ذِكر المناصب التي تولاها السياسي المخضرم، شمعون بيريس، طوال عمله في السياسة الإسرائيلية، سيجعل مقدمة هذه المقالة طويلة جدا. نكتفي بالكتابة أنه تولى يوما منصب رئيس الحكومة، ومنصب رئيس الدولة، وحاز على جائزة نوبل للسلام لجهوده من أجل تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. أما اليوم، فهو في مكان آخر. فبعد أن انتقل من مقر رئيس الدولة في القدس إلى “مركز بيريس للسلام” في يافا، حيث يقضي معظم أوقاته، يشعر بيريس بالملل من الحديث عن أحداث الساعة والأخبار والسياسة، ويفضّل عرض حكمته، طويلة الأمد، على القرّاء، ولا سيما الشباب منهم، دون التقيد بالأسئلة الموجّهة إليه خلال المقابلة.
ففي لقاء خاص معه في “مركز بيريس للسلام”، راح بيريس يتحدث عن الأفكار الكبرى، بعيدا عن عناوين الساعة. لقد كانت المحادثة معه مفتوحة ومريحة، لكن كلّما سألناه عن القضايا “الساخنة”، أسهب في الحديث عن فلسفته المتفائلة. وتماشيا مع رغبة بيريس في أن تكون المقابلة معه مجموعة من الخواطر التي أراد إيصالها إلى أبناء الجيل الجديد في الشرق الأوسط، قرّرنا أن نعرض عليكم أهم ما ورد من هذه الخواطر، التي غطت قضايا ومسائل عدة، بدءا بالشرق الأوسط وانتهاء بالحديث عن العمل والسعادة.
حول الشرق الأوسط
“الشرق الأوسط يتفكّك بسبب الفقر، الجهل، والإمبريالية التي غادرت وبنتْ بناءً غير سليم. أي ليس وفقا للعشائرية، ولا وفقا للتقاليد، ولا وفقا للأعراق، وإنما وفقا لراحة الإمبراطوريات”.
“إن أمل الشرق الأوسط هو العلم والسلام. تجد الحكومات صعوبة في تحقيق السلام، بسبب المصالح وبسبب الذاكرة وادعاءات لا نهائية. ولكن الشعوب قادرة على تحقيق السلام لأنّه لا حدود للعلم، ولا أعلام للعِلم، ولا حكّام للعِلْم”.
“هناك ضحايا عرب أكثر من اليهود بسبب الانقسام بين العرب. انظروا إلى اللاجئين، انظروا ماذا يحدث في سوريا، ماذا يحدث في ليبيا، وماذا يحدث في اليمن. ليس لذلك أية علاقة بنا نحن (إسرائيل) إطلاقا… السلام مطلوب بين العرب قبل أي شيء”.
حول الشباب في الشرق الأوسط
“60% من 400 مليون إنسان في العالم العربي هم دون سنّ الخامسة والعشرين. ولقد دخل عشرات الملايين منهم إلى عالم العلوم بواسطة الهواتف الذكية. وأنا أقول إنه في اللحظة التي تدخل فيها إلى عالم العلوم، معنى ذلك أنك تخرج من عالم الحروب”.
“لقد بدأ طريق العلم في الشرق الأوسط – غير أن الشباب ليسوا منظّمين بعد. في أحد الأماكن كانوا منظّمين حقّا وقد نجح ذلك فعلا، والحديث يجري عن تونس”.
“أسمعُ الخبراء لدينا (في إسرائيل) في شؤون العرب يتحدّثون عن السنة والشيعة، يبدو أنهم لم يسمعوا عن جيل الشباب في العالم العربي. لم يسمعوا أن لدى هؤلاء الشبان عشرات الملايين من الهواتف”.
“يمكن لجيل الشباب في الشرق الأوسط أن يُحدِث التغيير، لأنّ الجيل القديم غارق في الحروب بين السنة والشيعة”.
“في اللحظة التي يكون لدينا شاب أو فتاة مع هاتف نقال فهو يرى العالم بشكل مختلف، وهو ليس بحاجة إلى أحد”.
“أنتم (الشباب) تقولون إن السياسة ليست شريفة. أنتم أشخاص شرفاء. ادخلوا إلى السياسة واجعلوها شريفة. فمن الذي يعيقكم؟ إذا كنتم تتجنّبون السياسة فأنتم تتركونها قديمة”.
حول التعليم في الشرق الأوسط
“هناك جامعات في الدول العربيّة، ولديها متخرّجون ومتخرّجات، فأين تكمن المشكلة؟ المشكلة أنه ليس لديهم مكان عمل، لأنه لا يوجد تكنولوجيا فائقة (هايتك). ماذا يفعل الشباب في إسرائيل؟ يُنشئ طالبان جامعيان شركة تكنولوجيا فائقة وبعد مدة يصبحان مستقلّان. ثم يحصلان على قرض بمائة ألف دولار ويسدّدانه. يمكن القيام بذلك في الجامعات العربية. يجب علي الطلاب أن يكونوا مبادرين وليس مجرّد طلاب، وأن يصنعوا المستقبل بأنفسهم”.
حول العمل من وراء الكواليس
“هنالك برنامج خاص (برنامج إنقاذ الطفل) بالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية لمتابعة علاج الأطفال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي استعصى علاجها على وزارة الصحة الفلسطينية لقلة الإمكانيات والمعدات والخبرات، على سبيل المثال مرضى السرطان وزراعة النخاع وعمليات القلب المفتوح، وغيرها من الحالات الصعبة، فقد قمنا بتحويل أكثر من أحد عشر ألف طفل فلسطيني للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية المتخصصة، بتمويل من مانحين أوروبيين وخاصة من إيطاليا”.
“كذلك هنالك مشروع لتدريب وتخصصات كوادر أطباء فلسطينيين في مستشفيات إسرائيلية حيث تم، ويتم حتى الآن، تدريب أكثر من 220 طبيبا فلسطينيا”.
حول الشركات العالمية
“أصبحت هناك سلطة للشركات العالمية لا يعلوها أحد، إنها غير خاضعة لأية حكومة وهي أكثر ثراء من الحكومات. ليس لدى هذه الشركات لون وطني”.
“لا تُجري الشركات العالمية انتخابات كل أربع سنوات. إنها تجريها كل صباح، للتصويت فيما إذا كان منتجها جيّدا، أو كانت خدمتها جيّدة. وإذا لم تقم بذلك فلا يشتري أحد منها”.
حول الاستعمار الغربي
“أي استعمار؟ لا يعارض أحد الشركات العالمية، إذا لم تحاول أنت فهي لن تأتي إليك. الشركات العالمية ليست بحاجة إلى أي حسنة. يتم النزاع على مثل هذه الشركات الاقتصادية، لقد مات الاستعمار”.
حول الربيع العربي
“ليس هناك ربيع عربي، فالربيع لا ينتمي لأية قومية. ليس هناك ربيع عربي، ولا ربيع يهودي. عندما يكون الطقس حارّا، يكون حارّا بالنسبة للجميع”.
حول الإرهاب
“إذا كنّا نريد الانتصار على الإرهاب، يجب علينا محاربة أسباب الإرهاب وليس الإرهاب نفسه”.
حول سوريا والأسد
“سوريا هي خطأ استعماري. لقد أخذوا العلويّين والسنة والشيعة ووضعوا الجميع معًا، وعندما انتهى عهد الإمبراطورية بدأوا بالشجار. لقد تفكّكت سوريا لأنّه قد تمّ تكوينها مسبقًا بشكل غير صحيح”.
“يحزن القلب لكون الرئيس السوري، الأسد، مسؤولا عن مقتل 200 ألف شخص. ولرؤية مليون ونصف مليون لاجئ يركضون”.
“العِلْم قادر على توحيد سوريا وليس السياسة”.
حول المواجهات في الأقصى
“توصلنا إلى اتفاقات بحسبها نحترم حرية العبادة في الأقصى. فالأقصى بيد المسلمين، وحائط المبكى بيد اليهود… لا ينبغي إلغاء الدين، الدين ليس عائقا. لا ينبغي أن نصنع من الدين فأسًا أو سكينًا”.
حول أبو مازن وعرفات
“في نظري، أبو مازن مظلوم، لأنّه ورث وضعا غير سليم. لقد تفاوضتُ مع عرفات حينذاك، ساعات طويلة، وقلتُ له أنه إذا كانت لديك أكثر من بندقية، فلن يكون لديك شعب واحد. يجب أن يكون هناك شعب واحد وبندقية واحدة، ومع شديد الأسف هو لم يقدر على توحيد الجميع، لذلك الشعب الفلسطيني منقسم، ولديك اليوم من جهة السلطة الفلسطينية، ومن جهة أخرى حماس”.
“أنا أدعم أن يكون الفلسطينيون موحّدين وليس منقسمين. كما وأؤيد أن تكون الضفة الغربية وغزة موحّدتين، لأن الانقسام يؤدي إلى استخدام السكاكين”.
حول دولتَين لشعبَين
“ينبغي فعلا إقامة دولتَين لشعبَين، ولقد اتفقت جميع الأطراف على ذلك، لماذا لا يُطبق هذا الاقتراح؟ ليس هناك بديل. البديل هو الدولة الواحدة، دولة الصراع الدائم. سنتقاتل كل يوم، ونطعن بعضنا البعض بالسكاكين”.
“يجب أن تكون هناك دولة فلسطينية كما وعدنا. لقد اتفقنا فعلا في إحدى المرات على حل الدولتين. يجب تنفيذ ذلك”.
“العالم العربي جاهز للانفتاح، ولكن يجب حلّ المشكلة الفلسطينية، لكونها مشكلة مثيرة للعاطفة. إنها تلامس قلوب كل العالم العربي، لذلك يجب حلّها. حتى من أجلنا (إسرائيل)، وليس فقط من أجل العالم العربي”.
حول السلام
“أؤمن إيمانا تاما أن السلام سيحلّ، لأنّه لا بديل له. البديل للسلام هو القتل، واللاجئون، والكراهية، وأن نتقوقع”.
حول أهمية العِلْم
“الاتجاه التاريخي يذهب نحو العِلْم بدلا من الأرض. بدلا من الذهاب للقتال على الأرض، علينا أن تربي الأطفال على العِلْم دون أن نخوض الحروب”.
“لا يوجد عِلْم إسرائيلي ولا يوجد عِلْم عربي، ولا يوجد عِلْم أمريكي. هناك عِلْم للجميع”.
حول الماضي والمستقبل
“جميع الخبراء هم خبراء في شؤون الماضي. ليس هناك خبير في شؤون المستقبل. ينظر معظم الناس إلى الماضي بدلا من النظر إلى المستقبل، لقد ولىّ زمن الماضي. دعه يموت، أي وفق المثل العربي “اللي فات مات”. لذلك ينبغي إحداث تحوّل”.
“لا أتحدث عن الماضي الروحي. هناك حكمة وروح كلّما تقدّمنا في السنّ. أنا أتحدث عن الأحداث الجارية”.
عن أهمية الخيال
“يحرص الناس على تذكّر الأمور دائما، ويخافون من التخيّل كثيرا. ما يميّز الإنسان عن الحيوان هو أمر واحد، ألا وهو أنه قادر على التخيّل. فالحيوان يستطيع أن يتذكّر، وأن يبكي، ويمكنه أن يركض مثل الإنسان. ولكن هناك أمر واحد لا يمكنه القيام به، وهو التخيّل والحلم”.
حول الإيمان الشخصي
“أنا شخص مؤمن، ولكني لست متديّنا. في نظري الدين عبارة عن مؤسسة. لا أحبّ المؤسسة، أكانت دينية أو حكومية. أؤمن أن هناك إله، وأن كل إنسان خُلق على صورة الله. أؤمن أن الله قال لنا: وأحبّ لجارك كما تحبّ لنفسك”.
“من يفسّر الدين باعتباره يعطي الإذن بالقتل، يشوهه. وكذلك، من يفسّر الدين على أنه تمييز ضدّ النساء يضر به. لم ترد في القرآن أية دعوة للتمييز ضدّ النساء”.
كيف تعرف أنك لا تزال شابّا؟
“لدي امتحان بسيط لفحص ذلك – قم بعدّ إنجازاتك في الحياة، وبعد ذلك قم بعدّ أحلامك. إذا كان عدد أحلامك أكبر من عدد الإنجازات، فأنت لا زلتَ شابّا”.
حول الحياة السعيدة
“يستطيع كل إنسان أن يكون صغيرا مثل “الأنا” الخاص به. “الأنا” هو الشيء الأصغر في العالم. وكل إنسان يمكنه أن يكون كبيرا بحجم عمله الذي يخدم به”.
“أنا لا أعرف ما هو معنى الراحة. أفضل أن أكرس وقتا للعمل أكثر من الراحة. أنا أعمل، وأقرأ، وأتحدث مع كثير من الناس. أسوء الأشياء في الحياة هو الملل، فالعمل هو الراحة بالنسبة لي، وهو يجعلك حيويا. أنا لا أوصي بإقامة منتجعات الراحة”.
“أوصي بالحرص على أن يكون المرء أكثر اهتماما، وأكثر إثارة للاهتمام، وأن ينظر إلى المستقبل”.