خطب رئيس دولة إسرائيل، هذا المساء، أمام ضيوف مؤتمر هرتسليا. مؤتمر هرتسليا حول ميزان القوة والأمن القومي هو مؤتمر مهم يجري كل عام منذ العام 2000 ويناقش خلاله مسؤولون حكوميون، سياسيون واقتصاديون كبار وضع إسرائيل وقوتها الأمنية والاقتصادية.
ومن بين أصحاب المناصب العليا في البلاد، يأتي كلّ من رئيس الدولة، رئيس الحكومة ورئيس الأركان لإلقاء الخطابات كل عام في المؤتمر. وبالإضافة إليهم، يُدعى إلى المؤتمر أيضًا أصحاب رؤوس الأموال، الإعلاميون والمثقّفون الإسرائيليون بالإضافة إلى ممثّلين من دول أجنبية، ويدعى كذلك إلى المؤتمر السفراء، الدبلوماسيون ومسؤولو الحكومة، وبشكل خاص من الولايات المتحدة وأوروبا.
ومع مرور عام على تولّيه لمنصب رئيس دولة إسرائيل، تحدث رؤوفين ريفلين عن الفجوات الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية الكثيرة التي تُمزّق المجتمع الإسرائيلي وذلك من أجل اختبار إسرائيل الجديدة التي لا تزال قطاعات عديدة بها محرومة أو تشعر بأنها خارج الإجماع.
“في إسرائيل هناك كلمة واحدة تحوّلت منذ زمن إلى سلاح وهي: “الديموغرافيا”. ورغم أن أصحاب الأذن الموسيقية يفهمون أنه بشكل عام فإن الحديث عن طريقة “مهذّبة ظاهريا” لوصف مثل هؤلاء السكان أو غيرهم كـ”تهديد” أو كـ”خطر”، كغير مرغوب بهم، كغير شرعيين. تُوجّه الإصبع أحيانا باتجاه العرب، وأحيانا باتجاه المتديّنين أو الحاريديم”. وقال الرئيس أيضًا إنّ هذا النوع من التفكير يباعد قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي الذي يتفكّك ببطء.
“في التسعينيات، كان المجتمع الإسرائيلي مجتمعا مكوّنا من غالبية واضحة وصلبة، وإلى جانبها أقليّات. غالبية رسمية صهيونية كبيرة، وإلى جانبها ثلاث أقليّات: أقلية دينية قومية، أقلية عربية وأقلية حاريدية. هذه الصورة، ربّما تكون قد تجمّدت في ذهن غالبية الشعب الإسرائيلي. والإعلام. والمنظومة السياسية. ولكن الواقع في هذه الأثناء تغيّر جذريّا”، كما قال الرئيس وأضاف: “تتألف الصفوف الأولى اليوم من نحو 38% من العلمانيين (“الرسميين”)، نحو 15% من المتديّنين القوميين، ونحو ربع من العرب وما يقارب الربع من الحاريديم. ترتيب لم تعد فيه غالبية ولا أقليات واضحة. ترتيب يتألف المجتمع الإسرائيلي فيه من أربعة قطاعات، وإذا أردنا: أربع “قبائل” رئيسية: العلمانيون، المتديّنون القوميّون، الحاريديم والعرب. “سواء أردنا أم لم نرد، فإنّ “بناية الملكية” للمجتمع الإسرائيلي ودولة إسرائيل تتغيّر أمام أعيننا”، كما قال الرئيس.
وقال ريفلين إنّه في الانتخابات الأخيرة كان بالإمكان فعليا أن نرى التقسيم الواضح هذا والترتيب الجديد المتمثّل بإسرائيل الجديدة. “كل طفل يأتي إلى العالم في دولة إسرائيل يتم إرساله إلى واحد من أربعة أنظمة منفصلة… إلى نظام مصمّم لتعليمه ولتشكيل رؤيته، إلى روح ثقافية، هوياتية دينية بل وقومية مختلفة. طفل من بيت إيل، طفل من رهط، طفلة من هرتسليا وطفلة من بيتار عيليت، ليس فقط أنهم لا يلتقون؛ وإنما هم أيضًا يتعلّمون رؤية مختلفة تماما بخصوص القيم الأساسية والطابع المنشود لدولة إسرائيل”.
وسعى ريفلين إلى إبراز الفجوات الاجتماعية، الاقتصادية والثقافية التي تُفرّق المجتمع الإسرائيلي وقال إنه “إذا لم نقلّص الفجوات الحالية في معدل المشاركة في سوق العمل ومستويات الأجور في المجتمع العربي والحاريدي، واللذين سيكونان نصف قوة العمل؛ فلن تستطيع إسرائيل الاستمرار في أن تكون اقتصادا متقدّما. ستزداد حدّة وباء الفقر الصعب والمؤلم الذي ضرب دولة إسرائيل، وستتوسع. سياسيًا، فالسياسية الإسرائيلية، مبنية – بدرجة كبيرة – كلعبة محصّلتها صفر بين القبائل. إحدى القبائل، العربية، سواء كانت مذنبة أم لا، ليست شريكا في اللعبة حقا. الثلاث المتبقية، على ما يبدو، مشغولة بصراع البقاء، حول الميزانيات والموارد – على التعليم، السكن، البنى التحتية – كل فئة لصالح وسطها. في الترتيب الإسرائيلي الجديد، حيث يشهد كل وسط على نفسه كأقلية، فإنّ هذه الديناميكية ستكون مدمّرة بشكل أكبر”.
بعد أن عدّد ريفلين الفجوات أوضح بأنّ على الزعماء أن يفكّروا بحلول لتجميع المجتمع الإسرائيلي الجديد. إذا كان الجيش حتى الآن يمثّل رابطة الوصل فإنّ نصف السكان اليوم (العرب والحاريديم) لا يخدمون في الجيش أبدا ومن المهم التفكير بآلية ترابط أخرى.
اقترح ريفلين التفكير بآليات شراكة مدنية “ترتيب إسرائيلي جديد”، يتطلّب منّا الانتقال من الرؤية التقليدية نحو الغالبية والأقلية، إلى الرؤية الجديدة للشراكة، بين الأوساط المختلفة في المجتمع الإسرائيلي”.
وقد عدّد ريفلين أيضًا ما هي في نظره المحرّكات التي يجب أن تُعزّز الترتيب الإسرائيلي الجديد. قال ريفلين إنّ على إسرائيل الجديدة أن تُعزّز أربعة مبادئ: الشعور بالأمن لكل وسط ووسط، المسؤولية المشتركة، الإنصاف والمساواة وخلق إسرائيلية مشتركة. “الفسيفساء الإسرائيلية الناشئة ليست شكلا؛ وإنما فرصة هائلة. فهي تحمل في داخلها ثراء ثقافيا، إلهامًا، إنسانية وحساسية. يُحظر علينا أن يدفعنا الترتيب الإسرائيلي الجديد إلى التفرقة والانفصال”.