اخترق استخدام الاغتصاب كسلاح في الحرب الوعيَ العالمي في التسعينيات، في أعقاب حرب البوسنة – صربيا التي اغتُصبت فيها 60 ألف امرأة. تُعرّف الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مصطلح ”الاغتصاب كسلاح في الحرب” كممارسة جنسية عنيفة من قبل القوات العسكرية أو المواطنين الذين يسعون إلى تحقيق غرض سياسي. الآدب المهني المتخصّص في هذا الموضوع مليء بالأوصاف الجسدية والنفسية للأعراض الجانبية المباشرة وغير المباشرة للاغتصاب الجماعي للنساء في حالات الصراع. هناك مجموعة واسعة جدّا: الأذى الجسدي الشديد بشكل خاص في الأعضاء التناسلية، الإصابة بالإيدز والصدمات النفسية والجسدية المستدامة. إنّ الحمل نتيجة حدوث اغتصاب كهذا يحمل في طياته دلالات أخرى: الحياة مع آثار الاغتصاب طويلة الأمد، الإشارة إلى الضحية إلى الأبد، وإهانة المجتمع الذي تضررت داخل حدوده الاجتماعية والحميمية.
واليوم تحدث هذه الظاهرة التهديدية أيضًا في الحروب الدائرة في الشرق الأوسط. تأتي التقارير الفظيعة بشكل أساسيّ من سوريا، التي ورد فيها، وفقا لبيانات “المجلس الدولي للإنقاذ” من بداية شهر آب 2012، أن أربع مائة امرأة قد اغتُصبن وحدثت 250 حالة حمل نتيجة الاغتصاب بالقوة. من الصعب أن نقدّر ماذا يحدث في ليبيا والسودان، ولكن أعضاء منظمة Human Right Watch ذكروا في شباط 2015 أن هناك 27 حالة اغتصاب وما يقارب 200 حالة اغتصاب جماعي. في جميع هذه البلدان تصف النساء حالات الاغتصاب التي تحدث فيها هذه الظاهرة التي يجري الحديث عنها: يغتصب جنود الجيش وأعضاء الميليشيات المسلّحة النساء لدى هروبهنّ من القصف، عندما يبحثن عن الطعام والمأوى، في مخيمات اللاجئين، وكذلك في الحواجز وفي المعابر الحدودية التي تُسيطر عليها الجيوش التي لا تكون مشاركة في الصراع بالضرورة.
https://www.youtube.com/watch?v=u1PQPlhp-1o
إنّ الاغتصاب كسلاح في الحرب ليس مجرّد نموذج على مستوى عنف الصراعات وإنما أيضًا على حالات تجعل النساء ضعيفات ولا يُسيّطرن على مصائرهنّ. تحدثت معظم النساء السوريات عن اغتصاب من قبل جيش الأسد أو الميليشيات (الشبيحة)، ولكن كانت هناك أيضًا نساء اغتُصبنَ من قبل موظّفين أتراك على المعابر الحدودية كانوا يتمتعون بقوة وموارد كثيرة: تأشيرة الدخول، الغذاء، المال والمأوى. حدثت حالات الاغتصاب في السودان وليبيا غالبا خلال البحث عن السلع الأساسية التي يسيطر الرجال على الوصول إليها. بكلمات أخرى، تجعل الصراعات النساء أكثر عرضةً لأنّ الرجال يسيطرون خلالها أكثر على طرق الوصول إلى الموارد الحيوية. فيصبح جسد النساء تعويضا مناسبا للرجل مقابل الوصول الذي يسمح به إلى الموارد التي تحت تصرفه.
https://www.youtube.com/watch?v=RANGag_dyn8
أصبحت النساء اللواتي اغتُصبنَ في سوريا “بضاعة تالفة”، عملنَ في البغاء وأُعِدنَ ليعملنَ كـ “مًمَتّعات” للرجال: الجنود، الثوار، الميليشيات وغيرهم من الخارجين عن القانون. في الواقع، يعيدُ الاغتصاب النساء بقسوة إلى أدوار ومهام محافِظة سائدة في المجتمعات الدينية-التقليدية. في أعقاب الحرب الأهلية السورية أجاز العديد من الشيوخ للرجال أن يأخذوا لهم النساء السوريات كـ “إماء”. أحد النماذج البارزة على ذلك هو فتوى شيخ سلفي من أصول سورية اسمه ياسين العجلوني، الذي أجاز لكل رجل مسلم أن يتخذ لنفسه 50 امرأة سورية كإماء. جاء الرجال، وخصوصا من دول الخليج، إلى مخيمات اللاجئين السوريين في أماكن عدة في الشرق الأوسط، وتحت ستار تقديم المأوى وكسب الرزق للنساء التعيسات ومارسوا معهنّ علاقات جنسيّة. وبعد عدة أيام تركوهنّ وفي الواقع تخلّوا عنهنّ لسوق الدعارة.
https://www.youtube.com/watch?v=6Wmixhycc-s
وإذا لم يكن ذلك كافيا، فإنّ اغتصاب النساء كسلاح في الحرب ينشئ دوائر عنف وقمع مستدامة داخل المجتمع والأسرة. وقد عانت النساء اللواتي اغتُصبنَ في البوسنة، بنغلادش، ليبيا، السودان، وفي الكونغو أيضا وذلك عند عودتهنّ من معسكرات الاغتصاب؛ ففي ليبيا طُلب منهنّ، وفي بعض الأحيان أجبِرن من قبل أسرهنّ، على وضع حدّ لحياتهنّ، وفي السودان عانين من النبذ لأنّ المغتصِبين وضعوا علامات على أجسادهن من خلال الحرق، وفي سوريا تم تزويجهنّ بالقوة من رجال كبار في السنّ، وفي بنغلادش، حيث حملت هناك 25 ألف امرأة من بين 200 امرأة تم اغتصابهنّ من قبل الجنود الباكستانيين في حرب 1971، عانت النساء من الإهانات اليومية من مجتمعهنّ الأصلي. في رواندا رفض الأزواج قبول نسائهنّ بعد الاغتصاب.
إنّ سلاح الاغتصاب ليس موجّها فقط ضدّ المتأذيات وضدّ مجتمعاتهنّ، وإنما أيضًا من قبل مجتمعات المغتَصَبات وضدّهنّ. يخدم الاغتصاب المجتمع الأصلي لتحقيق أغراض مختلفة عن تلك التي تم تحقيقها من قبل العدو في فترة الحرب. لا يدور الحديث عن إدانات وإهانات عابرة فقط، وإنما عن منع منهجي وبنيوي لإعادة تأهيل هؤلاء النساء، وسلب أية فرصة ذات أهمية لهنّ من أجل عودتهن إلى دوائر المجتمع والعمل. وبالمقابل، يتم تهميشهنّ ودفعهنّ إلى أسفل سلّم الظلم، حتى لو كنّ في مكانة القيادة في المجتمع القبلي سابقا.
تعتمد هذه السبل العنيفة على المباني الاجتماعية التقليدية-الدينية وهي تشكل، في الواقع، استمرارا لصدمة الاغتصاب. تُعبّر المجتمعات الأصلية للمغتصَبات عن غضبها تجاه “انعدام أخلاقية” النساء فتنتقمّ منهنّ. وتعتمد المجتمعات الأصلية تحت خطاب إعادة التأهيل، العلاج، القبول والتضامن، سياسة العقاب، التربية من جديد والتقييد، والتي هي فقط، كما يفترض، تفهمها النساء. والهدف هو كنس ما تحت سجادة هذه الظاهرة وإخفاء النساء اللواتي تضرّرنَ منها، والهروب من “وصمة العار” التي يحملنَها بدلا من مواجهة انعدام أمنهنّ في حالات الصراع ومواجهة الرجال الذين مارسوا ضدّهن العنف الوحشي. وهكذا تنتقل السيطرة إلى أيدي الرجال مجدّدا وتؤدي دورها لصالح الاضطهاد الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي للنساء.
من المخيّب أن نكتشف بأنّ الأدب المهني المتخصص والمهتمّ بهذه الظاهرة يركّز على توثيقها ووصفها وليس على القضايا السياسية والبنيوية الكامنة في صلبها والتي تسمح بحدوثها. يبدو أنّ الاغتصاب كسلاح في الحرب ما زال يُعتبر بمثابة أعراض جانبية هامشية وغير مُتحكَّم بها في الحرب، في الوقت الذي تجري فيه صراعات القوة الرجولية على الأرض، تجري في الواقع على أجساد النساء أيضًا. طالما أن “الاغتصاب كسلاح في الحرب” ليس معرّفا كقضية أمن إنساني، تشبه في حد ذاتها استخدام السلاح للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، فستستمرّ النساء بالمعاناة من الاغتصاب المزدوج – من قبل الأطراف التي تحارب مجتمعاتهنّ الأصلية وبعد ذلك من داخل مجتمعاتهنّ الأصلية ذاته.
نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي