القليل فقط من مواطني إسرائيل على وعي بمدى تأثير اللوبي المسيحي – الإنجيلي (أحد تيارات الدين المسيحي) على ما يحدث في المنظومة السياسية الإسرائيلية. يبدو أنّه كلّما عزّز هذا اللوبي من قبضته على أروقة الحكومة والكنيست، فإنّه بذلك يستطيع الابتعاد عن الأضواء وأنّ يظلّ أحد اللاعبين الأقل شهرة في ساحة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
سُجّل في العقد الأخير تقارب ملحوظ بين جهات مسؤولة في السياسة الإسرائيلية والقيادة الإنجيلية: ترسم المجموعات الإنجيلية جدول الأعمال السياسي لبعض أعضاء الكنيست، وتؤثر على العلاقات الخارجية للبلاد وتستثمر ثروة كبيرة في البنية التحتية التنظيمية التي تمكّنها من التدخّل بالوضع السياسي في الشرق الأوسط. تتمتّع تلك المجموعات المنظّمة بحضور دائم في مؤسسات دولة إسرائيل الرسمية، وكلّ ذلك بعيدا عن الأعين.
من هي، إنْ كان الأمر كذلك، المنظّمات الإنجيلية الرئيسية التي تعمل بلا كلل في أروقة السلطة في دولة إسرائيل؟ لماذا يويّدون جدّا إسرائيل وما هي البنى التحتية الأيديولوجية – اللاهوتية التي تحرّكهم؟
الصهيونية المسيحية: حركة مسيحانية
مسيرة للمسيحيين الإنجيليين في القدس (AFP)
من أجل فهم نشاط اللوبي الإنجيلي في إسرائيل، يجب أن نفهم بادئ ذي بدء ما هي الصهيونية المسيحية. الصهيونية المسيحية هي ظاهرة دينية شائعة في أجزاء مختلفة من العالم المسيحي. تشمل الظاهرة إيمان المسيحيين بأنّ هجرة اليهود لإسرائيل وإقامة الدولة اليهودية هي جزء ضروري من عملية الخلاص المسيحية.
يستند إيمانهم على تصور لاهوتي بحسبه فإنّ عودة المسيح إلى العالم ستكون مستحيلة ما لم يعد اليهود لإسرائيل، ويستأنفوا حكمهم فيها، كما كان الأمر في عهد المسيح. سيأتي الخلاص، بحسب رأيهم، مع المجيء الثاني للمسيح، وإقامة دولة إسرائيل تشجّع على حدوث حرب “يأجوج ومأجوج” التي تتسبق مجيء المسيح والألف عام التي سيحكم فيها على وجه الأرض.
يتمّ النشاط شبه السرّي لهذا اللوبي تحت غطاء من الدعم غير المشروط لدولة إسرائيل. في الواقع، هو دعم أضيق بكثير، لا يرى أمام عينيه مصلحة إسرائيل العامة، وإنما رؤية سياسية محدّدة وواضحة؛ أي تلك التي تتماهى مع يمين المستوطنين. وهذا هو السبب في أنّ جزءًا كبيرا من العلاقات الاقتصادية والسياسية للإنجيليين تدار مع منظّمات اليمين: أحزاب، جمعيات ومجالس محلّية في كتل الاستيطان الكبرى في الضفة الغربية.
أمسية لمنظمة الصهاينة المسيحيين لدعم إسرائيل (Facebook)
إنّه تحالف سياسي جديد نسبيًّا، يعتمد على تقاطع المصالح وعلى قاعدة أيديولوجية مشتركة. من ناحية المصالح، فبشكل مماثل لقيادة المستوطنين، يعارض الإنجيليون أيضًا بشكل شديد تقسيم البلاد كحلّ محتمل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولكن على النقيض من المستوطنين، فإنّهم يقومون بذلك انطلاقا من إيمانهم بأنّ انتشار المستوطنات اليهودية في جميع أرجاء إسرائيل التوراتية هو بمثابة شرط سابق للمجيء الثاني للمسيح.
إنّ الرؤية المسيحانية لبعض القادة الإنجيليين تُخصّص لشعب اليهودي في إسرائيل مصيرا سيّئا ومريرا: سيتم القضاء على ثلثيه في حرب “يأجوج ومأجوج”. أيديولوجيًّا، فإنّ اليمين الإنجيلي واليمين الاستيطاني يتقاسمان لغة مشتركة، تتمثّل في جدول أعمال اجتماعي محافظ شبيه وبعداء شديد تجاه الإسلام.
يتمثّل الجانب الأكثر أهمية في التحالف بين المسيحية الإنجيلية واليمين الإسرائيلي بتأثير المنظّمات المسيحية على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. تشارك هذه المنظّمات، التي تتمتّع ببنية تحتية تنظيمية متطوّرة وبموارد مالية هائلة، في العمليات الدبلوماسية المصيرية، وتُسمع صوت اليمين الاستيطاني في واشنطن بقوة غير مسبوقة. على سبيل المثال، فهي تمارس ضغوطًا هائلة على البيت الأبيض – سواء كان فيه رئيس ديمقراطي أم جمهوري – لتجنّب تعزيز أيّة تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
هل حقّا يحبّ اللوبي الإنجيلي اليهود وإسرائيل؟
https://www.youtube.com/watch?v=p4DgOakN1_Q
رغم أنّ الكثير من المجموعات الإنجيلية يتمنّى علنًا الموت الجماعي لملايين اليهود، فإنّه يحظى بتعاون من قبل جهات إسرائيلية رسمية. لقد أصبح الكنيست مركزًا صاخبا للنشاط الإنجيلي الذي يقف في مركزه “لوبي تعزيز العلاقات مع المجتمعات المسيحية في العالم”، وهو جسم برلماني لديه الكثير من النفوذ والمال، تدعمه شبكة من 25 لوبي شقيق في المجالس النيابية في العالم.
الإنجيليّون أيضًا هم عامل رئيسي في تمويل المشروع الاستيطاني. وفقا لنتائج تحقيق “معهد مولد” فإنّ عشرات الملايين من الدولارات تدفّقت في السنوات الأخيرة من خارج البلاد إلى المستوطنات في الضفة الغربية لتمويل مشاريع مختلفة؛ بدءًا من المباني العامّة، المعدّات الأمنية وصولا إلى مصانع الألبان وأبراج المياه. بالإضافة إلى ذلك، توفّر المنظّمات الإنجيلية عددا كبيرا من المتطوّعين للمزارعين خارج الخط الأخضر، بما في ذلك البؤر الاستيطانية غير القانونية. في هذه الأثناء، يعمل اللوبي الإنجيلي مع وحدات الجيش الإسرائيلي ويعزّز المنظّمات التبشيرية، والمنظّمات العاملة في مجال مكافحة الإجهاض، التحرّكات ضدّ المجتمع المِثلي والمنظّمات العاملة على بناء الهيكل الثالث في الحرم القدسي الشريف، رغبةً في إشعال حرب عالمية ضدّ الإسلام العالمي.
هل هناك من يدعو في إسرائيل إلى منع التعاوُن معهم؟
مقرالسفارة المسيحية الدولية في القدس (Wikipedia)
“افهموا، ليس هناك شيء يُدعى مسيحيون يحبّون إسرائيل”، هذا ما كتبه الحاخام شلومو أفينر، وهو حاخام مؤثر جدّا في إسرائيل من بيت إيل قرب القدس. وأضاف أيضًا: “لسوء حظّنا، فإنّ المسيحيين لا يتركوننا وإنما يبحثون باستمرار عن طرق مبتكرة لإدخال دينهم في إسرائيل… إنّهم ينظّمون شعائر مسيحية جماعية مفتوحة لليهود، في حائط المبكى… والمنظّمون هم السفارة المسيحية في القدس، قساوسة، وعّاظ مسيحيون، إنجيليون وحجّاج… ولذلك فإنّنا ننضمّ لدعوات الحاخامات الرئيسيين بمنع أيّ نشاط مشترك معهم”.
في الوقت الراهن، يبدو أنّه سوى دعوات بعض الحاخامات المؤثّرين في إسرائيل لإحباط كل نشاط مشترك مع اللوبي الإنجيلي، فإنّ التعاون يعمل ويتقدّم دون كلل. مؤخرا فقط أعلنت السفارة المسيحية الدولية في إسرائيل بأنّها تطلق دعما للمنتجات الإسرائيلية، وذلك على خلفية المقاطعة الأوروبية لاستيراد المنتجات الإسرائيلية من المستوطنات. تهدف الحملة إلى التوجّه للسوق المسيحي، وخصوصا لمئات الملايين من المسيحيين الإنجيليين في جميع أنحاء العالم، بهدف تشجيعهم على شراء المنتجات الإسرائيلية في مجالات مختلفة: الغذاء، الأزياء، المنتجات الاستهلاكية ومنتجات الرعاية والمنتجات التكنولوجية المتطوّرة. وسيتمّ في إطار هذه الحملة توزيع دليل مشتريات للمنتجات الإسرائيلية، يتمّ تحديثه كلّ عام، ويشمل قائمة المنتجات التي صُنعت في إسرائيل، صور المنتجات وشعارها. وسيكون الدليل متاحا بشكل مطبوع أيضًا.
نشير إلى أنّ الحركة الإنجيلية اكتسبت أيضًا عددا ليس قليلا من المعارضين في الأوساط المتديّنة في إسرائيل، ومن اليساريين الإسرائيليين، الذين يرون في نشاط اللوبي خطرا حقيقيّا على أمن إسرائيل وعلى وجود حلّ الدولتين لشعبين، ومن كثير من الدوائر المسيحية وبالطبع من المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم والتي ترى في النشاط المسيحاني للحركة الإنجيلية العالمية، نشاطا عدائيّا يعلن الحرب على العالم الإسلامي وأماكنه المقدّسة، وخاصّة في القدس.
ساعد في هذا المقال أيضًا تحقيق أجريَ من قبل معهد الدراسات “مولد”، حول تأثير الإنجيليين على جدول الأعمال السياسي الدبلوماسي في إسرائيل.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني