًا إلى أن اضطرت لمرافقة ابنتها إلى مُستشفى في إسرائيل.

أب فلسطيني لبنت مريضة: “في المستشفى تجد نفسك متساويًا مع الجميع، لا يسألونك من أين أنت، إن كنت يهوديًا، مسيحيًا أو مُسلمًا. عند المعاناة والألم كلنا سواسية، وكلنا أخوة”

قال إنه في المستشفى، يتعامل الإسرائيليون معهم كبشر. هناك تجد نفسك متساويًا مع الجميع، لا يسألونك من أين أنت، إن كنت يهوديًا، مسيحيًا أو مُسلمًا. “قرب سرير ابنتي كان هناك طفل مسيحي وطفلين يهوديين في الغرفة المجاورة.عند المعاناة والألم كلنا سواسية، وكلنا أخوة”. معرفة أن أول إسرائيليين التقتهم الزوجة كانوا أشخاصًا طيبين ساعدوها، رسمت ابتسامة على وجهي.

قال لي الأب خلال الرحلة إنه قبل أن يلتقي مُمثلي الجمعية، الذين توجهوا إليه في المُستشفى، كان يدفع 400 شاقل (أكثر من مئة دولار) فقط مقابل السفريات، في كل مرة كانوا يضطرون للذهاب إلى المُستشفى، ما جعل كل ذلك الأمر أكثر من مُجرد تعب نفسي وجسدي، بل أيضًا اقتصادي. لم يسمع عن الجمعية من قبل، مثله مثل الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين، وتفاجأ عندما قلت له إن كل ذلك يتم بشكل تطوعي كامل، في الوقت المتاح لدى المتطوعين، ودون مقابل. في إحدى المرات، يروي، وصل هو وزوجته وابنته لتلقي العلاج، بعد أن أوصلا بناتهما الثلاث إلى مدارسهن، إنما بعد أن اجتازوا الحاجز اكتشفوا أنه يوجد في السيارة طفل آخر مريض مع والده، حيث بقي فقط هناك مكان واحد للأم ولابنتها. عندما قال إنه سيأخذ سيارة أُجرة ليلحق بهما، أخرجت المتطوعة مباشرة تكلفة السفر من جيبها وصممت على أن يأخذ المال كهدية. حتى هذا اليوم، كما يقول، يتمنى أن يلتقيها ثانية ليُعطيها المال، أو لكي يشكرها ثانية.

أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى "هداسا"
أطفال مرضى ومُتطوعون إسرائيليون في مستشفى “هداسا”

عدد المتطوعين في الجمعية أكثر من 500 وكل واحد منهم يختلف عن الآخر. هنالك متقاعدون، شبان، أهل، من كل أطياف المجتمع الإسرائيلي، من كل أنحاء البلاد. تقوم الجمعية بنحو 3,600 عملية توصيل تقريبًا في العام، ودائمًا من الحاجز إلى المُستشفيات المختلفة في إسرائيل. بدأ مؤسس الجمعية، يوفال روت، نشاطه بالصدفة المحضة. حدثني عن بداية ذلك في مقابلة لي معه:

“أنا عضو في منتدى العائلات الفلسطينية والإسرائيلية الثكلى من أجل التصالح والتسامح والسلام. انضممت إلى المنتدى قبل 15 عامًا على إثر مأساة فقدت فيها شقيقي أودي أثناء أدائه الخدمة الاحتياطية. استجبت قبل 10 سنوات لطلب عضو معنا في المنتدى الفلسطيني، من قرية يعبد، حيث طلب مني أن أُقل شقيقه إلى أحد المستشفيات في حيفا. ومن هنا بدأت تتطور الأمور. قام بتوجيه المزيد من العائلات إليّ، من العائلات التي كانت بحاجة لمساعدة، صار رقم هاتفي ينتقل بين المرضى، على اختلافهم. حين أدركت بأنني لا أستطيع أن أستجيب وحدي لكل الطلبات، طلبت المساعدة في البداية من الأشخاص القريبين مني وبالتدريج بدأت تتبلور مجموعة من المتطوعين المساعدين.

“يُظهر التطوع في الجمعية للكثير من الفلسطينيين، أن هناك إسرائيليين آخرين، ليسوا عنيفين، وليسوا عنصريين، يحبون المساعدة”

يتم تلقي المعلومات عن المرضى من خلال عاملين في المستشفى، ويعمل المتطوعون وفق المعلومات التي تصلهم أو بعد نشر أخبار في وسائل الإعلام. تتلقى الجمعية تبرعات أيضًا، تُساعد المعنيين بنقل المرضى والذين لا يستطيعون تحمل أعباء الوقود، وتُستغل التبرعات أيضًا للمساعدة في تكاليف العلاج وأيام استجمام للمرضى وعائلاتهم.

“أؤمن من صميم قلبي بالحاجة، والفرصة المتاحة للطرفين بلقاء حميم وأصيل، يُحطم الحواجز والعقبات، الأمر الذي يُقرّب القلوب ويفتح بابًا للتصالح”. قال لي يوفال. “ليس هناك أي شيء مشابه، في ظل الواقع المُعقّد الذي نعيشه، لهذا النشاط بمعنى اللقاء الإنساني، على مستوى لقاء بين البشر. لا يسعني أن أذكر كل كلمات الشكر والمشاعر الطيبة من جهة المتطوعين على هذه الفرصة التي منحتهم إياها الجمعية، والامتنان من جهة المرضى أيضًا، هذه حقائق تمنحني القوة والدعم لأُكمل رغم كل الصعوبات”.

مقال عن مؤسس الجمعية، يوفال روت، في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 2009
مقال عن مؤسس الجمعية، يوفال روت، في صحيفة “يديعوت أحرونوت” عام 2009

في الختام روى لي حكاية لا تنفك تؤثر بي مرارًا وتكرارًا. “كان رزق خريبات، مواطن من قرية في جبال الخليل، يعاني من سرطان وقد ساعده متطوعو الجمعية بالوصول من معبر ترقوميا إلى مُستشفى شيبا، لأكثر من عام. تُوفي، للأسف الشديد. ذهبنا، قبل شهرين، كممثلين عن الجمعية لتعزية العائلة بوفاته. لم يعرف ولداه، وسام ومحمود، كيف يشكراننا على المساعدة التي تلقاها والداهما من الجمعية، وعبّرا عن رغبتهما بمساعدة الجمعية بأية طريقة. أول فكرة اقترحتها عليهما هي إنشاء جمعية فلسطينية موازية لنا تساعد المرضى داخل الأراضي المُحتلة للوصول إلى المعبر من الجانب الفلسطيني.

لا تزال الفكرة، بالطبع، بحاجة إلى التطوير إلا أن الشيء المؤثر في القصة هو تعهدهما، وعندما ودعناهما أقسما لنا بأن العلاقة التي نشأت بيننا وبينهما، بعيدًا عن مسألة توصيل المرضى، ستستمر. بالنسبة لي هذه هي خلاصة القصة”.

يبدو أن شعار الجمعية – “الطريق للشفاء، الطريق للسلام والمصالحة – الإنسانيّة قبل السياسة”، هو أكثر بكثير من مجرد شعار آخر. تحوّل ذلك إلى واقع.

إن أردتم التبرع للجمعية، يمكنكم أن تفعلوا ذلك هنا، أو من خلال الموقع الرسمي للجمعية.

اقرأوا المزيد: 1321 كلمة
عرض أقل