تحتل إسرائيل المرتبة الـ 11 في العالم في مؤشر السعادة العالميّ الخاص بالأمم المتحدة لعام 2018، الذي نُشر الأربعاء. هذه ليست المرة الأولى التي تحتل إسرائيل فيها مرتبة هامة في مؤشر السعادة السنوي، الذي يصنف رضا المواطنين في 156 دولة وفق معايير مختلفة: إجمالي الناتج المحلي، الرفاه، متوسط العمر المتوقع، نقص الفساد، حرية التعبير، والسخاء. يثبت التقرير مجددا أن إسرائيل دولة سعيدة – ليس أنها سعيدة أكثر من دول العالم الأخرى فحسب، بل أكثر من الدول الأعضاء في منظمة OECD.
كما هي الحال في السنوات الماضية، تحتل قائمة الدول السعيدة الدول الإسكندنافية – فنلندا، النرويج، والدنمارك. انخفضت مكانة الولايات المتحدة، التي احتلت في العام الماضي المرتبة 14، إلى المرتبة 18 رغم أنها أصبحت أكثر ثراء. كذلك، احتلت المناطق الفلسطينية المرتبة 104، إيران المرتبة 106. تظهر في أسفل القائمة الدول الإفريقية ومنها جمهورية بوروندي، جمهورية أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان.
للمرة الأولى، فحص المؤشر هذا العام أيضا رضا المهاجرين والسكان الأجانب في 117 دولة. احتلت إسرائيل في هذا المؤشّر أيضا المرتبة الـ 12. أوضح جون هليفيلي، أحد القائمين على البحث، أنه يبدو أن السعادة “مُعدية”: “الحقيقة الأكثر دهشة في التقرير هي الملاءمة بين المهاجرين والمحليين في مجال السعادة. إذ يتضح أنه يستفيد مَن ينتقل إلى دول فيها سعادة أكثر، ويخسر مَن ينتقل إلى دول فيها سعادة أقل”.
يشير مؤشر السعادة إلى أنه رغم الفقر، نقص المساواة، الفساد، والتحديات الأمنية في إسرائيل، فإن الإسرائيليين سعداء وراضون عن حياتهم أكثر من مواطني الدول الغنية الأعضاء في منظمة OECD. تطرح معطيات التقرير تساؤلات، لا سيّما حول كيف يشعر الإسرائيليون بالسعادة رغم واقع الحياة الإشكالي. إذا، ما هي الأسباب المركزية التي تجعل الإسرائيليين سعداء؟
1. الشعور بالتكتل الاجتماعي والتضامن
يشكل التكتل الاجتماعي والشعور بالانتماء في إسرائيل مصدرا هاما لسعادة الإسرائيليين، الذين تشعر أكثريتهم بالانتماء والتضامن مع المجتمَع والدولة.
أوضحت دكتور بنينيت روسو – نتسر، محاضرة وباحثة علم النفس الإيجابي، أن التكتل الاجتماعي في إسرائيل أقوى من سائر الدول الأخرى: “يشعر الإسرائيليون بالتضامن خلافا لسائر الدول الغنية التي تسود فيها العزلة. لدينا طقوس تجمعنا معا مثل الطقوس الدينية، أصدقاء من الحي والجيش، والعائلة الموسعة مترابطة أكثر من العائلة في الدول الغربية، والعلاقات القريبة في إسرائيل أفضل منها في سائر العالم. في هذه البلاد يشعر الفرد أنه ليس وحده. فالتضامن يحمينا”. ويتضح من الأبحاث الكثيرة التي جرت في العقود الأخيرة، أن العلاقات القريبة تحمي الإنسان وتجعله سعيدا ومعافى أكثر.
علاوة على هذا، يشير الكثيرون إلى أن الأفراد يعتمدون على بعضهم البعض ويحترمون بعضهم أكثر عند التعرض لأزمة والعيش حياة صعبة، لهذا ينشأ شعور إيجابي لديهم. ثمة سبب آخر للتضامن في المجتمَع الإسرائيلي يعود إلى التركيبة الثقافية اليهودية.”لا يجري الحديث عن الديانة ذاتها، فالتقرير يعرض بشكل واضح أن الدول المتدينة ليست سعيدة أكثر بالضرورة، ولكن يجري الحديث عن اليهودية كحضارة. هناك نصوص وأطر مجموعاتية تسمح للجميع أن يكونوا معا”، توضح الباحثة النفسية، دكتور عنات شوشاني.
2. الشعور بأهمية الحياة والتحدي
أشار الكثير من الباحثين وعلماء النفس إلى أن طابع دولة إسرائيل المثير للتحدي، والشعور بالتهديد الوجودي المستمر يدفعان الإسرائيليين نحو المشاركة في بلورة مستقبل الدولة والعمل معا للتغلب على الصعوبات مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الشعور بالانتماء والسعادة.
“يسود في البلاد شعور من التهديد الوجودي يحفز على المشاركة والاهتمام أكثر. يشعر الفرد بالحاجة إلى أن يكون شريكا، يحقق ذاته كجزء من الدولة، يُبدع، لهذا تسود في البلاد الحداثة والإبداع الكبير نسبيا مقارنة بحجم الدولة وعدد مواطنيها. تشكل التوترات اليومية حافزا للعيش حياة عادية وسببا للمشاركة في نطاق أوسع يمنح معنى للحياة”، توضح دكتور روسو – نتسر.
يؤكد البروفيسور أهارن بن زئيف، خبير في بحث المشاعر، هذه الأقوال ويوضح أن السعادة تقاس، من بين طرق أخرى، وفق قدرتنا على تحقيق ذاتنا، شعورنا بالانتماء، وأهمية الأعمال التي نقوم بها، وكذلك حسب قدرتنا على التغلب على العقبات. “تنبع السعادة الكبيرة التي تظل وقتا طويلا من الأهمية الناشئة بعد التغلب على الصعوبات. هناك في إسرائيل كوارث، توترات، ونقص الشعور الجيد غالبا، ولكن الشعور الجيد لا يكفي. نظرا لأن هناك الكثير من الأحداث الهامة في دولة إسرائيل الصغيرة التي يتغلب فيها المواطنون على الصعوبات معا يصبح مؤشر السعادة أعلى. إضافة إلى ذلك، من المهم أن تتوفر ظروف جودة الحياة بحد أقصى، مثل الطعام، التربية، والصحة. هذه الظروف متوفرة جدا في إسرائيل، إضافة إلى ذلك هناك تحديات يمر بها الإسرائيليون بنجاح”، أوضح أهارن.
3. التفاؤل والقدرة على الكبت
إضافة إلى مشاعر الانتماء ومعنى الحياة التي يشعر بها الإسرائيليون، يوضح الكثير من الإسرائيليين أن كبت الصعوبات يشكل عاملا إضافيا لتحقيق السعادة والرضا. “يعود سبب السعادة لدى الإسرائيليين إلى أسباب كثيرة ومنها الدمج بين جودة الحياة الجيدة نسبيا لدى الفرد وبين القدرة على الإنكار التي طورناها كشعب وأفراد. تتيح العقلية الإسرائيلية التي تتمثل بالقول “كل شيء سيكون على ما يرام” للإسرائيليين تجاهل جوانب جيدة أقل تتعلق بالواقع وعدم الاهتمام بها حتى تؤدي إلى ضرر كبير في جودة الحياة وتتطلب العمل بشكل طارئ للتغلب عليها. حتى تلك اللحظة وحتى تعود الأمور إلى ما مسارها الطبيعي إلى حد معين، يشعر الإسرائيليون بالسعادة”، يوضح المحلل رون بن يشاي.
توضح العبارة “أن كل شيء سيكون على ما يرام”، الطابع الإسرائيلي أكثر من أي شيء. يتمتع الإسرائيليون دائما بالقدرة على التأمل والتفاؤل في الحالات الصعبة أيضا، ويبدو أن هذا هو السبب الذي يساعدهم على الصمود والشعور بالسعادة رغم ظروف الحياة الصعبة.
في هذه الأيام التي يهتم العالم فيها بالسعادة العالمية، اختارت دول “وزير السعادة” الأول لديها. من المؤكد أن السعادة لدى الإسرائيليين ليست مرتبطة بمستوى حياتهم أو وضعهم الاقتصادي، وفق ما أوضح باحث خبير بالسلوكيات الاقتصادية، البروفيسور طال شافيت: “لا يكون وضع الأفراد الاقتصادي الحقيقي مرتبطا بالضرورة بسعادتهم. كلما اكتفى الإنسان بالمصادر المالية المتوفرة لديه حتى وإن لم تكن مرتفعة يشعر بالسعادة. ليس بالضرورة أن يربح الفرد كثيرا ليشعر بالسعادة. لا يؤثر المال بالضرورة في السعادة، حتى أنه يقللها أحيانا”.