يُعدّ الهجوم السعودي على اليمن جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية شاملة، تهدف إلى إيقاف التمدّد الإيراني في الشرق الأوسط. وقد تم نسج الخطّة العسكرية قبل عدة أسابيع بعد أن وُلّي سلمان، ملك السعودية الجديد، في منصبه وجلب معه روحا سياسية جديدة أكثر هجومية. مبادئ هذه الخطة هي بناء محور سني يشمل معظم الدول العربيّة والتنظيمات السنّية المعتدلة والأقل اعتدالا، وإقامة قوة تدخّل عربية تعتمد على جيوش دول الخليج ومصر، بحجم نحو 40 ألف جندي، والإقناع العدواني للدول المقرّبة من إيران بتبديل الجانب والانضمام إلى المحور السعودي.
لقد تمّت مشاركة الولايات المتحدة في هذه الخطوات، وقد أبدت ترحيبها أيضًا بالعملية العسكرية التي بدأت يوم الأربعاء ليلا. تساعد قواتها بشكل كبير في العملية على المستوى الاستخباراتي والتكنولوجي، ولكنها لا تشارك فيها بشكل مباشر. استمرّت الإعدادات العسكرية أكثر من أسبوعين، واشتملت، من بين أمور أخرى، على التنسيق المباشر مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تجنيد الدعم الباكستاني – التي يعتبر نظامها مقرّبا من السعودية ويتمتّع بدعم مالي كبير، إلى جانب تشغيل ملايين المواطنين الباكستانيين في البلاد – وانضمام السودان المفاجئ إلى القوة العسكرية. وقد زادت السعودية أيضًا مؤخرًا من جهودها الدبلوماسية في العراق، التي تُعتبر دولة تحت الرعاية الإيرانية، ودعت رئيس حكومتها حيدر العبادي لزيارة السعودية.
وقد كُلّف لتنسيق هذه النشاطات نجل الملك، محمد بن سلمان، والذي هو أيضًا وزير الدفاع السعودي الذي هو على اتصال مباشر بالإدارة الأمريكية. وتدلّ السرعة التي تمّ خلالها تشكيل التحالف العربي على قلق السعودية وحلفائها من أن يؤدي تحوّل اليمن إلى جزء من مجموعة النفوذ والسيطرة الإيرانية إلى انفجار جديد في المملكة. من شأن انفجار كهذا أن يثير الأقلية الشيعية، وأن يلهم ثورةً في البحرين التي تعيش فيها غالبية شيعية، وإعطاء إيران سيطرة استراتيجية على مضيق باب المندب وتقسيم الشرق الأوسط إلى منطقتي نفوذ: عربي وإيراني، وخصوصا بعد أن أصبحت سوريا والعراق، وبدرجة كبيرة لبنان أيضًا، دولا تحت الرعاية الإيرانية.
وقد أُحبِطتْ السعودية كذلك من سياسة الولايات المتحدة التي تتقدّم باتفاق نووي مع إيران، والذي إذا تمّ التوقيع عليه فسيمنح طهران مكانة استراتيجية جديدة ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم كلّه، ولأنّ واشنطن ترى في إيران شريكا للحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولذلك فهي غير متحسّسة من تعميق نفوذها في العراق، لأنّ الحوثيين في اليمن قد يُعتبرون شركاء في الحرب ضدّ القاعدة، ومن عجز الولايات المتحدة في الجبهة السورية.
مع ذلك، فإنّ الهجوم المشترك في اليمن ليس معفيّا من التهديدات. إذا قرّرت إيران إرسال قوات مساعدة لليمن، وإذا بادرت الأولى إلى عمليات سرية عنيفة في البحرين والسعودية، فمن المرتقب أن يجد التحالف العربي نفسه غارقا في عدة جبهات. الجبهة اليمنية نفسها معقّدة ومتفرّعة، حيث إنّ الهجمات الجوّية الكثيفة أيضًا لا تضمن طرد الحوثيين من المدن التي احتلّوها، أو جلبهم إلى طاولة المفاوضات، التي أحبطوها مرّة تلو الأخرى.
وكما في الجبهة السورية أو العراقية، دون تدخّل برّي مباشر، فمن المتوقع أن يقود الحوثيين – بالاشتراك مع قوات الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح والقبائل الموالية له – حربًا طويلة ومرهقة دون انتصار. ورغم أن السعودية قد أعلمت أنها خصّصت نحو 150 ألف جندي للحرب، وأعلنت مصر أيضًا بأنّها ستكون على أهبة الاستعداد لإرسال قواتها البرّية، ولكن في اليمن، التي يوجد فيها مواطنون مزوّدون بالسلاح من جميع الأنواع ويوجد لدى القبائل جيوش خاصّة، فلن تكون هناك ميزة دائما للقوات النظامية التي ستعمل ضدّهم، كما تعلّمت مصر في حربها ضدّ التنظيمات الإرهابية في سيناء.
رغم كلّ ذلك، فإنّ الحرب ضدّ الحوثيين لا تهدف فقط إلى انتصارات عسكرية ميدانية. على المستوى السياسي، على سبيل المثال، نجحت السعودية في جعل السودان تقطع علاقاتها التقليدية مع إيران. لقد تمّ قبول الرئيس السوداني، عمر البشير المطلوب من قبل المحكمة الدولية لارتكابه جرائم ضدّ الإنسانية، بفخامة من قبل الملك سلمان، وأعلن في نهاية الزيارة عن انضمام بلاده للتحالف. وقد أمر أيضًا بطرد كلّ البعثات الإيرانية من بلاده، وفي الواقع قدّم للسعودية نقاطا أخرى مهمّة لصالحها في التوازن أمام إيران.
وقد انضمّت قطر أيضًا إلى التحالف، رغم أنّها تُعتبر حليفة لإيران. والأهم من لك، أنّ السعودية وحلفاءها قد منحوا أنفسهم رخصة للعمل بشكل حرّ في أيّة دولة عربية أخرى تقرّر الانضمام إلى الحلقة الإيرانية. ليست هذه هي المرة الأولى التي تُقاتل فيها قوات عربية ضدّ دولة عربية أخرى. فقد شاركت عام 1991 معظم الدول العربية في تحالف ضدّ صدام حسين، وهاجمت مصر في الشهر الماضي ليبيا بعد أنّ أعدم عناصر الدولة الإسلامية 19 مواطنا قبطيّا مصريّا.
وليست اليمن جبهة ثنائية تهدّد السعودية ومصر فحسب. فقد تحوّلت إلى جبهة استراتيجية رغم أنّها واحدة من البلدان الفقيرة في العالم، ليس فقط لأنها تقع على ممرّ حيويّ للبحر الأحمر. تُعتبر اليمن نموذجا آخر للاستراتيجية الإيرانية الناجحة، التي تعتمد على التنظيمات المحلّية من أجل تحقيق نفوذ وسيطرة على الدول، مثل حزب الله في لبنان أو الميليشيات الشيعية في العراق. ومن هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية التي اكتسبها الحوثيون لأنفسهم، والذين عقدوا حلف مصالح مع إيران رغم أنّ الاعتقاد الذي يؤمنون به ليس هو الاعتقاد الشيعي لدى إيران. وتأملُ السعودية الآن بإيقاف هذه الاستراتيجية الإيرانية.
وفي هذه المرحلة من المعركة من الصعب أن نقرّر كيف ستجري المفاوضات على إنهائها. رغم أنّ انتصار الحوثيين شامل ومثير للإعجاب، ولكن دون القدرة على تحقيق أرباحهم، وعلى إنتاج النفط وبيعه والحصول على الاعتراف، قد يفقدون شركاءهم من أبناء أكبر القبائل، الذين يتوقّعون مكافأة مقابل مساعدتهم. يبدو أنّ الحوثيين سيعترفون في الأيام القريبة بكونهم قد ابتلعوا قطعة خشنة جدّا ليس بإمكانهم هضمها، وسيوافقون على المفاوضات التي قد تُزعج إيران، ولكن تعطي الحوثيين مكانة وحصّة مناسبة في الحكم.
ظهرت هذه المقالة في الأصل باللغة العبرية على موقع “هآرتس“
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني