الدرع الواقي

مدينة جنين (facebook/Ahmad Bakeer)
مدينة جنين (facebook/Ahmad Bakeer)

نظرة إلى جنين.. بعد 15 عاما من الانتفاضة الثانية

رئيس مكتب الارتباط والتنسيق الإسرائيلي في جنين يتحدث عن نشاطه فيها، ويوجّه طلبًا شخصيًّا إلى مواطنيها

تتمتع جنين، المدينة الفلسطينية الواقعة في أقصى شمال الضفة الغربية، في هذه الأيام بازدهار اقتصادي يُشَكّ في أنّ سكّانها كانوا يتخيلونه قبل 15 عاما.  يخرج كل يوم عبر معبر الجلمة المجاور للمدينة 4500 من السكّان للعمل داخل إسرائيل، إضافةً إلى 10 آلاف آخرين من سكّان المدينة يذهبون للعمل يوميًّا في إسرائيل عبر معابر أخرى.

ومن الجانب الآخر، يدخل عبر المعبر 4000 طالب جامعي من إسرائيل يدرسون في الجامعة العربية الأمريكية في جنين. ويضيف دخول عرب إسرائيل إلى جنين أكثر من 350 مليون دولار إلى الدورة الاقتصادية السنوية للمدينة. يدخل كل يوم نحو 4000 سيّارة إسرائيلية، فيما يرتفع العدد إلى 7500 – 8000 سيارة إسرائيلية في نهايات الأسابيع تجلب زوّارًا عربًا من إسرائيل إلى المدينة.

مدينة جنين (facebook/Ahmad Bakeer)
مدينة جنين (facebook/Ahmad Bakeer)

في معبر البضائع المجاور للمدينة تمرّ 450 – 500 شاحنة كلّ يوم، وتنقل عددًا من البضائع، بدءًا من موادّ البناء وانتهاءً بالفاكهة والخضار. وما دمنا نتكلم عن الزراعة في المدينة، فإنّ موسم الخيار في جنين يُدِرّ ما يقارب 25 مليون دولار سنويًّا. لكنّ التوت أيضًا بدأ يشكّل بركة للمواطنين الفلسطينيين في المدينة. فالمزارعون يتم تأهيلهم في إسرائيل، وهم يزرعون التوت من أجل تصديره.

يتمّ كلّ ذلك بالتنسيق مع مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيلية. تحدث رئيس مكتب الارتباط والتنسيق الإسرائيلي في جنين، المقدم سمير كيوف، مع موقع المصدر، موضحًا الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.

“نريد أن نرى أشخاصًا أكثر يعيشون بكرامة في إسرائيل وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة، لا نريد أن نرى بطالة، وأخاطب الفلسطينيين: استغلوا تصاريح العمل داخل إسرائيل”

يوضح كيوف أنّ المدينة لم تكن هكذا طيلة الوقت. فقبل 15 عامًا، أثناء الانتفاضة الثانية، نفّذ الجيش الإسرائيلي عملية الدرع الواقي إثر الانفجار الكبير في فندق “بارك” الذي أسفر عن مقتل عشرات المواطنين الإسرائيليين. وكان معبر الجلمة، الذي يصل بين المدينة وإسرائيل، مقفلًا تمامًا في الاتجاهين. انهار الاقتصاد، تفاقمت البطالة، وازداد العنف بشكل كبير. فلم تكن عملية التعافي سهلة.

""من يتجول اليوم في جنين يرَ أسواقًا صاخبة"
“”من يتجول اليوم في جنين يرَ أسواقًا صاخبة”

“بدأنا بمشاريع اقتصادية ومدنية لتشجيع الهدوء والاستقرار الأمني وللتأثير إيجابًا في الاقتصاد الفلسطيني، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتحسن الظروف لصالح الشعب الفلسطيني”، قال كيوف.

بين المشاريع التي تُنفَّذ بالتعاون مع الإدارة المدنية، هناك تخطيط لمنطقة صناعية كبيرة جدًّا بتمويل تركي – ألماني، على ارتفاع نحو 50 مليون دولار. ووفق البرنامج، ستضمّ المنطقة الصناعية أكثر من 20 ألف عامل و129 مصنعًا. شجّعت الإدارة المدنية هذه المبادرة وساعدت على المصادقة على البنى التحتية المطلوبة.

لكنّ الهدوء لا يسود دائمًا. فسبب عمليات الطعن الفلسطينية التي حدثت قبل نحو عامَين، حدث عدد من محاولات الطعن في معبر جلبوع. “ورغم ذلك، فعلنا كل ما في وسعنا لإبقاء المعبر مفتوحًا”، يخبر كيوف.

"الهدوء ينتج الأمن، والأمن يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد"
“الهدوء ينتج الأمن، والأمن يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد”

يتبيّن أنّ جهود الحفاظ على الاستقرار متبادلة، إذ تُعتبَر المنطقة هادئة نسبيًّا في موجة التصعيد الأخيرة. “يفهم السكّان جيّدًا العلاقة بين الهدوء الأمني وبين الحياة والاقتصاد الأفضل. حين كانت هناك محاولة لتنفيذ عملية في معبر جلبوع، عبّرت قوى مدنية، خصوصًا في المنطقة التي خرجت منها العمليات، بصراحة أنها لا تدعم هذه العمليات. رجال الأعمال، بالتعاون مع القوى الأمنية والمحافِظ، أقاموا نشاطات تربوية داخل المدارس، بذلوا جهودًا من أجل القضاء على ذلك، ونجحوا بالتأثير”.

“من يتجول اليوم في جنين يرَ أسواقًا صاخبة دون وجود عسكري تقريبًا”، يخبر كيوف ويطمح أن يرى المدينة متقدمة في هذا المجال. “نريد أن نرى أشخاصًا أكثر يعيشون بكرامة في إسرائيل وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة، لا نريد أن نرى بطالة، وأخاطب الفلسطينيين: استغلوا تصاريح العمل داخل إسرائيل. أريد أن أراهم يعملون في مناطق صناعية، أريد أن أرى زراعة مزدهرة. فالهدوء يُنتج الأمن. والأمن يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد. هذه هي الحلقة التي نريدها”.

اقرأوا المزيد: 531 كلمة
عرض أقل
صورة ياسر عرفات على الشارع في غزة (Wissam Nassar/FLASH90)
صورة ياسر عرفات على الشارع في غزة (Wissam Nassar/FLASH90)

مرور عقد على وفاة عرفات: لغز حياته، لغز مماته

هل طمحَ فعلا للسلام أم أنّ عمليّاته برمتّها كانت احتيالا ونفاقا؟ الواضح هو أنّه لم يهجر سبيل الإرهاب البتّة

لا تُثير العشرُ سنوات التي مرّت على موت ياسر عرفات لدى الإسرائيليّين توقًا شديدًا، وخاصة لشخصية الرئيس. لم تكن السنوات التي يقود فيها خليفتُه، محمود عباس، المعسكر، الذي ما زالَ مُرتبطا ووليفا للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة – بينما خرجت حماس بصورة شبه نهائيّة عن سيطرة وتأثير السلطة – بالضرورة أسهلَ لكلا الشعبين. لكن على الأقل، لوحظَ في هذه الفترة هبوطٌ بحدّة العنف في الضفة الغربيّة وفي نطاق أراضي الخط الأخضر، والذي يُمكن عزو قسم منه لعبّاس، الذي يبتعد عن الإرهاب بشكل عامّ.

يُثير عبّاس غضبَ حكومة نتنياهو إثرَ خطاباته التي امتلأت بالرثاء والانفعال القوميّ المُفرط في الأسابيع الأخيرة، على خلفيّة الأزمة في القدس. وُجّهت صور الغضب أيضا إزاء التعازي والإشادات التي قدّمها مكتب الرئيس لعائلة الإرهابيّ الذي حاولَ تهديد حياة يهودا غليك والذي أُرديَ قتيلا على يد وحدة “اليمام”. لكن بتهجُّم رئيس الحكومة ووزرائه على الرئيس الفلسطينيّ هذا الأسبوع، وبالتُّهم التي ألقوْها عليه كمسئول عن الهجمات والعمليّات التخريبيّة في العاصمة، تم بطريقة ما تناسي الحقيقة بأنّ السلطة ما زالت تبذل جهودا جليلة لكبح انتشار عمليّات العنف في الضّفة.

بأي حال، لا منطقَ بالمُقارنة بين المعيار أو النموذج المُضاعَف الذي يُبديه عبّاس الآن وبين سُلوك ربّ آباء النظام، عرفات.     لم يكنّ عبّاس إرهابيّا أبدا بذاته. والادعاء بأنّه يُحفّز بشكل مُباشر للإرهاب هو أيضا من الصعب تأكيده.

اجتماعات الحكومة الفلسطينية عام 2003، لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات ورئيس حكومتة محمود عباس (AFP)
اجتماعات الحكومة الفلسطينية عام 2003، لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات ورئيس حكومتة محمود عباس (AFP)

مع ذلك، فإنّ الرئيس الفلسطينيّ الحاليّ يُعبّر عن دعمه مرارًا بما يُسمّيه “المُقاومة الشعبيّة السلميّة”. هذا هو ما يُسمّى بنموذج بلعين، الذي اتّبعه ونّفذه الفلسطينيّون بنجاح في الميدان الدوليّ. في حين أنّ الفجوة المُتعمّدة بتعريف الضوابط المقبولة للطرفين –ما هي المقاومة الشعبيّة المشروعة؟ ما هو الإرهاب؟- هو أحد النقاط المحوريّة لإحداث الانقسامات والنزاع. إذ أنّ الإسرائيليّين صارمون أما الفلسطينيّون فينظرن إليه بتساهل.       حيث أنّه من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي، فإنّ رميَ حجر هو عمل إرهابيّ أيضا. بينما بالنسبة لمُعظم الفلسطينيّين، فإنّ إطلاق النار على جنديّ هو وسيلة لمُقاومة مشروعة.

يُمكن تقسيم علاقة الإسرائيليّين بعرفات إلى ثلاث فترات رئيسيّة: منذ إنشاء حركة فتح في سنوات الستينات وحتى توقيع اتفاقيّة أوسلو عام 1993، فترة أوسلو حتى أيلول عام 2000، والسنوات الأربع بين نشوب الانتفاضة الثانية وموت الرئيس في تشرين الثاني 2004. في الحقبة الأولى، التي تخللت سنوات خطف الطائرات، مجزرة الطريق الساحلي وحرب لبنان الأولى، كان عرفات أبغض الأعداء. ووفق كلام مناحم بيجن، فقد كان عرفات قائدَ منظمّة القتَلة المُلقّبة بمنظّمة التحرير الفلسطينيّة، والرجلَ ذا الوجه المليء بالشعر. مثّلت سنوات أوسلو لبرهة من الزمن بصيصَ أمل للإصلاح والترضية. حتّى أنّه، في بدايتها، عُرضَت تقريبًا شخصية عرفات بنوع من التحبيب في برنامج الـ”حرتسوفيم”.

لكن هذا التفاؤلَ سرعان ما تبخّر مع دخان الهجمات والعمليات الانتحاريّة على الحافلات إلى جانب عمليّات نفق الحائط الغربيّ، مذ منتصف سنوات التسعينات فصاعدًا. وقد فقدت الأمور توازنها بشكل نهائيّ عقبَ فشل قمة كامب ديفيد، زيارة أرئيل شارون جبل الهيكل وهجمات التفجيرات الانتحاريّة.     ومن ذات النهاية المُضطربة يتمّ استرجاع صورتين لذاكرتنا: تجاهُل عرفات دفعَ إيهود باراك غير الودّيّ لباب مؤتمر السلام، ومظهر الرئيس عرفات المُحاصَر في مُقاطعة رام الله، المُطوّقة بالدّبّابات.

تجاهُل عرفات دفعَ إيهود باراك غير الودّيّ لباب مؤتمر السلام (AFP)
تجاهُل عرفات دفعَ إيهود باراك غير الودّيّ لباب مؤتمر السلام (AFP)

هل أراد عرفات فعلا الوصول لتحقيق السلام أم أنّ عملّياته برمتّها هي مجرّد احتيال؟ فالمُؤرخون والسياسيّون مازالوا يقولون ذلك. من الواضح أنّ الرئيس لم يتخلّ أبدا عن اتّباع وسائل الإرهاب كطريقة لتحقيق أهدافه. حيث أنّه استمر باتباع الإرهاب واستمر بالعلاقات مع حماس في سنوات أوسلو السبع، وخصوصا منذ لحظة اندلاع الانتفاضة. أُدير نقاش حادّ في السنوات المذكورة ضمن وحدات الاستخبارات الإسرائيليّة حول السؤال فيما إذا قام عرفات بإعطاء توجيه لتجديد العنف.   نسبت شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان العامة، ضمن خط قاده بالأساس رئيس الأبحاث عاموس جلعاد، إلى رئيس مجلس الإدارة قرارا واعيا بالهروب نحو الإرهاب منذ لحظة تعريضه لضغط أمريكي وإسرائيليّ في كامب-ديفيد. أمّا الشاباك، ووفقا لما أورده يوفال دِيسكيِن، فاعتقد أنّ العنف قد اندلع إثر “ارتفاع مياه الصرف الصحيّ في مُخيّم البلاطة”.

بينما كان واضحًا فيما بعد أنّ عرفات قد امتطى هذا النمر، إذ ازدادت الأدلّة حول تدخّله بالعمليات الهجوميّة، حتى وإن كان ذلك بطريقة غير مُباشرة أو بطرق التفافيّة. وحينها أعطى الرئيس الأمريكي، جورج بوش، لعرفات طلاقا نهائيّا عقبَ إحباط إسرائيل عمليّة تهريب الأسلحة لغزّة (التي كانت حينها تحت سيطرة السلطة) عبرَ السفينة “كارين A” التي كانت مُحمّلة بالسلاح في كانون الثاني عام 2002. وفي ذات الشهر اتخذت حركة فتح قرارين فاجعين على ضوء الصراع مع إسرائيل والمُنافسة الداخليّة مع حماس: العودة لتنفيذ هجمات تخريبيّة في مناطق الخط الأخضر وإرسال أفراد لأول مرة من الحركة لتنفيذ عمليات انتحاريّة.   ومن هنا كانت الطريق قصيرة نحو حملة “الدرع الواقي”، نحو تطويق منطقة المُقاطعة ونحو سقوط عرفات بذاته.

عندما توفّيَ، بعد عامين ونصف تقريبا، كانت الانتفاضة قد وصلت مُسبقا حينها إلى نهايتها. ويبدو أنّ الحصار المستمرّ على مقرّه قد ساهم في تدهور وضعه الصحيّ. حيث أنّ موته بقيَ لُغزًا. في عام 2005، قُمنا أنا و”أفي يسخاروف” بنشر التقرير الطبّي الذي أُعدّ في فرنسا حول وفاته. أمّا الأطباء الإسرائيليّون والأوروبّيّون الذين دقّقوا بالتقرير والنتائج فقد رفعوا حواجبهم دهشةً. إذ رأوا تقريرا مليئا بالفجوات، التي من شأنها أن تُشير إلى محاولة لإخفاء الوقائع ولتعتيم مُلابسات الوفاة.

ياسر عرفات تحت الحصار في مقاطعة رام الله (Rahim Khatib/Flash 90)
ياسر عرفات تحت الحصار في مقاطعة رام الله (Rahim Khatib/Flash 90)
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (AFP)
الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (AFP)

حيث طُرحت نظريّات مُختلفة، منها أنّه قد أصيب بالتهاب خطير، مرض بالإيدز أو حتّى أنّه قد تمّ تسميمه. أمّا الفلسطينيّون، إثرَ حُبّهم القوميّ لنظريّات المُؤامرة، قد اعتمدوا التفسير الثالث واتّهموا إسرائيل بقتل الرئيس. ومذ ذلك الحين تنتشر بين الفينة والأخرى ادّعاءات أخرى حول قضية موته. والحقيقة أنّ السلطة، رغم وعودها، لا تنشر نتائج تفصيليّة لتُشير أنّ لديها أي دليل ضد إسرائيل. من الصعب في إسرائيل أن يتمّ الحفاظ على سرّ انفجاريّ كهذا سياسيّا. إذ أنّ إذا كان هذا صحيحا، فعلى شخص ما أن يعترف بذلك.

بالنسبة للفلسطينيّين فإنّ عرفات يُعتبر رمزا يُحتذى به. ويحرص عباس عندما يلتقط صورا على وجود صورة سابقه في الخلفيّة. في الأسبوع المُقبل ستنتهز فتح يوم السنة العاشرة لموت الرئيس في إقامة مسيرات حاشدة كجزء من الأزمة حول القدس. يمكن الفرض بأنّ عرفات لن يُعارض الفكرة.

نشر هذا المقال لأول مرة في موقع “هآرتس

اقرأوا المزيد: 905 كلمة
عرض أقل
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Flash90/Issam Rimawi)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Flash90/Issam Rimawi)

الظل

"ربما كان أبو مازن لا يعتمر الكوفية ولا يصيح كثيرًا في خطبه، لكنه يدرك تمامًا ما كان عرفات يدركه – ماذا يجب أن يكون من أجل ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة"

بعد أحداث عملية الدرع الواقي 2002 مباشرة، اكتسبت فكرة تغيير عرفات أو على الأقل إضعافه زخمًا لدى الجهات الدولية – وتحديدًا لدى المسؤولين في الدولة ولدى مبعوثي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ظلت هذه الفكرة قيد التفكير طوال أشهر قبل ذلك بين جهات إسرائيلية وفلسطينية – كل واحد لدوافعه الخاصة.

أول اسم طُرح للبحث على طاولة تلك الجهات كمرشح لاستبدال عرفات أو على الأقل كمرشح لتقاسم صلاحيات رئيس السلطة، كان اسم محمود عباس – أبو مازن، الشخصية رقم 2 في منظمة التحرير الفلسطينية ومهندس اتفاقيات أوسلو من الجانب الفلسطيني. “أبو مازن معتدل، متزن، وأساسًا مناهض للعنف”، قال المؤيدون للفكرة بما فيهم مسؤولون إسرائيليون. بعد بضعة أشهر من الضغط وجولة عمليات إقناع، اضطر عرفات أن يتقاسم صلاحياته مع نائبه الذي تم اختياره من قبل المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2003 ليكون أول رئيس حكومة في السلطة الفلسطينية.

اضطر أبو مازن للاستقالة من رئاسة الحكومة بعد نصف عام فقط من تسلمه منصبه وذلك بعد حملة مدروسة جيدًا لنزع الشرعية عنه قادها لأشهر رجال عرفات الذين اتهموه بأنه تعاون مع إسرائيل، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجهات عربية مثل مبارك، لاستبعاد “الختيار”، أي عرفات. أعداء أبي مازن لا يتوانون بتذكيره بهذه الحقيقة في كل فرصة، وتدل على هذا محاولة أبي مازن دائمًا التمويه على ذلك، بأشكال عديدة ومنها مواقفه السياسية، التي أدت في السنوات الأخيرة إلى رفض عرض رئيس الوزراء السابق أولمرت، ورفض خطة كيري حاليًا.

اجتماعات الحكومة الفلسطينية عام 2003، لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات ورئيس حكومتة محمود عباس (AFP)
اجتماعات الحكومة الفلسطينية عام 2003، لقاء بين الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات ورئيس حكومتة محمود عباس (AFP)

اليوم، بعد 10 سنوات من اعتباره، من قبل الكثيرين في إسرائيل والغرب، الفارس على الحصان الأبيض الذي سينقذ العملية السياسية من تصلب عرفات، يتضح بأن الكلمات بقيت الكلمات ذاتها إلا أن أبي مازن أصبح مكان عرفات. هو، “متشدد، ليس مستعدًا للتنازلات ويحبط أي إمكانية للتسوية” يتهمه الكثيرون اليوم في إسرائيل، وتحديدًا في الحكومة.

هل حقًا تغيّر ذلك الرجل خلال 10 سنوات بشكل تام؟ الإجابة بالطبع هي سلبية. عارض أبو مازن نهج ياسر عرفات الذي كان يعتقد أن بإمكانه مجابهة إسرائيل دون دعم المجتمع الدولي، الرجل ولا يزال يرفض العنف، وسيفعل أي شيء لمنع عزل السلطة الفلسطينية.

شيء واحد فقط لا يختلف فيه عن عرفات، أو تقريبًا لا يختلف عنه – وهو تمسكه بالخطوط الحمر المتعلقة بالحدود، القدس، المستوطنات وقضايا الحل النهائي الأخرى. هنا يتضح بأن القادة تبدلوا، لكن الخطوط بقيت حمراء، أيضًا في عصر أبي مازن، ومن هنا الشعور في إسرائيل بأن الحديث هو عن الموقف ذاته رغم تغيَر الوجوه وتغيَر القادة.

في هذا السياق يقول عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح إنه فقط من أوهم نفسه وفكر بأن يبدل عرفات بأي ثمن، صدق بالفعل وبسذاجة أن أبي مازن، والسلطة الفلسطينية “سيخفضان السعر أو ستبدأ عملية اغتيال بالجملة للثوابت الفلسطينية وهي إقامة دولة داخل حدود الـ 67 عاصمتها القدس الشرقية، التصميم على حدود معتمدة على ان توفَر هذه الحدود سيادة وأيضًا أن تكون متصلة وغير مجزأة وكذلك إيجاد حل عادل لمسألة اللاجئين”. وأضاف المسؤول “ربما كان أبو مازن لا يعتمر الكوفية ولا يصيح كثيرًا في خطبه، لكنه يدرك تمامًا ما كان عرفات يدركه – ماذا يجب أن يكون من أجل ضمان قيام دولة فلسطينية مستقلة”. وهناك من بين المقربين من أبي مازن من يقول إنه في مسائل معينة أظهر أبو مازن تعنتًا أكثر من ما أبداه عرفات قبله.

"أبو مازن أضعف من عرفات بكل ما يتعلق بالشارع الفلسطيني ولكنه نجح حيث فشل عرفات: مأسسة السلطة الفلسطينية (AFP)
“أبو مازن أضعف من عرفات بكل ما يتعلق بالشارع الفلسطيني ولكنه نجح حيث فشل عرفات: مأسسة السلطة الفلسطينية (AFP)

وهنا نصل إلى مسألة الظل. ليس الظل الذي أمام الشمس، بل ظل عرفات الكبير. أولئك الذين بحثوا في شخصية أبي مازن لم يتفاجأوا من المواقف التي أبداها في أشهر المفاوضات الأخيرة. حيث لم يكن لديهم أدنى شك – ما لم يقبله عرفات ويوافق عليه، أبو مازن أيضًا لن يقبله. ظل عرفات من جهة، ورغبة أبي مازن من جهة أخرى في إثبات أن الخلاف بينه وبين عرفات كان يتعلق بالنهج والأسلوب والأدوات وليس في الفحوى والأهداف، ورغبته الدائمة بإرساء فكرة أنه يكمل طريق عرفات ولا يستبدله، ستجعل أبي مازن يصَر على رأيه في المسائل التي أصَر عليها عرفات، لأن الشخصين، كما ذكرنا، يختلفان بالنهج والأدوات ولكن ليس بماهية الأمور والأهداف. وليس صحيح الحديث هنا عن حمامة مقابل صقر كما أراد كثيرون في إسرائيل والعالم أن يعتقدوا.

لكن حتى وان صحَ أن أبي مازن هو شخصية صلبة سياسيًا بشكل لا يقل عن عرفات، فان هنالك فروقات كثيرة بين الشخصين. رئيس السلطة الحالي لا يتمتع بهالة المحارب الثوري التي تمتع بها عرفات. هو لم يعش حصار لبنان ولا حصار المقاطعة ولم يفلت من عدد لا نهائي من محاولات الاغتيال التي بنت أسطورة عرفات. كما وان ابي مازن لا يتمتع بذات الإجماع داخل منظمة التحرير الفلسطينية، وداخل حركة فتح، وبالطبع ولا في الشارع الفلسطيني كما كان ياسر عرفات يتمتع بهم. ابو مازن لا يعتمر كوفية ليلوّح بها ولا يملك فيالق يستعرضها في الشارع، ولا يوجد لديه الدافع ليحضن ويعانق الناس. حتى الخطابات الملهبة للمشاعر، التي يضطر لإلقائها أحيانًا أقل بكثير مما كان يفعل سابقه، فهو يفضل اللقاءات العملية المفيدة أو استبدال ذلك بـ ‘الستاتوسات’ التي ينشرها أفراد طاقمه على صفحته الخاصة على الفيس بوك. هو يُفضّل المؤسسات على الفيالق، وهنا يكمن الاختلاف الكبير بين القائدين.

ليس هناك من شك – أبو مازن أضعف من عرفات بكل ما يتعلق بالشارع الفلسطيني وجمهور حركة فتح والتنظيمات الأخرى، ولكنه نجح حيث فشل عرفات: مأسسة السلطة الفلسطينية. يدرك الكثيرون في السلطة أن أبي مازن قد لا يكون محبوبًا مثل عرفات، وليس ودودًا مثل سابقه، ولا يطلق الشعارات الرنانة التي تلهب الجمهور – لكنه هو الذي نجح – وتحديدًا بعد مرحلة سيطرة حماس على القطاع، باستغلال قدرات وخبرات رئيس الحكومة السابق سلام فياض وبناء بنية تحتية إدارية وآليات حكم واضحة، تساعد السلطة الفلسطينية عند تغيير وضعها من سلطة إلى دولة، كان ذلك بموافقة إسرائيل أو بالتوجه بشكل احادي الجانب إلى المؤسسات الدولية. إن دعم أبي مازن لفياض أمام الانتقادات الحادة له من قبل قيادات فتح الذين ادعوا بأن فياض يُقصي أفراد الحركة من مؤسسات السلطة، لم يكن دعمًا مفهومًا ضمنًا، حتى وإن صحَ الاعتقاد بأن فياض جاء اختياره من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ولم يكن أمام أبي مازن أي خيار آخر.

باستغلال قدرات رئيس الحكومة السابق سلام فياض نجح عباس في بناء بنية تحتية إدارية وآليات حكم، تساعد السلطة الفلسطينية عند تغيير وضعها من سلطة إلى دولة مستقلة (AFP)
باستغلال قدرات رئيس الحكومة السابق سلام فياض نجح عباس في بناء بنية تحتية إدارية وآليات حكم، تساعد السلطة الفلسطينية عند تغيير وضعها من سلطة إلى دولة مستقلة (AFP)

وتلك المؤسسات ذاتها هي اليوم مصدر قوة أبي مازن. لا يملك أبو مازن الفيالق في مخيّمات اللاجئين كتلك التي كان يملكها سابقه ولكنه عرف تمامًا كيف يسيطر من خلال الموالين له على الوسائل الإعلامية التابعة للسلطة، هو لا يملك تابعين ميدانيين ومقاولي أصوات ولكن لديه قادة أجهزة مدنية وأمنية جاهزون لتنفيذ أوامره. يدرك أبو مازن تمامًا أنه لن يحظى بهالة الثوري، لكنه يؤسس لأن يكون أول رجل دولة فلسطيني في العصر الحالي. وجهة أبي مازن ليست نحو قادة الفصائل المنضوية داخل منظمة التحرير الفلسطينية ولا حتى قادة دول عدم الانحياز وقادة العالم الثالث الذين كان عرفات يتمتع بصحبتهم كرئيس لمنظمة التحرير ولاحقًا كرئيس للسلطة الفلسطينية. يتطلع أبو مازن إلى الغرب وإلى قادته، إلى العالم الحر وإنجازاته. مجرد التفكير فقط بعدد اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو اجتماعات اللجنة المركزية لحركة فتح التي عقدها أبو مازن أو بالأصح التي لم يعقدها في السنوات الأخيرة مقارنة بعدد اجتماعات الهيئات ذاتها التي قد اعتاد عرفات على عقدها في الشهر الواحد أو حتى أقل من ذلك.

يركّز أبو مازن على أصحاب رؤوس المال الفلسطينيين، باعتبارهم محرك للاقتصاد الفلسطيني ويستثمر فيهم كثيرًا. وهناك في السلطة من يقول أنه يستثمر فيهم أكثر من اللازم. يطلب بواسطتهم وبواسطة قادة أجهزة ومؤسسات فتح والسلطة زيادة قبضته على الشارع الفلسطيني، القبضة التي لم تأت بشكل تلقائي وطبيعي كما كانت حال سابقه. لا يحب المحيطون بأبي مازن تلك المقارنة الدائمة بينه وبين عرفات. يدعون، وهو ادعاء مبرر جدًا، أن الشخص هو حالة بحد ذاتها، وليس فقط مصدرًا للمقارنة مع عرفات. من سوء حظ أبي مازن، أنه أينما يتوجه، فإن الظروف التي قادته إلى الحكم، ستؤدي إلى، أن تكون تحركاته دائمًا مصدرًا للمقارنة مع عرفات. الظل، قلنا، يرفض أن يترك أبو مازن، ويبدو حتى أنه يفرض عليه بعض مواقفه.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Flash90)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Flash90)

قوي أم ضعيف، يشبه عرفات أو لا يشبهه، ربما يكون أبو مازن آخر قائد من جيل المؤسسين الذين بإمكانهم قيادة الشعب الفلسطيني إلى تسوية تاريخية مع إسرائيل. أبو مازن بإمكانه تمرير الاتفاقية كونه يسيطر على مؤسسات السلطة وحركة فتح. يؤمن أبو مازن بوجوب التوصل الى تسوية تاريخية، إيمانه هذا هو ما يجعله يتعرض لكل ذلك النقد داخل حركة فتح وخارجها، إنما الحقيقة هي أنه رغم كل ذلك النقد- ليس هناك من يمكنه التشكيك بمكانته الرائدة والقائدة أفضليته، ولا حتى أولئك الذين يعترضون على نهجه، لكن كونه القائد الأول المؤهل للتوصل لتسوية سياسية مع إسرائيل، فحول هذا الأمر هنالك توافق على هذا حتى لدى كثيرين داخل حركة حماس.

اقرأوا المزيد: 1296 كلمة
عرض أقل
أريئيل شارون في حائط البراق (FLASH 90)
أريئيل شارون في حائط البراق (FLASH 90)

حنينٌ في إسرائيل لزعيمٍ قويّ

دخل أريئيل شارون الغيبوبة في كانون الثاني 2006، والمنظومة السياسية تصرفت بناءً على ذلك. فقد أصبح بنيامين نتنياهو الرجل الأقوى في السياسة الإسرائيلية دون مُنازع – اشتياق لشخصية قوية، ولكن ملأى بالتناقُضات

أريئيل شارون مستغرِق في سُبات منذ 2006، وبين الحين والآخر، ينقل الإعلام الإسرائيلي آخر أخبار وضعه الصحي، كيف يتجاوب مع محيطه، وهل يتحدث الأطباء عن نشاط دماغيّ لديه. كما يتحدث الإعلام عن ابنَيه عُمري وجلعاد، اللذَين يعتنيان بوالدهما، الذي كان رئيس الحكومة بين 2001 و2006، ليُدفع بعدها إلى غياهب النسيان.

فمَن هو الرجل الذي كان يبدو بنيامين نتنياهو إلى جانبه مجرّد سياسيّ آخر؟

أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)
أريئيل شارون ورئيس الحكومة الأول، دافيد بن غوريون (Flash90)

شخصيّة مُثيرة للجدل

شخصية شارون هي مثارُ خلافٍ، في إسرائيل وخارجها. فهو معروف كمقاتل جريء، بطل حرب بعد عام 1967، ومنقذ الدولة في حرب 1973. بالتباين، يُعتبَر شارون بالنسبة إلى كثيرين رجلًا عدوانيًّا، متهوّرًا، فاسدًا، وحتّى مخادعًا، جرّ إسرائيل إلى حروب لا طائل منها.

في البداية، اعتُبر شارون بطل اليمين و”أبا المستوطَنات”. لكن بدءًا من عام 2004، هاجمه اليمينيون، ولا سيّما المستوطِنون، بسبب برنامج فك الارتباط من غزة حينذاك. كان سُخط اليمين على شارون هائلًا، حتى إنّ رجال دين يهودًا معروفين في إسرائيل رفضوا الصلاة من أجل سلامته بعد دخوله الغيبوبة.

عسكريّ مُكلَّل

أدخل أريئيل (إريك) شارون، المولود باسم أريئيل شاينرمان، إلى وحدات سلاح المشاة ووحدات النخبة عقيدة المعارك. عام 1953، دُعي شارون لإنشاء الوحدة 101، كوحدة تكون قادرة على إنجاز عمليات في عُمق أراضي العدوّ. تحت إشرافه، تحوّلت الوحدة 101 إلى وحدة الكوماندوز الأولى في الجيش الإسرائيلي.

أرئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)
أرئيل شارون مصاب في رأسه أثناء حرب الغفران يتوسط رئيس الأركان حايم بار ليف وموشيه ديان (Flash90)

في حرب 1967، قاد شارون الشعبة 38، التي وُضعت في القطاع الجنوبي. حظي شارون بالثناء على المعارك التي قادها في أم كتف وأبو عجيلة، المعركة التي اعتُبرت إحدى أنجح المعارك في تاريخ جيش إسرائيل، ودُرّست بعد ذلك في أكاديميات عسكرية في أنحاء العالَم.

في حرب 1973، أشرف شارون على عملية “فرسان القلب”، بالعبرية “أفيري ليف”. كانت العمليّة من أعقد العمليات التي جرت خلال الحرب عامّةً وعلى الجبهة الجنوبية خاصّةً. وقد غيّرت العملية وجه الحرب، إثر اجتياز الجيش الإسرائيلي قناة السويس، ما أدّى إلى طلب مصر وقف إطلاق النار.

كذلك عرض شارون طيلة خدمته في الجيش، كوزير، وكرئيس حكومة، نظرة قتال للإرهاب دون تسويات – لإخضاع الإرهاب بكل الوسائل التي في حوزته. قاتل الإرهاب في غزة بيدٍ من حديد، وأدّت العمليات مثل الاغتيالات المنظّمة، وهدم البيوت، إلى نقد جماهيريّ قاسٍ ضدّه. وهو يُعتبَر في العالَم أحد أكبر الاختصاصيين في الحرب على الإرهاب.

حرب لبنان، صبرا وشاتيلا

كقائد عسكري ذي كاريزما، عمل شارون سنوات طويلة على هواه، دون الانصياع لقادته. فقد كتب دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة الأول، عن شارون يومًا: “شاب مفكِّر، مبدِع، وإذا تغاضينا عن أنه لا يقول الحق في تقاريره، يكون قائدًا عسكريًّا نموذجيًّا”.

بدأت حرب لبنان بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، شلومو أرغوف، التي قادت إسرائيل إلى ضرب منشآت منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، مما أدى إلى قصف مركز مدينة كريات شمونة وطول الحُدود على الجليل بوابل قوي من صواريخ الكاتيوشا.

أدّت خسائر الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الشائعات أنّ شارون ضلّل رئيس الحكومة حينذاك، مناحيم بيغن، حول مدى اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان، إلى هبوط حادّ في شعبية الحرب وإلى إلحاق الأذى بالمكانة الجماهيريّة لشارون.

أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)
أريئيل شارون ومناحم بيجن (Flash90)

وخلال احتلال الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية، بيروت، في أيلول 1982، ارتكب حزب “الكتائب اللبنانية” مجزرة في مخيمَي اللاجئين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا جنوب العاصمة. وأتت المجزرة بعد اغتيال بشير الجميّل، الزعيم في الحزب، الذي انتُخب رئيسًا للجمهورية بدعمٍ إسرائيليّ. دخلت الكتائب مخيمَي صبرا وشاتيلا مساءَ 16 أيلول، وخلال وقتٍ قصير بدأت بالقتل يمنةً ويسرة.

في أعقاب الضغوط من الرأي العام، محليًّا وعالميًّا، عُيّنت لجنة تحقيق رسمية، لجنة كاهِن، للتحقيق في المجزرة. قرّرت اللجنة أنّه رغم عدم تورُّط الجيش الإسرائيلي مباشرةً في المجزرة، فقد كان شارون مسؤولًا عن تجاهُل خطر قيام الكتائب بعمليات ثأر على اغتيال قائدها في مخيّمات اللاجئين.

نتيجةً لذلك، أوصت اللجنة بإعفاء شارون من مهامّه، وعدم تسليمه وزارة الأمن (الدفاع) مجدّدًا. طوال سنوات، ولا سيّما بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، نظر كثيرون في العالم إلى شارون كمجرِم حرب.

“انتفاضة الأقصى”

في عهد حكومة إسحاق رابين، عارض شارون بشدّة معاهدة أوسلو، التي رأى فيها خطرًا شديدًا على أمن الدولة. وبعد هزيمة نتنياهو في انتخابات أيار 1999، انتُخب شارون في أيلول رئيسًا للّيكود، ليكون زعيمًا للمعارضة في عهد حكومة إيهود باراك.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون  ومحمود عباس (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون ومحمود عباس (Flash90)

في 28 أيلول 2000، قام شارون بزيارة حظيت بتغطية إعلامية إلى الحرم القدسي، وأعلن أنّ “لكلّ يهودي الحقّ في زيارة جبل البيت”. رأى الفلسطينيون في هذه الزيارة سببًا لاندلاع الانتفاضة الثانية. في وقتٍ لاحق، كشفت سهى عرفات، قرينة رئيس السلطة الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، في مقابلة تلفزيونية أنّ انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، خطَّط لها زوجها.

بعد ذلك، حين أصبح شارون رئيسًا للحكومة، بلغت موجة الإرهاب ضدّ إسرائيليين، التي جرى التعبير عنها في تفجيرات انتحارية، مستوياتٍ غير مسبوقة عامَي 2001 و2002. وبعد فترة من التحفُّظ النسبي، انتهج شارون سياسةً تصعيدية.

وفي النهاية، بعد التفجير في فندق “بارك” في آذار 2002، وبعد أن قُتل في ذلك الشهر (الذي دُعي “آذار الأسود”) أكثر من 120 مدنيًّا وجنديًّا إسرائيليًّا، قررت الحكومة برئاسته احتلال المنطقة التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية (منطقة A) في إطار عملية “الدرع الواقي”. فتّتت العملية البنى الإرهابية في الضفة الغربية، ونجحت في خفض عديد قتلى التفجيرات كثيرًا.

في الفترة نفسها، أطلق شارون عملية بناء جدار فصْل يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، بهدف التقليل من عدد التفجيرات. بالنسبة لكثيرين، مثّل هذا الجدار انشقاقًا أيديولوجيًّا عن ماضي شارون، الذي كان يدعم طيلة حياته مبدأ “أرض إسرائيل الكاملة” بقوة، ولكنه الآن اعترف بتقسيمها. بقي مسار جدار الفصل مثارَ جدل، وأضحى مركز عاصفة دُولية.

كديما والسُّبات

كان آخر النشاطات السياسية لشارون قبل دخوله الغيبوبة إنشاء حزب “كديما”. انشقّ شارون في 21 تشرين الثاني 2005 عن حزب الليكود، الحزب الذي أنشأه. وأثناء توليه رئاسة الحكومة، أنشأ حزبًا جديدًا – حزب “كاديما” (قُدُمًا).
تأسّس الحزب إلى حدٍّ كبير على شخصية شارون، وسرعان ما انضمّ للحزب الكثير من السياسيين، بينهم إيهود أولمرت وشمعون بيريس. لكنّ سُبات شارون عام 2006 وهبوطه عن المنصة فجأةً أدّيا إلى هزة عنيفة لحزب كاديما، الذي وجد نفسه قبل أقلّ من ثلاثة أشهر من الانتخابات دون زعيمه، الرجل الذي كانت شخصيته دعامة الحزب.

رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون (Flash90)
رئيس الحكومة في السابق أريئيل شارون (Flash90)

أُصيب شارون (الذي يبلغ الآن 86 عامًا) بنزيف داخل الدماغ في كانون الثاني 2006، ونُقل بدايةً إلى مستشفى هداسا عين كارم في القدس، حيث بُذلت جهود لإعادته إلى الوعي التام، لم تُجدِ نفعًا. في أيار من السنة نفسها، نُقل إلى المركز الطبي شيبا، ومذّاك يمكث في وحدة إعادة الأهلية التنفسية في المستشفى.

وفي تشرين الثاني 2010، نُقل بطلب من أفراد أسرته إلى مزرعة “هشكميم” لفتراتٍ قصيرة، سعيًا لإنتاج بيئة طبية داعِمة في بيته، لكن في نهاية المطاف تقررت إعادته إلى شيبا، حيث يمكث حتّى الآن.

اقرأوا المزيد: 976 كلمة
عرض أقل