شعر أمير أنه على وشك فقدان قواه، لكنه عرف أنه قريب جدًّا من إتمام المهمّة، وأنه على بُعد أمتار قليلة من تحقيق حلمه: بلوغ قمّة الجبل. في جهدٍ أخير، يغرز المطرقة في الجبل بيده اليُمنى، فيما يتسلّق مترًا إضافيًّا بيده اليُسرى. “لم يتبقَّ سوى القليل، القليل فقط”، يقول لنفسه. بعد ذلك بخمس دقائق، يضع يده اليُسرى على القمّة، التي يصلها بما تبقّى له من قوّة، فيقف على قمّة الجبل، وينظر حوله.
فجأةً، يدرك أنه نجح. لقد بلغ هذه القمّة أيضًا. يحتار في ما يثير حماسه، مشاعره، وعواطفه أكثر الآن: المشهد الأبيض، الطبيعي، وحابس الأنفاس الموجود حوله في كلّ اتجاه، أم الهدوء العظيم الذي يجسّد عظمة الإنجاز. لا يغيّر الارتباك شيئًا، لأنه لا شيء في العالم يمكن أن يساوي الانفعال والحماسة اللذَين يشعر بهما أمير حاليًّا.
لماذا عرّض أمير حياته لخطرٍ كبير من أجل فائدة غير ماديّة؟ ما الذي يجذب الناس لممارسة فروع خطرة من الرياضة، تُدعى رياضة التحدي؟ ما هي رياضة التحدي أصلًا؟
رياضات التحدي هي رياضات خطرة، تشمل نشاطًا جسمانيًّا ونسبة عالية من الانفعال. من أجل أن تكون الرياضة رياضة تحدٍّ، يجب أن تشمل على الأقلّ مميّزًا واحدًا من ثلاثة: السرعة، الارتفاع، والخطر. يمكن تقسيم رياضات التحدّي إلى ثلاث مجموعات فرعيّة: الرياضات البحريّة (ركوب الأمواج، الغَوص، التزلّج الشراعيّ على الماء، البوجي، التجذيف، وغيرها)، الرياضات البريّة (تسلّق الجبال، درّاجات الجبال، الفروع الحركيّة، لوحات التزلُّج، وغيرها)، والرياضات الجويّة (السقوط الحرّ، البانجي، السقوط الحرّ بالمظلات، التزلُّج الجويّ، وغير ذلك). درجة الخطورة متنوّعة، ومتغيّرة بين الفروع المختلفة، إذ ثمة أنواع تدخل ضمن أكثر من مجموعة واحدة، أبرزها الترياثلون.
قابل موقع “المصدر” دورون أريئيل، متسلّق الجبال الإسرائيلي الأشهر، الذي حاول أن يوضح ما الذي يدفع الناس إلى ممارسة رياضات تحدٍّ، قائلًا: “ثمة أشخاص يبحثون عن التحدّيات بشكل عامّ. كما أنّ الناس معنيّون بأن يُثبتوا لأنفسهم أنّ في وسعهم أن يفعلوا ما يبدو مستحيلًا. فهل يبحث الناس عن الأدرينالين؟ لستُ متأكّدًا. شخصيًّا، وجدتُ نفسي أتحمّس لصُوَر الجبال منذ سنّ العاشرة. لديّ انجذابٌ ما للجبال، فهي تُخرج منّي طاقات إيجابيّة. أنا أتمتّع، وأنجذب إلى كلّ ما له صِلة بالتسلُّق: تنظيم الرحلة، السفر نفسه، والعودة”.
يفصّل أريئيل الإثارة والخطورة الكامنة في تسلُّق الجبال قائلًا: “بالطبع، الأدرينالين هو جزء من ذلك، لكنّ ثمة رياضات تحدٍّ فيها أدرينالين أكثر بكثير من التسلّق، مثل السقوط الحرّ، السباحة، والدراجات. تسلّق الجبال بشكل عامّ هو عمل عبثيّ جدًّا. بالنسبة للخطورة على الحياة، لا شكّ أبدًا في أنّ تسلّق الجبال أمر خطِر. مثل الكثير من الأمور الأخرى الخطرة، ثمة ما هو مرتبط بك، وثمة ما لا يرتبط بك، لكنّ لديك حتمًا تأثيرًا في مقدار الخطورة التي تتعرّض لها. يشبه ذلك تمامًا حالة سفرك في سيّارة في هبوطٍ شديد الانحدار. بإمكانك القيادة بسرعة 90 كم/ ساعة أو بسُرعة 140 كم/ ساعة”.
سفرات، رحلات، وتحدّيات
أريئيل (55 عامًا) هو أشهر متسلّق جبال إسرائيلي، وليس ذلك صُدفةً. فأريئيل هو الإسرائيلي الأول الذي بلغ قمّة إفرست، أعلى جبل في العالم (ثمة أربعة إسرائيليين فعلوا ذلك)، والإسرائيلي الوحيد الذي تسلّق جميع “القمم السبع” – قمَم الجبال الأعلى في كلٍّ من قارّات العالم. يبدو أنّ تسلّق الجبال يسري في عروقه بطبيعة الحال. يروي: “منذ 1980، أمارِس تسلّق الجبال، واليوم هذا هو مصدر معيشتي”، ويضيف بفخر: “طالما سعيتُ إلى أن تدور حياتي حول رغبتي في التسلُّق، تنجح في تمويل ذلك، ولا تمنعه”.
ما هي المتعة الرئيسية الناجمة عن تسلُّق الجبال؟ ما الذي يجلب المتعة بشكل رئيسي في ذلك؟
“الإجابة مركّبة. أعيش حياةً أخرى، تفوق ابتذال الحياة اليوميّة. المتعة الرئيسيّة هي الاكتفاء الناجم عن وضع تحدٍّ لنفسك وتحقيقه. أحبّ أيضًا السفر والتنزّه كثيرًا. كثيرًا ما تكون الأهداف التي أختارها موجودة في أماكن بعيدة ونائية، تكون الرحلة إليها بحدّ ذاتها جزءًا من القصّة كلّها. في الشتاء الماضي مثلًا، كنتُ على قمّة جبل يُدعى رونزوري في أوغندا – جبل جميل، يكاد لا أحد يتجوّل فيه”.
مَن يريد تسلّق قمّة إفرست؟
كما هو معلوم، ثمّة أشخاص يمارسون رياضات خطرة كلّ حياتهم، لكن حتّى الإنسان العاديّ يمكنه أن يبدأ ممارسة رياضات تحدٍّ في أية مرحلة من مراحل حياته. ماذا على الإنسان العادي، المعنيّ بحيازة القدرة على تسلُّق جبل إفرست، أن يفعل؟ “هذا معقَّد”، يوضح أريئيل، ويضيف: “لكن بشكل عامّ، إذا كنتَ معافى، يمكنك الانطلاق غدًا. أنتَ بحاجة إلى تلقّي إرشاد من شخصٍ ما، أنتَ بحاجة إلى أن يتّخذ أحد قرارات مثل ماذا تأخذ، أين تذهب، وممَّ يجب أن تحذر. يتعلق ذلك بما تستثمره”.
لنفترِض أنني معنيّ برياضة التحدّي وأريد دخول الأمر تدريجيًّا، في أي فرع رياضي تنصحني أن أبدأ؟
“أنصحك أن تمارس الرياضة التي تجذبك، الرياضة التي تشعل الخيال لديك! تتطلب هذه الأمور الكثير من الجهد، الكثير من العمل بجدّ، والكثير من الوقت، إذا كان أمرٌ ما لا يوقد خيالك، ولا يثيرك، فلا جدوى من طرق بابه. إنه شأن فرديّ إلى حدٍّ بعيد”.
يدهشنا أريئيل حين يروي في المقابلة لاحقًا أنّ ثمة عديدين في سّن متقدمة نسبيًّا يتمتّعون بممارسة رياضة تحدٍّ: “أنا في الخامسة والخمسين، وثمة الكثير من الناس في سنّي يواصلون التجوّل على الجبال. لكن كما في كلّ مهنة أخرى، كلّما بدأت في سنٍّ أصغر، وكلما بذلتَ جهدًا أكبر، تقدّمتَ أكثر. بما أنه لا منتخبَ هنا ولا قياسات، فإنّ كلّ واحد ينافس نفسَه، والسماء وحدها هي الحدود”.
في الختام، يتطرّق أريئيل إلى وضع رياضات التحدّي في إسرائيل، ويفاجئنا ثانيةً حين يتحدّث عن أشخاص في أعمار متقدّمة نسبيًّا يمارسون رياضة تحدٍّ في ساعات فراغهم: “في إسرائيل، رياضة الغوص شعبيّة جدًّا، كما أنّ الرياضات الهوائيّة شائعة أيضًا. في السنوات الأخيرة، نال مجالا الماراثون والترياثلون دفعًا ما، لا سيّما بين الأشخاص في أعمار متقدِّمة. في نهايات الأسابيع، أرى أشخاصًا كثيرين، معظمهم بين الأربعين والستّين من عمرهم، يتدرّبون على العَدو لمسافات طويلة”.
إذًا، نجح أريئيل في تزويدنا بلمحة عن العالم المثير المليء بالمخاطر، الإثارة، والتحديات. فإذا كنتم معنيين بتسلُّق الجبال، العَدْو لمسافات طويلة، أو مجرّد القفز ببُطء في الجوّ فيما تتمتّعون بمشهدٍ يحبس الأنفاس، ربّما يجدُر بكم أن تدرسوا أنتم أيضًا ممارسة نشاط استثنائيّ في أوقات فراغكم!