كشفت سلسلة التفجيرات الأخيرة في أوروبا، التي حصدت حياة أكثر من 200 شخص خلال 20 شهرًا، ضعف وكالات الاستخبارات الأوروبية. فعند حدوث الهجوم الإرهابي الذي شنته الدولة الإسلامية على باريس في 13 تشرين الثاني، كانت السلطات الفرنسية مقتنعة بأنّ قائد الخلية، عبد الحميد أباعود، كان في شمالي سوريا، بعد مطابقة معلومات من هواتف خلوية ووسائل إلكترونية أخرى. لكنّ هذا الافتراض الخاطئ أدّى إلى نتائج مأساوية. نجح أباعود في التسلُّل من جديد إلى الأراضي الفرنسية دون أن ينتبه أحد، مُدبّرًا هجومًا أسفر عن مقتل 130 ضحية. “اتكلنا أكثر من اللازم على التكنولوجيا، ما جعلَنا نفقد آثارهم”، اعترف مصدر أمني في “وول ستريت جورنال”.
فكيف نجح الإرهابي في تضليل رجال الاستخبارات الذين تعقّبوا خطواته بصرامة؟ تروي مصادر أمنية رفيعة المستوى، أنّ ناشطي التنظيم في سوريا استخدموا كما يبدو حسابات واتسآب وهواتف لزعيم الخلية والإرهابيين الآخرين، وذلك لتضليل الاستخبارات والإيحاء بأنّ أباعود لا يزال يتحدث من هاتفه ويتصفح الإنترنت في سوريا.
يتكيّف ناشطو الدولة الإسلامية بسرعة مع قدرات المتابعة الافتراضية للاستخبارات الغربية. فإذا كانوا قد اعتمدوا في الماضي على هواتف ومواقع تواصل اجتماعي تسهّل ملاحقتهم، فإنّ الناشطين اليوم أضحَوا أكثر وعيًا لمتابعة الوسائل التكنولوجية التي يمتلكونها. ولنقل رسائل سرية، بدأوا باستغلال إمكانيات التشفير في تطبيقات مثل واتسآب وتيليجرام، كما عادوا إلى التلاقي وجهًا لوجه وإرسال رسائل خطية.
يحرص الناشطون على تشويش آثارهم الافتراضية عبر فترات متواصلة من (الصمت الإلكتروني) – الامتناع عن استخدام الوسائط التكنولوجية والإنترنت. هذا ما فعله الإرهابيون في باريس أيضًا، وأحيانًا لمدّة أسابيع، حين اجتازوا حدود القارة في أيلول وتشرين الأول. وحين كانوا مضطرين إلى الاتصال، استخدَموا أجهزة خلوية، ثمّ تخلّصوا منها فور استخدامها.
لا يمكن القول إنّ التنظيمات الإرهابية تنجح كاملًا في محاصرة تعقّب أجهزة الاستخبارات لها، لكنّها تستغلّ أحيانًا هذه المتابعة لنقل رسائل مضلّلة وإتخام الاستخبارات بمعلومات مغلوطة. بهذه الطريقة، يقودون الجهود الاستخبارية مرّةً تلو مرّة إلى طريق مسدود، أو يجعلون الاستخبارات تبذّر موارد دون التوصّل إلى معلومات ذات أهمية.
حتّى النجاح في إحباط محاولات انتحارية لا يعدو كونه أحيانًا محاولة تضليل من جانب التنظيمات الإرهابية لتشتيت الانتباه عن إعدادات لتفجيرات أكثر دموية وتعقيدًا. فقد أثارت المصادر الأمنية التي تحدثت إلى “وول ستريت جورنال” الشكوك في كون إحباط محاولة التفجير أمام كاتدرائية نوتردام في باريس بداية الشهر الجاري، ما أدّى إلى اتّهام ثلاث نساء بالمشاركة في الإرهاب، لا أكثر من طُعم لتحويل أنظار القوى الأمنية عن تحضيرات لتفجيرات أخرى، مستمرّة بحرية كما يبدو.
تشهد العاصمة البريطانية استنفارًا كبيرًا بين قوى الأمن خشية شن داعش عمليات إرهابية مُتشعبة تُحاكي تلك العمليات التي شهدتها العاصمة الفرنسية، باريس، عام 2015 والتي حصدت أرواح 130 شخصًا.
وأوردت صحيفة التلغراف البريطانية أن وكالة مُكافحة الإجرام الدولية في البلاد تستعد لسيناريو مُرعب بموجبه ستتم مهاجمة حتى 10 نقاط مُختلفة في لندن في الوقت ذاته، وحتى الاستعداد لخطر استخدام سلاح كيميائي أو بيولوجي في تلك الهجمات من قبل الجهاديين.
أكثر ما يخيف الجهات الأمنية البريطانية هو المواطنون البريطانيون المُنتمين لداعش والذين يُخشى من قيامهم بعمليات إرهابية مع عودتهم من مناطق الحرب في سوريا. ولكن أوضح وزير في الحكومة البريطانية أن القوات الخاصة مُستعدة لأي طارئ.
بالمقابل، تجري وحدة الكوماندو البريطانية الخاصة SAS، تدريبات خاصة تتعلق بمواجهة العبوات الناسفة المُرتجلة وحتى أن وحدة مكافحة الإرهاب في الجيش البريطاني قامت بتأهيل وحدة خاصة لمواجهة السلاح الكيميائي والبيولوجي. تُضاف إلى ذلك وحدات جيش من خارج لندن والتي ستعمل في حال وقوع عملية استثنائية.
نشر تنظيم داعش البارحة (الأحد) مقطع فيديو استثنائي، يعرض فيه آخر رسالة وجهها الإرهابيون الذين نفدوا العملية الإرهابية في باريس، في تشرين الثاني الأخير. يظهر الإرهابيون في مقطع الفيديو وبينهم الشخصية الأبرز – عبد الحميد أبا عود الذي اعتُبر “العقل” المُدبر للعملية الإرهابية – وهو يقول: “اليوم بإذن الله سنجعل دماءكم تسيل مثل الأنهر! بإذن الله نحن سنُحرر فلسطين”.
أحد منفذي عمليات باريس
تظهر في مقطع الفيديو عمليات إعدام “الكُفّار” وهي عمليات نُفذت قبل عمليات باريس الإرهابية من قبل الإرهابيين ذاتهم الذين انطلقوا لاحقًا ونفذوا الهجوم على العاصمة الفرنسية. يظهر الإرهابيون في مقطع الفيديو وهم ينفذون عملية إعدام أشخاص مُتهمين بالكُفر من خلال قطع رؤوسهم وإطلاق الرصاص عليهم من مسافة قريبة جدًا. ظهر أحد الإرهابيين في مقطع الفيديو وهو يُمسك برأس أحد الذين تم إعدامهم ويقول: “هذا سيكون مصيركم أيها الكفّار. يظهر الإرهابيون أيضًا في مقطع الفيديو وهم يتدربون على إطلاق النار.
أحد منفذي عمليات باريس
يُرسِل الإرهابي أبا عود، من خلال مقطع الفيديو، رسالة إلى “الكُفّار” الذين يُقاتلون المُسلمين، وإلى الدول المُشاركة بالتحالف ضد داعش قائلا: “أنتم من تجرأتم وقدمتم إلى بلاد المُسلمين لمُحاربتهم. أعلنتم علينا حربًا كنتم قد خسرتموها قبل أن تبدأ. هل تتوقعون أن تُحاربوا المُسلمين وأن تنعموا بالسلام في بلادكم؟ سنجعلكم تتذوقون طعم الإرهاب، وستتذوقونه في معاقلكم. نحن قادمون إليكم بإذن الرب”.
https://www.youtube.com/watch?v=bwL2vwNo-64
أكدّ تنظيم داعش طوال اليوم الأخير على أنه سينشر مقطع فيديو يتعلق بالهجوم الإرهابي على باريس، وانتظر العالم الفيديو طوال ساعات، لأنه لم يُفصح عمّ سيظهر في مقطع الفيديو. ويتضح أنه يظهر الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في مقطع الفيديو مرارًا وتكرارًا وكأنه تحت مرمى الهدف – رسالة إلى الرئيس الفرنسي الذي أعلن الحرب ضد داعش. يُرسل تنظيم داعش، في نهاية مقطع الفيديو، رسالة تهديدية إلى بريطانيا، ولندن تحديدًا، على خلفية تصريحات رئيس حكومتها دايفيد كاميرون، حيث يبدو رأسه أيضًا تحت مرمى الهدف. “من يقف في صف الكفّار، ستُصوّب سيوفنا نحوه- وسيُهان”، وفقًا ما كُتب.
يمكن أن يكون التجوال في باريس في الشتاء القارس، تجربة غير ممتعة. وإن كان الحديث يجري عن إحدى المدن الأكثر رومانسية مما تقدّمه القارّة الأوروبية. والأهم، أن التنزه في شوارع باريس المزدحمة بعد فترة الأعياد ليس لطيفا إطلاقا، حيث تتجوّل دوريات الشرطة والجيش التابعة للجمهورية الفرنسية في كل مكان، بحثا عن وجه مشتبه به وأملا بخلق شعور الأمن في شوارع المدينة، قرب المسجد الكبير في باريس، في أسواق المهاجرين وفي قلب المعالم الأكثر سياحة في المدينة: برج إيفل، متحف اللوفر وقوس النصر.
“الشعور بالأمان يهم الفرنسيون. ولقد أضرت عمليات تشرين الثاني، التي راح ضحيتها عشرات القتلى، بالشعب الفرنسي. أعتقد أنّ الفرنسيين بدأوا رويدا رويدا يدركون أنّهم يخوضون حربا من أجل قيمهم”، هذا ما قالته لي صديقة فرنسية طيّبة كانت تتجوّل معي في باريس، في حين كنت أحاول أن أفهم عمق الأزمة بين المسلمين وغيرهم في بلد ذات علم يحتوي على الأعمدة الثلاثة الملونة.
مسلمون يصلّون في مسجد علي في باريس (AFP)
كوني شخصًا زار فرنسا أكثر من مرة وفرنكوفونيا، عاش الثقافة الفرنسيّة منذ طفولته، شعرت بإحساس غريب أثناء زيارتي الخاطفة للمدينة. لقد تغيّر شيء ما بالتأكيد. لن أستنتج استنتاجات سريعة ولن أقول إنّه قد نشأت فجوات واسعة في المجتمَع الفرنسي إثر الأحداث الإرهابية الأخيرة في 13 تشرين الثاني وأحداث مجزرة صحيفة تشارلي إيبدو أو متجر المأكولات اليهودي “هايبر كشير”. وبخلاف الكثيرين في العالم ممن استطلعوا المشاعر في المدينة بعد الأحداث فورا، اعتقدتُ أنّه سيكون من الأفضل دراسة النسيج المجتمعي الحساس، بعد أن تهدأ العاصفة.
فرنسيون بكل معنى الكلمة ومسلمون في آن واحد
لا شك أنّ العمليات الإرهابية في فرنسا قد أبرزت مشكلة كانت السلطات الفرنسية تميل حتى اليوم، بشكل أساسيّ لأسباب تتعلق بالصواب السياسي، إلى تجاهلها، أو على الأقل التقليل من أهميتها – مكانة الجالية المسلمة في فرنسا.
في فرنسا، يبلغ تعدادها نحو 10% من مجموع السكان (وفقا للتقديرات بين 5-8 مليون. بموجب القانون الفرنسي يحظر إجراء استطلاعات وفقا للتقسيم الديني).
في الأصل، كانت تتألف هذه الجالية بشكل أساسيّ من مهاجري بلدان شمال أفريقيا، والذين هاجروا إلى فرنسا في الفترة التي كانت بلدانهم خاضعة للسيطرة الفرنسية – منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر حتى تفكك الإمبراطورية الفرنسيّة في النصف الثاني من القرن العشرين. ونتيجة لسياسة الحدود المفتوحة للاتحاد الأوروبي بدأ التدفق الجماعي للمهاجرين من بلدان لم تكن جزءا من دائرة النفوذ الفرنسية.
قدّر الباحث الإسرائيلي، الدكتور يسرائيل بار نير مؤخرا أنّ “المبنى الديمغرافي للجالية المسلمة في فرنسا قد تغيّر بسبب الملايين من المهاجرين الجدد الذين جلبوا معهم التخلف الاقتصادي والثقافي”. وادعى بار نير أيضا أنّه “ليس هناك أي ارتباط لدى المهاجرين الجدد بالثقافة والتراث الفرنسي، ويتقن القليلون فقط من بينهم اللغة الفرنسية. اضطر القليلون الذين نجحوا في إيجاد عمل إلى الاكتفاء للقيام بأعمال مثل إخلاء القمامة وكَنْس الشوارع. إنّ التناقض بين القيم الأساسية للتراث الفرنسي، ولا سيما، الفصل بين الدين والدولة (Laicite) – وهو من الأصول غير القابلة للتغيير في النظام الفرنسي منذ عهد الثورة – ومكانة المرأة في المجتمع، وبين نمط الحياة الذي جلبه المهاجرين الجدد من بلدانهم، شكلا عقبة لا يمكن اجتيازها أمام دمج المهاجرين الجدد في المجتمَع الفرنسي”.
دقيقة صمت لنساء مسلمات لذكرى ضحايا العمليات في باريس (AFP)
“نحن لا نفهم من هي داعش. بالنسبة لنا فالمسلمون لا يتصرّفون كذلك. نحن فرنسيون وفخورون بكوننا فرنسيين. لقد أضرّ الإرهاب بالأساس بالجالية المسلمة في فرنسا. أعتقد أنّ اليمين المتطرّف في فرنسا يكن كراهية كبيرة للمسلمين في الآونة الأخيرة”. هذا ما قاله لي علاء، وهو بائع متجوّل في أحد الأسواق في جادة باربس (Le Boulevard Barbes).
في جوّ بارد يصل إلى 4- درجة مئوية، مضيتُ في طريقي إلى المسجد الكبير في باريس. في ساعات الغروب، قبل دقائق من صلاة المغرب، دخلتُ إلى المسجد مع صديقتي. حاولت أن أفهم إلى أين تتوجّه الجالية المسلمة في فرنسا وكيف يمكن سد الفجوات في الثقة.
وعند دخولنا إلى المسجد توجّهنا نحو امرأة كانت ترتدي حجابًا. وقد أوضحتُ لها، متحدثا بلهجتي الفلسطينية، أنّنا نرغب بإجراء جولة في المكان وإلقاء نظرة على المسجد. “فقالت عليكما أن تدفعا 2 يورو للشخص مقابل الدخول”. تهامستُ مع صديقتي وفورا سألتني السيّدة إذا كنتُ مسلمًا. “الحمد لله”، ردت قائلة بعد أن أخبرتُها أنّني أنا مسلم أيضا.
في داخل المسجد الواسع والمزخرف، يستعدّ الرجال للصلاة. أوضحت لي صديقتي بأنّه قد ثار مؤخرا، وعلى خلفية الهجمات الإرهابية، نقاش عام واسع في فرنسا. “يسعى زعماء بارزون في أوساط الجالية المسلمة إلى مضاعفة عدد المساجد في البلاد”. وفقا للتقديرات يوجد اليوم ما يقارب 2200 مسجد في أنحاء فرنسا، والتي يفترض أن تخدم أبناء الجالية، التي يبلغ تعدادها كما ذكرنا بين 5-8 ملايين مؤمن. يدّعي زعماء الجالية أنّ عدد المساجد هذا لا يكفي بل ويحثّون السلطات على بناء المزيد والمزيد من دور العبادة المراقَبة من أجل منع تجمّعات الشباب المسلمين في الأوساط المتطرّفة التي قد تُسمّم عقول الشباب المخطئين.
ظل داعش يحلّق في الأحياء الفقيرة واليائسة
حاولت الحكومة الفرنسية إيقاف توسع الإسلام المتطرف لمنع التطرف والعنف اللذين يميّزانه تحت رعاية منظّمات مثل القاعدة أو داعش. اتخذت الحكومة قرارا بتنظيم مجلس إسلامي قُطري – وهو هيئة يُنتخب ممثلوها انتخابا ديمقراطيًّا من جميع الجاليات المسلمة المحلية في فرنسا. والغاية هي تطوير “إسلام فرنسي”، تعتبره السلطات حجر الأساس لدمج الأقلية المسلمة في المجتمع الفرنسي.
كانت هناك أفكار أخرى وهي تنظيم حلقات دراسية لتأهيل الأئمة الناطقين بالفرنسية ليتعرفوا ويحترموا نمط الحياة الفرنسي، بالإضافة إلى منظومة دعائية بأنّ “قوانين الإسلام غير قابلة للتنفيذ في فرنسا لكونها تخالف القانون الفرنسي”. وفقا للدستور الفرنسي، فإنّ فرنسا هي دولة علمانية، تحترم التنوّع الديني فيها. وهي علمانية، أساسا.
مسلمة ترتدي الحجاب في شوارع باريس (AFP)
وقد فشلت معظم هذه المحاولات. “عندما هاجرتُ إلى باريس عام 1968 لم يكن هناك مسلمون في المدينة تقريبا، فكنّا أقلية. والآن أصبح لديّ أبناء وأحفاد. نحن نفهم العربية الفصحى ونتحدث أيضا باللهجة التونسية والفرنسية. ولكن لا يفهم أحفادي العربية الفصحى. فنتحدث إليهم بالفرنسية فقط. لمزيد الأسف فإنّ الأئمة في هذا المسجد يتحدثون العربية بمستوى عال جدّا مما يصعّب على أطفالنا فهمها. تخيّل أنّ الكثير من الشباب الذين واجهوا صعوبات التأقلم في المجتمع الفرنسي وهم عاطلون عن العمل يريدون الحصول على الاستشارة. إلى أين سيذهبون؟ هل سيطلبون المشورة من أولئك الأئمة؟ لا، فهم يتوجهون إلى الأوساط المتطرفة التي تستقبلهم بدفء وتمنحهم شعورا زائفا بالقبول. يجب على السلطات وعلى رجال الدعوة في فرنسا إدراك ذلك”، كما يقول لي أبو محمود (68 عاما)، صاحب محل حلاقة في حيّ شاتو روج (Chateau Rouge).
زعيم مجموعة سلفية متطرفة في باريس، “فرسان العزة” (AFP)
ويعكس قلق أبو محمود قلق الكثيرين من أبناء الجيل الأول من التونسيين، المغاربة والجزائريين الذين قدِموا في وقت ما من الخمسينيات والستينيات إلى فرنسا بحثا عن حياة أفضل في أوروبا. الخوف من أن ينجرّ أبناؤهم، مثل الأخوين كواشي (اللذين نفّذا المجزرة في هيئة تحرير الصحيفة الساخرة، “شارلي إيبدو”)، وراء المجموعات المتطرفة. إنهم يخشون، أكثر من كل شيء، من أن تزيد عمليات الإرهاب الأخيرة من نار كراهية الأجانب، الملتهبة على أية حال من قبل مجموعات اليمين المتطرفة في فرنسا.
بين الحجاب وأعمال الشغب
مهاجرة مسلمة تقدّم الورود للمارّة بعد مجزرة شارلي إيبدو (AFP)
أعترف أن خلال فترة إقامتي القصيرة في المدينة لم أصادف مظاهر العنصرية تجاه المسلمين. ولكن مؤخرا يعاني الكثير من المسلمين بشكل مباشر من كراهية الأجانب الحقيقية.
اقتحم متظاهرون فرنسيون غاضبون في نهاية العام الماضي (27.12.2015) قاعة صلاة إسلامية في جزيرة كورسيكا الفرنسية وأحرقوا مصاحف من القرآن. فأدانت الحكومة الفرنسية هذا الفعل بشدّة، والذي تم تنفيذه في عيد الميلاد.
وكانت النساء المرتديات للحجاب المتضرّرات بشكل أساسي. بعد أكثر من عشر سنوات من اعتماد فرنسا لقانون غطاء الرأس الأول، والذي يحظر على التلميذات ارتداء النقاب أو الحجاب في المدارس الحكومية، أصبحت قضية غطاء الرأس للنساء المسلمات المتديّنات – من الأوشحة الحريرية الملوّنة وحتى العباءة السوداء – إحدى نقاط الاحتكاك الأكثر أهمية بين الدولة والسكان المسلمين.
يستمر السياسيون الفرنسيون المنتمون إلى التيار المركزي بالعمل على منع قبول النساء المنقبات إلى أماكن العمل، المؤسسات التعليمية والفعاليات الجماهيرية. وقد برّروا ذلك أكثر من مرة بقولهم إنّهم يعملون من أجل النظام العام وقيم الـ laïcité.
“لم تساهم هذه الخطوات في استيعاب المسلمين في المجتمع العلماني. وبالمناسبة فهم أنفسهم يطالبون بأن يكونوا جزءًا من الشعب الفرنسي. على العكس، لقد زادت من التمييز ضدّهم بشكل عام وضدّ النساء بشكل خاص. تُسمع في الأخبار مرات عديدة عن نساء تعرّضن للإهانة والعنف، والتي تتمثّل بالبصق عليهن، بشدّ غطاء رأسهن أو دفعهنّ. وقد تم استغلال هذا الحظر من قبل جهات إسلامية، تسعى إلى دقّ إسفين أعمق بين المسلمين وغيرهم في فرنسا”، كما قالت لي صديقتي بعد أن خرجنا من المسجد الكبير.
مستقبل العلاقات، إلى أين؟
من غير الواضح الآن كيف سيكون مستقبل هذه العلاقات بين المسلمين والفرنسيين، في المستقبل القريب.
صالة الشاي خلف المسجد الكبير في باريس
في زاوية شارع المسجد الكبير دخلنا إلى عالم آخر، فقاعة برعاية الساحة الخلفية للمسجد، والتي يبدو فيها العالم ورديا وواعدا أكثر. يصطف فرنسيون محليّون وأبناء مهاجرين إلى جانب بعضهم البعض، حول طاولات مذهّبة مصنوعة من النحاس، يحتسون الشاي بالنعناع المحلّى. هناك طاولات مزدحمة بالحلويات من المطبخ المغربي، راحة الحلقوم، البقلاوة والغريبة. في مجلس الشاي هذا أشعر بومضة الأمل. إذا تم استبعاد العنف ولم يُعطَ للمتطرّفين حيز عمل فربّما لن يُفقد الأمل لتعزيز علاقات أعمق وأفضل بين المسلمين والمدافعين عن العلمانية، الغربيين، الفرنسيين.
ما أن ظهر زعيم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أبو بكر البغدادي، في تسجيل صوتي هدد خلاله إسرائيل بقرب المعركة معها، حتى بات أنصار التنظيم خاصةً في فلسطين يترقبون بشكل كبير ما يمكن أن يحدث على واقع الميدان كما جرى في تهديد سابق للمتحدث باسم التنظيم “أبو محمد العدناني” ضد فرنسا وأميركا وغيرها حتى وقعت هجمات من عناصر وأنصار يتبعون للتنظيم في تلك الدول.
عملية تل أبيب التي وقعت يوم الجمعة وأدت لمقتل إسرائيليين ولا زالت تثير الكثير من الغموض في تفاصيل أسبابها ودوافعها إلا أن الحديث في الإعلام العبري عن أن المنفذ قد يكون له ارتباطات غير رسمية مع داعش أو أنه يناصرها حديثا على الرغم من أنه كان غير متدين سابقا، زاد من حالة الترقب في أوساط الجهاديين خاصةً في فلسطين حول إمكانية أن يكون المنفذ قد فعل ذلك نصرةً لتنظيم الدولة.
قيادي سلفي جهادي بارز في قطاع غزة، لم يخفِ فرحته بالهجوم الذي قال أنه سيؤسس لمرحلة جديدة من الهجمات في حال فقط ثبت أن التنظيم يقف خلفه أو أن أحد مناصريه هو من نفذه تلبيةً ونصرةً لخطاب من وصفه بـ “أمير المؤمنين أبي بكر البغدادي”.
وأشار إلى أن هناك العشرات يناصرون التنظيم في الضفة الغربية وحتى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، مهددا بأن “الاحتلال اليهودي” كما وصفه، سيتلقى ضربات عنيفة في المستقبل القريب وأنه لا مأمن له من ذلك خاصةً وأن المجاهدين تلقوا الأوامر بذلك من خليفة المسلمين في خطابه الأخير.
وحول الهجوم في تل أبيب، أوضح القيادي أنه لا علاقة مباشرة أو غير مباشرة لهم مع المنفذ ولا يعرف إن كان فعليا من مناصرين الدولة حديثا ونفذ ذلك نصرةً لها أم أن هناك أسباب أخرى. متأملا كما المئات من الجهاديين في غزة والآلاف بالعالم أن يكون المنفذ من مناصري الدولة الإسلامية.
وأضاف “نأمل أن يكون من مناصرين الدولة، وكم كنا نأمل أن تكون على طريقة هجمات باريس وغيرها ليعرف العدو أنه لا مكان له في فلسطين المباركة، كما أنه لا مكان للكفار بيننا.
وبحسب القيادي فإنه يتوقع سلسلة من الهجمات قريبا في عمق المدن المحتلة – وفق وصفه- مشيرا إلى أن هناك ترقب كبير في الأوساط لمعرفة الأسباب والدوافع خلف الهجوم الذي تمنى أن يكون كما كان في باريس وغيرها من الدول.
من أجل إرسال رسائل متطرفة في مواقع التواصل الاجتماعي تشغّل داعش آلاف المخرجين، المحرّرين الجرافيتيين ومحرري المحتوى. ولا يقلّ دورهم عن دور مقاتلي التنظيم في الميدان
يرتبط استخدام داعش لمواقع التواصل الاجتماعية غالبا بالأفلام الإجرامية التي تصدرها. ولكن مثل هذه الإصدارات، التي تهدف تحديدا إلى الحرب النفسية، تشكّل نحو 10% فقط من مجموع إصدارات التنظيم الإعلامية، في حين أنّ الجزء الأكبر من نشاطه يسعى إلى تحقيق أهداف أخرى تتعلق بطموحاته السياسية. هذا ما قرره باحث إسرائيلي خبير، وهو الدكتور هرئيل حوريف، من مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب.
في مقالة طويلة، حول قدرات الدولة الإسلامية في مواقع التواصل الاجتماعي، يدّعي هرئيل أنّ الإنترنت ولا سيما مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أداة “للتلقين ولإقامة مجتمع افتراضي من المجنّدين المحتملين في المراحل الأولية، أي عندما يكونون (الشباب) جالسين في منازلهم في الخليج العربي، في الشيشان أو في باريس”.
رموز إرهاب داعش
بحسب كلام هذا الباحث الإسرائيلي، فإنّ ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب التحديثات التكنولوجية وعلى رأسها الهواتف الذكية “سهّلت على التنظيمات الإرهابية نشر رسائلها دون الاحتياج إلى وسطاء تقليديين مثل سلطات وقنوات إعلامية مؤسسية”.
ويدّعي الدكتور هرئيل أيضا أنّه إذا كان الإرهاب في الماضي بحاجة إلى عمليات تباهي، كتفجير الطائرات أو اغتيال شخصية كبيرة، وهي عمليات كانت باهظة الثمن ومعقّدة التنفيذ، فبإمكانه اليوم جذب الانتباه بوسائل رخيصة وبسيطة. كل ما يتطلّبه الأمر هو عمل إجرامي موثّق جيّدا مما يؤدي إلى الصدمة ومن ثم تنشره في مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم.
ومع ذلك فداعش ليست مجرّد تنظيم إرهابي يسعى إلى نشر الرسائل، وإنما أيضا لاعب يسعى إلى إقامة خلافة إسلامية أي دولة. إنّ قوة مواقع التواصل الاجتماعي في ربط وخلق حوار لدى المجتمعات غير المتجانسة تتجاوز الحدود القومية والثقافات المختلفة، ولذلك فهي تجسّد حاجة داعش جدا، حتى وإن كانت بشروط افتراضية، إلى الفكرة التجريدية للأمّة.
https://www.youtube.com/watch?v=8rSGJipCOAQ
تنتج داعش نحو 90% من إصداراتها الإعلامية. هذه المواد هي ذات طابع تقليدي أكثر من أفلام القتل، ولكنها هدفها ليس أقل أهمية في إحداث التلقين من خلال إنشاء لغة مشتركة من القيم العليا (الروح الجماعية)، المفاهيم الأساسية والرموز المغروسة في وعي مناصري الدولة الإسلامية في المراحل الأولية من تجنيدهم.
يستغل أعضاء داعش حقيقة أنّ لدى الكثيرين من المجنّدين المحتملين هناك فهم ضئيل للفكر الإسلامي، حتى لو مرّوا بمرحلة التطرّف في مناطقهم. إذ يفتقد الكثيرون منهم، على سبيل المثال من أبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين إلى الغرب، أو من المجنّدين من غير العرب، بما في ذلك معتنقي الإسلام (في الولايات المتحدة مثلا 40% من المعتقَلين بتهمة الارتباط بداعش هم من معتنقي الإسلام) الإلمام الكافي باللغة العربية كوسيط يمكّن من التعرّف على المجموعة المتنوعة من التفسيرات القائمة. وهكذا تتحوّل الإنجليزية، “لغة الكفّار”، إلى وسيط يمكن لداعش بواسطتها التوجه إلى الجمهور المحتمَل من مجنّديها، والوقت نفسه عزلهم عن التفسيرات غير المرغوب بها لمصطلحات مثل الجهاد.
مقاتل داعشي يحمل علم الخلافة
بل إنّ داعش تنشئ رموزا غير مكتوبة تُنشر في الشبكات. وككل علامة تجارية ناجحة، تسيطر في مجال التسويق، تستخدم داعش لغة تصميمية واحدة تهدف إلى إثارة التضامن مع الدولة الإسلامية، سواء كان المتضامن يعيش في أراضيها أو كان يعيش في “بلاد الكفار”. أحد الرموز المهمة في هذه اللغة هو العلم الأسود الذي يظهر تقريبا في كلّ صورة ينشرها التنظيم، والذي يضعه أنصاره في حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي كعلامة لانتمائهم إلى مجتمع الدولة الإسلامية.
ثمة رمز شائع آخر، يكرّس مبدأ التضحية بالنفس، من خلال عرض جثث مقاتلي التنظيم بيمنا تكون ابتسامة صغيرة مرسومة على وجوههم. يتم إخراج مثل هذه الصور بحرص من قبل الإعلاميين في داعش، الذين يصورون الجثث بعد أن ينظّفوها من بقع الدماء ويرسمون على وجهها ابتسامة، والتي تنقل رسالة أنّ الشهداء قد حقّقوا أمنيتهم في الاستشهاد.
وتتضمّن ترسانة رموز داعش أيضا رموزا أكثر رقّة، مثل العصافير الخضر التي تجسّد أرواح من يقدّمون أنفسهم للشهادة. وتشكّل الأسود أيضا رمزًا شائعا لجرأة نفوس مقاتلي التنظيم، وتُستخدم الأشبال كرمز لجيل المستقبل في الدولة الإسلامية. ومن الرموز الأخرى القطط وجرائها التي تستند العلاقة الإيجابية بها إلى تقاليد بحسبها فإنّ أحد صحابة النبي، أبو هريرة، كان معروفا بحبّه للقطط. وفي الوقت نفسه، تُستخدم صور القطط لعرض الوجه الإنساني – كما يُفترض – للدولة الإسلامية.
ينشر جناح الإعلام لدى داعش والذي يشغّله مئات المهنيين من المصوّرين، المخرجين، المحررين، مهندسي الحواسيب وقراصنة الإنترنت، جميع هذه الرسائل في الشبكة، وهم المسؤولون عن إصدار المنتج الإعلامي بأعلى المستويات. ويقول الدكتور هرئيل إنّ سلطة الإعلاميين لا تقلّ عن سلطة قادة العمليات، وفي الواقع فإنّ العمليات المخصصة للتوثيق، سواء كانت هجمة على ثكنة أو مجزرة ضد جنود سوريين، لن تبدأ دون موافقة الإعلاميين الميدانيين.
أعلن القضاء الفرنسي، التعرف رسميًا على المرأة التي قُتلت في العملية الأمنية التي نفذتها الشرطة الفرنسية في سان دوني، وهي تدعى حسناء آيت بولحسن، 26 عامًا، فرنسية مغربية الأصل، وهي قريبة عبد الحميد أباعود، الذي يشتبه بأنه مدبر اعتداءات باريس.
وقبل هذا الإعلان الرسمي عن اسم وبيانات المرأة التي فجرت نفسها ونشر الصورة الحقيقية لها، كانت صور سيدة أخرى نشرت بالخطأ على أنها جهادية التي قامت بهذه العملية الإرهابية.
هي سيدة مغربية أيضا تدعى نبيلة، من مدينة بني ملال (وسط المغرب)، وصلت صورتين لها إلى الصحافة العالمية.
روت نبيلة كيف حدث ذلك قائلة: “صديقة استغلت شبها طفيفًا بيني وبين حسناء كي تصفي حسابًا قديمًا، وأرسلت الصور للصحف الأجنبية”.
This innocent Moroccan woman was falsely portrayed as a suicide bomber by media outlets, including AJ+. https://t.co/FNBluP6LN9
وبحسب “cnn”، تبلغ نبيلة من العمر 32 سنة، وتحكي عن صورها : “الصورتان اللتان تم نشرهما تعودان إلى فترة إقامتي في فرنسا في الفترة بين 1998 و2007، والتقطتهما تلك الصديقة الفرنسية من أصل مغربي قبل انقطاع العلاقات بيننا”.
هاجرت نبيلة إلى مدينة صغيرة شمال فرنسا وعمرها لا يتجاوز 15 عامًا، درست هناك لسنوات قليلة، ونالت دبلومًا في تصميم الأزياء والخياطة، ثم عملت لفترة قليلة، قبل أن تختار العودة نهائيًا إلى بلادها.
وتعيش نبيلة حاليًا مع أبنائها بعد طلاقها من زوجها.
وعن رد فعلها حين فوجئت بنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها جهادية تابعة للدولة الإسلامية تقول: “صدمة عائلتي كانت كبيرة، بل هناك من يرفض الحديث معي حتى الآن، توقفت عن العمل، ولم أعد أستطيع الخروج إلى الشارع، وأنا حاليًا في طور القيام بإجراءات قضائية لمقاضاة صديقتي ومن اشترى منها الصورتين”.
في أعقاب مقاطع الفيديو التابعة للدولة الإسلامية باللغة العبرية، مسؤول كبير يقدّر: "الوضع الأمني خطير جدا". في الوقت الراهن، إسرائيل تساعد الدول الأوروبية في العثور على الأشخاص ذوي الجوازات الأوروبية والذين يشكّلون خطرا
نشر تنظيم الدولة الإسلامية مؤخرا في مختلف الشبكات مقاطع فيديو تهديدية باللغة العبرية وفي فترة قصيرة أسقط طائرة في سيناء، فجّر انتحاريين في بيروت ونفّذ هجوما في باريس. قال مسؤول إسرائيلي كبير إنّ سرعة الأحداث تدل على قدرات التنظيم وعلى طموحاته وأنّ الدولة الإسلامية تزداد اقترابا من إسرائيل: “الوضع خطير جدا”.
وكتب موقع “إن آر جي” الإسرائيلي أنّ ذلك المسؤول أضاف أنّه في أعقاب الوضع في أوروبا، تتعاون إسرائيل تعاونا وثيقا مع أجهزة الاستخبارات في مختلف الدول. كما وتساعد الأوروبيين على العثور المسبق على أشخاص ذوي جوازات سفر أوروبية كانوا قد شاركوا في القتال بسوريا والعراق وقرروا العودة إلى القارة وإنشاء خلايا إرهابية.
مقاتلو الدولة الاسلامية، داعش ، في سوريا (Facebook)
وطبعا، فإنّ موجهات الهجرة إلى أوروبا أنشأت صعوبة كبيرة أمام أجهزة الأمن في تلك البلدان. عندما خروج الناس ودخلوهم إلى البلدان بشكل منظّم وقانوني من السهل تعقّبهم واختبار أنهم لا يخططون لعمليات أيا كانت، ولكن الآن عندما يُغرق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين والعراقيين أوروبا ويدخلون بطرق غير قانونية لتلك البلدان، فتصبح الرقابة غير ممكنة.
ومن المتوقع في الأسبوع القادم أن يصل إلى إسرائيل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقاء رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. سيلتقي الاثنان على خلفية أحداث باريس وتجدّد الإرهاب في إسرائيل.
مسلمون يرفعون علم فرنسا في المسجد الكبير في ستراسبورغ (AFP)
اعتداءات باريس تقسّم العالم الإسلامي على مواقع التواصل
حفلت شبكة الإنترنت بلفتات إنسانية بادر إليها مسلمون من أرجاء العالم كافة بهدف التضامن مع المأساة التي حلّت بالفرنسيين، فيما شعر جزء آخر من العالم الإسلامي أن لا حاجة للتعاطف الفائض مع من استعمر الشرق في السابق
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل متباينة لمسلمين من حول العالم إزاء الاعتداءات الدامية التي ضربت باريس قبل أسبوع وأدت إلى مقتل 130 شخصا. وبدا أن المسلمين منقسمون بشأن التعامل مع الاعتداء الذي هزّ فرنسا والعالم، فمن جهة هنالك من عبّر عن تعاطفه شاجبا ما فعله تنظيم الدولة الإسلامية باسم الإسلام، وعلى المقلب الآخر، رأى آخرون أنه لا داعي للتعاطف مع من لم يتعاطف مع قتلى وحرجى دول الشرق الأوسط، مشيرين إلى الماضي الاستعماري لفرنسا في الدول الإسلامية.
وبدأ الانقسام في ردود الفعل يظهر في أعقاب الخاصية التي أتاحتها إدارة “فيسبوك”، إضافة العلم الفرنسي خلفية لحساب منتسبي الموقع، وبينما سارع مسلمون كثيرون إلى تبني الخاصية، تضامنا مع ضحايا الإرهاب، شعر كثيرون بغبن كبير جرّاء موقف “فيسبوك” المتعاطف مع دولة غربية يصيبها الإرهاب بينما يستعر الإرهاب في الدول العربية يوميا، لا سيما وأن انفجارا عنيفا ضرب الضاحية الجنوبية في لبنان مخلفا عشرات القتلى والجرحى، وهاجموا هؤلاء المتضامين مع فرنسا بالادعاء أنهم يكرسون التعامل الأوروبي المنحاز إلى ضحايا الإرهاب أكثر من غيرهم.
وسلط هؤلاء الضوء على معاملة الغرب مع مأساته مقارنة بالمآسي التي تحصل في أماكن أخرى في العالم، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط. فحول هذه النقطة، تساءل كثيرون عن انعدام التعاطف الغربي، خاصة الفرنسي، مع الضحايا التي تسقط يوميا في سوريا والعراق وافريقيا، مبدين قناعة أن التعامل يجب أن يكون بالمثل، وأنه لا داعي للتعاطف مع فرنسا.
ومن المبادرات الإيجابية التي برزت كذلك خلال هذا الأسبوع، إطلاق هاشتاغ بعنوان #ليس_باسمي، حيث عبر مسلمون كثيرون من خلاله عن رفضهم لممارسات تنظيم الدولة الإسلامية باسم الإسلام. وأشار كثيرون ممن تفاعلوا مع الهاشتاغ إلى أن داعش يقتل كذلك المسلمين الذين يرفضون الانصياع لأوامره وتصرفاته.
حملة ضد تنظيم الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي شعارها “ليس باسمي” (النت)
وفي خانة المبادرات الفردية، قام شبان مسلمون في باريس بتقليد شاب قام بالوقوف في ميدان مركزي معلقا على جسمه لافتة تقول: “أنا مسلم؟ يقولون إنني إرهابي. أنا أثق بك، هل تثق بي؟ إن كنت تثق بي، فعانقني”. وحصل الفيديو الذي وثّق تفاعل الشارع الفرنسي مع الشاب على انتشار واسع، حيث شوهد فرنسيون كثيرون يعانقون الشاب في موقف يركز على ما يجمع البشر جميعا وهي الإنسانية.
https://www.facebook.com/Denverlaw/posts/10207727670012328
وعلى المقلب الآخر، أبدى مسلمون كثيرون في أنحاء العالم بلادة إزاء اعتداءات باريس، ليس من باب الدعم لتنظيم الدولة، إنما من باب التذكير لما قامت به فرنسا في الماضي من استعمار وقتل في دول إسلامية عديدة أبرزها: الجزائر وتونس.
وحاول المتضامنون مع ضحايا باريس تذكير هؤلاء غير المتضامنين أن لا يميزون في ملاحظاتهم بين معارضة موقف الدولة الفرنسية السياسي، والتضامن الإنساني مع مدنيين عزل.
وبين هؤلاء وهؤلاء ظهرت فئة ليست بقليلة من مؤيدي تنظيم الدولة ومن المتشددين، التي رحبت بالهجوم، وعبرت عن بهجتها وفرحها بهاشتاغ #باريس_تشتعل.
شقيق الانتحارية حسناء بولحسن: أختي لم تفتح كتاب القرآن يوما
اهتم الإعلام الأجنبي بقصة الانتحارية حسناء آيت بولحسن، التي فجّرت نفسها في الشقة التي مكث فيها العقل المدبر لاعتداءات باريس عبد الحميد أباعود، متسائلا: "كيف تحولت فتاة تحب الحفلات الليلية إلى مقربة من إرهابي ينتمي إلى داعش؟"
قصة حسناء آيت بولحسن، مواطنة فرنسية، فجّرت نفسها بعد حصار قوات الأمن فجر الأربعاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، شقة كان بها العقل المدبر لاعتداءات باريس، عبد الحميد أباعود، مع عناصر أخرى متورطين في تلك الهجمات- ما زالت محفوفة بكثير من الغموض، لا سيما ماذا كان دورها في اعتداءات باريس؟ وما علاقتها بعبد الحميد أباعود. وركّزت التقارير الإعلامية على التحوّل الذي مرّت به بولحسن من فتاة “غربية” تحب السهر إلى مقرّبة من إرهابي كبير ينتمي إلى تنظيم الدولة.
وأطلق الإعلام الأوروبي عليها لقب “الانتحارية الأوروبية الأولى”، وجاء في تقارير إعلامية أن علاقتها بعبد الحميد أباعود كانت علاقة قرابة. وقالت قوات الأمن الفرنسية إن الخلوي الذي كان بحوزة بولحسن أوصلهم إلى مخبأ أباعود، وأنها في لحظاتها الأخيرة، أثناء عملية الاقتحام التي نفذتها القوات الخاصة، صرخت: “النجدة، النجدة، إنني احترق” قبل أن تفجر نفسها. وأضافت أنها حاولت الاتصال بشخص ما عبر هاتفها بصورة جنونية، إلا أن الأمر ما زال قيد التحقيق.
ووفق الشهادات التي جمعتها وسائل الإعلام الأجنبية من أقاربها ومعارفها، تبيّن أن بولحسن كانت فتاة “غربية” في حياتها، تحب الموسيقى الأجنبية، وتذهب إلى الحفلات، تدخن وتشرب الخمرة. وقال شقيقها حسن إنها لم تهتم بالدين يوما، وأنه لم يراها تفتح القرآن أبدا، إذ كانت حسب وصفه تقضي أوقاتها حاملة هاتفها النقال، تدخل “فيسبوك” و “واتس أب”.
وحول التحوّل الذي مرّت به بولحسن، قالت التقارير الإعلامية إنها كانت تتعاطى المخدرات قبل أن تتحجب وتتجه نحو التشدد، وكانت معروفة لدى قوات الشرطة الفرنسية بأنها مدمنة على المخدرات، وهو ما سهل عليهم الوصول إليها حينما أصبحت مطلوبة جنائيا. وقال جيرانها حيث كانت تقضي أوقاتها إنها كانت سيئة السمعة، تدخن وتشرب وتقضي الوقت مع الشباب.
ومن المؤشرات التي تدل على بدء تشددها، تعليقات ظهرت على صحفة “فيسبوك” الخاصة بها، تطرقت فيها إلى الأحداث في سوريا كتابة مرة “سأغادر إلى سوريا قريبا، إن شاء الله”.
وحسناء آيت بولحسن ولدت في 12 أغسطس/آب 1989 بفرنسا، وهي من أصول مغربية. وذكرت وسائل إعلامية أنها كانت مديرة شركة صغيرة اسمها “فيكو للبناء والتشييد”، أفلست لاحقا.