تتمتع جنين، المدينة الفلسطينية الواقعة في أقصى شمال الضفة الغربية، في هذه الأيام بازدهار اقتصادي يُشَكّ في أنّ سكّانها كانوا يتخيلونه قبل 15 عاما. يخرج كل يوم عبر معبر الجلمة المجاور للمدينة 4500 من السكّان للعمل داخل إسرائيل، إضافةً إلى 10 آلاف آخرين من سكّان المدينة يذهبون للعمل يوميًّا في إسرائيل عبر معابر أخرى.
ومن الجانب الآخر، يدخل عبر المعبر 4000 طالب جامعي من إسرائيل يدرسون في الجامعة العربية الأمريكية في جنين. ويضيف دخول عرب إسرائيل إلى جنين أكثر من 350 مليون دولار إلى الدورة الاقتصادية السنوية للمدينة. يدخل كل يوم نحو 4000 سيّارة إسرائيلية، فيما يرتفع العدد إلى 7500 – 8000 سيارة إسرائيلية في نهايات الأسابيع تجلب زوّارًا عربًا من إسرائيل إلى المدينة.
في معبر البضائع المجاور للمدينة تمرّ 450 – 500 شاحنة كلّ يوم، وتنقل عددًا من البضائع، بدءًا من موادّ البناء وانتهاءً بالفاكهة والخضار. وما دمنا نتكلم عن الزراعة في المدينة، فإنّ موسم الخيار في جنين يُدِرّ ما يقارب 25 مليون دولار سنويًّا. لكنّ التوت أيضًا بدأ يشكّل بركة للمواطنين الفلسطينيين في المدينة. فالمزارعون يتم تأهيلهم في إسرائيل، وهم يزرعون التوت من أجل تصديره.
يتمّ كلّ ذلك بالتنسيق مع مديرية التنسيق والارتباط الإسرائيلية. تحدث رئيس مكتب الارتباط والتنسيق الإسرائيلي في جنين، المقدم سمير كيوف، مع موقع المصدر، موضحًا الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في المدينة.
“نريد أن نرى أشخاصًا أكثر يعيشون بكرامة في إسرائيل وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة، لا نريد أن نرى بطالة، وأخاطب الفلسطينيين: استغلوا تصاريح العمل داخل إسرائيل”
يوضح كيوف أنّ المدينة لم تكن هكذا طيلة الوقت. فقبل 15 عامًا، أثناء الانتفاضة الثانية، نفّذ الجيش الإسرائيلي عملية الدرع الواقي إثر الانفجار الكبير في فندق “بارك” الذي أسفر عن مقتل عشرات المواطنين الإسرائيليين. وكان معبر الجلمة، الذي يصل بين المدينة وإسرائيل، مقفلًا تمامًا في الاتجاهين. انهار الاقتصاد، تفاقمت البطالة، وازداد العنف بشكل كبير. فلم تكن عملية التعافي سهلة.
“بدأنا بمشاريع اقتصادية ومدنية لتشجيع الهدوء والاستقرار الأمني وللتأثير إيجابًا في الاقتصاد الفلسطيني، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتحسن الظروف لصالح الشعب الفلسطيني”، قال كيوف.
بين المشاريع التي تُنفَّذ بالتعاون مع الإدارة المدنية، هناك تخطيط لمنطقة صناعية كبيرة جدًّا بتمويل تركي – ألماني، على ارتفاع نحو 50 مليون دولار. ووفق البرنامج، ستضمّ المنطقة الصناعية أكثر من 20 ألف عامل و129 مصنعًا. شجّعت الإدارة المدنية هذه المبادرة وساعدت على المصادقة على البنى التحتية المطلوبة.
لكنّ الهدوء لا يسود دائمًا. فسبب عمليات الطعن الفلسطينية التي حدثت قبل نحو عامَين، حدث عدد من محاولات الطعن في معبر جلبوع. “ورغم ذلك، فعلنا كل ما في وسعنا لإبقاء المعبر مفتوحًا”، يخبر كيوف.
يتبيّن أنّ جهود الحفاظ على الاستقرار متبادلة، إذ تُعتبَر المنطقة هادئة نسبيًّا في موجة التصعيد الأخيرة. “يفهم السكّان جيّدًا العلاقة بين الهدوء الأمني وبين الحياة والاقتصاد الأفضل. حين كانت هناك محاولة لتنفيذ عملية في معبر جلبوع، عبّرت قوى مدنية، خصوصًا في المنطقة التي خرجت منها العمليات، بصراحة أنها لا تدعم هذه العمليات. رجال الأعمال، بالتعاون مع القوى الأمنية والمحافِظ، أقاموا نشاطات تربوية داخل المدارس، بذلوا جهودًا من أجل القضاء على ذلك، ونجحوا بالتأثير”.
“من يتجول اليوم في جنين يرَ أسواقًا صاخبة دون وجود عسكري تقريبًا”، يخبر كيوف ويطمح أن يرى المدينة متقدمة في هذا المجال. “نريد أن نرى أشخاصًا أكثر يعيشون بكرامة في إسرائيل وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة، لا نريد أن نرى بطالة، وأخاطب الفلسطينيين: استغلوا تصاريح العمل داخل إسرائيل. أريد أن أراهم يعملون في مناطق صناعية، أريد أن أرى زراعة مزدهرة. فالهدوء يُنتج الأمن. والأمن يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد. هذه هي الحلقة التي نريدها”.