الحرب الباردة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP)

النووي في الشرق الأوسط: روسيا ضد الولايات المتحدة

روسيا تهدد الولايات المتحدة موضحة أنها ستدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط. إذا نفذت تهديدها حقا، فإنّ دولا مثل مصر، السعودية، وتركيا قد تطلب امتلاك مثل هذا السلاح أيضًا، وربما تفكر إسرائيل من جديد في سياسة الغموض التقليدية الخاص بها

زاد توتر العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، على ضوء الحرب الأهلية السورية، والحرب الأهلية الأوكرانية، بين كلا القوتين العظميين بحيث أصبح يذكّرنا بذروة الحرب الباردة في الستينيات والسبعينيات. بل صعّدت روسيا في الشهر الأخير من النبرة مهددة، بشكل علني أو تلميحي، باستخدام ورقة النووي كوسيلة متاحة وفورية في أوروبا وفي الشرق الأوسط.

في الشهر الماضي أعلنت روسيا عن تجميد اتفاق مع الولايات المتحدة منذ بدء سنوات الـ 2000 لتخفيف احتياطيات البلوتونيوم المخصّب، والذي يستخدم كمادة انشطارية تلائم صناعة الأسلحة النووية. نقلت روسيا صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية إلى جيب مدينة كالينينغراد، الواقعة بين بولندا وليتوانيا في شواطئ بحر البلطيق، تهديدا واضحا على سياسة الدول الإسكندنافية وأوروبا الغربية العضوات في منظمة حلف شمال الأطلسي. بل هدد قادة روس أنّهم سيتصرّفون بشكل مماثل في الشرق الأوسط، كردّ على الصواريخ النووية الباليستية التابعة للولايات المتحدة في قاعدة إنجرليك في شرق تركيا. عندما أعلنت النرويج أنّها ستوضع في أراضيها وحدة من جنود المارينز هدّد رئيس لجنة الخارجية في البرلمان الروسي أنّه في حال مواجهة عسكرية شاملة مع الدول العضوة في حلف شمال الأطلسي لن تتردّد روسيا في استخدام “السلاح الاستراتيجي” ضدّ أهداف نرويجية.

هذه الإجراءات الروسية ليست غريبة عن الاستراتيجية السوفييتية منذ أيام الحرب الباردة، حينها تم نقل أسلحة نووية إلى ساحات جديدة، وأطلقَت تصريحات مباشرة أو غير مباشرة لاستخدام السلاح النووي، كوسيلة مقبولة لتحقيق أهداف في السياسة الخارجية والأمنية. في تشرين الثاني عام 1956 أرسل رئيس الحكومة السوفييتية، نيكولاي بولكانين، رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي، دافيد بن غوريون، تضمنت تهديدا مبطنا لاستخدام السلاح النووي. أثرت الرسالة في قرار بن غوريون سحب قوات الجيش الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، التي احتلتها في “عملية قادش”. في صيف 1962 وضعتْ في كوبا صواريخ باليستية سوفييتية قادرة على حمل رؤوس حربية نووية، كردّ على وضع صواريخ باليستية نووية أمريكية في تركيا. انتهت الأزمة بالاتفاق بين القوتين العظميين الذي يلتزم الاتحاد السوفياتي بحسبه بأن يفكك قواعد الصواريخ وسحب الصواريخ الباليستية من كوبا، وتُخلي الولايات المتحدة الصواريخ الباليستية النووية من تركيا.

إن وضع سلاح نووي روسي في الشرق الأوسط في العصر الحالي سيكون ليس تحدّيا دراماتيكيا، هو الأول من نوعه منذ الحرب الباردة، للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط فحسب، وإنما أيضًا دعامة أخرى في تأسيس الوجود والنفوذ الروسي في سوريا ومصر، اللتين كانتا الحليفتين العربيّتين الأقرب إلى الاتّحاد السوفياتي. ومن المستحسن أن نذكر أنّ روسيا تستخدم في السنوات الأخيرة بشكل مكثّف أيضًا ورقة النووي المدني في الشرق الأوسط. فقد وقعت في السنة الماضية على اتفاقات مع مصر والأردن لإقامة ما لا يقل عن ستة مفاعلات نووية (إقامة أربعة في مصر ومفاعلين نوويين في الأردن) لأغراض توليد الكهرباء والاستخدامات المدنية العلمية الأخرى. وقد وقعت روسيا مع المملكة العربية السعودية على اتفاق تفاهمات على إدارة برنامج نووي مدني لتلك القوة السنية.

إذا أدخلت روسيا فعلا السلاح النووي إلى الشرق الأوسط، فإنّ دولا مثل مصر، السعودية، وتركيا قد تطالب بامتلاك هذا السلاح أيضًا. رغم أنّ روسيا ليست قوة عظمى معادية لهذه الدول، إلا أن السلاح الذي ستدخله سيعزّز من العنف، عدم الاستقرار وعدم الوثوقية الموجودة فعليا في المنطقة. في إسرائيل أيضا ربّما تتم إعادة النظر من جديد في سياسة الغموض التقليدية الخاصة بها.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي.

اقرأوا المزيد: 498 كلمة
عرض أقل
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)
المؤتمر الدولي للقضايا الأمنية في موسكو (AFP)

روسيا تربط ما يجري في أوكرانيا بالانقلابات في الشرق الأوسط

في أيار 2014، أُقيم في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. وكان موضوعه: الأمن في منطقة الشرق الأوسط، لكنه فعليًّا كان بخصوص ربط روسيا بين الأزمة الأوكرانية وبين الانقلابات في الشرق الأوسط

أُقيم في 20 حتى 23 أيار في موسكو مؤتمر دولي للقضايا الأمنية. كان موضوعه: أمن منطقة الشرق الأوسط، لكن المؤتمر تطرق فعليا إلى نظرة روسيا للعلاقات بين الأزمة الأوكرانية (أجريت انتخابات في أوكرانيا) وبين الانقلابات في الشرق الأوسط. اشتركت في المؤتمر النخبة الدولية الأمنية الروسية (وزير الدفاع ونائبه، وزير الخارجية ونائبه والقائد العسكري العام) وأُعطي منبر للدول التي رغبت روسيا في وجودها- إيران (وزير الدفاع)، سوريا (نائب القائد العام)، مصر (نائب القائد العام)، الصين، باكستان والهند.

لقد وجّه الروسيون حينما عرضوا وجهة نظرهم لتطور الأزمات في النظام الدولي، إصبع الاتهام للغرب، بقيادة الولايات المتحدة، الذي يبادر ويحرض “الانقلابات الملّونة”، الموجّهة لتغيير الأنظمة الحاكمة القائمة وتوسيع مناطق النفوذ الغربية التي تشمل فيما تشمل إحاطة روسيا بحزام من عدم الاستقرار.

حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب

عرض كبار المسؤولين الروس موقفًا موحدًا في الرابط الذي يربط بين الأحداث والمجريات في البلقان، العراق، أفغانستان، ليبيا، مصر وسوريا، إذ إن كلها نتيجة لأعمال “مدمّرة” للغرب في تلك الدول. والنتائج متساوية: (1) حرب أهلية تُراق فيها الدماء؛ (2) تبذير مليارات الدولارات من أجل حرب عبثية؛ (3) أزمة عامة؛ (4) إضعاف الدول حتى تفككها؛ (5) تسلل الجهات الإرهابية في الفراغ الذي تكوّن وتعاظمها. فلكل هذا تبعات سلبية على النظام العالمي من عدم الاستقرار، زيادة حدة الصرعات الجيوسياسية وتعميق الخلافات بين الدول، الطوائف والأديان.

يشخّص الروس ما يحدث في أوكرانيا كحلقة في سلسلة ستؤدي لتبديل الحكم، غليان الشعوب، تعاظم الصراعات الداخلية مع احتمال التدهور إلى حرب أهلية، وفقدان الاستقرار، وكل ذلك للإضرار بالتأثير الروسي. كذلك يفسرون الانسحاب المتوقع لقوات الناتو من أفغانستان بأنه حلقة تُضاف لهذه السلسلة، والتي ستؤدي إلى إسقاطات أمنية سلبية على روسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (ALEXEI NIKOLSKY / RIA-NOVOSTI / AFP)

عُرض التطرق للشرق الأوسط بما يتلاءم مع ذات النظرة للمجريات الدولية. حسب الرواية الروسية، فإن مجمل الانقلابات “للربيع العربي” قد حرّكها الغرب حسب نفس الدوافع التي ذُكرت أعلاه. في رأيهم، فإن النموذج الأمثل الوحيد للتعامل الجيد مع مجريات “الربيع العربي” هو الانقلاب المضاد المصري ومن هنا تُشتق المعادلة الصحيحة التي يجب أن تكون مؤسسة على تقوية الأطراف الدولية التقليدية. في إطار ذلك، ترى روسيا لنفسها مهمة ذات أهمية في تقوية هذه الأطراف الدولية، ولذا فهي تعزز علاقاتها مع مصر بعد الانقلاب، وتدعم الحكومة السورية وهي الوحيدة التي كانت قادرة على أن تحقق تفكيك الأسلحة الكيميائية في سوريا.

ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب

فيما يخص إسرائيل، عرضت في المؤتمر تلميحات متعارضة. من ناحية، ظهر تقدير لسياسة إسرائيل بخصوص أوكرانيا، لكن من ناحية أخرى، قد وُضعت في مركز المشاكل في المنطقة. لقد عرض كبار المتحدثين الروس مركزية الموضوع الفلسطيني وتأثيره المهم على المجريات في المنطقة. حسب ادعائهم، إن فشل المرحلة الأخيرة لعملية السلام (استمرار المفاوضات بالتنسيق مع الوزير كيري) ينبع من السيطرة الأمريكية على الحكومة الإسرائيلية وتقرير معادلتها. لقد كرر المتحدثين الروس موقف روسيا التقليدي من العملية الإسرائيلية- الفلسطينية. فحسب المفهوم الروسي، يجب تحويل مسار العملية مع إعطاء روسيا دورًا مركزيًا يرتكز إلى إطار لجنة دولية.

في إطار هذه المباحثات، طُرح أيضًّا موضوع تسليح إسرائيل بالسلاح غير التقليدي، مع توجيه إصبع الاتهام نحوها، كما لو أنها لا تتيح جعل الشرق الأوسط منزوع من سلاح الدمار الشامل. لقد عُرض الموضوع بانسجام بين كبار المتحدثين وحظي بدعم من نائبين عن الشرق الأوسط وأسئلة المشاركين في المؤتمر. إضافة إلى موضوع العمليات السياسية مع الفلسطينيين، عرض الروس أيضًا موضوع اللجنة الدولية بخصوص “منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل”- الذي تقرر في استطلاع لهيئة الأمم لمنع انتشار السلاح النووي سنة 2010- كالنموذج الأمثل ولذلك فقد أكدوا على حيوية اجتماعها في السنة المقبلة.

تلخيص وتقييم

فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)
فلاديمير بوتين وباراك أوباما (AFP)

رغم أنه لا جديد في ادعاءات ومواقف روسيا، لكن ما يميّز هذا المؤتمر كان الربط بين كل المجريات، وعرض مفهوم استراتيجي موحّد، ويتوسطه توجه اتهام الولايات المتحدة والغرب، الذي انجر وراءها. واستُغل المؤتمر كمنبر للربط بين “الربيع العربي” والأزمة في أوكرانيا. لهذين الحدثين، بنظر الروس، تبعات سلبية على استقرار وأمن النظام الدولي.

بغضّ النظر عن صحة رأي الروس أو عدمها، يمكن رؤية رسالة فيه للغرب، وهي أن روسيا تفكر في تغيير سياستها، أي، عدا عن السياسية الفعالة في الساحة الدولية، كذلك خارج نطاق الاتحاد السوفيتي السابق. توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى.

يهدف التهديد المُشار إليه والذي أساسه السياسة الفاعلة، من خلال الإضرار بالمصالح الأمريكية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، إلى كبح تدخل الغرب فيما يحدث في أوكرانيا. لكن بالمقابل، أبدى الرئيس بوتين تلميحات عن استعداد للتروي أساسه الاتفاق بين الجانبين. لقد أبدى استعدادًا لقبول نتائج الانتخابات في أوكرانيا ولأي ترتيبات. الأساس الظاهر للاتفاق المستقبلي، هو التفاهمات التي طُرحت في مؤتمر جنيف بتاريخ 17/04/2014، التي اتفق حسبها على الحفاظ على استقلال أوكرانيا، وتغيير البنية الحكومية القائمة لبنية فيدرالية وتحقيق مبدأ الحيادية، مع عدم انضمام أوكرانيا للمنظمات الغربية (ناتو، والاتحاد الأوروبي).

توضح روسيا، أن الشرق الأوسط يمكن أن يُستغل كميدان صراع مع الولايات المتحدة، كي تتحدى وتضر كذلك بالمصالح الأمريكية ولتأسيس أوتادها كدولة عالمية عظمى

يبدو أن روسيا تفضّل أن تصل إلى تفاهمات مع الغرب فيما يخص أوكرانيا وذلك لأنها لا تملك القدرة على التعامل المتواصل- سياسيًّا واقتصاديًّا- مع الغرب، لذلك فهي معنية باتفاق يمكّنها من تحقيق تأثير ما في أوكرانيا، وستمنع انضمام أوكرانيا إلى دائرة التأثير الغربي. لكن، إن تم هذا الاتفاق، ستضطر روسيا إلى التنازل عن مكانة أوكرانيا المركزية في خططها الجيوسياسية لترميم العظمة والتأثير الروسي، على الأقل على المدى القريب والمتوسط. لكن، ثمة شك إذا كانت تستطيع روسيا الاستمرار لمدة طويلة على هذا الحال، لأنها ستبحث عن فرص أخرى لاسترجاع تأثيرها الكامل في أوكرانيا.

نشر المقال لأول مرة في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 869 كلمة
عرض أقل
انفجار نووي، صورة توضيحية (Thinkstock)
انفجار نووي، صورة توضيحية (Thinkstock)

على الحافة: كوارث نووية كادت تحرق العالم

سوء الاتصال، أعطال تقنية ورئيس ينسى الرموز السرية للقنبلة في البدلة. تقرير شامل: جميع المرات التي كانت فيها دول النادي النووي قريبة من إطلاق السلاح النووي

إذا كنتم تسيرون في الشارع اليوم، وأوقفتم كلّ مارّ زائر وسألتموه عن الروابط التي تجول في رأسه حين يسمع عبارة “سلاح نووي”، كنتم بالتأكيد ستتلقّون ما لا يحصى من الأوصاف: “سلاح يوم القيامة”، “ناكازاكي وهيروشيما”، “الحرب العالمية الثانية”، “السباق الإيراني لحيازة السلاح النووي” وغيرها…

الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي (Wikipedia)
الهجوم النووي على هيروشيما وناجازاكي (Wikipedia)

حتى اليوم تمّ إطلاق قنبلتَين ذريّتَين، كلتاهما بواسطة الولايات المتحدة، وأطلقتا على مدينتَين يابانيّتين، وكلتاهما في نهاية الحرب العالمية الثانية. ولكن في الـ 69 عامًا التي مضت كان هناك ما لا يقلّ عن 13 حالة حدثت فيها أخطاء مختلفة كادت ستؤدّي إلى إطلاق السلاح النووي، تقريباً.‎ ‎يعدّد أحد التقارير التي نشرت من قبل معهد العلاقات الدولية في لندن “Chatham House‏” جميع هذه الحالات ويحذّر من العواقب الكارثية التي يمكن أن تنجم عن سوء الاتصال، المشاكل التقنية وسوء الفهم للوضع بالنسبة لبعضهم.

كان استنتاج معدّي التقرير أنّ خطر إطلاق السلاح النووي عن طريق الخطأ أعلى من التقديرات حتّى الآن، وهذا الخطر يزداد فحسب. كتبوا: “قرارات الأفراد فقط، أحيانًا بانتهاك البروتوكول والتوجيهات السياسية، هي التي منعت في بعض الحالات إطلاق القنابل الذرّية”. ولكنّ تفصيل الحالات ليس أقلّ أهمّية عن استنتاج الباحثين البريطانيّين، وفي هذا التفصيل تظهر أيضًا إسرائيل كدولة كانت على عتبة إطلاق السلاح النووي.

الحالة الإسرائيلية

وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشيه ديان (AFP)
وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشيه ديان (AFP)

في أكتوبر 1973، خلال حرب تشرين، اقترح وزير الدفاع حينذاك، موشيه ديان، على الحكومة الإسرائيلية والتي تقف على رأسها، جولدا مائير، استخدام الخيار النووي. تم الكشف عن كلام ديّان في اجتماع طوارئ للحكومة الإسرائيلية، في اليوم الثاني للحرب، قبل نصف عام في تقرير تحقيقي واسع في صحيفة “يديعوت أحرونوت”. وقد حدّث التقرير البريطانيّ هو أيضًا ما يتعلّق بذلك الاجتماع وادّعى أنّ ديان طلب دراسة “إعداد القوّات النووية لإسرائيل لإظهار القوة النووية”، وقدّم هذا الاقتراح غير المسبوق بعد خروج رئيس الأركان في تلك الفترة دافيد إليعيزر. عارضت جولدا مائير وسائر المشاركين في الاجتماع ذلك، وسقط الخيار.

أخطاء مصيرية

سبقت هذه الحالة أربعُ حالات من إطلاق الأسلحة النووية، في غضون شهرين أواخر عام 1962، أيام أزمة الصواريخ الكوبية. في تشرين الأول من ذلك العام، تمركزتْ أربع غوّاصات سوفييتية شمال المحيط الأطلسي. حذّرتْ سفن حربية أمريكية الاتحاد السوفياتي بأنّها ستجري تدريبًا في المنطقة وستطلق قنابل ضدّ الغوّاصات، ولكن بسبب سوء الاتصال لم تصل الرسالة للغوّاصات. ظنّ هؤلاء أن الأمريكيين يهاجمونهم وأمر أحد قادة الغوّاصات بإطلاق السلاح النووي: “سنفجّرهم الآن”. منع تدخّل نائبه تحويل الحرب الباردة إلى حرب عالمية ثالثة.

مفاعل بوشهر النووي (AFP /ATTA KENARE)
مفاعل بوشهر النووي (AFP /ATTA KENARE)

في 27 من تشرين الأول، كان الحدّ الأقصى من أزمة الصواريخ، فقد كانت كلّ من بريطانيا والولايات المتحدة على عتبة إطلاق قنبلة ذرّية، وحينها أيضًا كان سوء الاتصال من بين العوامل التي أدّت إلى تسخين الوضع. بعد شهر من ذلك أدّى إنذار كاذب إلى تجهّز الاتحاد السوفياتي لإطلاق السلاح النووي. تكرّرت هذه الحالات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. عام 1979، أشار نظام الإنذار الأمريكي إلى إطلاق سلاح نووي من قبل السوفييت. لاحقًا فقط اتّضح أنّه ظلّ في المنظومة تسجيل من تدريب، وهو الذي أدّى إلى إثارة الرعب إلى هذا الحدّ.

كارثة تسرب المواد المشعة من المفاعل النووية في اليابان عام 2007 (AFP)
كارثة تسرب المواد المشعة من المفاعل النووية في اليابان عام 2007 (AFP)

وقد ذكرت صحيفة “غارديان” البريطانيّة حالة أخرى، من أيلول 1983. حينها تعرّف قمر صناعي سوفياتي ما يفترض أنه صواريخ باليستية عابرة للقارّات وقد أطلقتْ نحو الاتّحاد السوفياتي. تصرّف الضابط السوفياتي الذي كان مسؤولا عن الرقابة والإشراف بخلاف التعليمات ولم يبلّغ عن الحادث للمسؤولين عنه، حيث راهن أنّه إنذار كاذب. اتّضح بعد ذلك أنّ ضوء الشمس الذي لمع من الأراضي الأمريكية كان قد أربك القمر الصناعي.

أخطاء بشرية كادت تؤدّي إلى محرقة نووية

يشرح معدّو التقرير أنّ خطر حدوث الخطأ الفادح يرتفع فقط عقب مشاركة كوريا الشمالية، الدولة المعزولة عن العالم، إلى النادي الذرّي، وعلى خلفية بطء عملية تفكيك السلاح النووي في دول أخرى. لدى روسيا والولايات المتحدة نحو 1,800 رأس نووي على أعلى الاستعداد، معد للإطلاق خلال 5 حتى 15 دقيقة، وهذه حقيقة ذات صلة الآن أكثر من أيّ وقت مضى، حيث إنّ التوتّرات في أوكرانيا لم تتبدّد بعد.

مفاعل ديمونة، جنوب إسرائيل (AFP)
مفاعل ديمونة، جنوب إسرائيل (AFP)

بالإضافة إلى أنّ الحالة النفسية لبعض القادة المسؤولين عن الحقيقة النووية يزيد أحيانًا من التخوّف. قلق مساعدو ريتشارد نيكسون وبوريس يلتسين بسبب ولعهم بالكحول. في أيار عام 1981 ترك الرئيس الفرنسي المنتخَب حينذاك، فرنسوا ميتيران، الرمز الخاص بإطلاق السلاح النووي في منزله، في جيب البدلة. وقد جرى في سنوات السبعينات حدث مماثل لجيمي كارتر، وتم أخذ البدلة مع الرمز إلى التنظيف الجافّ.

تبيّن أنّه خلافًا لما نعرفه نحن – الناس العاديّون – ونفهمه، فإن الأخطاء، التشدّد وفقدان الاتصال بين الرتب العسكرية والسياسية قد تؤدّي بسهولة إلى إزالة شعوب كاملة من على وجه البشرية في غمضة عين. وفي الوقت نفسه أيضًا لا يبدو أنّ هناك بدائل ملائمة للتأمين والسيطرة على الخطوات وعمليات اتخاذ القرارات في إطلاق السلاح النووي، لذلك لعلّه من المفضّل إيقاف سباق التسلّح النووي من الآن، وخير البرّ عاجله.

اقرأوا المزيد: 712 كلمة
عرض أقل
القوات البرية للولايات المتحدة (U.S. Army's flickr)
القوات البرية للولايات المتحدة (U.S. Army's flickr)

الجيوش الأقوى في العالم

هذا ما يقرّره موقع "‏Global Firepower‏"، الذي وضع القائمة من خلال ترجيح عناصر القوة العسكرية، الميزانية، الميدان والموارد الطبيعية. تتصدر الولايات المتحدة القائمة. وفي أي مكان إيران وإسرائيل؟‎ ‎

إنّ متلازمة “من الأقوى” لن تترك المجتمع البشري أبدًا، وفي حالات معيّنة، فالحجم أو القوة هو الذي يقرّر حقّا. يجري موقع “‏Global Firepower‏” كلّ عام قائمة بالجيوش الأقوى في العالم استنادًا إلى معايير وصيغ محدّدة مسبقا. يعطي الموقع لكل جيش علامة وفقا لمقاييس مختلفة (القوة البحرية، القوة البرية، القوة الجوية وغيرها) وفي النهاية يحدّد قائمة الجيوش العشرة الأقوى في العالم.

حتى عام 2013 فإنّ إسرائيل، وبشكل مفاجئ غير متواجدة في مرتبة العشرة جيوش الأقوى الأوائل؛ فقد وصل الجيش الإسرائيلي هذه المرة إلى المرتبة الثالثة عشر فحسب.

"السرية 13" (شايطيت 13) وحدة نخبة من سلاح البحرية الإسرائيلي  (Israel Defense Forces Flickr)
“السرية 13” (شايطيت 13) وحدة نخبة من سلاح البحرية الإسرائيلي (Israel Defense Forces Flickr)

أسباب ذلك قد تكون نابعة من أنّ امتلاك برنامج نووي ليس معيارًا في المقارنة التي يجريها الموقع، وذلك لأنّ الكثير من القوة العسكرية لإسرائيل تعتمد على التحالفات الدولية (وليس بالضرورة على الترسانة) وعلى كون إسرائيل تحافظ على الكثير من عناصر القوة التي تملكها خارج تغطية الرادارات.

البرازيل

وصلت البرازيل الى المرتبة العاشرة. تعتبر البرازيل إحدى أكبر الدول في أمريكا الجنوبية وكغيرها من الدول، فهي أيضًا تعرف الحروب وتحيط بها التهديدات. حتى قبل عدّة سنوات، كان جيش البرازيل من أضعف الجيوش في العالم، فقد عانى من النقص العددي ومن عتاد عفا عليه الزمن وغير صالح للاستعمال، ولكن في السنوات الأخيرة، ترقّى وكردّة فعل على التهديدات التي يواجهها، فقد عزّز من قوّته كثيرًا ولذلك وصل إلى المرتبة العاشرة. الجيش، كمعظم الجيوش المعيارية في العالم مكوّن من قوات برية، قوات جوية وقوات بحرية الخدمة فيه هي خدمة إلزامية للرجال، ولكن يأخذ معظم المجنّدين إعفاءً بعد ذلك فورًا.

الجيش البرازيلي (Wikipedia)
الجيش البرازيلي (Wikipedia)

تتعاون البرازيل مع جيوش كثيرة، من بينها جيش الدفاع الإسرائيلي وتجري صفقات أسلحة مع دول كثيرة وتعتبر اليوم القوة العسكرية الأكبر في القارة الأمريكية الجنوبية.

الجيش البرازيلي (Wikipedia)
الجيش البرازيلي (Wikipedia)

كوريا الجنوبية

في المرتبة الثامنة تقع كوريا الجنوبية. رغم أنّ كوريا الشمالية تطرح عناوين حول برامجها النووية التي ترفض التراجع عنها، يبدو أنّ الجيش الأقوى فعلا ينتمي إلى كوريا الجنوبيّة. ويبدو أنّ هذا هو السبب الذي تعبّر فيه سيئول عن لامبالاتها الكبيرة أمام حماسة جارتها في الشمال. وفقًا للبيانات التي يعرضها الموقع فلدى البلاد جيش كامل يتمتّع بقوة ذات جودة بحجم محترم. ومما يثير الإعجاب أنّ القوة الهادئة أيضًا تمثّل ميزة بالنسبة لهم.

جيوش كوريا الجنوبية (Wikipedia)
جيوش كوريا الجنوبية (Wikipedia)

فرنسا

في المرتبة السادسة وبشكل غير مفاجئ تقع فرنسا. رغم أنّ فرنسا تقع في المرتبة السادسة وفق التصنيف العالمي، ولكن من ناحية ترتيبات القوة الخاصة بها، فهي الجيش الأكبر في القارة الأوروبية. وفيما عدا ترتيبات القوة، تفخر فرنسا بالصناعة العسكرية الأكثر شمولا التي تهيّمن على صناعات الطيران، المدرّعات، أدوات المشاة، الأسلحة الخفيفة وغيرها.

القوات المسلحة الفرنسية (AFP)
القوات المسلحة الفرنسية (AFP)

لا يساوم الفرنسيون على أفرادهم ويؤهّلون في صفوفهم قوة بشرية ذات جودة بأيّ ثمن. الفيلق الأجنبي الفرنسي هو نموذج كلاسيكي لذلك: وهو وحدة عسكرية يقاتل فيها خريجّو جيوش من جميع العالم مقابل رواتب جذّابة بشكل خاصّ.

بريطانيا

يعتبر الجيش البريطاني، والذي أسّس النموذج الذي يستند إليه الجيش الإسرائيلي اليوم، أحد أقوى الجيوش وأجودها في العالم، ليس فقط بسبب أفضلية الكمّية، التكنولوجية أو المهنية، وإنّما بسبب التجربة التي تراكمت على مدى سنوات طويلة، حروب لا تعدّ ولا تحصى على جبهات في جميع أنحاء العالم؛ من الهند شرقًا مرورًا بالشرق الأوسط، مناطق في أوروبا وأفريقيا وحتى جزر فوكلاند المجاورة للأرجنتين. إحدى ميزات البريطانيين في كلّ ساحة معركة هي القوة الاستخباراتية التي يملكونها وقدراتهم المخابراتية.

القوات المسلحة البريطانية (UK Minisrty of Defence Flickr)
القوات المسلحة البريطانية (UK Minisrty of Defence Flickr)

الصين

والمراتب الثلاث الأولى: حلّت القوة العظمى النامية الصين في المرتبة الثالثة. في هذه الحالة، فإنّ الميزة الكمّية تلعب دورًا كبيرًا. مع جيش يبلغ أكثر من مليوني جنديّ وميزانية أمنية عالية بقيمة 129,272,000,000 دولار؛ فإنّ الصين تدخل بامتياز في أعظم الجيوش القوية في العالم. ومثل جارتها روسيا، تعمل الصين في العقدين الماضيَين بشكل محموم لزيادة قوتها العسكرية وتأثيرها العسكري على مياه المحيط الهادئ.

جيش التحرير الشعبي الصيني (Wikipedia)
جيش التحرير الشعبي الصيني (Wikipedia)

بالإضافة إلى أنّها تطوّر بشكل ملحوظ سلاحها الجوّي، قدرتها على المناورة الأرضية، قدراتها البالستية وقدرات السيبرانية التي أثبتت نفسها، ويعمل الصينيون على كل الأصعدة في المجال البحري. بدأ الصينيون في الأشهر الأخيرة في تطوير سلاحهم البحري من خلال صناعة حاملات طائرات، تطوير سفن الصواريخ إجراء تمارين لتمكين قدرات القوات البحرية.

جيش التحرير الشعبي الصيني (Wikipedia)
جيش التحرير الشعبي الصيني (Wikipedia)

روسيا

وقد وصل إلى المرتبة الثانية جيش بوتين. رغم أنّ الحرب الباردة قد انتهت، ولكن المنافسين الأقوياء على كأس أقوى جيش في العالم هما القوى العظمى الليبرالية التي تواجه القوة العظمى الشيوعية.

القوات البحرية للجيش الروسي (AFP)
القوات البحرية للجيش الروسي (AFP)

تستثمر روسيا في السنوات الأخيرة بشكل كبير في موارد الجيش بعد أن تفرّق جيشها لدى تفكّك الاتّحاد السوفياتي بين دول الكتلة الشيوعية. ولتصبح روسيا الجيش الأقوى في العالم، تستثمر في تطوير طائرات مقاتلة متطوّرة ومناورة، سفن الصواريخ، حاملات الطائرات، غوّاصات ذرّية، مدرّعات وغيرها. ترى صناعة السلاح الروسية عصرها الجديد في السنوات الأخيرة حيث إنّها تشكّل مصدرًا كبيرًا للدخل لدى الدولة التي تبيع الأسلحة لأعلى عارض ثمن (بما في ذلك دول في الشرق الأوسط كسوريا ومصر).

القوات المسلحة للفيدرالية الروسية (AFP)
القوات المسلحة للفيدرالية الروسية (AFP)

وبشكل شبيه للولايات المتحدة تعمل روسيا في كلّ العالم من أجل خدمة مصالحها الاستراتيجية من بين أمور أخرى. ومثل الولايات المتحدة فإنّ روسيا أيضًا تختار مراكز تطمح للوصول إليها وتوسيع تأثيرها عليها.

الولايات المتحدة

أقوى جيش في العالم دون شكّ هو جيش الولايات المتحدة. الميزانية التي يملكها تشتري القوة التي تفتخر بها كثيرًا أقوى قوّة عظمى في العالم. وصل الجيش الذي يدير مهامّ عسكرية في مواقع بجميع أنحاء العالم إلى هذا الحجم خلال العقود الستّة الماضية فقط. ففي غضون عملية اقتصادية – عسكرية جرت بعد الحرب العالمية الثانية، حوّلت الولايات المتحدة كلّ مصنع مدنيّ في أراضيها إلى مصنع عسكري.

القوات البرية للولايات المتحدة (U.S. Army's flickr)
القوات البرية للولايات المتحدة (U.S. Army’s flickr)

وتقاس قوة الجيش الأمريكي من خلال القوة الاستراتيجية في التأثير على نقاط مختلفة حول العالم ومن خلال القدرة على الوصول سريعًا إلى مسافات بعيدة خلال زمن قصير، وذلك بالتفوّق التكنولوجي وبالكفاءة في تغيير الواقع في مكان ما خلال زمن قصير؛ مثل ما قامت به في أفغانستان، العراق، فيتنام، وكما تتظاهر بالعمل في بحر الصين الجنوبي.

نحو نصف الأمريكيين (51%) يقول إنّ الولايات المتّحدة تفعل أكثر من اللازم لحلّ مشاكل العالم (U.S Army Flickr)
نحو نصف الأمريكيين (51%) يقول إنّ الولايات المتّحدة تفعل أكثر من اللازم لحلّ مشاكل العالم (U.S Army Flickr)

لشرح المزيد، حتى اليوم فإنّ الميزانية الدفاعية لجيش الولايات المتحدة تقف على 689,591,000,000 دولار.

جيوش الشرق الأوسط

ويُظهر تحقيق إقليمي أن إسرائيل تقف اليوم في المرتبة الأولى في ساحة الشرق الأوسط من ناحية القدرات العسكرية. بعد ذلك مباشرة تظهر إيران في المرتبة الثانية، المملكة العربية السعودية في المرتبة الثالثة، سوريّا في المرتبة الرابعة رغم الحرب الأهلية الشديدة التي تجري هناك منذ ثلاث سنوات، وفي المرتبة الخامسة تقع الإمارات العربية المتحدة.

ولمن يتساءل أين الجيش المصري؟ فإنه يظهر في قائمة منطقة أفريقيا، متصدرا المرتبة الأولى.

اقرأوا المزيد: 925 كلمة
عرض أقل

بوتين إلى القاهرة: الشرق الأوسط واستحقاقات ويستفاليا جديدة

منذ ثورة 30 يونيو والمشاعر القومية المصرية تبحث عن مكان آخر غير واشنطن توليه وجهها، وأغلب الظن أنها تبحث عن مكان شرقي بعد ثلاثة عقود أو أزيد قليلاً من الاعتقاد واليقين بأن 99 في المئة من أوراق اللعبة في يد الولايات المتحدة

23 أكتوبر 2013 | 08:43
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP PHOTO)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (AFP PHOTO)

مذهب بوتين

يسعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا وتأثيرها في السياسة الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء وجعل روسيا الفدرالية قوة عظمى مجدّدًا

لأكثر من عقد – منذ خلافته بوريس يلتسين في الكرملين، وحتى خلال الفترة التي اضطُرّ فيها إلى تولّي رئاسة الحكومة في عهد الرئيس ديمتري ميدفيديف (الذي كان تحت وصايته)، انتهج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشكل ثابت ومنهجي، سياسةً يمكن أن تُدعى “مذهب بوتين”. فباختصار، يسعى بوتين إلى استعادة مكانة روسيا وتأثيرها في السياسة الإقليمية والدولية على حدٍّ سواء وجعل روسيا الفدرالية قوة عظمى مجدّدًا. ولتحقيق هدفه، يتحدى ويُفسِد المواقف والمصالح الأمريكية، مستندًا إلى ثلاثة عوامل أساسية.

أوّلًا، أشرف بوتين على عملية تعزيز شامل للقوات المسلحة الروسية، مستخدمًا الدخل المتزايد من موارد الطاقة في البلاد، وعلى رأسها الغاز الطبيعي والنفط الخام. خلال معظم فترة التسعينات من القرن الماضي، كان صانعو القرار الروس منشغلين بإبقاء الدولة على أقدامها سياسيًّا واقتصاديًّا، فيما كانت المؤسسة الدفاعية أحد القطاعات الرئيسية التي تضررت. لم تكن الأجور تُدفَع، كان التدريبُ قليلًا، تُركت المعدّات الحاسمة ليأكلها الصدأ، وكان الاستعداد العملياتي في الحضيض. ولكن منذ أوائل سنوات الألفَين، مع وصول بوتين إلى سدة الرئاسة، تضاعفت الموازنة العسكرية الروسية ثلاثة أضعاف، وفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام العالمية، وهي تشكّل حاليًّا 4.4% من الناتج القومي الإجمالي في روسيا، أي أكثر من 90 بليون دولار.

ثانيًا، استطاع بوتين استخدام عددٍ من البرامج التأسيسية لإحباط وإفشال المبادرات الأمريكية التي اعتبرها تلحق الأذى بالمصالح الروسيّة. فعام 2003، قبل حرب العراق، على سبيل المثال، نجحت روسيا في إعاقة إدارة بوش من الحصول على قرار من الأمم المتحدة يفوّضها باستخدام القوة ضدّ صدّام حسين. واليوم، فيما تطفو الأزمة السورية على السطح، ويسعى الرئيس أوباما للحصول على موافقة الكونغرس على ضربة تأديبية محدودة ضدّ سوريا، تستخدم روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي لتعرقل بشكل استباقيّ أية محاولة أمريكية لإضفاء شرعية دولية على هجوم كهذا. وتنتهج روسيا السياسة نفسها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عند مناقشة البرنامج النووي الإيراني.

ثالثًا، أنشأ بوتين اتّحادًا من الدول التي تشترك في رفضها الرؤية الاستراتيجية للنظام العالمي. وأصبحت الصين حليفة روسيا الرئيسية في إحباط أهداف أوباما في السياسة الخارجية. سواء كان الموضوع إيران، سوريا، مؤتمر كوبنهاغن للتغيرات المناخية عام 2009، أو الأزمة الاقتصادية العالمية، فإنّ بكين وموسكو تتفقان عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة. تسعى روسيا والصين بكل دأب إلى نظام قوى عالمي متعدد الأقطاب، يعني بشكلٍ أساسي تآكل فائض القوة والهيمنة السياسية الأمريكيَّين.

واستثمر بوتين أيضًا الخلاف الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وحلفائها. فعام 2003، على سبيل المثال، خلال حرب العراق، التقى المستشارَ الألماني غيرهارد شرودر والرئيس الفرنسي جاك شيراك مراتٍ عديدةً للتنسيق بشأن خطواتهم المضادة للحرب داخل الأمم المتحدة وخارجها.

في بداية عهده الرئاسي، سعى أوباما إلى إعادة العلاقات بين واشنطن وموسكو “إلى سابق عهدها”. حتى إنّه عدّل خططًا مثيرة للخلاف لنشر أنظمة صاروخية في أوروبا الشرقية، كبادرة لبناء الثقة استرضاءً لبوتين. لكنّ الأهداف الجوهرية لمذهب بوتين أفقدت هذه البوادر الأمريكية فاعليتَها، ولم تفعل، في الواقع، سوى دعم تصميم بوتين وصلابته.

يعتقد بوتين أنّ الولايات المتحدة على شفير انهيار اقتصادي وسياسيّ، وأنّها تتفسّخ اجتماعيًّا أيضًا. حقًّا، يرى بوتين الحذر لدى الشعب الأمريكي وممثليه السياسيين في الشأن السوري، ويظنّ أنّ هذا مؤشر آخر على الضعف والتردّد الأمريكيَّين وسطَ تزايد قوة روسيا وتأثيرها.

بغضّ النظر عن آفاق العرض الروسي لتفكيك مخزون الأسلحة الكيميائية السورية – مبادرة يظنّ بعض المُراقبين أنها تهدف إلى إحداث انقسام بين البيت الأبيض، الكونغرس، والشعب الأمريكي – فإنّ بوتين أبدى براعة دبلوماسية ومصالح استراتيجية لاسترداد الدور الروسي في سياسات الشرق الأوسط. فبوضع روسيا إلى جانب حكومة بشار الأسد وإجبار أوباما على التفكير أكثر من مرة، أعرب بوتين عن قيادة شخصية، تصميم، ورغبة في مواجهة الولايات المتّحدة. علينا توقّع رؤية المزيد من مذهبه على أرض الواقع، ربّما في الشأن الإيرانيّ.

انتهت الحرب الباردة منذ أكثر من عقدَين، لكنّ بوتين أحيا بعضًا من سمات الإمبراطورية السوفياتية، ومذهبه هو مفتاح نجاحه. على إدارة أوباما أن تدرك أنّ أهداف بوتين تناقض تمامًا معظم المصالح الأمريكية، ما يلزمها باتّباع مذهب خاصّ بها للتعامل معه إذا رغبت في الإبقاء على المصالح القومية الأمريكية البعيدة المدى.

**من الجدير بالذكر أنّ مقالة الرأي هذه نُشرت للمرة الأولى في صحيفة لوس أنجلس تايمز

إيلاي ز. سالتزمان هو مساعد بروفسور زائر في العلوم السياسية في كلية كلاريمونت ماكينا وعضو مجلس إدارة متفيم، المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، لجنة استشارية متقدِّمة

اقرأوا المزيد: 641 كلمة
عرض أقل