بينما وُلدت إسرائيل العصريّة كنتيجةٍ للانتداب البريطانيّ على فلسطين، الذي دعا إلى إنشاء وطن قوميّ يهوديّ، فإنّ جذورها تسبق وصول البريطانيين إلى الشرق الأوسط. وهكذا، لم تكن بريطانيا دولة إسرائيل الأمّ، كما كانت فرنسا بالنسبة للجزائر. في الواقع، كان اليهود يعيدون تأسيس حضورهم بشكل مستقلّ في أرضهم قبل أن يفكّك البريطانيّون والفرنسيون الإمبراطورية العثمانيّة.
فيما تقدّم الوقت، أصبح واضحًا أنّ الإمبراطوريّة البريطانيّة لم تكن قابلة إعادة ولادة إسرائيل، إنّما العقبة الرئيسية في طريق تلك الولادة. إنّ اتّهام إسرائيل بحيازة جذور استعماريّة لصلتها بالانتداب البريطانيّ هو مفارقة، إذ إنّ معظم الدول العربية يدين بأصوله إلى دخول وسيطرة القوى العظمى الأوروبية.
إنّ الادّعاء أنّ إسرائيل كيانٌ استعماريّ يُطرَح عادةً لتقويض شرعيّة الدولة اليهوديّة. يأتي هذا الادّعاء في مركز معالجة إدوارد سعيد الجدليّة للصراع العربي الإسرائيلي، في كتابه مسألة فلسطين، الذي أعيد نشره عام 1992. ترسّخ الموضوع بشكل كبيرٍ في الأكاديميّة الغربية، تقريبًا دون أيّ نقد. لعُقودٍ، تمّ توظيفه ضدّ إسرائيل في منتدى دُولي تلو الآخَر.
على سبيل المثال، عام 1973، أعطت الجمعية العامة للأمم المتحدة زخمًا لهذه الفِكرة حين أدانت “الحلف غير المقدّس بين الكولونياليّة البرتغاليّة، العنصريّة الجنوب إفريقيّة، الصهيونيّة، والإمبرياليّة الإسرائيلية”. بعد عامَين، تبنت منظّمة الاتّحاد الإفريقيّ قرارًا في اجتماعها على مستوى القمّة يقضي بأنّ “النظام العنصريّ في فلسطين المحتلّة والنظامَين العنصريَّين في زيمبابوي وجنوب إفريقيا لديها جذور إمبرياليّة مشترَكة”.
مهّد ربط إسرائيل بالأنظمة الاستعماريّة السبيل عام 1975 لأشدّ قرارٍ اتخذته الجمعية العامّة ضدّ إسرائيل في تاريخها، إذ اعتبر الصهيونيّة شكلًا من أشكال العنصريّة. ساعد هذا على تثبيت الكتلة الأفرو – آسيويّة خلف القرار وأعطى زخمًا لبدايات حركة نزع الشرعيّة عن إسرائيل. حتّى حين أسقطت الجمعية العامّة القرارَ أخيرًا عام 1991، استمرّت المقارَنات بين الصهيونيّة والكولونياليّة، حتّى إنها أصبحت أكثر شدّة.
نشرت وزارة الإعلام في السلطة الفلسطينيّة كتابًا عام 2012 بعنوان المصطلح في الإعلام والثقافة والسياسة يشدّد على أنّ الفلسطينيّين يجب أن يستخدموا الاصطلاح “كولونياليّة” ضمن ترسانتهم اللغويّة في تعاملهم مع إسرائيل. يحذّر الكتاب من أنّ استخدام معجم الألفاظ السياسيّة الإسرائيلي “يحوّل جوهر المجهود الصهيونيّ من مجهودٍ عنصريّ واستعماريّ إلى مجهود للتعريف الذاتي ولاستقلال الشعب اليهودي”.
ويوصي نصّ السلطة الفلسطينيّة بوضوحٍ قراءه الفلسطينيّين بعدم استخدام اسم “إسرائيل”، بل “الاستعمار الإسرائيلي”. باختصارٍ، تطوّرت مسألة كون إسرائيل “دولة استعماريّة” في السنوات الأخيرة كأداة للنضال السياسي استخدمها الفلسطينيّون، الذين يريدون توظيف اللغة التي يأملون أن تنزع شرعيّة الدولة اليهوديّة.
بخلاف الاتّهامَين بالفصل العنصريّ (الأبارتايد) والعنصريّة، فإنّ النعت “استعماريّ” لا يمكن دحضه بمجرّد النظر إلى إسرائيل العصريّة، حيث المحاكم، المشافي، والجامعات تخدم العرب واليهود على حدٍّ سواء. إنه اتّهام تاريخيّ يتعلّق بكيفيّة نشوء إسرائيل. في الواقع، إنه يعادل الادّعاء أنّ إسرائيل أُسّست كموطئ قدم لقوّة أخرى بعيدة تفرض نفسها عبر غرس سكّان يهود “غرباء” في الأرض بين سكّانها الأصليين.
في مقالة كتبها عام 1966، قبل حرب الأيّام الستة، نُشرت لاحقًا في الكتاب إسرائيل: دولة استيطان كولونيالي؟ عام 1973، قارن المؤرخ الفرنسي الماركسيّ ماكسيم رودنسون بين اليهود في إسرائيل والمستعمِرين الفرنسيين في الجزائر وكذلك البيض في جنوب إفريقيا.2 لكن هل يجوز الادّعاء أنّ اليهود الذين عادوا إلى وطنهم القديم هم غرباء على أرضهم مثل الأوروبيين الذين نُقلوا ليستوطِنوا إفريقيا وآسيا بهدف خدمة مصالح الإمبراطوريّتَين الفرنسية والبريطانيّة؟
ماذا كان دور القوى الاستعماريّة الأوروبية في تأسيس إسرائيل؟
وُلدت إسرائيل العصريّة كنتيجةٍ للانتداب البريطانيّ على فلسطين، الذي دعا إلى إنشاء وطن قوميّ يهوديّ، ولكنّ جذورها تسبق وصول البريطانيين إلى الشرق الأوسط. وهكذا، لم تكن بريطانيا دولة إسرائيل الأمّ، كما كانت فرنسا بالنسبة للجزائر. في الواقع، كان اليهود يعيدون تأسيس حضورهم بشكل مستقلّ في أرضهم قبل أن يفكّك البريطانيّون والفرنسيون الإمبراطورية العثمانيّة. على سبيل المثال، كان الشعب اليهوديّ قد استردّ أكثريته في القدس بحلول عام 1863.
بعد عُقود، اعتبرت بريطانيا وباقي عصبة الأمم الحقوق اليهودية في فلسطين خارج قدرتها على منحها لأنّ تلك الحقوق كانت موجودة لتُقبَل. وهكذا في وثيقة الانتداب، اعترفت عصبة الأمم بـ”العلاقة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين”. بكلماتٍ أخرى، اعترفت بحقّ قائمٍ من قَبل. فهي لم تُنشئ هذا الحقّ. كما دعت إلى “إعادة بناء” الوطن القوميّ للشعب اليهودي. جرت المحافظة على الحقوق التي اعترفت بها عصبة الأمم من قِبل خليفتها، الأمم المتحدة، التي اعترفت في البند 80 من ميثاقها بحقوق الدول والشعوب التي كانت موجودة قبل 1945.
بدلًا من الاعتقاد أنّ الشعب اليهودي نال مكانته في الأرض التي أصبحت إسرائيل بسبب بريطانيا، لاحظت المؤرخة إليزابيث مونرو أنّ البريطانيّين هم مَن “تسلّقوا على أكتاف الصهيونيين ليحصلوا على فلسطين البريطانيّة”.4 ما عنته هو أنّ بريطانيا ما كانت لتحصل على الانتداب على فلسطين، التي كان يمكن أن تصبح فرنسيّة أو جزءًا من منطقة دوليّة، لو لم تحصل بريطانيا على دعم النهضة القوميّة اليهوديّة، التي كانت قوّة مستقلة، لا صنيعة الاستعمار. فيما تقدّم الوقت، أصبح واضحًا أنّ الإمبراطوريّة البريطانيّة لم تكن قابلة إعادة ولادة إسرائيل، إنّما العقبة الرئيسية في طريق تلك الولادة. فضلًا عن ذلك، في السنوات التي تلت إصدار وعد بلفور، الذي أكّد على الحق اليهوديّ في وطن قوميّ في فلسطين، أعاد البريطانيّون بشكل منتظم دراسة عددٍ من الحقوق الأولية للشعب اليهودي التي جرى الاعتراف بها مسبقًا، ما وضع اليهود في علاقةٍ متناقضة مع لندن.
أوّل مثالٍ على هذا التغيير كان عام 1922، حين قرّر البريطانيّون إزالة منطقة شرق الأردن من منطقة فلسطين، التي كانت محدّدة لإنشاء الوطن القوميّ اليهوديّ. استمرّ ذلك مع الكتاب الأبيض عام 1939، الذي حدَّ بشكلٍ واضح من الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين. في النهاية، واجه البريطانيّون تمردًا مسلّحًا للسكّان اليهود في فلسطين الانتدابيّة، قاده أوّلًا تنظيما “إيتسل” و”لحي”، ثمّ انضمّ إليهما تنظيم “هاغاناه” الذي أصبح ركيزة جيش الدفاع الإسرائيليّ، بعد استقلال إسرائيل.
إنّ اتّهام إسرائيل بحيازة جذور استعماريّة لصلتها بالانتداب البريطانيّ هو مفارقة، إذ إنّ معظم الدول العربية يدين بأصوله إلى دخول وسيطرة القوى العظمى الأوروبية. قبل الحرب العالَميّة، لم تكن الدول العربيّة (العراق، سوريا، لبنان، والأردن) قائمة، بل كانت مجرد مقاطعات في الإمبراطورية العثمانيّة، تحت أسماء مختلفة. أصبحت هذه دُولًا نتيجة للتدخل الأوروبي، حيث وضع البريطانيّون الأسرة الهاشميّة في السلطة في اثنتَين من هذه الدول: العراق (حتّى 1958) والأردن.
أمّا المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأصغر، فقد نشأت نتيجة معاهدات وقّعها قادتها مع الهند البريطانيّة، التي سعت إلى إقصاء خصوم بريطانيا عن اكتساب أي موقع استراتيجيّ في الخليج العربيّ، ولاحقًا الوصول إلى موارد النفط. عبر هذه المعاهدات، اعترف البريطانيّون بشرعيّة أسَر عربيّة محليّة بالحُكم في ما أصبح دُوَلًا مثل الكويت، البحرين، وقطر.5 ومهّدت معاهدة بريطانيّة شبيهة مع آل سعود عام 1915 السبيل لنشوء المملكة العربية السعودية أخيرًا عام 1932.
إضافةً إلى ذلك، خلال حرب 1948، استفادت الجيوش العربيّة مباشرةً من السلاح والتدريب الأوروبيَّين – وأحيانًا من القوى البشريّة. وفيما أصبحت الدول العربيّة مستقلّة، كانت لبريطانيا معاهدات خاصّة معها، أمّنت وصول قوّاتها لعددٍ من القواعد في العراق ومصر، فيما كانت تعمل كأساسٍ لتزويد الأسلحة والمستشارين للجيوش العربيّة. قاتل الفيلق العربيّ في القدس أوّلًا مع رسميّين بريطانيّين، فيما كانت القوّات الجويّة الملكيّة البريطانيّة تحمي سماء مصر من القوّات الجويّة الإسرائيلية. في الواقع، تصادمت الطائرات البريطانيّة والإسرائيليّة عام 1949.
كشف ويليام روجر لويس، أحد أبرز المؤرّخين في مجال الاستراتيجيّة الإمبرياليّة البريطانيّة، وثيقة مثيرة في وزارة الخارجيّة البريطانيّة، تعالج موضوع العلاقات الإسرائيليّة بالقوى الأوروبية الاستعماريّة لدى ولادتها. ففي كتابه الصادر عام 1984، الإمبراطوريّة البريطانيّة في الشرق الأوسط، 1945 – 1951، يذكر اجتماعًا عُقد في 21 تموز 1949، لرسميّين بريطانيّين خبراء عُقد في نهاية الحرب التي أدّت إلى استقلال إسرائيل.
حينها، قال السير جون تروتبِك، رئيس مكتب الشرق الأوسط البريطانيّ: “كُنّا في وضعٍ يمكننا فيه أن نتحكّم بالحكومات العربيّة، ولكن ليس بإسرائيل”. ثم عبّر عن خشيته من أن يجُرّ الإسرائيليّون الدول العربيّة إلى وضعية كتلة محايدة وحتّى “أن تحاول إخراجنا من مصر”. وعبّرت وثيقة وزارة الخارجيّة الأصليّة أيضًا عن القلق من أن يخسر البريطانيّون قواعدهم الجوية في العراق. عام 1956، تعاونت إسرائيل لفترة قصيرة مع بريطانيا وفرنسا ضدّ مصر الناصريّة، لكنّ هذا لم يغيّر كون إسرائيل عقبة في وجه القوى الإمبرياليّة، لا موطئ قدم.
مع ذلك، ازدادت في السنوات الأخيرة الجهود لتصوير إسرائيل ككيانٍ استعماريّ. فقد أصبح هامًّا لكثير من المتحدثين الفلسطينيّين بشكلٍ خاصّ أن ينكروا الروابط التاريخية للشعب اليهودي في بلاده ويصوّروه كوافدٍ استعماريّ حديث إلى المنطقة، خلافًا للفلسطينيّين، الذين يصوَّرون على أنّهم السكّان الأصليون الأصيلون.
وبلغت هذه الجهود ذروتها حين أنكر ياسر عرفات أنّ الهيكل كان في القدس في نهاية تموز 2000 في قمّة كامب دايفيد مع الرئيس كلينتون. وتطرّق العديد من مندوبيه – من صائب عريقات إلى محمود عبّاس – إلى نفس المحور منذ ذلك الحين. ففيما كان يتحدث في 12 تشرين الثاني 2008، أمام الجمعية العامّة للأمم المتّحدة حول “حوار الأديان والحضارات”، تحدّث رئيس الحكومة الفلسطينيّة، سلام فيّاض، عن العلاقات التاريخية للإسلام والمسيحيّة بالقُدس، لكنه تجاهل بشكلٍ ملحوظ الروابط اليهوديّة بالمدينة المقدّسة.
بشكلٍ مشابه، اعتاد عرفات على إخبار الجماهير الغربيّة أنّ الفلسطينيّين متحدِّرون من اليبوسيّين، وبالتالي ذوو جذور عميقة في الأرض. لكن في المجتمع الفلسطينيّ، يؤسّس المرء مكانته على كونه وافدًا جديدًا نسبيًّا، كان أسلافه من عائلات شبه الجزيرة العربيّة التي رافقت الخليفة الثاني عُمَر بنَ الخطّاب، حين احتلّ واستعمر فلسطين البيزنطيّة في القرن السابع الميلاديّ.
فمحمود عبّاس نفسه، خليفة عرفات، اعترف أنّ الحضور المسيحيّ في المدينة المقدسّة سبق وصول أسلاف القيادة الفلسطينيّة الحاليّة. فإذ انتقد حماس لمهاجمتها مؤسسات مسيحية، أعلن عبّاس عام 2007: “إحدى أقدم الكنائس في فلسطين، التي كانت موجودة قبل وقتٍ طويل من وصولنا، جرى نهبها وإحراقها”. ولذلك، فإنّ الادّعاء أنّ الفلسطينيّين متحدّرون من السكّان القدماء لما هو اليوم إسرائيل رفضه عبّاس نفسه.6
الشعب اليهودي كشعبٍ أصيل
حتّى في وقت الغزوات العربيّة، كان اليهود لا يزالون أكبر مجموعة – وربّما أكثريّة مع السامريّين – في البلاد، بعد سنّة قرون من تدمير الرومان هيكلهم القديم وتفكيك الكيان اليهوديّ الثاني. ينتج هذا عن عمل البروفسور موشيه جيل التذكاري تاريخ فلسطين: 634 – 1099. 7 ثمة اعتقاد خاطئ شائع يفيد بأنه عقب الثورة الكبرى ضدّ الإمبراطوريّة الرومانية عام 70 للميلاد، ولا سيّما بعد تمرّد بار كوخبا عام 135، نُفي اليهود وأصبح حضورهم رمزيًّا.
يدحض عمل جيل بوضوحٍ سوء الفهم هذا للتاريخ اليهودي. فهو لا يقتبس مصادر مسيحيّة وغيرها تثبت بقاء حضور يهوديّ قويّ فحسب، بل يقوده بحثه أيضًا إلى الاستنتاج أنّ “السكان اليهود تكوّنوا من متحدِّرين مباشرين من أجيال اليهود الذين عاشوا هنا أيّام يشوع بن نون، بكلمات أخرى – منذ 2000 سنة”.
بدأ عدد السكّان اليهود في فلسطين يقلّ ردًّا على القوانين الشديدة التي فرضها الحكّام المسلمون الجُدد، مثل ضريبتَي الجزية (ضريبة رأس فُرضت على الأفراد غير المسلمين) والخراج (ضريبة أرض)، اللتَين جعلتا اقتناء الأرض مُستحيلًا. لكنّ كثيرًا من الأذى لحق بكميّات كبيرة من بقيّة المجتمع اليهودي، وفق جيل، نتيجةً للحملة الصليبية الأولى عام 1099 والاحتلال الأوروبي لفلسطين في العُقود التالية.
مع ذلك، فإنّ ارتباط الشعب اليهودي بوطنه التاريخيّ استمرّ، وقد قاموا بكلّ جهودهم للعودة على مرّ القرون. فبعد هزيمة المملكة الصليبيّة، هاجر 300 حاخام من بريطانيا وفرنسا إلى فلسطين عامَ 1211. ازدادت وتيرة هجرة اليهود من إسبانيا وإيطاليا إلى درجة أنّ البابا مارتن الخامس (1363 – 1431) منعَ مالكي السفن والقباطنة من نقل اليهود إلى الأرض المقدسة عام 1428.
في عهد محاكم التفتيش الإسبانية عام 1492، تبعت موجة أخرى من الهجرة اليهوديّة إلى الإمبراطورية العثمانيّة عامّةً، وفلسطين خاصّةً، بعد احتلال العثمانيّين لها عام 1517. حدثت نهضة للحياة اليهودية في صفد وطبريّا في القرن السادس عشر، مثّلها تفويض السلطان سليمان القانونيّ للدون يوسف ناسي بإسكان اليهود في طبريّا والقرى المحيطة عام 1651. تظهر دراسة الإحصاءات السكّانية العثمانيّة أنّ آلافًا من اليهود كانوا يعيشون في قرى الجليل في أوائل القرن السادس عشر، بينما شكّل اليهود أكثرية سكّان صفد بحلول عام 1567. وكانت هناك بضع عائلات بإمكانها أن تُرجع أصولها إلى فترة الهيكل الثاني.
بحلول بدايات القرن التاسع عشر، عادت موجات هجرة يهوديّة جديدة إلى البلاد، مدفوعةً غالبًا بالمعتقدات المسيّانيّة الراسخة، عوضًا عن النظريات الاستعماريّة. كان هناك إيمان مشترك بين يهود الشتات بأنّ العام العبري 5000 (1840 للميلاد) كان تاريخ فداء إسرائيل. ليس من المدهش إذًا أن نجد أنه وفقًا لتقارير عديدة، تضاعف السكّان اليهود في فلسطين بين عامَي 1808 و1840.
في عملٍ إعلان شفّاف في شباط 2010، ذهب ناشطون أجانب إلى قرية بلعين في الضفة الغربية وأقنعوا متظاهرين فلسطينيين بدهن أنفسهم بالأزرق بحيث يبدون مثل الشعب المستعمَر من فيلم الخيال العلميّ الشهير “أفاتار”، وبالتالي تعزيز الرواية الفلسطينيّة أمام الإعلام العالميّ بأنّ الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ هو بين شعب عربيّ أصيل ووافدين يهود جُدُد.
لكنّ التحقّق من الحقيقة لم يكن أبدًا هدف أولئك الساعين إلى إضفاء صبغة كولونياليّة على إسرائيل. إنّ إعادة السكّان اليهود إلى ما أصبح إسرائيل كانت عمليّة تاريخيّة بدأت قبل قرون من مجيء البريطانيّين. كان هدف ناشري هذه الرواية ببساطةٍ دعمَ الاستنتاج أنّ اليهود أتَوا كقوّة غريبة إلى فلسطين الانتدابيّة، ليعزّزوا المصالح الإمبرياليّة الأوروبيّة، بدلًا من النظر إليهم بصفتهم شعبًا استعاد وطنه التاريخيّ، الذي له فيه جذور عميقة، أصيلة.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني