اتّفاق كامب ديفيد

اتّفاق كامب ديفيد بين السادات وكارتر وبيجن عام 1978
اتّفاق كامب ديفيد بين السادات وكارتر وبيجن عام 1978

السادات – عزيز الكونغرس الأمريكي

مشروع قانون للكونغرس الأمريكي يطلب منح الرئيس المصري الراحل وسام الشرف الأعلى لدفعه السلام في الشرق الأوسط قدما

قدّم اليوم (الثلاثاء) أربعة أعضاء مجلس شيوخ وأعضاء في الكونغرس الأمريكي مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ لمنح الرئيس المصري، أنور السادات سابقا، وسام الشرف الأعلى من قِبل الكونغرس الأمريكي، بمناسبة مرور مئة عام على عيد ميلاده الذي سيصادف في السنة القادمة.

إن المدالية الذهبية للكونغرس الأمريكي هي المدالية الأعلى التي يمنحها الكونغرس. كُتب في مشروع القانون أن هذه الخطوة تأتي “احتراما لإنجازات أنور السادات البطولية ومساهمته الشجاعة نحو صنع السلام في الشرق الأوسط”.

“يعتبر الرئيس أنور السادات في الولايات المتحدة والعالم زعيما قديرا وبطل السلام، إذ إن رؤيته شقت طريقا لحل سلمي للنزاع الذي ما دام مستمرا منذ 40 عاما”، هذا ما قاله المبادرون إلى مشروع القانون لوسائل الإعلام.

أشار مقدمو مشروع القانون إلى أن “السادات خاطر إلى ما لا نهاية بشكل شخصي أملا منه في ترسيخ مجتمَع يستند إلى السلام والدبلوماسية. كان عزرا فريدلندر اليهودي أحد القائمين على الحدث الذي اقتُرح فيه على الكونغرس الأمريكي منح وسام شرف للسادات. قال فريدلندر: “الشعب اليهودي مُشتاق لصنع السلام. نحن معنيون وعلينا أن نهتم بالسعي من أجل السلام”.

أدرك فريدلندر طيلة حياته “أنه من السهل التقرّب من الأصدقاء. ولكن وفق اعتقاده، كان أنور السادات أحد كبار الشخصيات في القرن العشرين لأنه غيّر تفكيره بشكل ملحوظ، وهذه خطوة تتطلب جرأة كبيرة”. فقد أعرب عن أمله أن منح مدالية ذهبية من الكونغرس الأمريكي ستشجع زعماء آخرين في العالم، لا سيّما في الشرق الأوسط، لاتخاذه قراراته خطوة يحتذون بها.

اقرأوا المزيد: 220 كلمة
عرض أقل
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى تركيا ومقابلة الرئيس التركي أردوغان (AFP)
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى تركيا ومقابلة الرئيس التركي أردوغان (AFP)

اتفاقية كامب ديفيد مع المملكة السعودية؟ ما زال مبكرا

تثير التقارير حول تدخل إسرائيلي في الاتفاق بين السعودية ومصر عاصفة في العالم العربي، ولكن ليس هناك سبب حقيقي لإيقاف التنفس انتظارا لإقامة علاقات دبلوماسيّة بين الرياض وإسرائيل

قال المغرّد السعودي الذي يُسمي نفسه “المجتهد” في حسابه على تويتر إنّ السعودية اشترت طائرات من دون طيار من إسرائيل عن طريق جنوب إفريقيا. وفقا لكلامه، تسير العملية على النحو التالي: تمضي الطائرات من دون طيار وهي كاملة في طريقها إلى جنوب إفريقيا، وعند وصولها يتم تفكيكها إلى أجزاء، ومن ثم تُنقل إلى مصنع خاص في السعودية كان قد أقيم من أجل هذا الهدف، وفيه يُعاد تركيبها وتصبح كأنها من تصنيع محلي. هناك خبر هام ومثير لدى المجتهد: في إطار زيارة محمد بن سلمان إلى الأردن هذا الأسبوع، وهو نجل ملك السعودية والذي يتولى أيضًا منصب وزير الدفاع، التقى بمسؤولين إسرائيليين لتنسيق المواقف، ويشكل التخطيط لبناء جسر سيصل بين السعودية ومصر أرضية لإقامة علاقات بين المملكة والدولة الصهيونية.

إن تغريدات المجتهد موجهة بشكل عام ضدّ الأسرة المالكة السعودية وهو حريص على تحديث قرائه بكل فضيحة فساد في البلاط الملكي. حتى لو لم تكن تغريداته دقيقة، فهي تحظى بآلاف المتابعين والردود، وفي بعض الأحيان تُحدِث حوارا عابرا للحدود. ولكن تعزيز التقارب بين إسرائيل والسعودية لا يعتمد على تقارير المجتهد فقط. تصف مقالات نقدية في مصر ضدّ اتفاق نقل جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، الاتفاق باعتباره موافقة سعودية على اتفاقية كامب ديفيد، بل و “أخطر من ذلك” – فهو جزء من المؤامرة الصهيونية-الأمريكية-السعودية لتوسيع نفوذ إسرائيل في الشرق الأوسط.

لماذا هذا التوسيع؟ لأنّه وفقا للتقارير في الإعلام المصري، فإنّ موافقة إسرائيل على نقل الجزيرتين قد جاءت فقط بعد أن وافقت مصر والسعودية على أن تكون إسرائيل مُطلعة على كل مراحل إقامة الجسر وأن تُشارك في إدارته. من غير الواضح ماذا تقصد هذه التقارير بمصطلح “إدارة الجسر”، ولكن يكفي ذكر الشراكة الإسرائيلية والموافقة التي نشرتها إسرائيل عن التنسيق المسبق بينها وبين مصر كي تُحدث عاصفة في مصر.

زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى مصر ومقابلة الرئيس امصري عبد الفتاح السيسي (AFP)
زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الى مصر ومقابلة الرئيس امصري عبد الفتاح السيسي (AFP)

ومن أجل الدفاع ضدّ ادعاءات المنتقدين، نشرت الحكومة المصرية بشكل استثنائي وثائق تدل على أنّ الجزيرتين كانتا بملكية سعودية قبل تأجيرهما لمصر عام 1950، وأنّه بالمجمل فإنّ القضية هي إعادة ممتلكات إلى أصحابها. ولكن لا يوجد في هذه التقارير أي تلميح إلى أن السعودية قد التزمت بالتمسّك بشروط كامب ديفيد من أجل الحصول على موافقة إسرائيل.

فقد اكتفت السعودية ببيان علني ولكن يبدو أنّه قد سبقت هذا البيان محادثات مباشرة أو غير مباشرة بين ممثّلين سعوديين وإسرائيليين. ورغم أنه لا يزال مبكرا أن نوقف الأنفاس انتظارا لإقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، فليس هناك شكّ أن نقل الجزيرتين إلى السعودية، واعتراف المملكة باتفاقية كامب ديفيد، إلى جانب سيطرتها عليهما على مدخل البحر الأحمر، بموافقة إسرائيل، هي خطوات استراتيجية في غاية الأهمية، وأكثر بكثير من مجرّد “إعادة الممتلكات إلى أصحابها”.

تطرح هذه الخطوة السؤال التالي: من في المملكة يقرر السياسة الخارجية ومن يشكل مواقفها في التقلّبات التي تشهدها المنطقة. للوهلة الأولى، يبدو أنّ الملك سلمان البالغ من العمر 80 عاما هو صاحب الكلمة الأخيرة. ولكنه مريض ويعاني كما يبدو من الزهايمر أو من الخَرَف. قال الأشخاص الذين التقوا به من دون الكشف عن أسمائهم إنّه يعاني من فقدان التركيز في منتصف المحادثة، ويقول صحفيون عرب إنّ خطاباته مصاغة بحيث يمكنه استخدام مفردات محدودة فقط، وهو يعاني من مشاكل في الذاكرة قريبة الأمد، ويكرر الكلمات والجمل ذاتها كثيرا، أثناء ظهوره الجماهيري.

تويتر
تويتر

ومع ذلك، فهو لا يتجنب اتخاذ قرارات مثل شنّ الحرب في اليمن أو استراتيجيته في إقامة ائتلاف سنيّ ضدّ النفوذ الإيراني. ولكن أيضًا في هذه القرارات يعتمد الملك بقوة على رأي نجله محمد، الذي عيّنه في منصب وليّ وليّ العهد، ورغم أن هذه هي درجة واحدة أقل من وليّ العهد، الأمير محمد بن نايف، فالتوقعات هي أن يتبدّل هذا الترتيب قريبا. يدور الصراع الحقيقي في الأسرة المالكة على الوراثة، حيث إنّ كلا الشابين، الابن محمد البالغ من العمر 31 عاما ووليّ العهد محمد بن نايف البالغ من العمر 58 عاما، سيضطرّان إلى التنافس على قلب مجلس الوصاية (مجلس البيعة) المؤلف من 34 من أفراد الأسرة المالكة والذي يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات والموافقة على الملك القادم بعد وفاة الملك سلمان.

حتى ذلك الحين، يُلقي سلمان على نجله معظم المهامّ الدولية. لقد زار موسكو مرّتين، وأقام علاقات مهمة مع الإدارة الأمريكية التي تعتبره وليّ العهد، وقد التُقطت له صورا، هذا الأسبوع، وهو يعانق عبد الله ملك الأردن، كما لو كان أخاه الأكبر، وهو الذي نسج التحالف الإسلامي-السني ضدّ إيران.

إلا أنّه أيضًا لدى المملكة الغنية والتي تمسك برأس مصر فوق سطح الماء وشقّت الطريق أمام تركيا للانضمام إلى الشرق الأوسط العربي، لا يسير كل شيء كما هو مخطّط له. فعلى سبيل المثال لم تحقق الزيارة إلى مصر والزيارة فيما بعد إلى تركيا أثناء اللقاء مع أردوغان، واللتين كانتا تهدفان إلى التوصل، من بين أمور أخرى، إلى مصالحة تركية-مصرية لاستكمال التحالف السني، نتائجها. كان من المفترض أن يتم التطرق إلى هذه المصالحة يوم الجمعة الماضي (15.04)، أثناء اجتماع مؤتمر الدول الإسلامية في إسطنبول. أملَ الملك السعودي أنّ يكون الممثّل المصري في المؤتمر الرئيس السيسي، وأن يوافق الرئيس أردوغان على الاعتذار عن الانتقادات الشديدة التي وجّهها إلى السيسي خلال العامين الأخيرين. وقد تخيّل الملك سلمان أنه سيتعانق الاثنان، وينسيان الماضي.

زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز الى الأردن ومقابلة الملك عبد الله الثاني (AFP)
زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز الى الأردن ومقابلة الملك عبد الله الثاني (AFP)

ولكن السيسي يطالب بأكثر من الاعتذار. إنه يطالب أردوغان أن يطرد من تركيا قادة الإخوان المسلمين المصريين الذين وجدوا فيها ملجأ وأن يتوقف عن دعمه للحركة المعرّفة في مصر باعتبارها حركة إرهابية. ومن جهته يطالب أردوغان بإلغاء عقوبات الإعدام المفروضة على أعضاء الحركة في مصر وإطلاق سراح الرئيس المعزول محمد مرسي من السجن. ورغم الضغوط والإغراءات السعودية، فبالنسبة لكلا الطرفين تعتبر هذه شروطًا غير ممكنة. كانت النتيجة أنه تم اختيار وزير الخارجية سامح شكري ليكون الممثل المصري في مؤتمر الدول الإسلامية، وهو الذي قرأ خطاب السيسي مكتوبا وسافر فورا بعد ذلك عائدا إلى القاهرة من دون الحديث مع أردوغان.

سيعود 500 من مرافقي الملك سلمان إلى إسطنبول، والذين أجبروا الحكومة التركية على تجنيد أسطول من السيارات الفاخرة كي تقلّهم، مع الملك إلى الرياض من دون تحقيق النتيجة السياسية التي كانوا يأملون بها. سيضطر الملك سلمان إلى التعايش بسلام مع حقيقة أن المساعدة الاقتصادية، مهما كبر حجمها، لا تضمن خضوعًا سياسيا من قبل زبائن المملكة السعودية. وما ينطبق بخصوص الإدارة الأمريكية وعلاقتها مع إسرائيل ينطبق أيضًا على السعودية وعلاقتها مع مصر.

ولكن فشل الملك هذا لا يجعل مصر أو تركيا خصوما للسعودية. يوجد لدى كل واحدة منهما مصالح خاصة بها تلزمها بعلاقات وثيقة مع المملكة. ولكن لكل واحدة منهما، كما للسعودية، هناك مبادئ دبلوماسية وبالأخصّ سياسية، والتي تكبح في هذه اللحظة إمكانية بناء تحالفات استراتيجية واسعة.‎

فعلى سبيل المثال، لا يرضى العديد من الحركات في مصر بـ “الاستعباد” الاقتصادي المصري من قبل السعودية. إنها تخشى ألا يشجّع مثل هذا الاستعباد الحكومة المصرية على تخطيط برامج اقتصادية سليمة لإعادة بناء الاقتصاد. في تركيا تحديدا هناك رضًا عن التحالف الجديد مع السعودية، والذي سيتضمّن أيضًا استثمارات تجارية جيدة في البلاد. ولكن في الوقت نفسه، لا ترغب تركيا، التي تستضيف الآن طائرات حربية سعودية في مطار إنجرليك، في خسارة علاقاتها الاقتصادية المهمة مع إيران، وتأمل بمضاعفة حجم الإتجار معها بثلاثة أضعاف وأن يصل إلى أكثر من 30 مليار دولار. لن تستطيع السعودية أن تملي على تركيا من هم حلفاؤها، كما أنها لا تستطيع أن تملي على مصر أن تتصالح مع تركيا أو تشارك بشكل أكثر فعالا في الحرب باليمن.‎

وهناك أيضًا درس إسرائيلي مهم من تشابك العلاقات هذا. فلم تعدْ إسرائيل اللاعب الاستراتيجي الذي تتحرك حوله اللعبة الإقليمية. لقد حلّت إيران مكانها كتهديد استراتيجي للدول العربية، ولكن هذه ليست منظومة ذات علاقات واضحة يكون فيها أعداء إيران هم أصدقاء إسرائيل. فالسعودية ليست قريبة من استئناف العلاقات مع إسرائيل بفضل نقل الجزيرتين إلى أيديها، وكما أن مصر ليست قريبة من التطبيع مع إسرائيل بسبب التوتر بينها وبين تركيا. فلا تزال إسرائيل بمثابة العدوّ العالم العربي.

نشر هذا المقال لأول مرة في صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 1185 كلمة
عرض أقل
مقابلة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز برئيس مصر عبد الفتاح السيسي (AFP)
مقابلة ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز برئيس مصر عبد الفتاح السيسي (AFP)

قلق في إسرائيل من ترسيم “الحدود الجديدة مع السعودية”

نقل السيطرة على الجزيرتين المصريتين، تيران وصنافير، إلى السعودية يثير قلق المحللين: "التيار الأكثر تطرفا في الإسلام يسيطر على مدخل الميناء الجنوبي لإسرائيل"

رغم أن الملك سلمان قد عاد إلى السعودية، ولكن الفوضى التي أحدثها في مصر ترفض أن تُنسى، وتكتسح المنطقة بأكملها. منذ أن عُلم خبر نقل السيطرة على الجزيرتين، تيران وصنافير، إلى السيادة السعودية، وإقامة “جسر الملك سلمان” ليصل بين مصر والسعودية (في الواقع بين إفريقيا وآسيا)، لا يكف المصريون عن اتهام السيسي قائلين إنّه “باع بلاده” للسعوديين.

أصبح الهشتاغان ‏‎#‎عواد_باع_أرضه و #نفسك_تبيع_ايه_للسعوديه،‎ شعبيَين في وسائل التواصل الاجتماعي وتم تغريدهما عشرات آلاف المرات، وتظهر فيهما كلمات انتقادية أو رسوم كاريكاتيرية تسخر من استعداد السيسي القيام بكل شيء من أجل الحصول على المال السعودي. ولا يكف الإعلام المصري عن الانشغال في القضية، بل رفع شاب في ميدان التحرير لافتة تنتقد السيسي، محاولا أن يجذب إليه الحشود للمشاركة في مظاهرة، ولكن حتى الآن لم ينجح.

تويتر
تويتر

في إسرائيل أيضًا، أصبح الموضوع حديث الساعة في أوساط المحللين والخبراء في شؤون الشرق الأوسط. ففي البداية، تمت مناقشة الخوف من أنّ تسيطر السعودية – بعد نقل الجزيرتين، اللتين تقعان عند مدخل مضائق تيران – في الواقع على الحركة البحرية في “البوابة الجنوبية” لإسرائيل في ميناء إيلات. ومع ذلك، فقد أعلمت مصر إسرائيل مسبقا بنقل الجزيرتين وحصلت على موافقتها، كما تستلزم اتفاقات كامب ديفيد. ومع ذلك، فقد كانت مصر في الواقع ملزمة بموجب الاتفاقات بالملاحة الحرة في مضائق تيران، بخلاف السعودية، غير الملزمة بأي اتفاق تجاه إسرائيل.

تويتر
تويتر

ودعت عضو الكنيست الإسرائيلية، كسانيا سفاتلوفا، والتي كانت سابقا محللة الشؤون المصرية، إلى عقد جلسة طارئة في لجنة الخارجية والأمن حول “الحدود السعودية الجديدة لإسرائيل”: “نحن معتادون على التفكير أن عدوّ عدوّنا هو صديقنا، ولكن هل هذا هو الواقع حقا”؟ كما كتبت سفاتلوفا في صفحتها الرسمية على الفيس بوك. “السعودية دولة دينية تؤيد التيار الوهابي – الأكثر تزمّتا وتطرّفا من بين التيارات الإسلامية. وهو يشكّل إلهاما للتيارات “الجهادية”، وإذا كان هناك شيء يمكننا الاعتماد عليه في منطقتنا فهو التغيير المستمر. تدعم السعودية اليوم مصر وتقاتلان داعش معا. وفي الستينيات تحاربت كلتا الدولتين ضدّ بعضهما البعض… علينا أن نفكر في خطواتنا في الوقت المناسب حتى لا نتفاجأ سلبا بما يبدو الآن موضوعا عاديا تماما”.

بخلافها، كتب المحلل تسفي بارئيل في صحيفة “هآرتس”: “من أجل تهدئة إسرائيل أعلن وزير الخارجية السعودي أنّ بلاده ستنفذ جميع الالتزامات التي وقعت عليها مصر بخصوص الملاحة الحرّة. يمكن لهذا التصريح أن يكون كافيا، بالإضافة إلى أن السعودية تُعتبر حليفة الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص. ومن الممكن اعتبار ذلك اعترافا غير رسمي باتفاقات كامب ديفيد، والتي أدى التوقيع عليها إلى مقاطعة عربية ضد مصر. والسؤال الآن هو إذا ما كانت السعودية ستنفّذ أيضًا البنود التي تحظر وضع قوة عسكريّة في الجزيرتين، وخصوصا عندما تكسبها السيطرة عليها سيطرة على الذراع الشرقية من البحر الأحمر، والتي تؤدي أيضًا إلى ميناء العقبة. وتوفّر السعودية لهذا القلق الإسرائيلي (والأردني) حلا وهو بناء جسر يصل بين مصر والسعودية. إذا تم بناء الجسر حقا… فسيشكّل دائما “رهينة” ضدّ كل محاولة للمسّ بحرية الملاحة”.

اقرأوا المزيد: 447 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري أنور السادات (AFP)
الرئيس المصري أنور السادات (AFP)

لحظات الشجاعة: وصول السادات إلى إسرائيل وخطابه في الكنيست

بعد 30 عامًا من العداء بين إسرائيل العالم والعربي، فاجأ الرئيس المصري السابق أنور السادات البرلمان المصري والشعب معلنا أنه مستعد لزيارة إسرائيل، والدعوة الرسمية من الحكومة الإسرائيلية لم تتأخر

19 نوفمبر 2014 | 11:32

في مثل هذا اليوم، 19 من نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، هبطت طائرة الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، في مطار بن غوريون في تل أبيب، في لحظة تاريخية طوت صفحة الحروبات بين مصر وإسرائيل. ومن ثم قام بزيارة البرلمان الإسرائيلي وخاطب نوابه مثبتا أن السلام في الشرق الأوسط ممكن، لكنه بحاجة إلى زعماء شجعان.

وكان السادات قد فجّر في 9 تشرين الثاني 1977، قنبلة دبلوماسية حين كان يخطب أمام أعضاء مجلس الشعب المصري: ‏‎”‎ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم”. وبالفعل، دُهشت إسرائيل والعالم كلّه من استعداد الرئيس المصري للذهاب إلى إسرائيل. بين الذين أصيبوا بالذهول رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عرفات، الذي كان يجلس في القاعة وقت الخطاب، واستصعب تصديق ما سمعته أذناه.

ولم تتأخر الدعوة الرسمية من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك، مناحم بيجن. وفي العشرين من تشرين الثاني، هبطت طائرة الرئيس المصري في إسرائيل.

“قد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام”، قال الرئيس المصري حين وقف أمام أعضاء الكنيست.

وقبل أربع سنوات وشهر واحد من إلقاء خطابه، قاد السادات الهجوم الكبير والمنسَّق بين الجيشَين المصري والسوري ضدّ إسرائيل، هجوم أدّى إلى وفاة آلاف الإسرائيليين، المصريين، والسوريين.

وتطرّق السادات إلى حرب 1973 كأحد أسباب زيارته: “قد كان بيننا وبينكم جدار ضخم مرتفع، حاولتم أن تبنُوه على مدى ربع قرن من الزمان. ولكنه تحطم في عام ‏‎1973″. يُفترَض أنّ الإسرائيليين لم يستحسنوا سماع هذه الأقوال، إذ كانوا لا يزالون يعانون من مخلّفات الحرب.

قال السادات إنه يعترف بوجود دولة إسرائيل كواقع، ولذلك فهو مستعدّ لعقد تسوية معها، لكنه لم يعترف بها كـ”دولة يهودية”. فقد قال: “ولقد أعلنت أكثر من مرة، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، اعترف بها العالم، وحملت القوَّتان العُظميان مسؤولية أمنها وحماية وجودها. ولما كنّا نريد السلام، فعلاً وحقًّا، فإننا نرحب بأن تعيشوا بيننا، في أمن وسلام، فعلاً وحقًّا”‏‎.‎

ورغم الاعتراف المؤوّل بإسرائيل، كان ما طلبه الرئيس المصري أمام الإسرائيليين واضحًا لا لبس فيه، جازمًا: “هناك أرض عربية احتلتها، ولا تزال تحتلها، إسرائيل بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربية”‏‎.‎

اقرأوا المزيد: 328 كلمة
عرض أقل
أنور السادات, مناحم بيجن وجيمي كارتر في كامب ديفيد (Wikipedia)
أنور السادات, مناحم بيجن وجيمي كارتر في كامب ديفيد (Wikipedia)

36 عامًا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد

قبل 36 عامًا وقّعت إسرائيل ومصر على اتفاقية كامب ديفيد، التي أرست السلام بين الدولتين، وهي الاتفاقية التي تحافظ على الشرق الأوسط من الانهيار التام رغم السلام "البارد"

في هذا اليوم تحديدًا، قبل 36 عامًا، حدث تطوّر كبير في تاريخ الشرق الأوسط المليء بالأحداث، وذلك حين وقّعت القوّتان العظميان في الشرق الأوسط، إسرائيل ومصر، في كامب ديفيد الأمريكية على الاتفاق الإطاري للسلام بين الدولتين.

خلال 36 عامًا مرّت من ذلك الحين، كان السلام بين إسرائيل ومصر بين صعود وهبوط، ولكن المصلحة القوية لكلا البلدين في الحفاظ على الاستقرار حافظ على السلام، وفي الأيام التي شهد فيها الشرق الأوسط الكثير من الاضطرابات، فإنّ أحد الأمور الأكثر استقرارًا في المنطقة هو السلام الإسرائيلي – المصري.

السادات يزور إسرائيل

حتى موعد توقيع الاتفاقية، كانت إسرائيل ومصر عدوّتين مريرتين وقاسيتين. منذ إعلان استقلال دولة إسرائيل عام 1948، نشأت بين إسرائيل ومصر معارك وحروب قاسية ومريرة، وعلى رأسها حروب 1948، 1967 و 1973. كان التوتّر على الحُدود الإسرائيلية – المصرية كبيرًا، دفع الجنود بل والمدنيّون حياتهم خلال الحروب وبينها، واضطرّت الدولتان إلى استثمار موارد كبيرة للحفاظ على الحُدود غير المستقرّة، من أجل حماية أراضيهما.

جاء التحوّل الدراماتيكي في العلاقات بين البلدين مع تصريحات علنية في تشرين الثاني عام 1977 لزعيميّ كلا الدولتين، أنور السادات ومناحم بيجن، حول نيّة السادات بزيارة إسرائيل. بعد عدة أيام من ذلك، هبط السادات في إسرائيل وتلقّى ترحيبًا حارّا من بيجن، وبدأ الاثنان فورًا بالتفاوض للتوصّل إلى اتفاق دائم.

صاحبت المفاوضات صعوبات كثيرة، وفي النهاية، في 17 أيلول عام 1978، وقّع كلا الطرفين على اتفاقية كامب ديفيد، التي كانت الاتفاق الإطاري للسلام. بعد عشرة أيام من ذلك وافق الكنيست الإسرائيلي على الاتفاقية، وبعد نحو نصف عام من ذلك، في آذار 1979، وقّع كلا الزعيمين على اتفاقية السلام التاريخية.

مناحيم بيغن وأنور السادات في حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
مناحيم بيغن وأنور السادات في حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

تداعيات الاتفاقية

كسب كلا الطرفين كثيرًا من الاتفاقية. تتلقّى مصر، منذ توقيع الاتفاقية وحتى اليوم، معونة اقتصادية وعسكرية على نطاق هائل من الولايات المتحدة، والتي لا يتوقّف تدفّقها للحظة وتشكّل بالنسبة للبلد أنبوب أكسجين مهمّا جدّا.

كل من إسرائيل ومصر، خصّصت – تدريجيّا – موارد أقلّ من أجل الحفاظ على الحدود المتوترة. خلال 30 عامًا من استقلال إسرائيل خاض الطرفان كما ذكرنا ثلاثة حروب صعبة بالإضافة إلى القتال الذي لا يتوقف، ممّا أدى إلى زيادة التوتّر وعدم الاستقرار على الحدود وتطلّب من الدولتين تخصيص موارد كبيرة للحفاظ عليها، والتي تشمل من بين أمور أخرى دماء أبنائهم.

وبالطبع، قبل كلّ شيء، كانت شبه جزيرة سيناء. 61,000 كيلومتر مربع (تقريبًا 3 أضعاف مساحة إسرائيل)، والتي قامت إسرائيل باحتلالها خلال حرب 1967، تمّت إعادتها إلى مصر. ومن أجل ذلك اضطرّت إسرائيل إلى إخلاء عدد من البلدات الإسرائيلية، التي أقيمت على أراضي سيناء.

فتحت اتفاقية السلام أيضًا السياحة الإسرائيلية إلى مصر. سافر العديد من الإسرائيليين للسياحة في المواقع التاريخية في مصر بالإضافة إلى القاهرة، واعتاد العديد من الإسرائيليين كذلك على قضاء عطلة في سيناء الهادئة. ولكن في عام 2004 جرت سلسلة من الهجمات الإرهابية ضدّ إسرائيليين في سيناء، وقلّصت تدريجيّا من عدد السياح الإسرائيليين في سيناء، وصولا إلى درجة صفرية كما هو الحال اليوم.

شبه جزيرة سيناء (Wikipedia)
شبه جزيرة سيناء (Wikipedia)

عهد جديد

حدّدت اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر عهدًا جديدًا في الشرق الأوسط. لن يقاتِل الجيشيْن الأكبر في المنطقة بعضهما البعض بعد ذلك. لقد تمّ توقيع الاتفاقية بين زعيمين قويّين، وبدأت بالتعرّض للتجارب الحقيقية بعد أن أخلى هؤلاء الساحة الدولية.

المرة الأولى التي تمّ فيها تجريب الاتفاقية هي في فترة الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 1982. تمّ تفعيل ضغوط كبيرة جدّا على الرئيس المصري، حسني مبارك، مع اندلاع الحرب، والذي حلّ مكان السادات الذي اغتيل، من أجل إلغاء اتفاقية السلام. لقد وضعت اضطرابات أخرى في المنطقة أيضًا، مثل الانتفاضة الفلسطينية، الاتفاقية قيد الاختبار.

ومع ذلك، فإنّ اتفاقية السلام كانت “اتفاقية حديدية” بالنسبة لكلتا الدولتين. حتى في الفترة التي سيطر فيها الإخوان المسلمون في مصر، احترم محمد مرسي الاتفاقية وأدار اتصالات غير مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية.

وقد أثبتت الوساطة المصرية بشكل أساسي خلال عملية “الجرف الصامد”، والتي تمّت في الصيف الأخير، بشكل قاطع أنّ الرئيس الحالي لمصر، عبد الفتّاح السيسي، يرى في إسرائيل أكثر من مجرد صديق إقليمي. علاوة على ذلك، فخلال المحادثات بين الجانبَين الإسرائيلي والفلسطيني سُمع الكثير من الشكاوى من قبل الفلسطينيين بأنّ السيسي في الواقع “منحاز” لصالح الإسرائيليين.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (EBRAHIM HAMID / AFP)

اليوم

اليوم، بعد 36 عامًا من توقيع اتفاقية كامب ديفيد، من الواقع دون شكّ أنّ اتفاقية السلام تخدم كلا الطرفين، ولديهما مصلحة واضحة في الحفاظ عليها. إنّ الوضع الاقتصادي في مصر صعب جدّا اليوم، وهي لا يمكن أن تسمح لنفسها بتخصيص موارد لحروب لا داعي لها. بالإضافة إلى ذلك، في الأيام التي ليبيا فيها محطّمة، والسودان مقسّمة وقطاع غزة هو مكان يتعرّض للضرب وميؤوس منه، فإنّ مصر في أمسّ الحاجة إلى الاستقرار وإلى الأصدقاء الأقوياء بجانبها، مثل إسرائيل.

وهناك جوانب سلبية للاتفاقية أيضًا. يعتبر السلام سلامًا “باردًا”، لأنّه لا يشمل بداخله تعاونًا ثقافيًّا ومبادرات اقتصادية مشتركة. لا يزال الكثير من المثقّفين المصريين يقاطعون إسرائيل. ليس هناك سيّاح مصريّون في إسرائيل وتغطّي وسائل الإعلام المصرية إسرائيل في غالب الأحيان بشكل عدائيّ وليس موضوعيّا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نظريّات تقول إنّه وفقًا للإسلام، فليس هذا سلامًا دائمًا وإنما هدنة طويلة الأمد. ولكن، كلّما مرّت السنين وتم الحفاظ على الاستقرار، ازدادت بذلك قوة الاتفاقية وتراجعت احتمالات إلغائها.

بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الاتفاقية نجاحًا كبيرًا جدًا. أدّت الاتفاقية – التي أنهت تمامًا حالة الحرب بين البلدين – بالدرجة الأولى إلى إنقاذ حياة الآلاف، إنْ لم يكن عشرات الآلاف من الناس، من الجانبين معًا. باستثناء حوادث قليلة لانتهاكات محليّة في إطلاق النار، والتي نشأت عن مبادرات فردية مع قضايا شخصية ما، فإنّ كلا الطرفين يلتزم بالحفاظ على الهدوء والأمن المتبادل.

يسير الكثير من الناس اليوم في شوارع القاهرة وتل أبيب، دون أن يعرفوا بأنّهم يمارسون حياتهم اليومية، وأنهم على قيد الحياة، بفضل اتفاقية السلام. ولكن كما ذكرنا، فإنّه سلام “بارد”، على الرغم من أنه في الأيام التي يمرّ فيها الشرق الأوسط باضطرابات كثيرة، يمكن تعريف الحفاظ على الهدوء والسلام بين إسرائيل ومصر باعتباره أحد الأمور الأكثر استقرارًا في الشرق الأوسط.

الاعلام في معبر طابا الحدودي (MARWAN NAAMANI / AFP)

اقرأوا المزيد: 883 كلمة
عرض أقل
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)
حفل توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلة المصرية (AFP)

النضال من أجل السلام، ومحاربة الكآبة – حياة بيجن

قبل 22 عامًا، وافت المنية مناحيم بيجن، رئيس الحكومة وقت توقيع اتّفاق السلام التاريخ مع مصر. فهل قاد المسار، أم اقتيد للتوقيع عليه خلافًا لوجهة نظره؟

مرّ 22 عامًا على وفاة مناحيم بيجن، الرجل الذي وقّع باسم دولة إسرائيل على أوّل معاهدة سلام لها مع دولة عربية. كان بيجن تحديدًا، اليمينيّ الصريح – أوّل رئيس حكومة يمينيّ في إسرائيل – أوّل مَن تنازَل عن أراضٍ احتلتها إسرائيل مقابل معاهدة سلام، إذ وقّع عام 1978 على اتّفاق كامب ديفيد، الذي اشتمل على انسحاب إسرائيلي تامّ من سيناء.

اليوم، يبدو أنّ بنيامين نتنياهو، الذي يترأس الحزب الذي أسسه بيجن، يسعى ليكون أكثر شبهًا ببيجن اليمينيّ والقوميّ، لا ببيجن المتنازِل والتسووي – رغم أنّ التاريخ يمكن أن يبرهن عكس ذلك. يُطرَح السؤال: هل بيجن هو الذي قاد إلى معاهدة السلام التاريخية مع مصر، أم إنّ الظروف هي التي دفعته إلى هناك؟

الرئيس الاميريكي جيمي كارتر ومناحم بيجن
الرئيس الاميريكي جيمي كارتر ومناحم بيجن

يتّفق المؤرّخون على كون مناحيم بيجن رجلًا عانى من الكآبة. ومن المعروف اليوم أنه تناول في فتراتٍ معيّنة من حياته أدوية لمعالجة الكآبة. ادّعى العالم النفسي عوفر غروزبرد، الذي وضع سيرة حياة لبيجن ركّزت على نفسيّة القائد، في كتابه أنّ كلّ الحياة العامّة لبيجن تميّزت بحلقات تراوحت بين الهبوط والانعزال وبين لحظات النصر والكبرياء.

وفق غروزبرد، رافقت الكآبة بيجن منذ مقتل والدَيه من قِبل النازيين في أربعينات القرن العشرين. وفي باقي حياته، كان معتادًا أن يستجيب للهزائم والأزمات بالغرق في الكآبة. فهكذا كان ردّ فعله عند تفكيك تنظيم “الإيتسل” السري الذي ترأسه عام 1948، عند هزائمه في الانتخابات للكنيست، حين مرّت المحادثات مع بأزمات، وحينَ تظاهر معارِضون خارج بيته، ودعوه إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة.

مبادرة السادات، مُصادَقة شارون

كان أنور السادات، لا بيجن، المبادِر الفعليّ إلى عملية السلام، حين قرّر بشكل مفاجئ زيارة القدس في تشرين الثاني 1977. حتّى تلك اللحظة، كان بيجن يفضّل التمسّك بمواقفه حول حقّ إسرائيل في الاحتفاظ بكلّ الأراضي التي احتلّتها في حرب الأيام الستة عام 1967. “مَن لا يعترف بحقنا في الوطن كله لا يعترف أيضًا بحقّنا في قسم من أراضيه”، قال بيجن حول حقّ السيطرة على جميع أقسام “البلاد”.

من الظلم القول إنّ شخصية بيجن وموقفه المتصلب لم يلعبا دورًا هامًّا في التوصُّل إلى اتّفاق سلام. فالسادات، الذي أدرك كون بيجن زعيم اليمين في إسرائيل دون منازِع، أدرك أنه هو – وهو وحده – مَن يستطيع إقناع الإسرائيليين بالانسحاب من أراضٍ مقابل اتّفاق سلام حقيقيّ.

لكن دون الوزراء في حكومة بيجن: موشيه ديان وزير الخارجية، عيزر وايزمان وزير الدفاع، وأريئيل شارون وزير الزراعة، كان هناك شكّ في أن يمتلك بيجن الشجاعة التاريخية لاتّخاذ قرار حاسم بالانسحاب التامّ من شبه جزيرة سيناء. كان ديان ووايزمان مَن أدارا معظم المفاوضات مع المصريين. لم يشعر السادات نفسه بودّ كثير تجاه بيجن، الذي كان يبدو له محاميًا شديد التدقيق من أصول أوروبية شرقيّة. مقابل بيجن، كان ديان ووايزمان عسكريَّين عريقَين، ما أثار احترام السادات وإعجابه.

لم تُفارق الكآبة بيجن في تلك الفترة أيضًا. يروي عيزر وايزمان، الذي كان وزير الدفاع في حكومة بيجن الأولى، حول الطريقة التي أدار فيها بيجن المفاوضات مع مصر: “أتى إلى النقاشات بمزاج سيّء. أظهر لامبالاة بما يجري. لم يتدخّل في الجدالات، ولَم يفرض النظام على المُتحاوِرين… كانت عيناه مركّزتَين على مكانٍ ما غير معروف. سادت الشائعات أنّ الأدوية تغلّبت عليه. ثمّ سُرّبت شائعات أكثر حول أنّ بيجن في مزاج سيء جدًّا، وأنه يمكن أن يستقيل”. وفيما سيطرت الكآبة والتشاؤم على بيجن، تحمّل ديان ووايزمان عبء التفاوُض.

عيزر وايزمان وموشيه ديان في كامب ديفيد (AFP)
عيزر وايزمان وموشيه ديان في كامب ديفيد (AFP)

عام 1978، قبل التوقيع على اتّفاق كامب ديفيد الذي حدّد مبدئيًّا انسحاب إسرائيل من سيناء، استصعب بيجن إخلاء المستوطَنات الإسرائيلية في منطقة جنوب وغرب رفح. فقط بعد محادثة هاتفية مع وزير الزراعة أريئيل شارون، الذي اعتُبر حينذاك “أبا المستوطنات”، وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووقّع على الوثيقة. كان بيجن بحاجة لـ”مصادقة” شارون للموافقة على إخلاء المستوطنات من سيناء.

الغياب النهائيّ

أدّى اتّفاق السلام مع مصر إلى تغيير تاريخيّ، لكنّ كآبة بيجن لم تختفِ.أدّى الدمج بين وفاة زوجته عليزة وتورُّط إسرائيل في حرب لبنان الأولى عام 1982، عملية انجرّ إليها بيجن وراء شارون المخادِع الذي كان حينذاك وزير دفاعه، إلى دفع رئيس الحكومة ثمنًا نفسيًّا باهظًا.

التقى رئيس الدولة حينذاك، إسحاق نافون، ببيجن وأصيب بصدمة. “أصبتُ بالذعر حقًّا”، روى نافون انطباعه عن بيجن. وأضاف: “الرجل عاجز عن الأداء، إنه مشوَّش… رئيس الحكومة لا يفعل شيئًا، الوزراء صامتون، والدولة بين يدَيه”. في نهاية المطاف، أدرك بيجن أنه لا يستطيع مواصلة تحمّل مسؤولية رئاسة الحكومة ما دام يعاني من الكآبة. “لا يمكنني بعد”، قال لوزراء حكومته حين علّل لهم استقالتَه عام 1983، ورفض التوسُّع في ذلك.

قضى بيجن السنوات التسع التي مرّت منذ استقالته حتّى وفاته عام 1992 معزولًا في منزله، ومُقلًّا من الحديث مع الناس. لم يفارِق منزله سوى لزيارة قبر زوجته الراحلة، أو لإجراء فحوص طبيّة. اشتاق الشعب إلى الزعيم ذي الكاريزما، وندب غيابَه، لكنّ بيجن كان مصمّمًا على عدم العودة. حتّى اليوم، يذكر الإسرائيليون بيجن كزعيمٍ شُجاع وقويّ، أحرز معاهدة سلام مع مصر، مفضِّلين عدم تذكّر الرجل الذي غرق في سوداوية مفرطة، وهبط دفعة واحدة عن منصة التاريخ.

اقرأوا المزيد: 740 كلمة
عرض أقل