في مثل هذا اليوم قبل 100 عام (1917) وقّع وزير الخارجية البريطاني على وعد بلفور، وبحسبه فإنّ بريطانيا ستدعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل). بالنسبة للصهيونية، التي أقامت بعد ذلك دولة إسرائيل (1948)، كان الوعد اختراقا تاريخيا وانطلق مع نشره فرح كبير في العالم اليهودي. ومع ذلك، كانت هناك أقلية يهودية رفضت هذا الوعد وأعلنت حربا عليه وعلى الصهيونية.
تم استقبال هذا الوعد في العالم العربي بالانقسام إلى جزءين، ولم يقبله الفلسطينيون إطلاقا وردّا عليه هدّدوا بأعمال شغب دامية.
كانت أهمية كبيرة لوعد بلفور في خفايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يزال مستعرا ولم تظهر نهايته بعد في الأفق.
ومن أجل أن نفهم بشكل أفضل ما هو هذا الوعد ومدى تأثيره على الصراع، أحضرنا لكم 5 حقائق وتفسيرات حوله:
1.تم توقيع هذا التصريح، كما ذكرنا، من قبل وزير الخارجية البريطاني حينذاك في 2 تشرين الثاني عام 1917، وهو في أساسه إعلان ستدعم بحسبه بريطانيا إقامة وطن قومي للشعب اليهودي. كان هذا الإعلان بالنسبة للصهيونية العالمية إنجازا غير مسبوق، حيث أنّ قوة عظمى مثل بريطانيا وافقت على رعاية الحركة الصهيونية.
2.وقد عمل الكثير من البريطانيين ضدّ عرض إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل) والذين خشوا من إفساد العلاقات مع العرب، أو اعتبروا فكرة إقامة دولة يهودية خيالا مجنونا. كان أحد أبرز المعارضين لهذا العرض، إدوين مونتاجو، وهو يهودي، وعضو برلمان ووزير شؤون الهند في الإمبراطورية البريطانية، وقد ادعى أن الوعد قد ينشئ ولاء مزدوجا عند اليهود في العالم.
3.سبقت الإعلان النهائي 12 مسودّة تم رفضها من قبل البريطانيين أنفسهم. وفي نهاية المطاف تم قبول مسودّة تحدثت عن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل (Palestine). ومن هنا يظهر أيضًا أن الوعد لم يكن ينفي إقامة سلطة سياسية أو قوميات أخرى في فلسطين (أرض إسرائيل).
4.عوامل إعطاء هذا الوعد: إعادة نظر قيمية – حيث بحسبها يجب إيجاد حلّ لمشكلة الشعب اليهودي المضطهد، وإعطاؤه أرضه الموعودة. هوية القيادة البريطانية – كانت الحكومة البريطانية الجديدة من العام 1916 تميل لأن تكون مصغية لمطالب الحركة القومية الصهيونية لاعتبارات استراتيجية واعتقادية مسيحية. يهود الولايات المتحدة – كان يهدف الوعد إلى إيجاد تماهٍ ليهود الولايات المتحدة مع بريطانيا، وتعزيز الضغوط من قبلهم على الإدارة الأمريكية لمساعدة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. تحقيق السيطرة على فلسطين (أرض إسرائيل) – كانت هناك أهمية استراتيجية كبيرة لفلسطين (أرض إسرائيل) بالنسبة لبريطانيا، بسبب قربها من قناة السويس التي تمكّن من المرور عبر البحر باتجاه الهند. بحسب اتفاقية سايكس – بيكو (1916) كانت فلسطين (أرض إسرائيل) معدّة لتكون تحت سيطرة فرنسية – إنجليزية (“المنطقة البنية”) بعد الحرب العالمية الأولى. كان يفترض أن يساعد الوعد الداعم للصهيونية بريطانيا في أن تحظى بالسيطرة على تلك المنطقة. في نهاية المطاف منحت عصبة الأمم حق الوصاية على أراضي فلسطين (أرض إسرائيل) لبريطانيا في مؤتمر سان ريمو عام 1920. كان في الوعد نوع من التهرّب من الالتزام المناقض لشريف مكة الذي أُعطي في إطار مراسلات حسين – ماكماهون، والتي لم تتم صياغتها في اتفاق رسمي أبدا، وبحسبها فإنّ عرب الشرق الأوسط سيحظون بالاستقلال إذا وقفوا إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.
5.بعد المصادقة على الوعد فورا أقام القادة الصهاينة سلسلة من اللقاءات السياسية مع قادة العالم العربي من أجل تنفيذ ما ورد في هذا الوعد، ولكن هذه التحركات التي كانت تهدف إلى ترتيب العلاقات بين الصهيونية وبين القيادة العربية لم تنضج أبدا. لم يحبّ الفلسطينيون أبدا هذا الأمر وبدأوا بتنظيم أنفسهم في مؤتمرات وتجمعات احتجاجية ضدّ الوعد. أجريت إضرابات ومظاهرات في القدس بعد التوقيع على الوعد بعام. وتأسست رابطة إسلامية مسيحية بهدف إقناع البريطانيين بإلغاء الاتفاق مع الصهيونية. ادعى العرب الملكية الكاملة على الأرض، واستخدموا تفسيرات تاريخية (إقامتهم الطويلة في البلاد)، وديمغرافية (كونهم غالبية السكان بنسبة 90% من سكان البلاد عام 1918)، وقانونية (عدم دستورية – كما يفترض – هذا الوعد والتناقضات الداخلية فيه)، وسياسية (مراسلات الحسين – ماكماهون، والتي وُعد العرب فيها بفلسطين) وغيرها، من أجل إثبات صحة موقفهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد ادعوا أن اليهودية دين وليست قومية، وأن ادعاء اليهود بخصوص العودة إلى أرضهم بعد ألفي عام، ليس ذا صلة لأنّه “لا يمكن إعادة رسم خريطة العالم من جديد على أساس ادعاءات قديمة”.