عندما نقف في الكنيس الكبير والفخم “بيت إيل” في وسط الدار البيضاء في المغرب، نرى الكراسي، تابوت العهد – وهو المكان الذي فيه كتاب التوراة، الثريّات ولكن لا يزوره الناس، لذلك سرعان ما نفهم ما هو واقع يهود المغرب.
أصبح الكثير من الكنُس في المغرب فارغا. قدِم معظم السكان اليهود على مرّ السنين إلى إسرائيل أو إلى فرنسا. يحاول القليل من اليهود الذين ما زالوا يذهبون إلى دور العبادة الرائعة المتبقية في المغرب الحفاظ عليها ولكن بصعوبة كبيرة. يذهب يهود إسرائيل إلى المغرب بين حين وآخر وبشكل أساسي في فترات الأعياد وفيما يسمى “الهيلولا”.
هناك ثلاث مدن رئيسية كانت في قلب المغرب وجميعها مرتبط باليهود. مكناس كمدينة الحاخامات، فاس كمدينة التوراة عاش فيها الرمبام (موسى بن ميمون)، ومراكش مدينة التعليم.
لفهم مدى فخامة كنُس يهود المغرب أحضرنا لكم هنا نموذجا لخمسة كنُس مذهلة لا تزال نشطة في أرجاء البلاد.
كنيس بيت إيل في الدار البيضاء
معبد بيت إيل، المغرب
معبد بيت إيل في الدار البيضاء، هو أحد أكبر المجامع اليهودية في المملكة، وهو المركز الديني والاجتماعي لسكّان المدينة اليهود.
كنيس صلاة الفاسيين
كنيس صلاة الفاسيين (AFP)
أُعيد قبل عامين افتتاح هذا المجمع الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر في مدينة فاس، إحدى أقدم مدن العصور الوسطى في العالم. وجاءت إعادة الافتتاح بعد عامَين من مشروع ترميم وتجديد. إنه دليل على “غنى وتنوّع المكوّنات الروحية والتراث الأصيل للمملكة المغربية”، على حدّ تعبير الملك المغربي محمد السادس.
معبد أون هابنيم بصفرو
معبد أون هابنيم بصفرو (ar.yabiladi.com)
من غير الواضح متى بُني الكنيس البعيد عن مدينة فاس 23 كيلومترا فقط
معبد اسحاق بن وليد بتطوان
معبد اسحاق بن وليد بتطوان (ar.yabiladi.com)
يعتبر من بين أجمل المعابد اليهودية في مدينة تطوان، ويقع في حي “الملاح” بالمدنية القديمة، وشيد سنة 1889، ويحمل اسم أحد كبار أحبار اليهود بتطوان، الذي توفي 19 عاما بعد ذلك.
معبد صلاة الأزمة بمراكش
معبد صلاة الأزمة بمراكش (Ruthron.com)
يقع كنيس “صلاة الأزمة” في منطقة ملاح القديمة في مراكش. وقد بُني بعد طرد اليهود من إسبانيا عام 1492. اسمه “الأزمة” – المنعزلين أو المعزولين لأنّ اليهود الذين جاؤوا من إسبانيا، أرادوا الصلاة ولم يتم قبولهم لأنّ أسلوبهم في الصلاة كان مختلفا. فأدى الأمر إلى جدالات وخلافات كبيرة، وبما أنه لم يكن هناك مكان للصلاة فيه، فبنى اليهود لهم كنيسا وسموه “الأزمة” – أي “المنعزلين”.
ويقع الكنيس في منزل فيه فناء وغرف جلوس وفي الطابق الثاني غرف للتعليم. تعيش فيه اليوم أسرة مسلمة تحافظ على المكان.
قيادة دينية مشتركة يمكنها أن تقترح خطوطا عريضة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان وقداسة جبل الهيكل/الأقصى، بشكل مشابه لما يحدث في مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء
الدار البيضاء، يوم الجمعة، قبل وقت الصلاة بقليل. تسطع مئذنة مسجد الحسن الثاني، ثالث أكبر مسجد في العالم، والذي يصل إليه في رمضان نحو مائة ألف مصلّ، كمنارة من بعيد. تم استثمار ستّ سنوات وثلاثة مليارات دولار في بنائه، كما تقول المرشدة إلهام، التي تقودنا إلى الداخل. طُلب من كل مواطن مغربي (بما في ذلك اليهود منهم) من قبل الملك أن يتبرع من جيبه لبناء هذا المبنى الفخم، الذي يُفتح سقفه الضخم في أيام الصيف بهدف التخفيف قليلا من وطأة الحرّ.
تأسس هذا المسجد المثير للإعجاب عام 1993، في مراسم احتفالية حضرها الملك وخطبت فيه أيضًا أمينة مريلي، الحائزة على جائزة الدولة للأدب في المغرب. إنّ سهولة زيارة المكان مثيرة للإعجاب أيضا. لقد قادتنا إلهام إلى الداخل نحو ثلاثة طوابق: طابق الوضوء، طابق الصلاة وطابق النساء. إنها مرشدة مخضرمة تمكّنت من تجميع قاموس مفردات مفيد في عدة لغات، من بينها أيضًا العبرية، التي هي إحدى اللغات الأربع الأكثر شيوعا بين زوّار المكان، كما يتضح. هنا، وفي أماكن أخرى في المغرب، يمكن أن نشعر أننا ضيوف مرغوب بهم رغم جواز سفرنا الإسرائيلي. لا تزال اللافتات العبرية حول متجر حلال موضوعة بشكل علني ولا تخجل الجالية المغربية الصغيرة من الاحتفال بيهوديتها بفخر.
الملك حسن السادس في زيارة الى المسجد (AFP)
عندما انضممنا إلى الوفد في أعقاب الجاليات اليهودية في المغرب لم يخطر ببالنا أنه سيتم إرشادنا في المسجد من قبل امرأة مسلمة مكشوفة الرأس وتتحدث بالعبرية. أين يمكن أيضًا أن نشاهد مشاهد من هذا النوع؟ حلّقت الأفكار للحظة إلى مسجد آخر، لا يقل أهمية، حيث وقفت هناك في نفس الوقت نساء أخريات، المرابطات، في نضالهن الروتيني. يمكن الشعور بأصداء الاضطرابات في الحرم القدسي وخارجه في المغرب أيضًا والتي تؤجج التوتر المتزايد بين اليهود والمسلمين. بعد عودتنا إلى البلاد بقليل، خرج 20 ألف مغربي، من أنصار الحركة الإسلامية، في مظاهرة “أعدموا” فيها دمى ليهود قرب مجسّم للحرم القدسي. لم تزر إلهام نفسها المسجد الأقصى بعد، وهزت كتفيها عندما تحدثنا عنه. بالنسبة لها، وبالنسبة لبعض موظفي الوقف في المسجد والذين التقينا بهم في الداخل، من الواضح أن قداسة المكان يجب أن تكون مفتوحة، متاحة وتستقبل الزوار.
مؤخرا، بادرت فرنسا إلى اقتراح وضع مراقبين دوليين في جبل الهيكل/الأقصى بهدف التوصل إلى تهدئة النفوس في الباحة والتقليل من التوتر الديني بين اليهود والمسلمين. حتى لو افترضنا أن حكومة إسرائيل والمملكة الأردنية، من خلال الوقف، قد اتفقتا على تغيير ترتيبات السيطرة على الحرم، فهناك شك إذا كانت ستُحل المشكلة الجذرية. إن أعمال الشغب في الحرم القدسي ليست متعلقة بأعداد رجال الشرطة والمنظمين، حتى لو وُضعت في المكان قوة دولية كبيرة ونوعيّة فلن يتنازل اليهود عن رغبتهم بالصلاة في جبل الهيكل، ولن يوافق المسلمون على السماح بذلك.
المرابطات لحماية مسجد الأقصى (Flash90/Yonatan Sindel)
قد يأتي الحلّ من مكان آخر، حاوٍ وتبادلي. قيادة دينية مشتركة يمكنها أن تقترح خطوطا عريضة تحترم حرية العبادة لأبناء جميع الأديان وقداسة المكان. إذا وافق اللاعبون الرئيسيون في الحرم القدسي على لجنة كهذه، فبإمكانها أن تقترح ترتيبا مشابها للمعمول به في مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، المفتوح مجانا للمصلين ولكن فقط في ساعات الصلاة، وأن تتيح الزيارة مقابل الدفع للسياح من جميع أنحاء العالم في الأوقات الأخرى. في الواقع، فإنّ إغلاق جبل الهيكل أمام الزائرين في ساعات الصلاة الإسلامية، كما هو معمول به اليوم، يقع ضمن هذا النموذج.
هذا الترتيب قابل للحياة سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، حيث إنّ رسوم الدخول إلى الموقع المقدس قد تموّل شبكة تنظيم وإرشاد يهودي – إسلامي مشترك بمجموعة متنوعة من اللغات. إذا تم اعتماده فسوف تنشأ في المكان روح جديدة، بدلا من الكراهية التي تغلي فيه، وستجد العناصر المتطرفة صعوبة في إثارة المكان. إذا تم تغليف القداسة ببعض العلمانية، كما فعل الملك محمد السادس في المسجد الضخم في الدار البيضاء، سيتم الحفاظ على جمال المكان وسيعم التسامح. إذا كنا نفكر في وضع راهن جديد فربّما من المستحسن استشارة ملك المغرب، الذي يتولى أيضًا منصب رئيس لجنة القدس في منظمة الدول الإسلامية. شيء ما من الروح المغربية يلائم أكثر بقليل رؤيا أشعياء: “بَيْتِي بَيْت الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ”.
من حروب القبائل البربريّة، عبر الأيّام العظيمة لجالية فاس، وحتّى الهجرة الجماعيّة إلى إسرائيل - إنها قصة الجالية اليهودية الأكبر والأهمّ في جميع الدول العربية
إنها قصة جالية ضاربة في القِدم، تصل جذورها إلى أيّام التاريخ الأولى، وهي قصة حفاظ على التقاليد في ظروف مستحيلة لمشاكل لا تتوقّف، وهي أيضًا قصّة تبلوُر هويّة مجدَّدة على خلفيّة ظروف متغيّرة – قصّة الجالية اليهودية الأكبر في البلدان الإسلامية، يهود المغرب.
أيّام الحرب وانعدام الاستقرار
يُدرك المؤرِّخون أنّ اليهود الأوائل وصلوا الساحل الجنوبي الغربي للبحر المتوسّط منذ عهد الإمبراطورية الرومانية. لكنّ التقاليد اليهوديّة تدّعي أنّ استقرار اليهود في المغرب يعود إلى ما قبل ذلك، إلى أزمنة الكتاب المقدّس. فذريّة سكّان قرية “إفران الأطلس الصغير” اليهود يروون أنّ آباءهم، رجال الملك سليمان، وصلوا إلى المغرب على سُفن الفينيقيين.
في أيّام الإمبراطوريتَين الرومانية والبيزنطية، واجهت الجالية هزّات قويّة، لكنّها استمرّت في النموّ. وتُظهر شهادات تاريخية أخرى أنّ الرومان طردوا 30 ألف يهودي إلى المغرب بعد تدميرهم الهيكل اليهوديّ. كان هؤلاء أوائل اليهود في المغرب.
حين كانت الأندلس ساحة صراعات تاريخية بين العالَم المسيحيّ والإسلام، حافظ يهود المغرب على هويّتهم الدينية رغم الضغط “المسيحي” الشديد، الذي أكرههم على تغيير دينهم. أمّا مع صعود الإسلام، فقد تحسّن وضع اليهود، بعد أن حظوا بمكانة “أهل الذمة” كما في سائر أنحاء العالم الإسلامي. لكن لم يطبّق جميع الحكّام قوانين الذمة بالطريقة عينِها، ما جعل وضعهم بين مدّ وجَزر.
منطقة جبال الأطلس في المغرب (Nati Shohat /Flash90)
في ذلك الوقت، كان هناك فارق هام بين يهود “بلاد المخزن”، الذين عاشوا في ظلّ السلطة المغربية المركزيّة، وبين يهود “بلاد السيبة”، الذين كانوا تحت رحمة سلطات القبائل الأمازيغية المتمردة. في بعض الأحيان، كان وضع يهودٍ معيّنين جيّدًا جدًّا، فيما كانت جاليات أخرى تصارع من أجل الحياة.
تحت سلطة الأدارسة في القرن التاسع، كانت حالة اليهود متقلِّبة. فمؤسس السلالة، إدريس بن عبد الله، الذي كان من نسل عليّ بن أبي طالب، كان قاسيًا تجاه اليهود. لكنّ ابنه استقبلهم بالترحاب، ودعاهم إلى الاستقرار في مدينة فاس، التي كانت قد أنشئت قبل سنواتٍ معدودة. فأضحت المدينة مركزًا للحضارتَين الإسلاميّة واليهوديّة على حدٍّ سواء.
وفق تقاليد مختلفة، سادت في تلك الحقبة ظاهرة تهوّد كثيرين من أبناء القبائل الأمازيغية، الذين اعتنقوا الدين اليهوديّ. ولكنّ صحّة تلك التقاليد ليست أكيدة.
في القرن الحادي عشر وبداية الثاني عشر، أيام سلطة المرابطين، كانت حالة اليهود أفضل نسبيًّا. تولّى العديد من اليهود الوزارة، ووصل عدد من الأطباء اليهود إلى بلاط يوسف بن تاشفين، الذي طلب مساعدتهم في إنشاء مدرسة للطب في مدينة مراكش.
عرس يهودي مغربي عام 1839، صورة من متحف اللوفر (Wikipedia)
انتهى ذلك العصر الذهبي في أيّام الموحِّدين، الذين ارتقوا العرش في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، ليفرضوا على جميع اليهود في المغرب والأندلس اعتناق الإسلام. تظاهر يهود كثيرون باعتناق الإسلام، لكنهم حافظوا على يهوديتهم خفيةً. مرّ قرنان قبل أن تعود الجالية اليهودية في المغرب إلى وضعها السابق، لكنها بدأت تنعزل في أحياء “الملاح”، التي تميّز بها اليهود في كلّ مدينة.
مدّ وجَزر
لكنّ ما غيّر طابع يهودية المغرب أكثر من أيّ شيء آخَر هو طرد اليهود من إسبانيا عام 1492. فقد وصل عشرات الآلاف من اليهود الجُدد إلى مدن المغرب واستقرّوا فيها. خلال قُرون، شكّل يهود المغرب الأصليون والوافدون الجدد جاليتَين منفصلتَين، لكلٍّ منهما عاداتها وأحكامها، ولم تبدأ الفوارق بالتقلُّص إلّا بعد مرور قرنَين. من جهة، أدّى احتلال “الممالك المسيحية” في ساحل البحر المتوسِّط إلى معاناة يهود إسبانيا والبرتغال من قسوة “الطوائف المسيحية” حتّى بعد الهجرة إلى المغرب. ولكن من جهة أخرى، حظي هؤلاء بمكانة أرفع من اليهود الأصليين، وعُرفوا كتجّار ودبلوماسيّين خبيرين، كانوا مقبولين على جيرانهم المسلمين أيضًا.
مقهى يهودي في مدينة فاس (Wikipedia)
في نهاية المطاف، كانت هجرة يهود الأندلس بركةً كبيرة بالنسبة ليهود المغرب، وبدأت منذ مطلع القرن السادس عشر حقبة ازدهار اقتصادي ملحوظ. في القرون التي تلت، عرفت الجالية فترات ازدهار ونموّ إلى جانب فترات عدائية، سرقة، ونَهب.
استمِعوا إلى الأغنية اليهوديّة – المغربيّة التقليديّة “قِف كرجُل وتغلَّب على الاعتراف بالأخطاء”:
اعتُبر السلطان يزيد، الذي حكم في أواخر القرن الثامن عشر، من أعداء اليهود، إذ أذلّ أثرياء الجالية، وأمر بنهب الملاح اليهوديّ واغتصاب نسائه. ويتحدّث تقليد آخَر من بلدة إفران عن خمسين من يهود المدينة، قفزوا داخل النار المشتعلة حين خُيّروا بين اعتناق الإسلام والموت. كلّما ازدادت نيران الحروب الدوليّة التي أثّرت في المغرب، عانى اليهود أكثر، لأنّ جيرانهم صبّوا عليهم جام غضبهم من العدوّ.
أيّام الوفرة تحت سُلطة فرنسا
في مطلع القرن العشرين، حلّت ذروة جديدة في سوء وضع يهود المغرب. ففي الاضطرابات التي حدثت في مدينة تازة عام 1903، قُتل 30 شخصًا، فيما قُتل 50 في مدينة سطات عام 1907، و30 شخصًا في مدينة الدار البيضاء في السنة عينها. في الدار البيضاء، وقعت الاضطرابات الأسوأ. فقد اقتحم خمسة آلاف مسلّح مغربي الملاح اليهوديّ، نهبوا وهدموا كلّ شيء، حتّى إنهم خطفوا النساء، وأجبروا الناس على اعتناق الإسلام.
لكنّ معاهدة فاس عام 1912 أدّت إلى انتهاء تلك الفترة المظلمة. فرغم أنّ مجزرة نُفّذت في خمسين من يهود فاس فور دخول المعاهدة حيّز التنفيذ، أدّى تعزيز السيطرة الفرنسيّة على المغرب إلى منح اليهود الحماية والرعاية. بشكلٍ عامّ، حمى الفرنسيون يهود المغرب، وسُرّوا بأن يقدِّموا لهم لغتهم وحضارتهم.
يهود المغرب
تحت رعاية فرنسا، ازدادت الثقافة بين اليهود، وتأسست نخبة جديدة، لم تعتمد على القيادة الدينية التقليديّة. رُويدًا رُويدًا، بدأ اليهود الموسرون والشبّان يهاجرون من الأحياء اليهوديّة إلى الأحياء الأوروبيّة. وفي تلك الفترة، أصبح جميع يهود المغرب تقريبًا مدنيّين، وتبنّوا نمط حياة عصريًّا.
حتّى إنّ كثيرين من اليهود هاجروا من المغرب إلى فرنسا وأمريكا الجنوبية. وحتّى اليوم، يعيش في فرنسا نحو 150 ألف يهودي مغربيّ. بالمقابل، آثر قلّة من اليهود – بضعة آلاف فقط – الهجرة إلى فلسطين. لكن مع احتلال ألمانيا النازية لفرنسا عام 1940 وإقامة حكومة فيشي اللاساميّة، عاد وضعهم يسوء.
استمِعوا إلى المزيد من الغناء اليهوديّ المغربيّ:
http://youtu.be/xvZ7KZNAK6Y
بعد إقامة دولة إسرائيل
قلب إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 الكائنات. فقد أصبحت نظرة السكّان المسلمين عدائيّة أكثر من أيّ وقت مضى. ورغم أنّ الأسرة المالكة، لا سيّما في عهد الملك محمد الخامس، منحت اليهود حقوقًا متساوية، سادت الخشية على مصير الجالية.
لكنّ الإسرائيليين لم يرحّبوا بكلّ يهودي مغربيّ بمحبة. فقد وضعت القيادة اليهوديّة في إسرائيل شروطًا للهجرة إلى إسرائيل، وفضّلت قبول المغاربة الشبّان والمعافين، الذين يمكنهم المساهمة في تطوّر الدولة الفتيّة، فيما اضطُرّ المسنّون والمرضى إلى البقاء في المؤخرة، ومات كثيرون منهم قبل الحصول على فرصة الهجرة.
حين استقلّ المغرب عام 1956، أصبحت هجرة اليهود غير شرعيّة، وبدأت إسرائيل تهرّبهم خفيةً. حاول الملك محمّد الخامس إقناع اليهود بأنهم سيواصلون التمتّع بالأمن والوفرة، وعيّن لهذا الهدف وزيرًا يهوديًّا في حكومته – ليون بن زاكين، الذي عُيّن وزيرًا للبريد. مع ذلك، هُرّب نحو 30 ألف يهودي إلى إسرائيل في أواخر الخمسينات بشكل غير شرعيّ، وخلافًا لرغبة الحكومة المغربيّة.
عائلة يهودية مغربية لدى وصولها الى إسرائيل (Wikipedia)
عام 1961، حدثت كارثة، حين غرقت في البحر سفينة تُدعى “أجوز”، كان على متنها 44 يهوديًّا في طريقهم إلى جبل طارق باتّجاه إسرائيل، ومات جميع ركّابها عدا ثلاثة من أفراد الطاقم. في العام نفسه، وُقّعت معاهدة جعلت الهجرة سريّة، وفي أوائل الستينات، وصل إلى إسرائيل نحو 80 ألف مغربيّ يهودي بطُرق شرعيّة. بالإجمال، هاجر إلى إسرائيل على مرّ السنين 250 ألف يهودي مغربي.
الصعوبات في إسرائيل
مثل أية هجرة من الدول العربية إلى إسرائيل، واجه يهود المغرب أيضًا صعوبات عديدة مع وصولهم إلى البلاد. فقد عانوا من النظرة الدونية إليهم كأشخاصٍ دون حضارة، عنفاء، وبدائيين، وذلك رغم تقاليدهم وحضارتهم المتنوّعة والثريّة التي جرى الحفاظ عليها على مرّ السنين. ومن المهين بشكل خاصّ اللقب “مغربيّ سكّين” الهادف إلى التلميح أنّ طبيعة يهود المغرب حارّة وعنيفة.
في حادثتَين مركزيّتَين على مرّ السنين، احتجّ يهود المغرب على التمييز ضدّهم. أوّلًا: عام 1959، جرفت موجة من التظاهُرات مدينة حيفا بعد أن أطلق شرطيّ إسرائيلي النار على شخصٍ من أصل مغربيّ في حيّ وادي الصليب في المدينة. ردًّا على ذلك، تظاهر اليهود المغاربة مقابل مقرّ الشرطة في حيفا. كان ردّ فعل المؤسسة عنصريًّا بحدّ ذاته، إذ اتّهم المتظاهرين بأنهم سكارى وعاطلون عن العمل.
أمّا الحدث الثاني فقد جرى أوائل السبعينات، مع إقامة حركة “الفهود السود” الإسرائيلية، التي مثّلت المتحدّرين من الدول الإسلامية في إسرائيل، وطالبت بالتوقُّف عن التمييز ضدّهم. نظّمت تلك الحركة، التي قادها مهاجرون مغربيّون، تظاهرة من آلاف الأشخاص في قلب القُدس، دعت إلى معالجة ضائقتهم.
إثر ذلك الاحتجاج العنيف، استجابت الحكومة لمطلب مناقشة ادّعاءات “الفهود” بجدّية، حتّى إنها أقامت لجنة عامّة لإيجاد حلّ لمشكلتهم. وأظهرت نتائج لجنة الفحص أنّ طبقات عديدة في إسرائيل جرى التمييز ضدّها. في أعقاب ذلك، ازدادت بشكل ملحوظ موازنات الوزارات التي تُعنى بالشؤون الاجتماعيّة. ووُجّهت أموال عديدة للاهتمام بالطبقات المستضعَفة.
مظاهرة “الفهود السود” في القدس عام 1971
أدّت مشاعر السخط والاضطهاد بكثيرين من أصول مغربية إلى الإطاحة بسلطة حزب مباي (حزب عمّال أرض إسرائيل) عام 1977، وإيصال حزب الليكود برئاسة مناحيم بيجن إلى السلطة للمرة الأولى. حتّى اليوم، بعد عُقودٍ من تلك الأحداث، ثمّة بين أبناء الجالية المغربية في إسرائيل مَن يدّعي أنّه يجري التمييز ضدّ أفرادها بالمقارنة مع الإسرائيليين ذوي الأصول الأوروبيّة. بالتباين، ثمّة مَن يدّعي أنّ تلك الفجوات امّحت منذ عهدٍ بعيد.
الثروة الحضارية
تُعرَف لغة يهود المغرب، أدبهم، وموسيقاهم بثرائها وعمقها الشديد. تختلف لغة يهود المغرب بين منطقةٍ وأخرى. اللغة اليهوديّة – المغربية هي لهجة مختلفة عن تلك التي للمغاربة العرب، وهي لا تزال محفوظة في ألسنة المتحدّرين من المغرب. ينطق اليهود من ذريّة المطرودين من إسبانيا بلغة “حاكيتيا”، وهي لهجة للُغة اللادينو، فيما ينطق يهود الجبال المغربية بلهجات متفرّعة عن اللهجة الأمازيغية الأطلسية. فضلًا عن ذلك، ينطق معظم اليهود المغاربة بالفرنسيّة على مستوى عالٍ.
يحافظ الشعر اليهوديّ المغربيّ على مواضيع من حضاراتٍ شتّى، ويدمج بين مواضيع يهودية كلاسيكيّة وموتيفات أندلسيّة تسلّلت إثر التأثير الأندلسيّ. على مرّ العصور، كانت المغرب مركزًا للشعر الديني اليهوديّ، الذي منح الشعب اليهوديّ فصائد يُنشِدوه في المجامع في السبوت في الشتاء. تمزج هذه العادة، التي تعود أصولها إلى يهود الأندلس، بين تسبيح الله والثناء على يوم السبت مع الحنين إلى أرض إسرائيل.
استمِعوا إلى الصيغة الخاصّة لـ “شعر الطلبات” المغربي:
إذا كنتم بين عشاق الغناء والحضارة الشرقيَين ولا سيما الحضارة المغربية، فأنتم تعرفون، دون شك، المطربة ريموند. بعد مسيرة فنية تجاوزت 45 عاما، وهي في السبعين من عمرها، لا تستريح النجمة ريموند أبو قسيس لحظة، وتستمر في فتن الأسرة المالكة المغربية ومحبي الموسيقى المغربية الحقيقية، بكل إيقاعاتها غير المتماثلة، عذوبتها العميقة، والإحساس والجمال الناتجَين منها.
تروي لنا ريموند، في لقاء خاص، عن بدايات مسيرتها الموسيقية، محبتها للحضارة المغربية الأصيلة، وعن ظمأ آخذ بالتزايد لدى الجالية اليهودية في البلاد لـ”حضارة الوطن”، حضارة الجذور المغربية.
مَن لم يحظَ بفرصة التعرف إلى هذه الشخصية المميزة، ريموند، إلى جمالها الأخاذ حتى بعمر 70 سنة، والاستماع إلى صوتها العذب في تأدية أغانٍ مغربية أصيلة بلكنة مغربية، تتسلل إليها كلمات غير قليلة باللغة الفرنسية، من لم يحظَ بهذه الفرصة يبدو أنه خسر فرصة التعرف إلى شخصية تمزج بسحر خاص حضارتَي المشرق والمغرب في آنٍ واحد.
أصبحت ريموند أبو قسيس منذ مدة طويلة نجمةً من الدرجة الأولى في المغرب، سليلة أخيرة للمطربات الكبيرات في بلاط الملك المغربي حسن الثاني (رحمه الله) وابنه محمد السادس. أبو قسيس، ابنة مدينة الدار البيضاء هي مطربة وممثلة إسرائيلية. بدأت مسيرتها كمطربة تغني أساسًا باللغة العربية، ورافقت الملك المغربي، حسن الثاني ، والأوركسترا الملكية، لمدة خمس سنوات في زياراته الرسمية في العالم. هاجرت مع عائلتها من المغرب إلى إسرائيل في سن صغيرة جدا، ومنذ أواسط الثمانينات شرعت بالتمثيل في عدد من الأفلام السينمائية والعروض المسرحية في إسرائيل، في فرنسا ومونتريال. وكل هذا، صدّق أو لا تصدّق، بدأ صدفةً…
كيف بدأت محبتكِ للموسيقى الشرقية، العربية؟
“منذ ولادتي أحببتُ الموسيقى العربية. وُلدتُ في الدار البيضاء. لم أركّز على الموسيقى المغربية تحديدًا، فقد كانت اللهجة المغربية ثقيلة عليّ. كنتُ أعشق المطربة المصرية فايزة أحمد. كانت تمثل الذروة بالنسبة إليّ، على الرغم من أنّ أفراد أسرتي جميعهم كانوا يحبون أم كلثوم حينذاك. أحببتُ جدا عبد الوهاب أيضًا، فقد كان طربًا حقيقيًّا. كان أبي يغني لعبد الوهاب، وقد نقل إليّ هذه الجرثومة التي تُدعى عبد الوهاب، والشغف بالموسيقى العربية”.
مطربها المفضل محمد عبد الوهاب (ويكيبيديا)
تروي أبو قسيس أنه مع هجرتها للبلاد (عام 1963)، انتقلتْ للسكن مع أسرتها في مدينة أشدود الجنوبية: “كنتُ إذّاك صغيرة جدا، لم أبلغ العشرين من عمري بعد، وتملكتني رغبة شديدة في العودة إلى المغرب بسبب الطابع الاجتماعي للمجتمع الذي نشأتُ فيه. في أشدود لم يكن شيء من هذا. كنتُ أبحث عن الحرية، التي كانت تتجسد في نظري بالعودة إلى المغرب”.
تعرفت أبو قسيس لاحقًا إلى زوجها الذي كان قادمًا من بلجيكا في زيارة لوالدَيه: “تزوجنا بعد عامَين في 1965. بدأنا نبني حياتنا هنا في أشدود. رغب زوجي بشدة في دراسة هندسة الإلكترونيات. لم نمتلك الموارد الكافية، فقد عشنا بصعوبة شديدة، كان زوجي يدرس فيما قمتُ أنا بإعالة العائلة كخيّاطة. لم تخطر الموسيقى لي على بال حينذاك. فكرتُ في الطريقة الأفضل لإعالة عائلتي التي أخذت تكبر في تلك الأثناء، وابتدأتُ بالعمل في الخياطة. كانت أمي خياطة مهمة في المغرب، وتعلمتُ منها أسرار المهنة”.
فور ولادة ابنتها الكبرى ياعيل (التي أصبحت بمرور السنين ممثلة وعارضة شهيرة جدا في إسرائيل)، حملت ريموند مجددًا، لكن الطفلة توفيت بعد فترة قصيرة من ولادتها جراء مرضٍ ألمّ بها: “كنتُ في أزمة، وأصبحتُ كئيبةً. تعرف زوجي في ذلك الحين إلى ملحن مغربي شهير يُدعى ألبرت سويسة. طلب منه أن يزورنا في المنزل ليطيّب أوقاتنا بموسيقى عربية أصيلة تخرجني من كآبتي، وقد نجح ذلك. بحث سويسة في الفترة عينها عن مغنية من أصل مغربي لأسطوانة كان يريد تسجيلها في البلاد، ولم يجد. أرشدتُه إلى مغنية صديقة كنتُ قد تعرفتُ إليها، وعرضتُ عليهما أن يعملا على الأسطوانة عندي في البيت. ولكن سرعان ما أدرك سويسة أنه لن يستطيع تسجيل الأسطوانة، إذ لم تستطع صديقتي التمييز في النطق بين “السين” و”الشين”، وكان ذلك فظيعا”.
الإبنة، ياعيل، احدى الممثلات الشهيرات في إسرائيل (ويكيبيديا)
يومًا ما، تخبرنا ريموند، سمعها سويسة تغني لابنتها ياعيل أغاني مغربية: “توسل إلى حماتي وزوجي أن يقنعاني بالغناء في أسطوانته. لم أوافق، فقد أحببتُ سماع الموسيقى الشرقية، لكنني أحببتُ بالمقدار نفسه الاستماع إلى سيلفي فرتان وجاك بيرل. عارضتُ الاقتراح بشدة. والغناء بالمغربية أيضا، كان صعبا عليّ. لا تنسَ أننا لم ندرك حينذاك عظمة الموسيقى الشرقية. كنا نخجل بذلك. فعندما كنت أستمع إلى عبد الوهاب في البيت، كنتُ أخفض صوت المذياع من شدة الخجل، حتى لا يعرف الجيران أنني أحب الاستماع إلى الأغاني العربية. بعد محادثات لا تُحصى مع حماتي، وبعد أن نلتُ بركتها، وافقتُ على مساعدة سويسة شرطَ ألا يظهر اسمي ولا صورتي على الأسطوانة. ما زلتُ أحتفظ إلى اليوم بنسخة من الأسطوانة دون صورة أو اسم”.
لم تتأخر ردود الفعل الحماسية والمشجّعة. بدأ الناس بقرع بابها والطلب منها أن تحيي سهرات حناء خاصة، مهرجانات، حفلات “ميمونة”، ومهرجانات الغناء الشرقي في البلاد. بلغ الصوت المميز والقوي فورًا أوساطَ السياسيين والسفراء، وبدأ رسميون بنقل الأغاني إلى المغرب.
كيف تعرفتِ بالملك حسن الثاني؟
“كان لإسرائيل بعض العلاقات بالأسرة المالكة المغربية. بعد أن اشتهرتُ في البلاد، قدم سفير إسرائيل في المغرب حينذاك أسطوانتي إلى الملك في إحدى الجلسات. كانت أسطوانتي مغطاة بأسطوانة لأم كلثوم. فقد خجلوا من عرض أسطوانتي مع الكتابة بالعبرية. الملك حسن الثاني … “الله يرحمه” (تشدد بطريقة مغربية محضة) طلب فورًا أن تُرسل إليه أسطوانة مع صورتي. قال الملك لضيوفه أنني “وحدة منهم”.
المطربة ريموند ابو قسيس (نوعام موسكوفيتش)
أثار اللقاءُ مع الملك ريموند بشدة: “كان إنساناً محترمًا جدًّا. أراد في المقابلة الأولى أن يسمع كل شيء عن الجالية المغربية في البلاد، عن اختبارات عائلتي إثر الهجرة لإسرائيل. عرّفني بالأوركسترا الملكية. وبعد عدد من الحفلات، بدأتُ بمرافقته في رحلاته الرسمية في العالم، وبالغناء أمام ضيوفه ومضيفيه. تعرفتُ بالملك المغربي محمد السادس منذ كان طفلًا. من المتعارف عليه في اللقاءات مع الملك تقبيل يده ويد الأمير ولي العهد. أدى الاحترام المتبادل الذي كنا نكنه الواحد للآخر بمحمد السادس أكثر من مرة إلى أن يقبّلني على خدي. فهو لم يرِد أن أقبّل يديه. هذا شرف عظيم، فهو رجل نبيل حقا يجيد احترام النساء”.
يبدو أنكن تُكرّمنَ وتُعرفنَ في الدول العربية تحديدا أكثر من إسرائيل؟
“كان ثمة أزمة. كثير من المغنين والمغنيات الذين انتقلوا من الدول العربية إلى إسرائيل لم يحالفهم النجاح. لم يكن هذا مقبولًا في إسرائيل في الخمسينات والستينات. لم أمر بهذه الأزمة، فقد عرفني الناس هناك وهنا أيضًا. عملتُ بجد في فني. استصعب مطربون وملحّنون آخرون كزُهرة الفاسية والأخوين صالح وداود الكويتي (ملحنَين مهمَين من العراق) الاندماج في الحضارة الإسرائيلية. لم يعرف المجتمع ولم يقدّر حينذاك الغناء الشرقي كما يجب. تتغير الأمور اليوم. فريتا تعود للغناء بالفارسية، وزهافا بين وسريت حداد لا تخجلان من غناء خيرة أغاني فيروز وأم كلثوم أمام جمهور إسرائيليّ. وكذلك دودو طاسة، المغني الإسرائيلي الناجح جدا اليوم، حفيد داود الكويتي، قام بتكريم موسيقى جده العراقية في الأسطوانة الجديدة التي أنتجها”.
فقدت ريموند، التي لم تكن حياتها سهلة، زوجها في طريقها لإحدى الحفلات بعمر 33 عاما، وقامت منذ ذلك الوقت بتنشئة ولديها ياعيل وأليئيل بمفردها. وقد اندمج كلاهما لاحقا في الحضارة الإسرائيلية كمغنيَين وممثلَين. اللافت للنظر هو أن ريموند، بخلاف الكثير من المغنين ذوي الجذور الشرقية، رفضت إصدار أسطوانة بالعبرية. تقول: “رفضتُ دائمًا الغناء بالعبرية. لا أريد أن أكون نصف مطربة. خلال كل مسيرتي الفنية، وضعتُ هدفا واضحا جدا أمام عينيّ: الغناء بالعربية المغربية الكلاسيكية، شاقةً ممرًّا حضاريا مباشرًا بين إسرائيل والمغرب عبر الأغنية المغربية، ولا أعتزم التخلي عن ذلك. وجدتُ نفسي في الغناء العربي”.
تأمل ريموند أن ينشأ جيل يتابع الحضارة المغربية في إسرائيل، وتناشد المغنين والمغنيات أن يكملوا هذا التقليد. ظهرت ريموند مؤخرا في تمثيلية باللغة المغربية “عرس تربيع”، تخبر: “ثمة ظمأ للحضارة المغربية في البلاد. رغم أننا قمنا بتمثيل هذه المسرحية في مدن الضواحي في إسرائيل عشرات المرات، فكل مرة كنّا نندهش لرؤية مدى امتلاء القاعات بأشخاص من أجيال شابة وكبيرة يفهمون اللغة. ليت هذا الجيل يجد استمراريته!”.
ما هو رأيكِ بالموسيقى الشرقية – الإسرائيلية اليوم؟
“الأمور أسهل للمغنين الشرقيين الشبان اليوم. فهم يتوجهون لجمهور المهاجرين من الدول العربية، وينجحون في إضفاء سحر على صناعة الموسيقى في إسرائيل. إنهم يتوجهون لكل الاتجاهات: لليبيين، للمغاربة، للعراقيين، لليمنيين، وحتى للشكناز. نالت هذه الأغاني هوية جديدة ومحلية إسرائيلية. هل تسألني إن كنتُ أحب الاستماع لهذه الأغاني؟ أجيبك بأنني لا أعرف أية أغنية، فأنا لا أحب هذا الأسلوب، وهو لا يمسني، إنه برأيي (وجع رأس). أقدّر أيال جولان وسريت حداد، فهما يغنيان بشكل رائع، لكنني لا أشعر بالتماثل مع الإيقاعات. لا أستمع إطلاقا إلى الموسيقى الإسرائيلية الحالية، فأنا ملتزمة بسماع ومتابعة تطورات الغناء العربي. أنا مُعجبة بصوتَي ملحم بركات وجورج وسوف، حتى أنني غنيتُ مع ملحم في باريس. ما زلتُ أستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية: أم كلثوم، فايزة أحمد، وعبد الوهّاب”.
رغم سنها المتقدمة نسبيا، لا تزال ريموند تلهب مسارح المغرب برفقة زوجها الجديد الذي تعرفت إليه مؤخَّرًا، وهي تظهر في عدد لا يُحصى من الحفلات في المغرب، فرنسا، ومونتريال.
كيف تشرحين نجاحك في العالم العربي؟
“أُفاجأ كل مرة من جديد. في رحلتي الأخيرة إلى مهرجان الموسيقى المغربية في مدينة سويرا، استقللتُ سيارة أجرة. تحدثتُ وزوجي بالعبرية، ولم يتوقف سائق سيارة الأجرة عن التحديق بي. عرفني، واتصل فورًا بزوجته مخبرًا إياها: “لن تصدقي من معي في سيارة الأجرة، إنها ريموند البيضاوية”. وهذا ما يمنحني القوة لأستمر، تقدير ومحبة الجمهور”.