منظر لآثار مدينة بابل التاريخية (AFP)
منظر لآثار مدينة بابل التاريخية (AFP)

على أنهار بابل.. قصّة يهود العراق

يعيش اليوم في بغداد 8 يهود فقط، بقية لجالية عريقة تعود جذورها إلى أكثر من 2500 عام. اقرأوا قصة هذه الجالية وتعرفوا إلى 5 إسرائيليين معروفين انحدروا منها

01 يونيو 2017 | 11:16

“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.

فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَ‍ارِ بَ‍ابِ‍لَ،‏ هُنَ‍اكَ جَلَسْنَ‍ا.‏  بَ‍كَيْنَ‍ا أَيْضً‍ا عِنْ‍دَمَ‍ا تَ‍ذَكَّرْنَ‍ا صِهْيَ‍وْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.

النموّ والازدهار

كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.

قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)

مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.

كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.

كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)

بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون‎ ‎‏. اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.

أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. ‏‎ ‎فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.

التدهوُر والمغادَرة

حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.

مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)

وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.

كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.

عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.

نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.

جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.

خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم

عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)

بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.

لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:

  • الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
  • بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
  • دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل‏‎ ‎‏، التي اشتُهرت بأداء جدّه.‎ قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
  • إيلي عمير الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
  • إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.

شاهدوا إيلي يتسفان العراقي يقلّد حسني مبارك:

اقرأوا المزيد: 1338 كلمة
عرض أقل
الحاخام دافيد ستاف من بلدة شوهام (Noam Moskowicz)
الحاخام دافيد ستاف من بلدة شوهام (Noam Moskowicz)

محادثات عن الله – الحاخام دافيد من بلدة شوهام

يعتبر الحاخام الرئيسي لبلدة شوهام، دافيد ستاف،57 عاما، حاخاما ليبراليا من ناحية فقهية. إنه متزوج منذ 34 عاما، ولديه 9 أولاد و9 أحفاد، ويتحدث عنه إيمان الإنسان ووحدته

لقد فكرتُ كثيرا في إجراء محادثة مع رجال دين إسرائيليين حول الله، الإلهة، ومكانة الدين في المجتمَع الإسرائيلي في العصر الحديث.

تهدف الفكرة إلى عرض 10 أسئلة شبيهة أمام ثلاثة رجال دين ومحاولة الإجابة بواسطتها عن أسئلة كثيرة، تقلق البشر.

هل المجتمَع الإسرائيلي: اليهودي، المسيحي، والإسلامي متدين أكثر؟ لماذا يلجأ المؤمنون إلى الدين لتلقي نصائح لحياة أفضل مع شريك أو شريكة الحياة، العائلة، والتعامل مع الآخرين؟ هل هناك أهمية خاصة بالإيمان الديني في العصر الحديث؟ هل هناك المزيد من الأشخاص الذين يؤدون الصلاة، يسعون إلى الطهارة، والحفاظ على الوصايا؟ هل يُعتبر الإنسان الذي لا يعمل بموجب الوصايا، أو يصلي بشكل ثابت، مؤمنا؟

تعرض لكم سلسلة المقالات التالية، قراءنا الأعزاء، وجهة نظر ممثلي الديانات التوحيدية الثلاث الأكبر في الأراضي المقدّسة، وفق ظهور هذه الديانات في التاريخ البشري: اليهودية، المسيحية، والإسلام.

رجال دين آخرون يتحدثون عن الله:

الأب ناصر قسطنطين من يافا
الشيخ محمد شريف من حيفا

1.هل أمنت بالله دائمًا؟

“نعم. منذ طفولتي. ازداد إيماني مع مرور الوقت. وأصبح كبيرا”.

2.هل يمكن أن يؤمن الإنسان بالله دون أن يكون متديّنا؟

“بالتأكيد. يمكن الإيمان بالله دون أن يكون متدينا. عندما أشرب كأس ماء، أبارك الله قبل أن أشرب قائلا: “أشكرك يا الله، خالق كل شيء، أمين!” هناك من يقول إنه يؤمن بالله ولكن لا داعي لأن يشكره على كل مشروب يشربه. فلا يمكن أن نقول أن هؤلاء الأشخاص ليسوا مؤمنين. الإيمان بالله هو معرفة أن على الإنسان أن يعيش حياة ذات معنى. فلا يمكن النظر إلى الحياة كأمر ليس هاما”.

الحاخام ستاف: "يكون الإنسان الذي يصلي أكثر دقة في طموحاته ومشاعره، وعندها يصبح العالم أفضل" (Noam Moskowicz)
الحاخام ستاف: “يكون الإنسان الذي يصلي أكثر دقة في طموحاته ومشاعره، وعندها يصبح العالم أفضل” (Noam Moskowicz)

3.ما الذي يُميز اليهودية، المسيحية، والإسلام عن الديانات الأخرى وفق اعتقادك؟

“لستُ خبيرا بالديانتين المسيحية والإسلامية. ولكن من المهم أن نوضح ما معنى الإيمان بالله وكيف يؤثر في الإنسان. يضع الإيمان بالله الواحد حدودا للإنسان. الفارق الكبير بين الإيمان بإله واحد وبين الإيمان بعدة ألهة، هو معرفة أن هناك معنى واحد تُشتق منه معان كثيرة. هناك مفهوم واحد في العالم. وهو ليس نسبي. هناك خط واحد وعند اجتيازه تصبح الحدود مشوشة”.

4.هل تعتقد أن الله يستجيب للصلوات؟ ماذا تقترح على الإنسان الذي يصلي للمرة الأولى في حياته؟

“تجعل الصلاة الإنسان إنسانا جيدا أكثر. يكون الإنسان الذي يصلي أكثر دقة في طموحاته ومشاعره، وعندها يصبح العالم أفضل.

أوصي من يصلي للمرة الأولى في حياته: ألا يتسرع! فيستحسن تأدية الصلاة بطيئا والتفكير فيما يرغب المصلي قوله. على الإنسان الذي يصلي للمرة الأولى، أن يستعد، يعرف ما الذي يريد أن يطلبه، ماذا يهمه كثيرا أو قليلا. تؤدي هذه العملية إلى التمييز بين الأمور الهامة الأساسية في الحياة وبين الأمور الثانوية”.

5.هل تعتقد أن هناك شيئا سلبيا في الدين؟ أم أن هناك أمورا إيجابية فقط؟

“قد تؤثر الديانة سلبا في الإنسان. هناك آية في التلمود تقول إنه ” قد تؤدي الشمولية في الدين إلى أن يتوقف البشر عن أن يكونوا إنسانيين”. يجب أن نتذكر دائمًا أن الإنسان خُلِق على صورة الله. غرس فينا الله قيم احترام الآخر. يرفض الله احتقار البشر. هناك آية في التوراة تتحدث عن إنسان قام بعمل فظيع ولذلك كان عقابه الموت والشنق على شجرة. عقوبة الموت بسبب القتل. تتحدث التوراة عن أنه يجب معاقبة، شنق الإنسان على شجرة وإنزاله فورا. لماذا يجب إنزاله فورا؟ لأنه لا يُسمح بإهانة الإنسان، الذي وُلِد على صورة الله”.

الحاخام ستاف: "أشعر أن الشبان قريبون من الله أكثر من قربهم من الدين" (Noam Moskowicz)
الحاخام ستاف: “أشعر أن الشبان قريبون من الله أكثر من قربهم من الدين” (Noam Moskowicz)

6.ماذا تقول لمن يدعي أن بسبب الدين فقط، هناك الكثير من الحروب في العالم؟

“عندما كان البشر متدينين كانت الديانات سببا للحروب. ولكن عندما كان الإنسان علمانيا لم تكن الديانات سببا للحروب. ففي القرن العشرين، كانت النازية والشيوعية مسؤولتين عن قتل ملايين البشر. لم تكونا مجموعتين دينيتين. الإنسان هو المسؤول عن الحروب وقد يستغل اسم الله بهدف منح شرعية دينية لها”.

7.هل الجيل الشاب قريب أو بعيد عن الله والدين؟

“أشعر أن الشبان قريبون من الله أكثر من قربهم من الدين. لا تثير المواضيع الدينية إلهاما لدى الشبان، ولذلك يهتمون بها أقل ولكنهم يبحثون عن معنى ويحاولون الاقتراب من الله بعيدا عن الدين. يهتم الشبان كثيرا بالله، ولكن ليس من الضروري أنهم يريدون أن يكونوا متدينين”.

8.ما المشترك بين المسيحية، اليهودية، الإسلام، والديانات الأخرى؟

“هناك الكثير من الأمور المشتركة. يولي الجميع اهتماما لقيم الإحسان. تهتم كافة الديانات بالعائلة. يرغب الجميع في أن يكون الإنسان جيدا”.

9.ما هي الضائقة البارزة بشكل خاص لدى الناس في أيامنا هذه؟

“الجوع! الوحدة! بات الإنسان العصري وحيدا. لم يعد جزءا من العائلة، ولا جزءا من المجتمع وهو يحتاج إلى المحبة كثيرا. أعتقد أن في وسع الدين أن يؤدي دورا مركزيا وهاما في منح المحبة، الحياة العائلية، وتقريب الإنسان من المجتمع”.

10.هل الإنسان صالح في طبيعته؟

“خلق الله الإنسان صادقا، ولكن لمزيد الأسف نحن ننجح في الإضرار بهذه الصفة الحسنة. هناك آية هامة تقول: “إن حماقة الإنسان تشوش تفكيره، فيغضب على الله”.

اقرأوا المزيد: 702 كلمة
عرض أقل
  • متصوف مصري (AFP)
    متصوف مصري (AFP)
  • حاخام يهودي أثناء تعليمه لأسرار الكبالاه اليهوجية (flASH90Yaakov Naumi)
    حاخام يهودي أثناء تعليمه لأسرار الكبالاه اليهوجية (flASH90Yaakov Naumi)

التشابه المفاجئ بين الكبالاه اليهودية والتصوف في الإسلام

في اليهودية تدعى هذه الحركة الروحانية "كبالاه". وتدعى في الإسلام "التصوف". التشابه بين الحركتين مفاجئ بشكل خاص

إن الفرق الخيالي بين الإنسان والخالق، أدى إلى حركات روحانية في اليهودية والإسلام على حد سواء، تبنت مضامين روحانية وفلسفية عميقة في الحياة الدينية. هناك الكثير من المؤمنين اليهود والإسلام على حد سواء، الذين شعروا أن الروتين الديني للحفاظ على الوصايا، والإيمان بالخالق الذي لا يُرى ولا يسمع، لم توفر ردا على الحاجة النفسية العميقة في الارتباط الشخصي بين الإنسان والخالق.

تدعى في اليهودية هذه الحركة الروحانية “كبالاه”. يمكن العثور على كتابات روحانية في كتابات حاخامات يهود منذ نحو 1.500 سنة، ولكن تطورت الكبالاه، في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا في نهاية القرن الـ 12 وبداية القرن الـ 13. ذُكر في التلمود البابلي نسبة إلى بابل (العراق في يومنا هذا) في القرن السادس الفقهاء الذين تطرقوا إلى أسرار خلق العالم. يقترح التلمود على الطلاب ألا يتطرقوا إلى هذه المواضيع حتى يكونوا بالغين، وبعد أن يجتازوا تأهيلا من معلم مؤهل.

تطورت الكبالاه، في جنوب فرنسا وشمال إسبانيا في نهاية القرن الـ 12 وبداية القرن الـ 13

نُشر كتاب الكبالاه الأول عام 1180 في بروفنس (جنوب فرنسا) ويدعى “كتاب بهير” (بهير هي كلمة عبرية معناها الساطع). ليس واضحا من ألف الكتاب ومتى، ولكنه يتطرق إلى أسرار خلق العالم. انتشرت الكبالاه من جنوب فرنسا في القرن الـ 13 إلى الجاليات اليهودية في إسبانا وإيطاليا.

بعد مرور نحو مئة عام من ذلك، نحو عام 1280، بدأ يظهر “كتاب الزوهار” (زوهار تعني الإشراق أو الضياء)، وهو الكتاب الأهم في الكبالاه. نشر الحاخم موسى دي ليون الكتاب ويبدو أنه ألف أجزاء كثيرة منه. حظي الكتاب باهتمام مجددا بعد طرد اليهود من إسبانيا عام 1492، وانتظارهم لمجيء المسيح اليهودي المنتظر. بعد طرد اليهود، نُقِل مركز الكبالاه من أوروبا إلى مدينة صفد في الجليل.

نسخ من كتاب الزوهار، الكتاب الأهم في تعاليم الكبالاه اليهودية (Wikipedia)
نسخ من كتاب الزوهار، الكتاب الأهم في تعاليم الكبالاه اليهودية (Wikipedia)

وصف إسحق لوريا (‏1534-1572‏) أحد مؤمني الكبالاه في صفد خلق العالم على النحو التالي: كان قبل خلق العالم إلى ما لا نهاية من الضوء. بهدف خلق العالم، كان على الخالق تقليص عالمه وإبقاء فضاء فارغ يتيح خلق العالم الروحاني والمادي.

أشار علماء معاصرون إلى العلاقة المتينة بين الروحانية في اليهودية وبين الروحانية في الإسلام، التصوف، من حيث التفكير والعمل الفعلي. اقترح إبراهيم صموئيل أبو العفيا، أحد مؤمني الكبالاه وهو إسباني الأصل من القرن الـ 13، استخدام تقينات تكرار ذكر اسم الله أثناء التنفس، الغناء، وحركات الرأس. تذكّر هذه التنقية بالصوفية الخاصة بذكر (الذِكر هو من أنواع العبادات الإسلامية والتي تعتمد على ذِكر الله). وفق الكبالاه هناك أهمية حاسمة للغة العبريّة في خلق العالم: خلق الله العالم بواسطة الأحرف العبريّة. يذكّر هذا التوجه باللغة العربية من حيث التفكير الإسلامي الروحاني.

أشار علماء معاصرون إلى العلاقة المتينة بين الروحانية في اليهودية وبين الروحانية في الإسلام، التصوف، من حيث التفكير والعمل الفعلي

وأشار أحد طلاب أبو العفيا، ناتان بن سعدية حرار، إلى قوة ذكر الله كتقنية تأمل حتى في العربية أيضا. يشير في كتابه “شعاري تصيدق” (أي بوابات الصدق) إلى أن التقنية الصوفية، ذكر، تؤدي إلى تجربة روحانية. وفق حرار، يمر المؤمنون الصوفيون بتجربة روحانية ولكن ليسوا قادرين على تفسيرها لأنهم لا يتبعون للتقاليد الروحانية اليهودية. تُذكّر كتابات الحرار بكتابات الشيخ الصوفي الفارسي شهاب الدين السهروردي جدا، الذي عاش بين القرنين 12 و 13، وتشير كتاباته إلى أنه من دون الالتزام بالقوانين الدينية والنبي محمد، فإن التقنية الروحانية تؤدي إلى طهارة النفس جزئيًّا فقط.

أطفال متصوفون في تركيا (AFP)
أطفال متصوفون في تركيا (AFP)

تأثر بعض الحاخامات المشهورين في القرون الوسطى في الإسلام الروحاني جدا. من بين المشهورين منهم هناك الحاخام موسى بن ميمون (‏1186-1237‏) مؤسس التيار الصوفي اليهودي في مصر، والحاخام بهية بن باكودا الذي عاش في الأندلس في النصف الأول من القرن الحادي عشر. متأثرا في الإسلام، أدخل الحاخام موسى بن ميمون الركعات ووضعيات الجسم أثناء الصلاة اليهودية، والتي لم يكن معمولا بموجبها حتى ذلك الحين وحتى أنها أثارت معارضة في الجالية اليهودية. حرص الحاخام بهية بن باكودا على التدرب على الطرق المذكورة في رسائل إخوان الصفا. يشير برنارد لويس، أستاذ فخري إلى أن الحاخام بهية بن باكودا اقتبس في كتاباته أقوال الصوفي السابق ذو النون مؤمنا أن القيام بالوصايا فقط لا يمكن أن يساهم في تطهير النفس، بل هناك حاجة إلى التقرّب إلى الخالق من أعماق القلب أيضًا.

تأثرت الحركات الحاسيدية التي تطورت في أوروبا الشرقية في القرن الـ 18، إلى حد كبير من الكبالاه. اعتاد يهود حسيديون على العزلة في غابات أملا منهم في التقرب من الله، واتبعوا نمط حياة الفقر والزهد مثل الزهاد في الإسلام في الزمن القديم.

ذو النون أمن أن القيام بالوصايا فقط لا يمكن أن يساهم في تطهير النفس، بل هناك حاجة إلى التقرّب إلى الخالق من أعماق القلب أيضًا

نقارن بين نمط حياة أحد الصوفيين الأوائل، بشر الحافي، وبين مؤسس الحركة الحاسيدية، الحاخام يسروئيل بن إليعزر (بعل شيم توف) (توفي عام 1760).

هذا ما كتبه الشيخ الصوفي الذي عاش في القرن الـ 11 وهو عبدالکریم قُشَیری عن بشر الحافي:

“سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول: مرَّ بشر ببعض الناس، فقالوا: هذا الرجل لا ينام الليل كلَّه، ولا يفطر إلا في كل ثلاثة أيام مرة؛ فبكى بشر، فقيل له في ذلك فقال: إني لا أذكر أني سهرت ليلة كاملة، ولا أني صمت يوماً لم أفطر من ليلته، ولكن الله سبحانه وتعالى يلقي في القلوب أكثرً مما يفعله العبد لطفاً منه، سبحانه، وكرماً”.

تذكّر هذه الأقوال بأقوال الحاخام يسروئيل بن إليعزير جدا:

“وجوهر التجرّد من (اضمحلال) المادية هو أن تكون شهوات هذا العالم كلّها كلا شيء في قلبه وعينَيه، أن يتجرد الإنسان من جميع صفاته الرديئة بفعل شوقه العظيم إلى الخالق، تقدّس اسمه” كذلك، قال أيضا: “على الإنسان أن يكون مجردا من الروحانيات وألا يشعر بوجوده في هذا العالم”.

اقرأوا المزيد: 844 كلمة
عرض أقل
عالم يهودي يدرس في كتاب التلمود البابلي (Flash90/Hadas Parush)
عالم يهودي يدرس في كتاب التلمود البابلي (Flash90/Hadas Parush)

تعامل التلمود والشريعة اليهودية مع الأغيار

ما هو التلمود، وكيف يتطرق إلى الأغيار؟ هل يعتقد الفقهاء اليهود أن اليهود أسمى من الشعوب الأخرى أم أن كل البشر متساوون؟

التلمود البابلي، هو بروتوكولات نقاشات الحاخامات الذين عملوا في المراكز التعليمية اليهودية في أرض إسرائيل وبابل بين القرنين الثالث والخامس للميلاد. النقاشات حول أسئلة فقهية، عملية، فلسفية، وأخلاقية، مطبوعة اليوم في نحو 20 مجلدا (2.711 صفحة). يشكل التلمود المكتوب بالآرامية والعبرية أساس الشريعة اليهودية، وأهم النصوص التي تدرّس في المؤسسات التعليمية اليهودية (حلقات دينية).

كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر. بالطبع، فإن السياق التاريخي والتجربة الشخصية للحاخام تؤثر في نظرته إلى الآخر، إلى غير اليهود.

كما هو الحال في كل نص ديني تاريخي، يتضمن التلمود أقوالا متناقضة حول “الآخر”. هناك مصادر يمكن العثور فيها على تعامل إيجابي مع الشعوب الأخرى، وأخرى فيها تعامل سلبي أكثر

تجادل حكيما البلاد في إسرائيل، الحاخام عكيفا وبن عزاي حول تفسير الآية في التوراة “تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ” (سفر اللاويين، الإصحاح 19، الآية 18). وفق بن عزاي، فإن الكلمة “صديق” تعني كل شخص، ولكن يعتقد الحاخام عكيفا أن وصية محبة الآخر، تنطبق على اليهود فقط.

يمكن فهم موقف الحاخام عكيفا السلبي على خلفية العلاقات الصعبة بين اليهود والإمبراطورية الرومانية في عصره. قتل الرومان الحاخام عكيفا في نهاية حياته بسبب إيمانه اليهودي.

تحدث تلميذ الحاخام عكيفا الحاخام شمعون بار يوحاي بشكل متطرف أكثر تجاه الأغيار. فوفق أقواله، لا تنقل قبور الأغيار النجاسة لأنهم لا يعتبرون من بني البشر بالمعنى الكامل، ويمكن قتلهم أثناء الحرب. ادعى حكماء في التلمود أن الأغيار ينجذبون أكثر للغريزة الجنسية، وحشيون أكثر من اليهود، ومتواضعون أقل. حتى أنه ذُكر في التلمود أنه يحظر إنقاذ غير اليهود إذا كانوا يحتضرون يوم السبت.

بالمُقابل، هناك موقف آخر مختلف تماما في التلمود للأغيار، موقف أكثر إيجابية. في قسم سنهدرين (جزء في المشناه يتحدث عن المحكمة اليهودية)، كُتب أن الإنسان الأول خُلِق وحيدا لئلا يدعي كل شعب أن سلَفه أفضل. هذه أقوال معادية للعنصرية بشكل واضح. أقوال الحاخام مئير الإسرائيلي، مقتبسة في التلمود للتوضيح أن غير اليهود الذين تعلموا التوراة هم مساوون للكاهن الكبير في الهيكل، وهكذا يلغي تماما فكرة أن اليهود أسمى من غيرهم من الأمم عرقيا.

طالب يهودي يدرس التلمود في حلقة دينية في نيو يورك (AFP)
طالب يهودي يدرس التلمود في حلقة دينية في نيو يورك (AFP)

في قسم سنهدرين تُحكى أسطورة تتحدث عن أن المصريين غرقوا في البحر بعد خروج بني إسرائيل من مصر، فطلب الملائكة الغناء. فصرخ بهم الله سائلا: “يغرق البشر من صنع يدي وأنتم تغنون؟”. تحدد المشناه في ذلك القِسم أن “كل من يخسر إنسانا، كأنه خسر العالم بأكمله، وكل من ينقذ شخصا وكأنه أنقذ العالم بأكمله”.

يحظر على اليهود قتل كل البشر حظرا تاما. جاء حظر القتل قبل أن حصل بنو إسرائيل على التوراة، ولذلك ليس في وسع التوراة أن تسمح بإلغاء حظر كان قائما. وفق رأي الحاخام إليعزر في التلمود البابلي في قسم الفصح (Pesachim) فإن سبب تهجير الله لكل اليهود في أنحاء العالم هو إقناع الوثنيين بعبادة إله واحد.

تحدث الحاخام موسى بن ميمون (‏1135-1204‏) من كبار الفقهاء في القرون الوسطى، في كتابه الفقهي عن ثلاث مجموعات من الأغيار: أغيار وثنيين، “مواطن ساكن” (أغيار يعيشون في المجتمع اليهودي)، وأغيار عاديين.

اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم

ليس هناك واجب في الشريعة لإنقاذ الوثنيين، ولكن يحظر أيضا قتلهم طالما أنهم لا يقاتلون شعب إسرائيل. “مواطن ساكن” هو شخص تحمل مسؤولية تأدية 7 وصايا أخلاقية أساسية، تسمّى في الشريعة اليهودية “شرائع نوح السبع” وتمنع: السرقة، التجديف على الله، الانحلال الجنسي، الوثنية، أكل لحم حيوان حي، وتفرض إقامة نظام عدل.

وفق الحاخامين الكبيرين في أرض إسرائيل في القرن العشرين، الحاخام أبراهام يتسحاق هكوهين كوك (‏1865-1935‏)، والحاخام ﻳﺘﺴﺤﺎق أﻳﺰﻳﻚ ﻫﻠﻴﻔﻲ ﻫﺮﺗﺴوغ (‏1888-1959‏)، يُعتبر العرب الذين يعيشون في البلاد “مواطنين سكانا” لأنهم يطبقون الوصايا الأساسية إيمانا بإله واحد. خلافا للوثنية، يسمح لـ “مواطن ساكن” العيش في أرض إسرائيل وعلى اليهود أن يكونوا عادلين معه مثلما يتعاملون مع اليهود الآخرين.

وفق الرمبام (موسى بن ميمون)، على اليهود التعامل باحترام مع الأغيار الذين لا يعتبرون “مواطنين سكّانا”: زيارة مرضاهم، إعالة الفقراء من غير اليهود، ودفن موتاهم مع الأموات اليهود. السبب لذلك هو أهمية خلق علاقات سلمية بين كل الشعوب.

اليهودية ليست ديانة تبشيرية ولا تشجع مؤمنين من ديانات أخرى على اعتناق اليهودية، ولكنها تبارك كل المؤمنين الذين يؤمنون باليهودية ويتعلمون أهم مبادئها طيلة فترة طويلة، ويلتزمون أن يبقوا يهودا كل حياتهم.

للإجمال، كما يمكن العثور في القرآن، والإسلام عامة، على تعامل إيجابي وسلبي لليهود والمسيحيين، كذلك الحال في اليهودية إذ يمكن أن تُسمع آراء مختلفة تجاه الأغيار. بشكل عامّ، يمكن القول إن اليهودية لا تتعامل تعاملا متساويا بين اليهود والأغيار، كما هو الحال بين الإسلام وغيرهم. رغم ذلك، توصي الديانة اليهودية المؤمنين اليهود باحترام كل البشر، استنادا إلى الآية في سفر الأمثال في التوراة: “طرقها طرق نعم، وكل مسالكها سلام”. السلام هو قيمة عليا تملي العلاقة المرجوّة بين البشر.

اقرأوا المزيد: 748 كلمة
عرض أقل
مصلون يهود يرفعون كتاب التوراة أمام حائط المبكى (حائط البراق) في القدس (Flash90|Yonatan Sindel)
مصلون يهود يرفعون كتاب التوراة أمام حائط المبكى (حائط البراق) في القدس (Flash90|Yonatan Sindel)

أسرار التوراة المكتوبة والشفهية تنكشف

ما هي اليهودية المُعاصرة وكيف يفسر الفقهاء اليهود حتى اليوم الشريعة الموسوية؟ هل هناك شريعة في اليهودية، تنظم شؤون اليهود اليومية؟

القرآن هو الكتاب الرئيسي في الإسلام وهو يشكل أساسا للمؤمنين، وكذلك في اليهودية هناك التوراة التي يعمل بموجبها المؤمنون اليهود والتي أوحى بها الله للنبي موسى في جبل سيناء بعد خروج بني إسرائيل من مصر. استُخدمت التوراة التي يؤمن بموجبها اليهود أن النبي موسى كتبها وفق أقوال الله على لوحي حجر عند صعود موسى إلى جبل سيناء لمدة 40 يوما، وتدعى في اليهودية “التوراة المكتوبة”.

ولكن إلى جانب التوراة المكتوبة، حصل النبي موسى على تفاصيل الشريعة والوصايا اليهودية التي لم تُذكر بالتفصيل في كتب التوراة الخمسة. فالتوراة ليست كتب القوانين فحسب بل هي كتاب يصف أيضا خلق العالم والإنسان، وتاريخ الشعب اليهودي منذ أيام المؤمن الأول إبراهيم عليه السلام وحتى دخول بني إسرائيل إلى أرض الميعاد، أرض إسرائيل.

يؤمن اليهود أن الشريعة الشفهية نُقِلت من النبي موسى إلى تلميذه ووريثه يشوع بن نون، ونقلها الأخير بدوره إلى كبار الشعب، ومن ثم إلى الأنبياء، وبعدها إلى رجال “الكنيس الكبير” الذين كانوا زعماء الشعب بعد الأسر البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد. كان رجال الكنيس الكبير هم مَن كتبوا الصلوات الأولى للشعب اليهودي.

تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين (Flash90Hadas Parush)
تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين (Flash90Hadas Parush)

وفق التقاليد اليهودية، هناك في التوراة المكتوبة 613 وصية: 248 وصية إيجابية تدعى “وصايا افعل” (مثلا، واجب الاستراحة يوم السبت)، و-365 وصية سلبية تدعى “وصايا لا تفعل” (مثلا، لا تقتل أو لا تزنِ). تتطرق التوراة الشفهية أكثر إلى الواجِبات والمحظورات التي على اليهود العمل بموجبها، ويواصل الحاخامات تفسير أقوال الله في التوراة حتى أيامنا هذه: بدءا من السؤال ما هو الحذاء الذي يجب انتعاله أولا في الصباح وحتى السؤال ما الذي على الإنسان قوله قبل مماته.

الكتابان الدينيان اللذان يشكلان أساسا للشريعة الشفهية هما “المشناه” و”التلمود”. حرر الحاخام يهودا الناسي، الذي عاش في إسرائيل في عام 200 للميلاد تقريبا، المشناه المؤلفة من ستة كتب بالعبرية. فقد سجل الحاخام كل القوانين التي كانت متبعة حتى أيامه خوفا من نسيان التقاليد اليهودية واختفائها. بعد 200 حتى 300 عام بعد ذلك تمت كتابة التلمود الذي يشكل بروتوكولا للنقاشات في المدراش اليهودي في أرض إسرائيل وبابل. كُتب التلمود بالآرامية، وهي اللغة التي تحدث بها اليهود في تلك الفترة، وهو يشكل المؤلف الأساسي الذي يتعلمه اليهود حتى يومنا هذا في المدراش الديني. من خلال النقاشات بين حكماء المشناه، يتضح أن التلمود هو الشريعة التي دعمها معظم الحاخامات في تلك الفترة، واتخذوه قانونا للاستخدام على مر الأجيال.

جبال معلقة على شعرة

كتاب التوراة كتب قبل أكثر من 1200 عاما (Flash90Noam Revkin Fenton)
كتاب التوراة كتب قبل أكثر من 1200 عاما (Flash90Noam Revkin Fenton)

يرتاح اليهود أيام السبت لذكرى استراحة الله بعد أن خلق العالم في ستة أيام (كما جاء في سفر التكوين). وفق التوراة المكتوبة، يرتاح يوم السبت العبيد والشعب وحتى الحيوانات الأليفة، ليتذكر اليهود فترة العبودية المصرية. توصي الشريعة اليهود بـ “تذكر” يوم السبت و “الحفاظ” عليه أيضًا، وفي مكان آخر هناك حظر لإشعال النار يوم السبت، حظر العمل في الأرض والحصاد، وحظر الخروج من منطقة معينة. وهكذا تتلخص وصايا أيام السبت في التوراة، والموت هو عقاب من يخالفها.

ولكن في الشريعة الشفهية، بدءا من المشناه، هناك مئات التفاصيل ذات الصلة بقوانين أيام السبت. يرتكز الحظر الوارد في المشناه على الوصايا الـ 39 التي أقيمت في المقر، خيمة الاجتماع المتنقلة التي كان فيها تابوت العهد قبل إقامة المعبد في القدس.

قوانين أيام السبت في الشريعة الشفوية كثيرة ومفصلة، وتستند إلى أسس قليلة في الشريعة المكتوبة، تدعى في المشناه “جبالا معلقة على شعرة”.

العين بالعين والسن بالسن

تتطرق التوراة (سفر اللاويين، الفصل 24) إلى عقاب الإنسان الذي ضرب صديقه وجرحه:

وَإِذَا أَحْدَثَ إِنْسَانٌ فِي قَرِيبِهِ عَيْبًا، فَكَمَا فَعَلَ كَذلِكَ يُفْعَلُ بِهِ. كَسْرٌ بِكَسْرٍ، وَعَيْنٌ بِعَيْنٍ، وَسِنٌّ بِسِنٍّ. كَمَا أَحْدَثَ عَيْبًا فِي الإِنْسَانِ كَذلِكَ يُحْدَثُ فِيه. (سفر اللاويين 24)

حظر فقهاء التلمود دائما المس الجسماني بالآخرين كعقاب على ضرر من جهة المُهَاجِم وحاولوا توضيح العقاب الذي ورد في التوراة بشكل آخر. يقول حاخام متدين إنه لا يمكن أن تكون عين المُهَاجِم مساوية لعين المُهَاجَم، وقد أوصت التوراة “المعاملة بالمثل” أي أن العقاب يجب أن يكون مساو للجريمة. لذلك فقد أمر بأن على المُهاجِم أن يدفع مالا مساويا لقيمة العين.

مباركة يوم السبت في عائلة يهودية متدينة (Nati ShohatFlash90)
مباركة يوم السبت في عائلة يهودية متدينة (Nati ShohatFlash90)

يبدو قرار الحاخامات أحيانا مختلفا عن قوانين الشريعة، ولكن هناك واجب العمل وفق أقوال الحكماء وتفسيراتهم، والتي تعود إلى أيام موسى النبي. لذلك ينص التلمود أن “الهلاخاه (قوانين الحاخامات، يوازي الشريعة الإسلامية) تهيمن على التناخ”، أي أن التفسيرات الإنسانية تتغلب أحيانا على ما يبدو لنا قانونا إلهيا في التوراة.

“الابن المارد والمعاند مرفوض”

جاء في سفر التثنية وصية “الابن المعاند والمارد”: ابن 13 عاما لا يطيع كلام والديه. فكُتِب أنه إذا كان هناك ولد معاند ومارد لا يسمع لقول والديه فعقابه الرجم بالحجارة. صُدم التلمود من هذه الوصية وثار جدل بين الحاخام يهودا والحاخام يوناتان. يقول الحاخام يهودا إنه من أجل قتل ولد، فهناك حاجة إلى أن يكون صوت والديه، طولهما، ومظهرهما شبيها. لذلك يستنتج أن الحالة المذكورة في التوراة لم تُطبق في الواقع، وكُتبت الوصية لتعليم العبرة فحسب. رغم ذلك، يقول الحاخام يوناتان إنه رأى حالة فيها “ولد مارد ومعاند” وحتى أنه جلس على قبره بعد قتله.

هناك حالة أخرى في التوراة، تشمل وصية قتل سكان المدينة الذين يعبدون الأوثان، حيث يقول الحاخامون إن هذه الوصية لم تُطبّق في الواقع أبدا.

للإجمال، تترجم الشريعة الشفهية التوراة المكتوبة إلى مجموعة قوانين ديناميكية ومتطورة يطور فيها الحاخامات الوصايا الإلهية لصالح اليهود المؤمنين. فمن هذه الناحية فإن اليهودية المُعاصرة هي اليهودية التي تعمل وفق “الشريعة الشفهية” وليس وفق “الشريعة المكتوبة”.

اقرأوا المزيد: 802 كلمة
عرض أقل
نهر دجلة في مدينة بغداد (AFP/Stan HONDA)
نهر دجلة في مدينة بغداد (AFP/Stan HONDA)

على أنهار بابل – قصّة يهود العراق

لا يعيش أكثر من ثمانية يهود اليوم في بغداد، لكنهم بقيّة جاليةٍ مجيدة تعود جذورها إلى أكثر من ألفَين وخمسمائة عام؛ وأيضًا: خمسة عراقيين إسرائيليين يجب أن تتعرفوا إليهم

“يهود بابل” – هذا هو اللقب الذي يستخدمه حتّى اليوم كثير من اليهود ذوي الأصل العراقيّ الذين يقطنون في إسرائيل للإشارة إلى أنفسهم. يهود بابل، لا يهود العراق. ليس بلا سبب تفضيلُ عديدين اللقب القديم على اسم الدولة العصرية التي أتَوا منها – فالجالية اليهودية في العراق ذات جذور تاريخية ضاربة في العمق، تصل إلى دمار الهيكل الأول في أورشليم عام 607 قبل الميلاد.

فقد سبا ملك الإمبراطورية البابلية، نبوخذنصر الثاني، اليهود من موطنهم التاريخي إلى بابل البعيدة، حيث نشأت جالية يهودية جديدة ومزدهرة. لم يتوقف يومًا الحنين إلى الموطن، ويتجلى ذلك في المزمور 137، العدد 1: “عَلَى أَنْهَ‍ارِ بَ‍ابِ‍لَ،‏ هُنَ‍اكَ جَلَسْنَ‍ا.‏  بَ‍كَيْنَ‍ا أَيْضً‍ا عِنْ‍دَمَ‍ا تَ‍ذَكَّرْنَ‍ا صِهْيَ‍وْنَ”. لكن في فترةٍ متأخرة أكثر تاريخيًّا، مثل فترة كورش، التي أُجيز فيها لليهود بأن يعودوا إلى أورشليم، بقيت جالية يهود بابل قائمة وكبيرة.

شاهدوا حفل زفاف عراقيًّا يهوديًّا تقليديًّا:

http://youtu.be/Uu5skKgA_PM

النموّ والازدهار

كانت جالية يهود بابل الأكبر والأكثر ازدهارًا بين الجاليات اليهودية، حتّى حين تشتّت اليهود في كلّ أرجاء المعمورة. فقد كانت الجالية مركزًا تجاريًّا وحضاريًّا مزدهرًا، فضلًا عن كونها مركزًا روحيًّا ودينيَّا ذا أهمية كبرى. تجمّع جميع حكماء الديانة اليهودية بين نهرَي دجلة والفرات، وأقاموا هناك قرونًا. تعاملت الإمبراطورية البارثية التي سيطرت على المنطقة جيّدًا مع اليهود، ومنحتهم حقوقًا بإدارة مستقلّة وحريّة ثقافيّة. في هذه الفترة، بلغ الفِكر اليهودي إحدى ذُراه، في تأليف “التلمود البابلي”. كذلك في السنوات اللاحقة، تحت حُكم الساسانيّين، كان اليهود محميّين من أيّ أذى.

قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه  (AFP)
قبر حزقيال (ذو الكفل) في مدينة الكفل العراقيه (AFP)

مع انتشار الإسلام وسيطرة الخلفاء، بدءًا من القرن السابع الميلادي، تحسّن كثيرًا وضع يهود بابل، إذ أصبح للمرة الأولى معظم يهود العالم تحت السيادة نفسها – سيادة الإسلام. لكنّ هذا التعامُل لم يكُن ثابتًا، إذ كان وضع اليهود يعتمد على نظرة الحاكم. ورغم أنّهم نعموا غالبًا بالأمان، لكنهم كانوا تحت تهديد أحكامٍ – مثل حظر الخليفة عُمر بن عبد العزيز في مطلع القرن الثامن أن يلبسوا كالعرب أو أن يعيشوا حياة رفاهية، أو حُكم الخليفة المتوكّل في القرن التاسع، الذي ألزمهم بلبس ثياب خاصّة تكون علامة عار. في فترة الخليفة المأمون، دُعي اليهود “أخبث الأمم”، ودُمّرت مجامع يهودية كثيرة في عهده. في القرون الوسطى، هجر يهود كثيرون بغداد ومحيطها للسكن في الأندلُس، التي أصبحت مركزًا إسلاميًّا مزدهرًا في العالم.

كانت الفترة العثمانية أيضًا فترةً مفعمة بالتقلّبات بالنسبة للجالية في العراق. لكن كلّما ازدادت موجات الدمقرطة، تحسّن وضع اليهود، الذين شكّلوا جزءًا هامًّا من الحياة العامّة والتجاريّة في العراق. عام 1908، حصل جميع يهود العراق على مساواة في الحقوق وحرية دينية كفلها القانون، حتّى إنّ بعضهم أُرسل لتمثيل العراق في البرلمان العُثمانيّ.

كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)
كنيس مهجور في مدينة الفلوجة (ِAFP)

بعد الحرب العالمية الأولى وتتويج فيصل ملكًا على البلاد، تحسّن وضع اليهود أكثر فأكثر. كان وزير المالية الأول للعراق في العصر الحديث يهوديًّا، اسمه حسقيل ساسون‎ ‎‏. اتّخذ ساسون عددًا من القرارات التي أسهمت في استقرار الاقتصاد العراقي في القرن العشرين، بما فيها تنظيم تصدير النفط إلى بريطانيا. وبشكل عامّ، أضحت أسرة ساسون البغداديّة إمبراطوريّة اقتصاديّة امتدّت من الهند شرقًا حتّى أوروبا غربًا.

أمّا ما زاد شهرة يهود العراق أكثر من أيّ شيء آخر في العصر الحديث فهو موسيقاهم. ‏‎ ‎فقد اشتُهر الكثير من اليهود بفضل مواهبهم الموسيقيّة، وفي مسابقة الموسيقى في العالم العربي التي أُقيمت في القاهرة في الأربعينات، فاز الوفد العراقي، الذي تألّف من موسيقيين يهود ومُطرب مسلم واحد. ويُذكَر بشكل خاصّ صالح وداود الكويتي، اللذان أنشآ فرقة الإذاعة الموسيقية الوطنية في العراق، حتّى إنهما غنّيا في حفل تنصيب الملك فيصل الثاني.

التدهوُر والمغادَرة

حدث التدهوُر الأكبر في وضع يهود العراق مع صعود النازيين في ألمانيا في ثلاثينات القرن العشرين. فقد عملت السفارة الألمانية في بغداد بوقًا لرسائل لاساميّة أدّت تدريجًا إلى تغيّر نظرة العراقيين المسلمين إلى إخوتهم اليهود. فعام 1934، فُصل عشرات الموظَّفين اليهود من وزارة الاقتصاد، عام 1935 فُرضت قيود على عدد اليهود في المدارس، وعام 1938 أُقفلت صحيفة “الحصاد”، لسان حال يهود العراق.

مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)
مجموعة حاخامات يهود في بغداد عام 1910 (Wikipedia)

وكانت الذروة عام 1941، بعد فشل الانقلاب الذي قاده رشيد عالي الكيلاني، الذي سعى إلى طرد البريطانيّين وإنشاء سُلطة ذات رعاية ألمانية – نازيّة. في تلك السنة، حدث ما يُعرف بالفرهود – المجزرة الأكبر بحقّ يهود العراق. في إطار الاضطرابات، قُتل 179 يهوديًّا، أصيب 2118، تيتّم 242 طفلًا، وسُلب الكثير من الممتلكات. وصل عدد الأشخاص الذين نُهبت ممتلكاتُهم إلى 50 ألفًا، ودُفن الضحايا في مقبرة جماعيّة في بغداد.

كانت النتيجة المباشرة للمجزرة تعزيز قوة الصهيونية، والإدراك أنّ فلسطين (أرض إسرائيل) وحدها تشكّل ملاذًا آمنًا ليهود العراق. فاقم إنشاء دولة إسرائيل ونتائج حرب العام 1948 أكثر وأكثر التوتر بين اليهود والمسلمين في العراق. فاليهود الذين اشتُبه في ممارستهم نشاطاتٍ صهيونية قُبض عليهم، احتُجزوا، وعُذِّبوا.

عام 1950، سنّت الحكومة العراقية قانونًا يسري مفعوله لعامٍ واحد، أتاح لليهود الخروج من البلاد شرطَ تنازُلهم عن جنسيّتهم العراقية. أُتيح لكلّ يهودي يبلغ عشر سنوات وما فوق أن يأخذ معه مبلغًا محدَّدًا من المال وبضعة أغراض. أمّا الممتلكات التي خلّفوها وراءهم فكان يمكنهم بيعها بمبالغ ضئيلة.

نتيجة ذلك، أطلقت دولة إسرائيل عملية باسم “عزرا ونحميا” تهدف إلى إحضار أكبر عددٍ ممكن من يهود العراق إلى البلاد. وكلّما زاد تدفّق اليهود الذين غادروا العراق، ازدادت مضايقات اليهود، حتّى إنّ البعض منهم فقد حياته.

عائلة يهودية عراقية
عائلة يهودية عراقية

منذ 1949 حتّى 1951، فرّ 104 آلاف يهودي من العراق ضمن عمليات “عزرا ونحميا”، و20 ألفًا آخرون هُرِّبوا عبر إيران. وهكذا، تقلّصت الجالية التي بلغت ذروة من 150 ألف شخص عام 1947، إلى مجرّد 6 آلاف بعد عام 1951. أمّا الموجة الثانية من الهجرة فحدثت إثر ارتقاء حزب البعث السلطة عام 1968، إذ هاجر نحو ألف يهودي آخرين إلى إسرائيل. اليوم، يعيش في بغداد عددٌ ضئيل من اليهود، كما يبدو مجرّد ثمانية.

جمّدت السلطات العراقية الممتلكات الكثيرة لليهود الذين هجروا البلاد. ويُقدَّر أنّ قيمة الممتلكات كانت تبلغ نحو 30 مليون دولار في الخمسينات. أمّا بقيمة اليوم، فيمكن القول إنّ يهود العراق تركوا وراءهم ممتلكاتٍ تُقدَّر قيمتها بـ 290 مليون دولار.

خمسة إسرائيليّين – عراقيين عليكم أن تتعرفوا إليهم

عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)
عائلة يهودية عراقية تصل الى مطار اللد عام 1950 (WIKIPEDIA)

بدءًا من الخمسينات، ازدهرت جماعة يهود بابل في دولة إسرائيل. لم تكُن صعوبات الاستيعاب في الدولة الفتيّة بسيطة، وكان عليهم أن يناضلوا للحفاظ على هويّتهم الفريدة مقابل يهود أوروبا الشرقية، الذين رأوا فيهم ممثّلين أقل قيمة للحضارة العربية. لم تقدِّر السلطات الإسرائيلية الممتلكات الكثيرة والغنى الحضاري الذي تركوه وراءهم في بغداد والبصرة، ولم يتمكّن يهود العراق من إيجاد مكانة لهم بين سائر المهاجرين: المهاجرين من أوروبا الشرقية من جهة، والمهاجرين من شمال إفريقية من جهة أُخرى.

لكن كلّما مّرت السنون، تعرّف الشعب الإسرائيلي إلى أهمية وإسهامات المهاجرين من العراق، ووصل بعضٌ منهم إلى مواقع مركزيّة في السياسة، الثقافة، والمجال المهنيّ في إسرائيل. إليكم خمسة عراقيين يهود إسرائيليين، عليكم أن تتعرّفوا إليهم:

  • الحاخام عوفاديا يوسف – وُلد عام 1920 في بغداد باسم “عوفاديا عوفاديا”، وأصبح مع الوقت الزعيم الديني دون منازع لجميع يهود الشرق في إسرائيل. وضع الحاخام، الذي اعتُبر معجزة دينيّة منذ طفولته، أولى مؤلفاته الدينية في التاسعة من عُمره. يتذكّره كثيرون في إسرائيل بسبب إجازته الفقهيّة لعمليّة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولكن أيضًا بسبب زلّات لسانه العديدة. فقد قال مثلًا عن أريئيل شارون: “ليُنزل عليه الله – تبارك وتعالى – ضربةً لا يقومُ منها”، ووصف رئيس الحكومة نتنياهو بأنه “عنزة عمياء”.
  • بنيامين “فؤاد” بن إليعيزر – الطفل الصغير من البَصرة الذي أمسى قائدًا عسكريًّا بارزًا في إسرائيل، وبعد ذلك سياسيًّا شغل عددًا كبيرًا من المناصب الوزارية، وكان صديقًا مقرَّبًا من الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك. فبعد أن كان وزير الإسكان في حكومة رابين، وزير الدفاع في حكومة شارون، ووزير الصناعة في حكومتَي أولمرت ونتنياهو، تتجه أنظار “فؤاد” الآن إلى المقام الأرفع، إذ يسعى إلى أن يكون أوّل رئيس عراقي لدولة إسرائيل.
  • دودو طاسا – حفيد داود الكويتي الذي أضحى هو نفسه موسيقيًّا كبيرا ورياديًّا في إسرائيل. يدمج تاسا بين الأسلوب الغربي وبين الموسيقى العراقية التقليدية، ويُذكَر بشكل خاصّ أداؤه لأغنية فوق النخل‏‎ ‎‏، التي اشتُهرت بأداء جدّه.‎ قادت الأغنية إلى ألبوم يعزف فيه تاسا أغاني الكويتيَّين (داود وصالح).
  • إيلي عمير الأديب الذي جسّد أفضل من أيّ شخص آخر مشاعر القادِمين من العراق. عبّر كتابه “ديك الفِداء”، الذي كتبه على مدى 13 عامًا، بشكل دقيقٍ عن مصاعب شابّ ذي أصل عراقي يستصعب الوصل بين عالم والدَيه الماضي وبين عالَم رجال الكيبوتز ذوي الأصول الأوروبية، الذي أراد الاندماج فيه. بقيت لغته الأم عربية، وهو حزين للإكراه الثقافي الإسرائيلي، الذي ألزمه بمحو ماضيه. مع السنوات، أضحى عمير ناشطًا في حزب العمل الإسرائيلي.
  • إيلي يتسفان – كبير الكوميديين الإسرائيليين هو في الواقع من أصل عراقيّ. فرغم أنه وُلد في إسرائيل، والداه كلاهما عراقيّان. سمع يتسفان، أصغر خمسة أبناء، العربية العراقية تصدح في بيته، وأصبح مقلّدًا موهوبًا قادرًا على تمثيل شخصية أيّ إنسان، ولا سيّما شخصيات من العالم العربي. كاد تقليده للرئيس المصري محمد حسني مبارك (الذي أعطى مبارك لهجة مختلطة – مصريّة وعراقيّة) يقود إلى أزمة في العلاقات الإسرائيلية – المصريّة.

شاهدوا إيلي يتسفان العراقي يقلّد حسني مبارك:

اقرأوا المزيد: 1338 كلمة
عرض أقل