الحرب العالمية الأولى

100 عام على الحرب التي غيّرت وجه العالم

الزعماء في الاحتفال الخاص في باريس (AFP)
الزعماء في الاحتفال الخاص في باريس (AFP)

شارك عشرات الزعماء في احتفال خاص في باريس لذكرى مرور 100 عام على الحرب العالمية الأولى: "لن تزول عواقب الحرب أبدا"

11 نوفمبر 2018 | 16:02

شارك اليوم الأحد، زعماء من سعبين دولة في احتفال مركزي في باريس بمناسبة مرور مئة عام على الهدنة التي أدت إلى إنهاء الحرب العالمية الأولى. قدّم زعماء كثيرون التحية لملايين الجنود والمواطنين الذين قُتِلوا في الحرب الضارية، التي انتهت بتاريخ 11 تشرين الثاني 1918.

ترأس الاحتفال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وشارك فيه من بين زعماء آخرين، رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو. أشار الرئيس الفرنسي، الذي كان الخطيب الرئيسي في الاحتفال، في خطابه إلى السلام الهش، والخطر الكامن في العنصرية. “لن تزول عواقب هذه الحرب أبدا، فالشياطين تخرج من الأرض ثانية”، قال ماكرون. كما حث الزعماء على العمل معا من أجل السلام، سعيا منهم لمواجهة التحديات مثل التغييرات الإقليمية، الفقر، الجوع، ونقص المساواة.

في وقت لاحق من اليوم، سيعقد ماكرون مؤتمرا في قصر الإليزيه، يشارك فيه زعماء العالم، وهو يهدف إلى تعزيز التعاون بين المشاركين، وإلى منع ارتكاب أخطاء الماضي ثانية، تلك التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الأولى.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون (AFP)

قال بنيامين نتنياهو، أمس السبت، قبل أن يتجه إلى باريس “نحن في طريقنا للمشاركة في الاحتفال الهام للذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى. ذكرى الحرب الضارية التي أسفرت عن قتل الملايين. لقد أثرت هذه الحرب في شعبنا أيضا. أولا، لأنه شارك فيها آلاف المقاتلين اليهود، ما يشير إلى التغيير في قدرتنا على حماية أنفسنا، وطبعا لأن الحرب أدت إلى نهاية الإمبراطورية العثمانية التي سيطرت على بلادنا، وساهمت في شق طريق الصهيونية”.

قُتِل نحو عشرة ملايين جندي، وقُتِل ملايين المواطنين في الحرب العالمية الأولى، التي كانت أحد النزاعات المسلحة الأكثر فتكا في التاريخ، وأدت إلى تغييرات جذرية سياسية وديموغرافية في أوروبا. لقد استمر السلام بعدها لمدة قصيرة، نحو عقدين فقط، حتى اجتاح الألمان الدول الجارة وبدأت الحرب العالمية الثانية.

اقرأوا المزيد: 276 كلمة
عرض أقل
منظر لآثار مدينة بابل التاريخية (AFP)
منظر لآثار مدينة بابل التاريخية (AFP)

على أنهار بابل.. قصّة يهود العراق

يعيش اليوم في بغداد 8 يهود فقط، بقية لجالية عريقة تعود جذورها إلى أكثر من 2500 عام. اقرأوا قصة هذه الجالية وتعرفوا إلى 5 إسرائيليين معروفين انحدروا منها

01 يونيو 2017 | 11:16

“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.

فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَ‍ارِ بَ‍ابِ‍لَ،‏ هُنَ‍اكَ جَلَسْنَ‍ا.‏  بَ‍كَيْنَ‍ا أَيْضً‍ا عِنْ‍دَمَ‍ا تَ‍ذَكَّرْنَ‍ا صِهْيَ‍وْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.

النموّ والازدهار

كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.

قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)

مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.

كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.

كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)

بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون‎ ‎‏. اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.

أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. ‏‎ ‎فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.

التدهوُر والمغادَرة

حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.

مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)

وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.

كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.

عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.

نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.

جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.

خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم

عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)

بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.

لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:

  • الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
  • بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
  • دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل‏‎ ‎‏، التي اشتُهرت بأداء جدّه.‎ قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
  • إيلي عمير الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
  • إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.

شاهدوا إيلي يتسفان العراقي يقلّد حسني مبارك:

اقرأوا المزيد: 1338 كلمة
عرض أقل
100 عام على الهولوكوست الأرمني (Wikipedia)
100 عام على الهولوكوست الأرمني (Wikipedia)

100 عام على الهولوكوست الأرمني

قتل وشرّد مئات آلاف الأرمن الذين كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية في مجازر مروعة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وذلك بين عامي 1915 و1917. 5 حقائق حول هولوكوست الأرمن

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اجتاحت الفكرة القومية الأرمن أيضًا، وهم أفراد شعب مسيحي قديم، حيث عاش معظمهم في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية العثمانية وما وراء الحدود، في فارس وفي مناطق روسيا القيصرية. انتشر عشرات آلاف الأرمن خلال السنين أيضًا في مدن الإمبراطورية العثمانية، وقد شكّلوا طبقة متعلمة وثرية نسبيا. في الشرق عاش الأرمن في مناطق عديدة إلى جانب الأكراد – الذين رغم كونهم أقلية قومية، إلا أنهم مسلمون دينيا، والذين استغلوا ضعف السلطة من حين إلى آخر من أجل مهاجمة جيرانهم المسيحيين.

في التسعينيات بدأت حركات الأرمن بالتسلّح والتنظيم للدفاع عن النفس. حاولت السلطات العثمانية أيضًا أن تحرّض الأكراد ضدّ الأرمن، وفقا للقاعدة الرومانية “فرّقْ تسُدْ”. كانت النتيجة موجة من المذابح والمجازر ضدّ الأرمن بين عامي 1895-1996، تشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا تراوح بين 80 ألفا إلى 200 ألف.

في الحرب العالمية الأولى، والتي اندلعت في آب عام 1914، قاتلت الإمبراطورية العثمانية ضدّ روسيا، ووجد الأرمن أنفسهم بين الجبهتين. دفعت هزائم الجيش العثماني الأرمن إلى شن ثورة في عدة أماكن من الشرق، غير بعيدة عن خطّ الجبهة، وخشي قادة الحكومة بأن يمهّد انتشار التمرّدات الطريق للاحتلال الروسي. شكّلت هذه الخشية ذريعة لسلسلة من الإجراءات القمعية، والتي كانت تهدف إلى تمهيد الأرضية لإبادة جماعية، بل من أجل هذا الغرض أقيم “التنظيم الخاص”، والذي جُنّد إليه سجناء جنائيون أطلق سراحهم لهذا الهدف، وهم أبناء قبائل كردية ومهاجرون من القوقاز والبلقان.

100 عام على الهولوكوست الأرمني (Wikipedia)
100 عام على الهولوكوست الأرمني (Wikipedia)

إذا، لماذا ما زال نفي الهولوكوست الأرمني والذي أبيد فيه وفق التقديرات 1.5 مليون أرمني ساريا؟ إليكم بعض الحقائق حول الهولوكوست الأرمني والإنكار الكاسح لوجوده، حتى اليوم.

1. يتم إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، أو هولوكوست الأرمن، كل عام في 24 نيسان. في نفس اليوم عام 1915، في ذروة الحرب العالمية الأولى، اعتقلت حكومة الإمبراطورية العثمانية برئاسة “تركيا الفتاة” نحو 250 من قادة الطائفة الأرمنية وقتلتهم بشكل علني في نفس الليلة. في ذلك الوقت قُتل الأرمن الذي جُنّدوا للجيش التركي من قبل ضباطه.

2. في موازاة المجازر “العفوية” أصدرت الحكومة التركية أوامر تدعو إلى تهجير “العناصر المعادية” إلى خارج الإمبراطورية العثمانية. ونتيجة لذلك طُرد مئات آلاف الأرمن في مسيرات الموت: قُتل المطرودون خلال المسيرات واغتُصبوا. أما أولئك الذين نجوا فقد وُضعوا في معسكرات موت من دون شراب وطعام. وفقا للتقديرات فقد قُتل نحو مليون ونصف المليون أرمني بشكل ممنهج بين عامي 1915-1918 من قبل سلطات الإمبراطورية العثمانية.

مراسم ذكرى ضحايا الهولوكوست الأرمني (AFP)
مراسم ذكرى ضحايا الهولوكوست الأرمني (AFP)

3. الإبادة الجماعية للأرمن هي أول إبادة جماعية في القرن العشرين، وقد سبقت الإبادة التي ارتكبها الألمان بحق اليهود، الهولوكوست، أثناء الحرب العالمية الثانية. لا بل إن أدولف هتلر، عندما قرّر غزو بولندا، عام 1939، طلب من جنرالاته أن يقتلوا كل من ينتمي إلى العرق البولندي بلا رأفة لتأمين مجال ألمانيا الحيوي. وقال لهم لتشجيعهم وإزالة الخوف من نفوسهم: “لا أحد يتحدث في هذه الأيام عما حلّ بالأرمن”.

4. تعترف 20 دولة فقط بالإبادة الأرمنية وهي: الأورغواي، قبرص، روسيا، كندا، لبنان، بلجيكا، فرنسا، اليونان، الفاتيكان، إيطاليا، سويسرا، الأرجنتين، سلوفاكيا، هولندا، فنزويلا، بولندا، ليتوانيا، تشيلي، السويد، وبوليفيا. كذلك تعترف بها 43 ولاية أمريكية. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، اعترفت تركيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها وتبدّى ذلك من مواقف لحكومتها ومن خلال المحاكمة العسكرية لبعض القادة. وأقرت بالإبادة الأرمنية محملةً المسؤولية لزعماء حزب الاتحاد والترقي الذي كان يسيطر على الحكومة. ولكن منذ العام 1921، صار الموقف الرسمي التركي ينكر إبادة الأرمن وهو موقف يستمر إلى الوقت الحاضر.

مراسم ذكرى ضحايا الهولوكوست الأرمني (AFP)
مراسم ذكرى ضحايا الهولوكوست الأرمني (AFP)

5.لا تعترف إسرائيل الرسمية بالإبادة الجماعية للشعب الأرمني وهذا الموضوع لا يندرج في البرامج الدراسية.

في ذكرى الهولوكوست العالمي الأخير افتتح رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، خطابه قائلا: “مائة عام من التردّد والإنكار. في أرض إسرائيل حينذاك، والتي ولدتُ فيها، لم يتنكّر أحد للقتل الذي حصل. لقد رأهم سكان القدس، أهلي، قادمين بالآلاف… لقد وجدوا في القدس مأوى ويعيش أحفادهم فيها حتى اليوم”. في الواقع السياسي الحالي في إسرائيل ورغم الصعوبات الكثيرة بين إسرائيل وتركيا لا يبدو أنّه سيحدث تغيير في موقف إسرائيل الرسمية بخصوص التعامل مع هولوكوست الأرمن.

اقرأوا المزيد: 604 كلمة
عرض أقل
القرآن (AFP)
القرآن (AFP)

تركيا تصدر أول نسخة للقرآن بالأرمنية

اعلنت اعلى سلطة دينية في تركيا طبع الالاف من نسخ القرآن بالأرمنية بعد اسابيع على الجدل الذي هز البلاد خلال الذكرى المئوية "لإبادة" الارمن عام 1915

اعلنت اعلى سلطة دينية في تركيا طبع الالاف من نسخ القرآن بالأرمنية بعد اسابيع على الجدل الذي هز البلاد خلال الذكرى المئوية “لإبادة” الارمن عام 1915

واكد مدير مكتب النشرات الدينية لدى السلطة يوكسل سلمان لوكالة فرانس برس ان هذه المبادرة لا علاقة لها بالذكرى المئوية لإبادة الارمن في ظل السلطنة العثمانية، التي تم احياؤها في 24 نيسان/ابريل الماضي.

وقال سلمان انها تأتي تلبية لل”طلب الكبير” من الاقلية الارمنية في تركيا، التي تعد 60 الف شخص ارمني تركي، يضاف اليهم نفس العدد من الأرمن المقيمين الذين لا يحملون الجنسية التركية.

واضاف “اضافة الى مواطنينا الأرمن لم يكن في امكاننا تجاهل الاهتمام الذي اظهره الشتات الارمني لتعلم القرآن”.

واوضح “اتخذنا هذا القرار لتقديم معلومات مباشرة عن الاسلام”.

وتم طبع اربعة الاف نسخة من القرآن باللهجتين الأرمنية الغربية والشرقية.

وتنفي تركيا نفيا قاطعا بأن تكون السلطنة العثمانية نظمت عمليات قتل بشكل منهجي لسكانها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى وترفض كلمة “إبادة” التي يستخدمها الأرمن والمؤرخون وحوالى 20 بلدا منها فرنسا ايطاليا وروسيا.

وفي الاسابيع الماضية ردت أنقرة بعنف على كل التصريحات التي اشارت الى إبادة الأرمن أو التي طلبت منها الاعتراف بها.

ونشر مكتب سلمان نسخا للقرآن في 16 لغة بما فيها الكردية حيث يشكل الأكراد 20% من سكان تركيا.

وخلال اجتماع انتخابي في جنوب شرق البلاد حيث غالبية السكان من الأكراد الاسبوع الماضي لوح الرئيس الاسلامي المحافظ رجب طيب أردوغان بنسخة للقرآن بالكردية ما اثار غضب المعارضة التي تهمته باستخدام الدين لأغراض سياسية.

اقرأوا المزيد: 223 كلمة
عرض أقل
ثائر سوري في حي باب قنسرين بحلب القديمة بعد قصفه على يد القوات النظامية في سوريا (AFP)
ثائر سوري في حي باب قنسرين بحلب القديمة بعد قصفه على يد القوات النظامية في سوريا (AFP)

ثمن الدماء: أكثر الحروب كلفًة على مر التاريخ

تُكلف الحروب ثمنًا باهظًا بحصد الأرواح وكذلك كلفتها الاقتصادية أيضًا باهظة جدًا

سواء كان هناك مبرر لشن حرب ما أو عدم وجوده، لا شك أن الحروب كلفتها كبيرة والأموال التي تبدد عليها يمكنها، على ما يبدو، حل أزمة الفقر العالمية. وأيضًا، تتمخض عنها خسارة الأرواح وخسارة اجتماعية، التي يصعب التطرق إليها وفق اعتبارات مالية. رغم ذلك، فقد نشر موقع TheRichest قائمة تضم أكثر الحروب كلفة حتى وقتنا هذا.

الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945): 4.1 تريليون دولار

الحرب العالمية الثانية (Wikipedia)
الحرب العالمية الثانية (Wikipedia)

اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939 بعد أن قامت ألمانيا باحتلال بولندا، وتوسعت بسرعة في أنحاء أوروبا عندما أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب ضد ألمانيا وإيطاليا. بعد الهجوم الجوي الذي شنته اليابان على الميناء البحري Pearl Harbor عام 1941 انضمت الولايات المتحدة إلى الحلفاء وساعدت على ترجيح كفة الميزان لصالح الحلفاء.

الرد على الهجوم الإرهابي في 11 سبتمبر (2001 – 2010) 1.1 تريليون دولار

الهجوم على مركز التجارة العالمي، 11/9 (AFP)
الهجوم على مركز التجارة العالمي، 11/9 (AFP)

أدى الهجوم الإرهابي الذي وقع على نيويورك وواشنطن في 2001 إلى حدوث موجة غضب عالمية عارمة. قامت الولايات المتحدة بالرد بسرعة وبدأت بمهاجمة تنظيم القاعدة وقائده أسامة بن لادن، الذي كان يختبئ في أفغانستان. بالمقابل، شن الأمريكيون حربًا على العراق، بادعاء أن تلك الدولة تخبئ أسلحة نووية. أدت الحرب إلى عزل وإعدام صدام حسين عام 2006، وذلك رغم عدم ظهور أي أدلة تثبت وجود أسلحة نووية.

الحرب على فيتنام (1965 – 1975): 738 مليار دولار

الحرب على فيتنام (Wikipedia)
الحرب على فيتنام (Wikipedia)

تلك كانت ذروة الحرب الباردة ولم ترغب أمريكا بأن تتحوّل أي دولة إلى دولة شيوعية، حتى على حساب دعم رئيس لا شعبية له والذي كان السبب بمقتل الكثيرين من أبناء شعبه. خسرت الولايات المتحدة بنهاية الأمر الحرب، ولكنها تمكّنت من سحب قواتها قبل أن تُمنى بهزيمة ساحقة.

الحرب الكورية (1950 – 1953): 341 مليار دولار

الحرب الكورية (Wikipedia)
الحرب الكورية (Wikipedia)

تحوّلت كوريا إلى ساحة المعارك الأولى للحرب الباردة. تم تقسيمها إلى شمال شيوعي مقابل جنوب رأسمالي. دعمت الصين والاتحاد السوفيتي الشمال بينما دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجنوب. في ذروة الحرب، فكر الجنرال دوغلاس مكارثي وبشكل جدي باستخدام القنبلة الذرية.

الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918): 334 مليار دولار

الحرب العالمية الأولى (Wikipedia)
الحرب العالمية الأولى (Wikipedia)

اندلعت الحرب في أوروبا، التي انقسمت إلى معسكرين: بريطانيا، فرنسا ودول أخرى ضدّ ألمانيا، بلغاريا، النمسا – المجر، وتركيا. التزمت الولايات المتحدة الحياد طوال فترة الحرب، ولكن، بعد أن قامت ألمانيا بإغراق سفن تحمل على متنها مواطنين أمريكيين انضمت إلى الحلفاء. انتهت الحرب بعد عام من ذلك.

حرب الخليج (1990 – 1991): 102 مليار دولار

حرب الخليج (Wikipedia)
حرب الخليج (Wikipedia)

اجتاحت العراق، برئاسة صدام حسين، الكويت عام 1990، مدعية ملكيتها التاريخية لتلك المنطقة. بسبب الخطر الذي كان يتهدد إمدادات النفط العالمية، شنّت الولايات المتحدة عملية “عاصفة الصحراء”، التي كانت تهدف إلى تحرير الكويت وتمت متابعة العملية خطوة بخطوة من خلال تغطية شبكة – CNN.

والحروب في الشرق الأوسط؟

حرب عام 1967 (Wiiipedia)
حرب عام 1967 (Wiiipedia)

كانت حرب عام 1967 ربما إحدى الحروب القصيرة، التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط، لكن تأثيرها بقي لسنوات بعد ذلك من الناحية الاجتماعية – السياسية والاقتصادية. مع انتهاء الحرب، بدأ يتداول الكثيرون السؤال ـ ماذا كانت كلفة تلك الحرب القصيرة على الاقتصاد الإسرائيلي؟ في البداية، خصص وزير المالية الإسرائيلي في حينه، بنحاس سابير، مبلغ نصف مليون دولار، ومن ثم رفع المبلغ إلى 750 مليون دولار وبنهاية الأمر قُدرت كلفة الحرب بنحو مليار دولار.

الحرب الأهلية في سوريا

الحرب الأهلية في سوريا (AFP)
الحرب الأهلية في سوريا (AFP)

لم تنته الحرب في سوريا بعد وللأسف الشديد لا نرى أيضًا نهاية لها. لم ينجح النظام السوري والمعارضة بالتوافق حتى على حجم الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري نتيجة الحرب الأهلية العنيفة المندلعة في البلاد منذ ثلاث سنوات. صرح رئيس حكومة النظام، وائل الحلقي، أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري تُقدر بمبلغ 4.7 تريليون ليرة سورية أي ما يعادل 31.2 مليار دولار. بالمقابل، تدعي المعارضة أن الأضرار التي لحقت بالاقتصاد السوري تصل إلى 300 مليار دولار وهذا بسبب تدمير البنى التحتية، الزراعة، الصناعة وقطاعات أخرى. قّد الدكتور أسامة القاضي، نائب وزير المالية في الحكومة المؤقتة، بأن سوريا تحتاج إلى 10 سنوات من أجل ترميم 80% من الدمار الذي خلفته الحرب.

اقرأوا المزيد: 580 كلمة
عرض أقل
رسم من كتاب يعود إلى القرن التاسع عشر، شكّل أساسًا لنظرية الأعراق النازية
رسم من كتاب يعود إلى القرن التاسع عشر، شكّل أساسًا لنظرية الأعراق النازية

حين تتغلب العنصرية على العِلم

كانت نظرية الأعراق المبرّر الأيديولوجي لقتل ملايين وإقامة خطط لـ "تحسين العِرق الآريّ"؛ هكذا شوّه النازيون الإنجازات العلميّة لتحقيق خطّتهم الشيطانيّة

لم تجرِ صياغة العنصرية بطريقة واضحةٍ ووقحة أكثر ممّا فعله منظّرو الأعراق النازيون. وُضعت أعمال كاملة لعلماء فقط بهدف البرهان على أن أبناء عِرقٍ ما أسمى من العروق الأخرى، وأنه يمكن تصنيف مدى ذكاء وتفوّق البشر عبر التحدّر العرقي فقط.

من البيّن أنّ الضحايا الرئيسيين لهذه الأيديولوجية المجنونة هم يهود أوروبا، لكن من الممكن أن ندرك بسهولة إلى أيّ حدّ كان ممكنًا أن تكون مجموعات إثنيّة أخرى مثل العرب، الآسيويين، السود، الغجر، أو الهنود ضحايا العنصرية النازية. مهّدت الأيديولوجية العنصرية الطريق لقتل كلّ إنسان لا ينتمي إلى العِرق الألماني – الآري “الأسمى”. ولو احتلّ النازيون الشرق الأوسط، يُحتمَل أنّ عربًا كثيرين، لا اليهود فقط، كانوا سيقعون ضحية لمجازرهم الجماعيّة.

عنصريّة عِلميّة

يبدو اليوم أنّ الفرضيّات التي بُنيت عليها النظرية، التي تُفيد بأنّ المنتمين إلى عروق معيَّنة هم “أدنى” ولا يمكنهم بلوغ إنجازات ذهنيّة وروحانيّة يمكن أن يبلغها فقط بنو العروق “الأسمى”. في يومِنا هذا، في ظلّ تربُّع رئيس من أصول إفريقية – أمريكية على عرش البيت الأبيض في واشنطن وقيادته الأمة الأقوى في العالم، تبدو الفكرة أنّ الناس من عُروق معيّنة عاجزون عن التفكير كنظرائهم من عروق أخرى سخيفة.

لكن في ألمانيا في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، حين كان النازيون يوطّدون سلطتهم، بدت النظريات العرقية علميّة محضة. وقد كان لتلك النظريّة المشوَّهة عددٌ من الأساسات التي ساهمت في تطويرها، وجعلها الأيديولوجية الرسمية لألمانيا.

رسوم من كتاب نازي تشرح فيه النظرية العنصرية النازية
رسوم من كتاب نازي تشرح فيه النظرية العنصرية النازية

أحد جذور هذه النظرية هو “فراسة الدماغ”، نظرية ازدهرت في أوائل القرن التاسع عشر، وادّعت أنّ مبنى الشخصية متّصل بمبنى جمجمة الإنسان.‎ وفق النظرية، ثمة 42 منطقة في الدماغ، كلّ واحدة منها مسؤولة عن خصلة مختلفة في الطباع، ويمكن لقياس الجمجمة أن يحدّد طبيعة الإنسان وذهنه. كانت النظرية شعبيّة ليس في ألمانيا فحسب، بل أيضًا في الولايات المتحدة، واستخدمها علماء الإجرام بشكل أساسيّ.

هكذا قاس النازيون جماجم اليهود، الروس، والسود، وقارنوها بجماجم الألمان ذوي الأصل الآريّ، بهدف الإظهار أنّ ذكاء الألمان أسمى من باقي العروق. وجد العِلم الحديث أنه رغم أنّ بعضًا من أُسس النظرية تبيّن أنه صحيح، فإنّ القدرة على استخلاص استنتاجات من مبنى الجمجمة حول طبيعة الإنسان لا أساسَ لها مطلقًا.

أمّا النظرية الأخرى التي كانت مُلهمًا للنظرية العرقية فهي “النظرية النوردية”، وهي إحدى الصيغ المبكرة للنظرية، قبل النازيين. اعتقدت النظرية أنّ الأوروبيين ينقسمون إلى ثلاثة أعراق ثانوية: العِرق الفرعي “النوردي”، العرق الفرعيّ “الألبيني”، والعرق الفرعي “البحر متوسّطي”، وأنّ العرق “النوردي”، الذي تميّز بلون الشعر الأشقر، العيون الزرقاء أو الخضراء، طول القامة، واتّساع الكتفَين، هو العرق الأسمى والسائد.

ساهم عدد من الفلاسفة البارزين على مرّ التاريخ في هذا الفهم المشوَّه أنّ الرجل الأبيض، أو الألماني، هو مخلوق تسمو قيمته على أبناء عروقٍ أخرى. وأحد أكبر المساهمين في دعم هذه النظرية هو الفرنسي آرثر دو غوبينو، الذي ألّف عام 1853 كتاب “أصل التفاوت بين الأجناس البشرية”، الذي يوصف بأنه أحد أشدّ المؤلفات عنصريةً ومنهجيةً في التاريخ، إذ حدّد أنّ الإنسان الأبيض يقود التاريخ، ويقود تطوُّرَه.

أمّا الفيلسوف الألماني في القرن التاسع عشر، آرثر شوبنهاور، فقد صاغ هذه الموقف بأوضح طريقة، إذ كتب: “إنّ الحضارة والثقافة الأسمى على الإطلاق، باستثناء الهنود القدامى والمصريّين، موجودة حصرًا لدى العروق البيضاء؛ وحتّى بين لدى الشعوب ذات البشرة الداكنة، فإنّ لون المجموعة السائدة أكثر بياضًا من باقي المجموعات”.

من النظرية إلى الأيديولوجية

إثر الحرب العالمية الأولى ويقظة القوميّة الألمانية، أضحت صيغٌ مجرّدة للنظرية شائعة لدى جميع الطبقات في ألمانيا، لا الفلاسفة الألمان فحسب. أراد جموع الألمان، الذين آلمتهم الهزيمة في الحرب العالمية الأولى والوضع الاقتصادي السيء الذي رافقها، تطهير شعبهم من الأعراق الأجنبية، مستخدِمين تلك المعتقدات لتعزيز هويتهم القومية. وقد آمنوا أنه يجب التأكد من عدم تلوّث “العرق الأسمى” بعروق أدنى، لا سيّما اليهود.

حين كتب أدولف هتلر كتابه “كفاحي” أثناء مكوثه في السجن الألماني، استند إلى نظريات نوردية كهذه، أفادت بأنّ اختلاط الشعب الألماني بشعوبٍ “أدنى” هو ظاهرة حقيرة، وأنه يجب الحفاظ على طهارة العرق الألماني – الآريّ. مع صعودِه إلى السلطة في ألمانيا، أضحى هذا الموقف الأيديولوجيّة الألمانية الرسمية، التي طُبّقت ألمانيا وأوروبا كلّها.

اللاعب أولمبي لرياضة الجمباز ألفريد شفارتزمان خلال الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936  (CORR / HO / AFP)
اللاعب أولمبي لرياضة الجمباز ألفريد شفارتزمان خلال الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 (CORR / HO / AFP)

كانت “قوانين نيرنبرغ” التي سُنَّت عام 1935 التطبيق الرسمي لتلك الأيديولوجيات العنصرية. جرّاء سنّها، جُرّد جميع الألمان اليهود والغجر من الجنسيّة، ففقدوا مكانتهم القانونية. فضلًا عن ذلك، فرض “قانون حماية الدم الألمانية” عددًا كبيرًا من القيود المُذلّة على اليهود. فقد حظر عليهم التزوّج بالألمان، تشغيل مساعِدات ألمانيات في منازلهم، والجلوس على مقاعد عامّة، فضلًا عن منع معظمهم من الدراسة في الجامعات والعمل في المستشفيات.

وتجسّد كلمات هتلر نفسه عام 1939 بشكل واضح نطاق العنصرية الرسمية لألمانيا والنتائج المترتّبة عنها: “لن تعرف أوروبا السلام حتّى تتخلص من المشكلة اليهودية. إذا نجحت اليهودية… في جرّ الأمم إلى حربٍ عالميّة ثانية، فإنّ النتيجة لن تكون انتصار اليهودية، بل إبادة العرق اليهودي في أوروبا”. وهكذا، أودت أيديولوجيّة هتلر بحياة ستّة ملايين يهودي.

تحسين العِرق الألماني

إلى جانب إلحاق الضرر بشكلٍ ملحوظ باليهود، عمد الألمان إلى اتّخاذ خطوات تهدف إلى تثبيت تفوّقهم العِرقيّ. هدف برنامج دُعي “ينبوع الحياة” الألماني، طبّقه الحزب النازي، إلى “تحسين” العرق الآري عبر مزاوجة رجال ونساء لديهم صفات ألمانية كلاسيكيّة. كان معظم الآباء ضبّاطًا ألمانًا في الـ SS، وحدة الإرهاب الأعلى في الحزب النازي. وكان الهدف تنشئة جيل من الرجال والنساء الأقوياء، الأذكياء، والحِسان ليشكّلوا “نخبة” العرق الألماني.

أدولف هتلر في لقاءٍ مع ضبّاط SS. أراد النازيون بواسطتهم تحسين العرق الألماني (AFP)
أدولف هتلر في لقاءٍ مع ضبّاط SS. أراد النازيون بواسطتهم تحسين العرق الألماني (AFP)

جرى تأكيد هذه النية في تصريح رسميّ صادر عن الحكومة الألمانية، فور اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939، إذ حدّد المهمة الأسمى لـ “ذوات العرق النقيّ” بإنجاب أطفال المقاتِلين الذاهبين إلى القتال. نُقل الأطفال ذوو الأصول الآرية والمميّزات الجسديّة الملائمة لتهتمّ بهم عائلات “طاهرة”، أو مؤسّسات “طاهرة”، كان هدفها تربيتهم وتأهيلهم بصفتهم أبناء العِرق الأسمى. أمّا الأولاد الآخَرون فقد وُضعوا جماعيًّا في منشآت لتنشئتهم وتربيتهم.

عدا ذلك، كلّما ازداد مساحة الأراضي التي احتلّها الألمان خلال الحرب، جرى إنشاء مراكز لخطة “ينبوع الحياة”، بهدف تنشئة الجيل التالي للنسل المحسَّن للعِرق الأعلى في دُوَل خارج ألمانيا أيضًا. في حالات معينة، جرى خطف أطفال كانوا يفون بتلك المقاييس العنصرية ووضعهم في مراكز التربية تلك. ومن المعروف أنّ نحو ثمانية آلاف طفل كهؤلاء جرت تربيتهم في مراكز في ألمانيا، ونحو 8 آلاف آخرين في النروج. وفي دول مثل النمسا، الدنمارك، فرنسا، بلجيكا، وبولندا، أُنشئت مراكز كهذه.

نهاية الأمر

فشل هذا المشروع الطموح والعنصري، بطبيعة الحال. فقد هُزمت ألمانيا في الحرب، ولم يُسجَّل أيّ تغيير جذريّ في التركيبة الديمقراطيّة لأوروبا. عانى آلاف الأولاد الذين جرت تنشئتهم في “مختبَرات التكاثر” النازية من صدمات نفسيّة صعبة، لأنهم كبروا دون معرفة والديهم الحقيقيين. وطالب العديد من الناتجين عن تلك المراكز، لا سيّما أولئك المولودين لأمهات نروجيّات اغتصبهنّ ضبّاط ألمان، تعويضاتٍ من الحكومة الألمانية.

تحوّلت تلك الخطّة الجامحة والعنصرية، التي كان يمكن أن تغيّر وجه العالم، إلى فصلٍ لن يتكرر في التاريخ البشريّ. وهذا ما حلّ أيضًا بالنظرية العنصرية النازية التي اضمحلّت، ولا تجرؤ أية دولة في العالم على إعلانها أيديولوجيّة رسميّة لها. لا تزال العنصرية قائمة في العالم، لكن نأمل أن لا تعود إلى رفع رأسها من جديد بطريقة منظّمة وقاسية كهذه.

اقرأوا المزيد: 1045 كلمة
عرض أقل
2001، صلاة في الكنيس الرئيسي في دمشق (AFP)
2001، صلاة في الكنيس الرئيسي في دمشق (AFP)

يهود الشام يشعرون بالحنين إلى دمشق وبيروت

تعتبر جالية يهود سوريا ولبنان إحدى الجاليات الأكبر والأهمّ في الشرق الأوسط، ماذا تبقّى منها؟ وما مصير أولئك الذين بقوا في موطنهم؟

في قلب بيروت، غير بعيد عن مكتب رئيس الحكومة اللبناني، تمام سلام، يقع الكنيس الكبير “نجمة إبراهيم”. الحالة المادية للكنيس صعبة، ولكن لا يزال بالإمكان مشاهدة نجمة داود تزيّن كل عمود في المبنى. كان يرمز المكان إلى عظمة الجالية اليهودية في المدينة. وهو اليوم معرّض للرياح، ليس له سقف، وهو يمثّل حالة من تبقّوا من الجالية اليهودية الذين لا يزالوا في لبنان.

وقد لاقت أدلّة على قيام صلاة يهودية مقلّصة جدًّا بمناسبة عيد الفصح الماضي (2013) ترحيبًا في إسرائيل. احتفل سبعة أفراد يهود من بين عدد قليل ممن تبقى من اليهود في سوريا بذكرى العيد الماضي في الكنيس الصغير الذي تبقّى في مدينة دمشق بسرّية شديدة.

تظهر هذه الأدلة وغيرها أحيانًا في صفحات الصحف المحلية والإقليمية وتوفّر لمحة نادرة لِما كانت عليه في يوم من الأيام إحدى أكبر الجاليات وأكثرها ازدهارًا في الشرق الأوسط.

جالية حلب ودمشق

لقد عاش اليهود في سوريا منذ الفترة التوراتية. وقد ارتفعت أعداد الجالية اليهودية بشكل ملحوظ بعد طردهم من إسبانيا عام 1492. وعلى مرّ الأجيال، وجدت الجاليات اليهودية الأكبر مكان سكناها في المدن الكبرى دمشق وحلب، بينما كانت هناك أيضًا جاليات أصغر على الحدود التركية السورية، في القامشلي. عام 1943، بلغ تعداد الجالية اليهودية في سوريا 30,000 شخص. وقد تقسّمت هذه الجالية بشكل أساسيّ بين حلب، التي عاش فيها 17,000 يهودي، ودمشق، التي عاش فيها نحو 11,000 يهودي.

في سوريا أيضًا، كما في بلدان إسلامية أخرى عاش اليهود بصفة “ذمّيّ” حتى العصر الحديث. عام 1840 حدثت فرية الدم التي سمّيت “فرية دمشق” (في أعقاب اختفاء راهب نصراني وخادمه المسلم وقد اتهمت شخصيات رئيسية من الجالية اليهودية في دمشق بخطفهما وقتلهما من أجل استخدام دمائهما في خبز المصّة) إبّان الحكم العثماني. وقد أدّت الفرية إلى أعمال شغب واعتداءات جسديّة على اليهود من قبل الرعاع. وقد توقّفت أعمال الشغب هذه فقط حين أصدر العثمانيّون مرسومًا إمبراطوريّا برّأ يهود دمشق من الفرية.‎

2000، الجالية اليهودية في دمشق تصوت لصالح بشار الأسد في الانتخابات (AFP)
2000، الجالية اليهودية في دمشق تصوت لصالح بشار الأسد في الانتخابات (AFP)

وبعد الحرب العالمية الأولى (1920) بدأ الانتداب الفرنسي على سوريا. وخلال الصراعات حول تشكيل سوريا، اندلعت عام 1925 ثورة الدروز ضدّ الفرنسيين. وخلال تلك الثورة، تمّت مهاجمة الحيّ اليهودي في دمشق. قُتل الكثير من اليهود، وجرح العشرات، ونُهبت الكثير من المحلات التجارية والمنازل. وقد حدثت الهجمات ضدّ اليهود أيضًا على خلفية الأحداث في أرض إسرائيل في إطار الصراع اليهودي-العربي. عام 1936، بالتوازي مع اندلاع الثورة العربية في فلسطين، قامت أعمال شغب ضدّ يهود دمشق الذين اتّهموا بأنّهم داعمون للصهيونية.

عام 1948 تفاقمت أوضاع اليهود. وبعد وقت قصير من إقامة دولة إسرائيل، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّه: “في سوريا، يتم اتّخاذ سياسات اقتصادية للتمييز ضدّ اليهود. في الواقع جميع عمال الخدمة العامة من اليهود الذي تم تشغيلهم من قبل حكومة سوريا، تمّت إقالتهم. يمكننا القول بأنّه تم إلغاء حرية التنقّل. أنشئت مراكز خاصّة للحراسة يتمثّل كلّ دورها في رصد تحرّكات اليهود”.

وخلال سنوات الثلاثينات (حتى اندلاع الثورة العربية الكبرى) حدث ارتفاع في أعداد المهاجرين من سوريا بشكل أساسيّ بسبب الأزمة الاقتصادية في سوريا. خلال سنوات الثلاثينات هاجر نحو 3,100 يهوديّ، والذين سكنوا في تل أبيب وضواحيها وأقاموا جاليات منظّمة.
عام 1945 نظّم الموساد هجرة 1,400 طفل من سوريا إلى مستوطنات الشمال.

2000، لقاء بين ممثلي الجالية اليهودية في دمشق بالرئيس بشار الأسد (AFP)
2000، لقاء بين ممثلي الجالية اليهودية في دمشق بالرئيس بشار الأسد (AFP)

في السنوات بين 1945-1947 لم تتوقف الهجرة من سوريا ولكنّها ضعفت. عام 1946 بدأ يهود سوريا ولبنان في تنظيم هجرتهم غير الشرعية ووصل أكثر من ألف منهم إلى البلاد بقواهم الذاتية بين السنوات 1946-1947، بشكل خاصّ في أعقاب اضطرابات عام 1947.‎ ‎

بعد إقامة دولة إسرائيل أجبر معظم يهود سوريا على الهجرة، ومن بين 30,000 يهودي عاشوا فيها قبل الهجرة الجماعية بقي نحو 5,000 فقط. ومن بين اليهود الذين غادروا قدم إلى إسرائيل نحو 1700 شخص، والبقية هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

يهود لبنان

عاش اليهود في لبنان منذ العصور القديمة. منذ القرن الأول للميلاد دعم الملك هيرودس الكبير الجالية اليهودية في بيروت ومنذ ذلك الحين استقرّ اليهود على شاطئ بحر لبنان. عام 1492 ازداد عدد السكّان في أعقاب طرد يهود إسبانيا، ولكن مع ذلك كانت الجالية اليهودية لا تزال من الجاليات اليهودية الصغيرة في البلدان العربية.‎ ‎

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين انتقل الكثير من اليهود إلى المدن الساحلية، وبشكل أساسي إلى بيروت. عام 1901 بلغ عدد أفراد الجالية في بيروت نحو 3500 شخص. وخلال النصف الأول من القرن العشرين توسّعت الجالية اليهودية بشكل كبير بفضل الهجرة من اليونان، تركيا وفي وقت لاحق من سوريا والعراق أيضًا. عام 1948، كان في لبنان نحو 7000 يهودي، حيث تركّزوا في بيروت والقرى المجاورة لجبل لبنان.

كنيس ماغين أبراهام هو الكنيس اليهودي الأقدم والوحيد في بيروت  (AFP)
كنيس ماغين أبراهام هو الكنيس اليهودي الأقدم والوحيد في بيروت (AFP)

كانت أوضاع اليهود في لبنان جيّدة نسبيّا بالمقارنة مع البلدان المسلمة في الشرق الأوسط، بفضل الأقلية المسلمة في البلاد وعلاقات اليهود مع أبناء الطوائف غير المسلمة. خلال القرن التاسع عشر، حافظ يهود جبل لبنان على علاقة مع الدروز وقدموا لهم الحماية من المجرمين. بالمقابل، حافظ يهود بيروت على علاقات مع المسيحيين المارونيين. وقد أنشأ اليهود في بيروت ميليشيا مكوّنة من مقاتلين مسيحيين ومموّلة من قبل اليهود، وعملت بشكل رئيسي في الحيّ اليهودي في بيروت وحمت اليهود من الهجمات. وقد أدّى قيام الانتداب الفرنسي في لبنان إلى تحسّن كبير في حالة اليهود. انضمّ اليهود لحزب الكتائب المسيحية وشاركوا في تأسيس لبنان الكبير عام 1920. ولكنّ وضعهم ازداد سوءًا حين نال لبنان استقلاله عام 1945 وقُتل نحو 12 يهوديًا في مدينة طرابلس.‎

مقبرة يهودية مهجورة في بيروت (AFP)
مقبرة يهودية مهجورة في بيروت (AFP)

وبين السنوات 1948-1950 كانت الحركة قرب الحدود بين لبنان ودولة إسرائيل الفتيّة ممنوعة في أعقاب الحرب الجارية، وهو الأمر الذي شكّل صعوبة في الانتقال بين الدولتين. بين السنوات 1949-1950 ارتفع عدد محاولات تهريب اليهود من لبنان. جدّد الموساد العلاقة مع المهرّبين العرب، وأقام علاقة أيضًا مع شولا كيشك-كوهين، والتي عملت جاهدة في لبنان لدعم الهجرة. وقد تم تنفيذ الهجرة غالبًا عن طريق البحر، في قوارب يتراوح عدد المسافرين بها بين عدد قليل من الأفراد حتى 30 فردًا. كانت العلاقة مع الجانب اللبناني قائمة بواسطة مبعوثين أرسلوا رسائل من المطلّة في أراضي دولة إسرائيل إلى لبنان وسوريا. وكانت هناك أيضًا مجموعات منظّمة وخاصّة قامت بتهريب اليهود عن طريق البرّ بمساعدة مهرّبين عرب، قدموا إلى المطلّة وتم استيعابهم هناك من قبل رجال الوكالة أو الموساد. وابتداء من عام 1958 تزايدت الهجرة من لبنان في أعقاب قلّة المخاطر وانخفاض تكاليف الهجرة من هناك. كان ممثلو الوكالة قادرين على العمل من بيروت بشكل سهل نسبيّا، واستطاع كذلك اليهود من مواطني لبنان الحصول على جوازات سفر وتأشيرات دخول ومغادرة لبنان دون صعوبة كبيرة.

رغم الهجرة يشعرون بالحنين إلى بلاد المنشأ

رغم أنّ معظم يهود سوريا في أيامنا هذه، لم يروا في حياتهم موطنهم أبدًا، فلا يزالوا يذكرون جذورهم ويحافظون على تقاليدهم.‎ ‎إنّ فخر يهود سوريا وإصرارهم على الحفاظ على ثقافتهم تعكس تقريبًا بيتهم الوراثيّ في سوريا. تشعر الجالية بالريبة من الغرباء وأحيانًا توصف بأنّها مؤطّرة. داخل الجالية نفسها هناك منافسة رئيسية بين يهود دمشق ويهود حلب، حيث يدّعي كلّ طرف أنّه أكثر قدمًا. ووفقًا لمقال نشر مؤخرًا في موقع  Middle East Online، تميل العائلات في وجبات الأعياد والسبت بتناول أطعمة سورية والكثير من يهود سوريا يستمتعون بالموسيقى والرقصات العربية. أيضًا، فقد حافظ معظم اليهود الذين هاجروا من البلاد على لغتهم العربية، أحيانًا يتحدّث أولادهم بها بشكل جيّد.‎

احتفالات بار متسفا،حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 من عمره، في الكنيس في بيروت (موقع ILAI MEDIA)
احتفالات بار متسفا،حفل يهودي ديني يقام عند بلوغ الشاب اليهودي 13 من عمره، في الكنيس في بيروت (موقع ILAI MEDIA)

يأتي حنين غير متوقّع من الشوارع الفارغة في الأحياء اليهودية بدمشق وحلب. ويحكي العرب المحليّون، الذين اشتروا منازل اليهود الذين غادروا وكذلك محلاتهم التجارية، بفخر اليوم عن علاقات صداقة رائعة كانت تربطهم بهم، قبل الهجرة الجماعية عام 1992.

وعلى الرغم من سمعتهم، التي تصوّرهم على أنّهم منعزلون، أصبح بعض اليهود السوريين من المشاهير. والد مغنية البوب، باولا عبدول، وُلد في سوريا ونشأ في البرازيل، وأيضًا عائلة والدة الفنّان الكوميدي، جيري ساينفلد، من سوريا. ربّما كان ذلك دمجًا بين الفكاهة اليهودية والسمات العربية، مثل وصول ضيوف غير متوقّعين إلى المنزل، والأمر الذي جعل ساينفلد أحد أشهر نجوم الكوميديا في الولايات المتحدة وحتى في سوريا نفسها.

على الرغم من الالتزام القويّ لليهود السوريّين تجاه تقاليدهم، فلا يزال بعضهم يخشى من فقدان علاقته مع سوريا ومع اللغة العربية. معظم اليهود السوريين الذين وُلدوا خارج سوريا لم يزوروا في حياتهم موطنهم، وفي هذه الأيام فإن القليل من أبناء هذه الجالية يعلّم أبناءه اللغة العربية.

رغم ذلك، يحاول يهود سوريا في إسرائيل  إعادة جزء من العادات والأذواق لذاكرتهم من حلب ودمشق. وبقي الطعام هو العلاقة القوية بالنسبة لتلك الجاليات مع وطنهم. وتعتبر المأكولات المحشية من العلامات الأكثر ارتباطا بالأكلات السورية (كما هو الأمر بالنسبة للأكلات اللبنانية والفلسطينية)، حيث إنّ القاعدة الرئيسية إزاءها هي: “كل شيء قابل للحشو”؛ الكوسا، الباذنجان، البصل، الطماطم، البطاطا وغيرها. أنواع مثل الكبّة، التبّولة، مدايس (قطع كوسا محشوة باللحم ومطبوخة بالصلصة)، مجدّرة والمعمول، باتت شيئًا من المطبخ السوري التقليدي، والوجبات متعددة المشتركين هي ملكية هدفها الرئيسي الاستمتاع بتناول الطعام وهدفها الثانوي إظهار القدرة على الطبخ أمام الضيوف والتي تتمتّع بها بنات العائلة.

عروس لبنانية يهودية (موقع ILAI MEDIA)
عروس لبنانية يهودية (موقع ILAI MEDIA)

وبخصوص الجالية اليهودية التي أصلها من لبنان فالقليل جدّا هو ما نستطيع أن نقوله عنها لأنّها تضاءلت بشكل ملحوظ في أعقاب سلسلة من الأحداث المأساوية التي حلّت بالجالية في بيروت. الحرب الأهلية الدامية في لبنان، وحقيقة كون اليهود  أقلية مقابل أقليات عرقية ودينية أخرى كثيرة في لبنان (يمكن عدّ 17 من تلك الأقليّات)، العلاقات العدائية والحرب التي كانت بين إسرائيل ولبنان منذ إقامة دولة إسرائيل وحتى اليوم، حرب حزب الله ضدّ إسرائيل وتشتّت الجالية في دول عديدة حول العالم، أدّى كلّ ذلك إلى اختفاء شبه كامل للجالية اليهودية اللبنانية.

في العام 2007، نُشرت وثائق نادرة كان قد جلبها مدوّن مسلم من الولايات المتحدة، مايكل بيضون، والذي زار بيروت؛ وقد عرض صورة صعبة. يعيش في لبنان اليوم بضع عشرات من اليهود فقط. وهم يحافظون على السرّية خوفًا من أن يعرّضهم الكشف عنهم للضرر في ظلّ الوضع الراهن في لبنان. ويغيب ممثّلو الجالية عن الاحتفالات الرسمية أو الأحداث العامة، وكل محاولة للوصول إليهم تصطدم بالحواجز.

ويمكننا أن نستنتج من تقارير في الصحافة العربية أنّ هناك القليل من اليهود فقط في لبنان، ومعظمهم كبار جدّا في السنّ. كثير منهم متزوّجون لغير اليهود. في إسرائيل أيضًا عدد يهود لبنان لا يكاد يُذكر وتقريبًا لا تقام أيّة أنشطة ثقافية أو اجتماعية لأبناء الجالية.

اقرأوا المزيد: 1516 كلمة
عرض أقل
الباجيت أحد المخبوزات الأكثر شهرة  في العالم (Thinkstock)
الباجيت أحد المخبوزات الأكثر شهرة في العالم (Thinkstock)

إليكم بعض الحقائق التي لم تكونوا تعرفونها حول الباجيت

الخبز الفرنسي الذي أصبح شائعًا، ونجح خلال السنوات في إخفاء بعض الأسرار المثيرة حول أصله. كيف تم اختراعه؟ وأين يمكنكم الحصول على باجيت لذيذ بشكل خاصّ

مَن منّا لا يعرف الباجيت. الخبز الفرنسي الشهير الذي أصبح في العقود الأخيرة أحد المخبوزات الأكثر شهرة ومبيعًا حول العالم. إليكم بعض الحقائق حول الخبز الذي حيّر تاريخ البشرية.

مصدر الاسم

تقول الأسطورة إنّه حتى فترة نابليون كان الخبز الفرنسي دائريًا مثل الكرة (Boule) ومن هناك جاءت كلمة Boulanger، الخبّاز بالفرنسية.

الباجيت (Wikipedia)
الباجيت (Wikipedia)

طلب نابليون، الذي أدرك أهمية الخدمات اللوجستيّة، من خبّازيه أن ينتجوا خبزًا على شكل عصا يكون من السهل عليه وضعه في جيب البنطال الخاص بالجنود والسير لأميال كثيرة، وهكذا نشأ الباجيت. وعلى ما يبدو أنها أسطورة لأنّه بعد مشي طويل يصبح الباجيت ليس قابلا للأكل.

الباجيت الأول

خلال القرن التاسع عشر، اخترع النمساويّون فرنًا للخبز يعتمد على آلية ضخ البخار، والذي يُنشئ حرارة تصل إلى نحو 200 درجة مئوية. مكّن البخار من إنتاج خبز ذي قشرة صلبة ومحتوى ليّن جدًّا، وحظي الفرن بنجاح فوري لدى جميع خبّازي فرنسا، حيث على ما يبدو أنّه في تلك الفترة تمّ اختراع الباجيت. ولكن الباجيت أصبح شعبيًّا بشكل حصريّ في سنوات العشرينات من القرن العشرين لأنّ الكثير من الخبّازين الفرنسيّين قُتلوا أو أصيبوا في فترة الحرب العالمية الأولى، وكانت هناك حاجة لخبز يتم إعداده بسرعة وبسهولة.

في تلك الفترة تمّ سنّ قانون، والذي سمح للمخابز بالعمل فقط من الرابعة صباحًا، وكنتيجة لذلك أصبح الباجيت هو الخبز الوحيد الذي يمكن خبزه بحيث يكون جاهزًا للتناول في وجبة الفطور. هناك سبب آخر، مما جعل الباجيت قصّة نجاح كبيرة جدًّا. حقيقة أنّ الباجيت يكون لذيذًا إلى حدّ ما، في الساعة الأولى منذ خروجه من الفرن، أدّت إلى أنّه حتى لو بقي هناك باجيت بعد وجبة الفطور، فإنّ غالبيّة الفرنسيّين عادوا إلى المخبز وقت الظهيرة وفي المساء من أجل شراء باجيت جديد ممّا جعل الباجيت منتجًا مطلوبًا بشكل خاصّ.

كيف يمكنكم معرفة جودة الباجيت؟

بموجب القانون الفرنسي يجب أن يكون الباجيت مركّبًا من أربعة مكوّنات فقط: الماء، الطحين، الخميرة والملح (Wikipedia)
بموجب القانون الفرنسي يجب أن يكون الباجيت مركّبًا من أربعة مكوّنات فقط: الماء، الطحين، الخميرة والملح (Wikipedia)

العلامة الأولى هي أنّ قشرة الخبز قاسية ولونها مثل لون الكراميل الداكن. يجب أن يكون قلب الباجيت مثل لون القشدة مع ثقوب هواء متفرّقة وغير متساوية في حجمها. ينبغي أن يكون نسيج الباجيت الجيّد رطبًا مع قليل من اللزوجة، وبنكهة الجوز.

قانوني

بموجب القانون الفرنسي يجب أن يكون الباجيت مركّبًا من أربعة مكوّنات فقط: الماء، الطحين، الخميرة والملح. في مناطق مختلفة من فرنسا تكون للباجيت أحجام مختلفة. متوسّط طول الباجيت يتراوح بين 60 إلى 70 سنتيمترًا، وقطره بين 6 إلى 10 سنتيمترًا، ووزنه بين 200 إلى 300 غرام فقط.

اقرأوا المزيد: 356 كلمة
عرض أقل
نهر دجلة في مدينة بغداد (AFP/Stan HONDA)
نهر دجلة في مدينة بغداد (AFP/Stan HONDA)

على أنهار بابل – قصّة يهود العراق

لا يعيش أكثر من ثمانية يهود اليوم في بغداد، لكنهم بقيّة جاليةٍ مجيدة تعود جذورها إلى أكثر من ألفَين وخمسمائة عام؛ وأيضًا: خمسة عراقيين إسرائيليين يجب أن تتعرفوا إليهم

“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.

فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَ‍ارِ بَ‍ابِ‍لَ،‏ هُنَ‍اكَ جَلَسْنَ‍ا.‏  بَ‍كَيْنَ‍ا أَيْضً‍ا عِنْ‍دَمَ‍ا تَ‍ذَكَّرْنَ‍ا صِهْيَ‍وْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.

شاهدوا حفل زفاف عراقيًّا يهوديًّا تقليديًّا:

http://youtu.be/Uu5skKgA_PM

النموّ والازدهار

كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.

قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه  (AFP)
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)

مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.

كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.

كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)

بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون‎ ‎‏. اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.

أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. ‏‎ ‎فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.

التدهوُر والمغادَرة

حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.

مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)

وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.

كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.

عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.

نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.

جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.

خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم

عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)

بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.

لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:

  • الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
  • بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
  • دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل‏‎ ‎‏، التي اشتُهرت بأداء جدّه.‎ قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
  • إيلي عمير الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
  • إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.

شاهدوا إيلي يتسفان العراقي يقلّد حسني مبارك:

اقرأوا المزيد: 1338 كلمة
عرض أقل
مقر الأمم المتحدة (AFP)
مقر الأمم المتحدة (AFP)

أسوأ 10 قرارات للأمم المتحدة في عام 2013

قامت منظمة UN WATCH التي تهتم بالتنقيب عن نشاطات الأمم المتحدة بإدراج أغرب 10 قرارات للمنظمة الدولية في العام الماضي.

لا شك أن الأمم المتحدة التي أقيمت بعد التجربة المريرة للحربين العالميتين في القرن الماضي، أنها منظمة مهمة وحيوية، وخاصة لأولئك الذين يعانون من انتهاكات ممنهجة لحقوقهم في العالم. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، نسمع على نحو متزايد أصوات الانتقادات ضد المؤسسة، بسبب الاشتغال المفرط في قضايا معينة، وتجنب قضايا أكثر إلحاحا. وقد قامت منظمة UN WATCH التي مقرها في جنيف بإدراج أسوأ عشرة قرارات للأمم المتحدة في السنة الماضية.

1. اختار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة جان زيغلر، الداعم لحزب الله والمؤسس والحائز على جائزة معمر القذافي لحقوق الإنسان، كمستشار بارز.

2. اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 21 قرارًا لإدانة إسرائيل، بالمقارنة مع 4 قرارات فقط إزاء جميع دول العالم سوية.

3. اختارت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصين، كوبا، روسيا والمملكة العربية السعودية كأعضاء في مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة. وسيستلم الدكتاتوريون مقاعدهم ابتداء من 1 كانون الثاني 2014.

4. زعم خبير حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ريتشارد فالك، أن المتهمين في الهجوم الإرهابي في ماراثون بوسطن هم “مشروع السيطرة العالمية الأمريكية” و”تل أبيب”.

5. اختارت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بإنهاء الاستعمار، المؤتمنة على الحقوق الأساسية للإنسان وعلى مكافحة استعباد الأفراد، نظام القتلة السورية لمنصب رفيع المستوى.

مجلس اللأمن التابع للأمم المتحدة (AFP)
مجلس اللأمن التابع للأمم المتحدة (AFP)

6. اختار مؤتمر الأمم المتحدة لنزع السلاح الذي بدأ في أيار 2013 إيران لمنصب الرئاسة.

7. اختار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، المراقب على مفوضية الأمم المتحدة لحقوق المرأة، الحكومة السودانية التي نفذت منذ نحو عقد مذابح إبادة جماعية لمنصب نائب الرئيس.

8. اختار مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة موريتانيا، التي لا زالت العبودية قائمة فيها، لمنصب نائب رئيس المجلس.

9. اختارت الأمم المتحدة زيمبابوي، النظام الذي ينتهك حقوق مواطنيه باستمرار، لاستضافة مؤتمر القمة العالمي للسياحة.

10. وافقت منظمة اليونسكو، التي لم تدن أي دولة غير إسرائيل، والتي صمتت حين دمرت حماس موقع تراث عالمي من أجل إقامة معسكر تدريبي للإرهابيين، على أن تكون سوريا قاضية في لجنة حقوق الإنسان الخاصة بها.

اقرأوا المزيد: 293 كلمة
عرض أقل