إنّ اختيار رئيس الأركان الجديد لا يُشكل سببًا للاحتفال. ما هي التحديات التي ستقف أمامه؟ هل هو مغربي؟ وبشكل أساسي: ما هو رأي أمه به؟ إليكم بعض الأسئلة المصيرية التي تشغل الصحفيين.
ولكن خلال الاحتفال الكبير اختفى السؤال الأساسي: ما هي رؤية إيزنكوت العسكرية؟ كيف يعتقد أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يعمل؟ كيف نقاتل الإرهاب؟ ما هو “الحسم”؟ تصبح هذه الأسئلة أكثر خطورة على ضوء العواقب الوخيمة لعملية “الجرف الصامد” التي لا تزال تحدث في الشوارع، وخصوصا على خلفية نظرية “الاحتواء” ليعلون، الذي أوصى كما هو معلوم بإيزنكوت بقوة. وهنا، كما يقولون، اشتبهتُ بالأمر.
لدى مراجعة تصريحات ومحاضرات إيزنكوت خلال السنين، يمكننا الوقوف – بشكل جزئي على الأقل – على رؤيته، ومحاولة فهم أي رياح عملياتية ستهبّ من مكتب رئيس الأركان في السنوات الخمس القادمة.
الإرهاب والعملية السياسية
بيني غنتس (يمين)، إيعود باراك، وغادي إيزنكون (FLash90)
بداية، بخصوص طابع الحرب على الإرهاب فإنّ إيزنكوت لا يختلف بشكل كبير عن المألوف في السنوات الأخيرة: “هناك ظاهرة أخرى”، ومن المعتاد الاقتباس منه من الأيام التي تلت عملية “الدرع الواقي”، حين كان يتولى منصب قائد فرقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية) : “يجب الانتصار في كل لقاء. أن ننفذ المهمات. ولكن القرار لن يكون هنا”.
حتى في وقت لاحق، بعد سنوات ناجحة في قمع الإرهاب في الضفة الغربية من خلال عمليات متّسقة في المدن الفلسطينية، رفض إيزنكوت استخدام مصطلح “الحسم”: “تم تقليص الإرهاب بشكل ملحوظ، وهذه نتيجة إنجازاتنا، ووفاة عرفات، واختيار أبي مازن ونمو الأمل الجديد. وضع جميع ذلك بطانية على هذا اللهب”، هكذا أوضح في مقابلة للمراسل العسكري المحترم عوفر شيلح في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. حسب كلامه، فإنّ استمرار الصراع لا يتعلق بعوامل عسكرية، وإنما بعوامل سياسية: “باعتباري مرتديا للزي العسكري، فهذا يعني بالنسبة لي الاستعداد، والتوصية بخطوات تصنع الأمل. أما الأمور مثل تجديد العملية السياسية أو إطلاق سراح الأسرى فهي ليست في ملعبي. أستطيع فقط أن أقول إنّه من لا يرى ضوءًا في نهاية النفق، سيسرع أكثر لإشعال النار”.
رغم أنّ إيزنكوت لا يوصي بـ “الاحتواء”، وكونه مناصرا كبيرا للسيطرة على الأرض (“الحرب الأكثر كفاءة على الإرهاب هي فقط من خلال السيطرة على الأرض والسكان”)، ولكن مع ذلك، فهو مناصر أكبر لمدرسة “ليس هناك حلّ عسكري للإرهاب”. كالعديد من الضباط في الجيش الإسرائيلي فإنّ إيزنكوت أيضًا لا يعرف كثيرا السوابق التاريخية العديدة للتغلّب على حرب العصابات، ورغم الخبرة التكتيكية الناجحة لقائد فرقة يهودا والسامرة، فسيبقى على ما يبدو وفيّا لهذا التصوّر.
سلاح الجوّ والنيران العكسية
غادي إيزنكوت وكوشيه بوغي يعلون (Flash90)
حتى عندما يكون الحديث عن تهديدات أكثر جدّية، مثل حزب الله وحماس، فلا يبدو أنّ إيزنكوت يجلب نبأً عظيما. كانت الخطة الأكثر شهرة والتي تضمنت اسم إيزنكوت فيها هي “مبدأ الضاحية”، والتي تتمثّل بالهجوم الواسع من قبل سلاح الجوّ ضدّ مراكز السلطة والسيطرة لحزب الله، كما قام الجيش الإسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية، والتي تولّى إيزنكوت فيها رئاسة قسم العمليات في رئاسة الأركان.
لقد أوصى في تلك الحرب بتجنيد واسع للاحتياط منذ الأيام الأولى، بهدف جعل العملية البرية خيارا واقعيّا، ولكنه اعتقد أنّه “يجب فعل كلّ شيء من أجل عدم تطبيقها”. كان يُفضل إبقاء الجزء الأكبر من العمل بيد سلاح الجو، الذي كان ينبغي أن يضع حدّا لهذه الحملة بواسطة قوة نارية صلبة على حزب الله والبنى التحتية اللبنانية.
ولكنه أوضح المنطق وراء ذلك في مقالة نُشرت في مجلة معهد أبحاث الأمن القومي. أوضح إيزنكوت أنّ “الصعوبة الكبرى هي في تحديد مراكز الثقل التي ستؤدي ضربة واحدة لها لانهيار قوة الإرادة. الصعوبة الأكبر لدى الجيش الإسرائيلي هي تحقيق قدرته في سلسلة من عمليات تحطيمية وقصيرة في الوقت المناسب للتوصل إلى إنجاز”.
الحلّ، بحسب رأيه، هو بتفعيل الضغوط على المراكز المدنية لحزب الله – حيّ الضاحية، وقرى الجنوب اللبناني: “إنّ الهدف النهائي للتنظيم هو تحقيق هيمنة شيعية في لبنان، ومركز الثقل الأساسي لديه في البلاد هو دعم السكان الشيعيين، أولئك الذين اجتازوا تجربة صعبة للغاية قبل ثلاث سنوات”. حسب رأيه، فإنّ حقيقة أنّ هذه الشريحة السكانية قد عانت كثيرا في الحرب الأخيرة، ستؤدي بقادة حزب الله إلى أنّ “يدرسوا الأمور بعناية قبل أن يفتحوا النيران من داخل المناطق المدنية الشيعية مدركين معنى مواجهة أخرى… آمل أن يؤدي هذا الإدراك لدى التنظيم إلى أن يدرس الأمور بعناية قبل أن يقرّر أن يفعّل ضدّنا المزيد من الإرهاب والاختطاف وإطلاق النار”.
“لماذا تسمون ذلك مبدأ بوتين”، احتج إيزنكوت مرة عندما أجرى مقابلة مع “يديعوت أحرونوت” حين كان قائد المنطقة الشمالية، “أنا أسمي ذلك مبدأ الضاحية. الذي حدث في حيّ الضاحية في بيروت عام 2006 سيحدث في كلّ قرية سيطلقون منها الصواريخ باتجاه إسرائيل. سنطبّق عليها قوة غير متكافئة وسنتسبّب بدمار وأضرار كبيرة فيها. بالنسبة لنا فهذه ليست قرى مدنية وإنما ثكنات”.
يعبّر إيزنكوت عن أفكار مشابهة بخصوص غزة: “إذا لم يعمل قادة حماس على إيقاف إطلاق الصواريخ، فهم بحاجة إلى تلقي ضربة قاسية ودفع ثمن باهظ” كما قال في مقابلة مع عاموس هرئيل قريبا من فترة صعود حماس للحكم، وأضاف: “يجب أن نضع لهم معيارا من عدم التسامح من جهتنا فيما يتعلق بالإرهاب القادم من غزة… أن نطلق 200 قذيفة أخرى على مناطق إطلاق الصواريخ، أن نضرب كل من يشارك في الإرهاب، يخطّط له ويموّله”.
وهناك أيضًا، يعتقد إيزنكوت بأنّ سيطرة حماس على السكان المدنيين قد يثبت بأنّه ميزة: “أنا أعتقد أنّهم في هذه الجولة سيضغطون على الفرامل… لديهم التزامات أخرى ينبغي الوفاء بها: توفير الأمن الأساسي للمواطنين، إيقاف الفوضى في الشوارع، دفع الرواتب، حيث ليس لديهم حتى الآن مصدرًا للأموال. إنهم يحتاجون الآن إلى وقت وهدوء من أجل تحقيق الاستقرار في الساحة المحلية في السلطة والسيطرة على مراكز القوة”.
نقص خيار المناورات البرية
غادي إيزنكوت وكوشيه بوغي يعلون (Flash90)
وهكذا، فإنّ رئيس الأركان الجديد يبدو كمشجّع كبير لفكرة الضربات الجوية و”النيران العكسية”. ولكن بخلاف الرؤى التي قادت يعلون في عملية “الجرف الصامد” وربما أيضًا حالوتس في حرب لبنان الثانية، يعارض إيزنكوت استنزاف العدوّ. بحسب رؤيته، تحتاج الحرب الجوية إلى أن تكون فورية وواضحة، بل ومفتقدة للتكافؤ والاعتدال.
على هذه الخلفية، فالأمر الناقص في فلسفة إيزنكوت هو خيار المناورات الأرضية. رغم أنّه يعلم أهمية المنطقة، بل وساهم في تجنيد الاحتياطي مقابل الضربات الجوية عام 2006، فإنّ العامل الأرضي لا يحظى عنده بمعالجة حقيقية. باستثناء تصريح متحفّظ بخصوص غزة، عندما كان حكم حماس فيها لا يزال في مهده (“من الواضح تماما أنّ العمليات البرية ليست نمطا مرغوبا به في هذه اللحظة، ولكنها موجودة في سلّة الأدوات”)، فإنّ إيزنكوت لا يكثر من التطرّق للموضوع. في الواقع، يبدو أن إيزنكوت هو الذي يقف وراء انتقال الجيش الإسرائيلي من العمل البرّي كما في “الرصاص المصبوب” إلى العمليات الجوية كما في “عمود السحاب” و “الجرف الصامد”. وكما كتب المحلّل ألون بن دافيد، بعد أن حلّل “مبدأ الضاحية”: “وهكذا، دون تصريحات أو إعلانات، عاد تصوّر “حرق الوعي” لدى موشيه (بوغي) يعلون ودان حالوتس إلى التيّار السائد في الجيش الإسرائيلي. طبّقه رئيس الأركان بيني غانتس للمرة الأولى في عملية “عمود السحاب”، وغادي إيزنكوت، الضابط الذي يفكّر قبل أن يطلق النار، سيبقى وفيّا له…”.
وكما يشهد كثيرون، يعتبر إيزنكوت قائدا ذا تقدير وذا قدرات عالية، ويبدو أنّه في هذا الصدد أيضًا ستكون هناك مفاجآت. إنّ حقيقة أنّه سيعمل إلى جانبه نائب مثل اللواء يائير جولان، المسؤول عن طرق العمل القديمة والجيّدة، قد تكون حاسمة في هذا السياق. هل تعتبر تصريحاته في العقد الأخير بمثابة الإشارة لما سيأتي؟ ستخبرنا الأيام. سيكون لدى إيزنكوت، على أية حال، ما يكفي من الفرص لإثبات نفسه وقت العمل.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع ميدا
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني