اتحاد ثوّار حمص

نساء مجاهدات (AFP)
نساء مجاهدات (AFP)

جهاد، نساء وجنس

الكتائب النسائية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تثير جدلاً واسعًا بمسألة ماهية الأسباب التي تقود النساء للانضمام إلى الميليشيات العنيفة. هناك من يفعلن ذلك لئلا يتعرضن للاغتصاب، وأخريات للسيطرة على مصيرهن

قد تترك التقارير الواردة في الفترة الأخيرة، عن انضمام النساء لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش سابقًا)، صدمة. ما الذي يجعل النساء يلتحقن بصفوف تنظيم ديني متطرف، وهو التنظيم الذي يدعو إلى تأسيس نظام متشدد يصادر حقوق المرأة، ولا يتوانى عن التعامل تعاملا عنيفًا مع المواطنين الأبرياء بمن فيهم النساء والفتيات الصغيرات؟

نساء مجاهدات (AFP)
نساء مجاهدات (AFP)

عمومًا، من المعروف اليوم أن من يقود الحركة الجهادية هم رجالُ مسلمون أخذوا على عاتقهم محاربة الكفار (غير المسلمين) الذين يحتلون بلاد الإسلام أو ضد الحكام المسلمين الفاسدين.

عرف القليلون فقط، حتى الآن، عن مشاركة النساء في الجهاد والحرب المقدسة واقتصرت وظيفة النساء على الجانب المعنوي. النساء هن اللواتي يحملن في أرحامهن الجيل القادم من الجهاديين، الذي سيقاتل ضد أمة الكفار أو الحكام الفاسدين في بلاد الإسلام.

أخذ موضوع النساء والجهاد النسائي انعطافة جديدة مع تصدّر اسم تنظيم الدولة الإسلامية العناوين وظهرت الكثير من المعاني لحقيقة انضمام النساء للمجموعات الإرهابية المختلفة. بشرت الحرب في سوريا كذلك بظهور عصر جديد، عصر فيه تحوّلت النساء أيضًا ليكن ناشطات وفعالات في نضالهن ضدّ حكم الكافر بشار الأسد.

نساء “الدولة الإسلامية” (داعش)

أورد الموقع الإخباري Syria Deeply؛ وهو الموقع الذي يغطي الحرب في سوريا، قبل شهر تقريرًا عن أنه في مدينة الرقة، وهي المعقل الرئيسي للتنظيم السني المتطرف؛ الواقع في شمال شرق سوريا، عن وجود نشاطات لكتائب نسائية تجوب الشوارع وتضرب نساء أُخريات. “أنشأنا كتيبة لرفع درجة الوعي الديني لدى النساء، ولمعاقبة النساء اللواتي لا ينصعن للقانون. الجهاد لا يقتصر على الرجال فقط. على النساء أيضًا القيام بواجبهن”، هذا ما قاله أبو أحمد وهو أحد المسؤولين في التنظيم، “تقتصر هذه الوحدة على النساء فقط وخصصنا منشآت خاصة بهن فقط، لمنع أي لقاء بين الرجال والنساء”.

باتت وسائل الإعلام العربية مؤخرًا تورد تقارير تتحدث عن انضمام شابات في صفوف الجهاديات في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية.‎ أوردت صحيفة الشرق الأوسط في شهر كانون الثاني من هذا العام تقريرًا يتحدث عن تشكيل لوائين من النساء المقاتلات، الأول تحت اسم “الخنساء” والثاني “أم الريان”، واللذين يضمان شابات عزباوات من عمر 18 حتى 25 عامًا. وتشير التقارير إلى أن التنظيم يدفع للمقاتلات راتبًا بمبلغ 25 ألف ليرة سورية (170 دولار أمريكي). ويقول التقرير نقلاً عن أبي حمزة، وهو ناشط محلي، إن كتيبة “الخنساء” اقتحم مدرسة في المدينة وقام بتوقيف طالبات ومعلمات لم يكن يرتدين الزي اللائق، أي الحجاب.‎ تم اقتياد الموقوفات إلى سجن “الدولة الإسلامية” حيث تم جلد بعضهن من قبل المقاتلات.

إن دوافع انضمام النساء لصفوف التنظيم متنوعة. قد تكون هناك أهمية أكبر، بالنسبة للنساء في مناطق الصراع، لمسألة الأمن الشخصي مقابل مسألة تحقيق المساواة الجندرية. تلتحق النساء بصفوف مقاتلي الدولي الإسلامية لنفس السبب الذي يجعل الرجال يلتحقون بصفوف ذلك التنظيم. تعيش النساء في مجتمع تقليدي، تحت تهديد دائم بخصوص هويتهن الإثنية، الدينية والسياسية، وعادةً هذه التهديدات تحديدًا وليس القمع الجندري الذي عايشنه هو الذي يجعلهن يحملن السلاح.

تتجند النساء لكتيبة “الخنساء” التابع للدولة الإسلامية، على الأغلب، نتيجة التمييز ضدهن كمسلمات من المذهب السني. نجحت نداءات، من مصادر مجهولة والتي دعت النساء للتطوع في الحرب نصرةً للخليفة الإسلامي، بأن تجنّد نساء من مناطق بعيدة.

النساء الجهاديات في سوريا

نساء مجاهدات (AFP)
نساء مجاهدات (AFP)

بينما لا تمنع الشريعة الإسلامية النساء من العمل خارج بيوتهن، تأتي الشريعة السنية لتحدد أن البيت هو مكان النساء، المكان الذي يمارسن فيه نشاطهن وإيمانهن. ربما جعلت وحشية نظام الأسد الكثير من النساء يتحدين ذلك الدور التقليدي الذي أوكل إليهن وجعلهن يلتحقن بصفوف المجاهدين. التحقت العديد من النساء بصفوف المقاتلين – من حلب؛ شمال سوريا، من القلمون جنوبًا، ومن البوكمال في شرق سوريا ومن حمص في وسط البلاد.

تشكلت أول كتيبة للنساء في العام المنصرم في منطقة حمص وتحديدًا بعد مجزرة الحولة التي مات فيها 108 أشخاص على الأقل، منهم 34 امرأة و 49 طفلاً. ترفض، جبهة النصرة؛ وهو تنظيم تابع للقاعدة يقاتل في سوريا وتعتبره الأمم المتحدة تنظيمًا إرهابيًا، رفضًا تامًا انضمام النساء ومشاركتهن بالقتال. إلا أن غالبية الجهاديين يقدرون جدًا ألوية النساء.

رغم أن تأثير النساء على البناء القيادي محدود والإنجازات العسكرية التي يمكنهن تحقيقها هي غير واضحة، يبقى للنساء تأثير على الروح المعنوية للمقاتلين. تقدّم النساء عمومًا العلاج الطبي وتهتم بأمور توفير الطعام وتأمين الملاذ الآمن وفي أحيان معينة يشاركن مع القوات المقاتلة.

https://www.youtube.com/watch?v=xV3ZJL3V7ec

يبدو أن النساء هن أكبر ضحية لازدياد التعصب الديني بعد الربيع العربي. لكن النساء المقاتلات يقلن أن هذه النتيجة ليس سببها ازدياد التطرف الإسلامي بين الجهاديين، بل ما يدفعهن للانضمام لصفوف المجاهدين هو قتالهن ضد النظام وحماية أنفسهن منه. يدعي بعض الألوية النسائية في سوريا أنهم مستقلون بينما تعمل وحدات أخرى كوحدات بديلة داخل كتيبة للرجال مثل “كتيبة الإخلاص”.

لم تختر النساء في سوريا حمل السلاح. تدعي كثيرات منهن أنهن اضطررن للالتحاق بصفوف المقاتلين والقتال. على سبيل المثال لواء النساء السوريات “أمنا عائشة” على اسم الزوجة الثالثة للنبي التي خرجت لتقاتل بالقلم والسيف للدفاع عن رسالته‎. تُعتبر عائشة بطلة بالنسبة للإسلام السنة وتسمية كتيبة تيمنًا باسمها جاء ليؤكد الخلاف الديني بينهم وبين الشيعة الذين لا يحبونها لأنها شاركت في معركة الجمل (656 ميلادي) ضدّ علي بن أبي طالب الذي يعتبره الشيعة البديل القانوني الأول نظرًا لعلاقة الدم التي تربطه بالنبي.

تتكون كتيبة “أمنا عائشة” أساسًا من طالبات جامعيات من كافة أرجاء البلاد، وتدعي المقاتلات فيها “أنهن يقاتلن في الخنادق ذاتها” مع المجاهدين من الجيش السوري الحر. يقوم بتدريب الكتيبة مقاتلون من المجاهدين المرتبطين بتنظيمات متطرفة. تحمل المجنّدات في الكتيبة أسلحة خفيفة.

هناك كتيبة نسائية أخرى تحمل اسم “بنات الوليد” في حمص، والتي ذكرت على اليوتيوب بأن مهمتها هي “علاج الجرحى، مساعدة اللاجئين والمتضررين” وإحراج النظام من خلال توثيق الجرائم التي يرتكبها. أطلق اسم الكتيبة عليها تيمنًا بـ “خالد بن الوليد”، من صحابة النبي وهو الذي قاد جيش النبي بشجاعة وحقق له الانتصارات.

تتدرب بنات الوليد فيما بينهن على استخدام السلاح الذي وظيفته إبعاد “عصابات الأسد” وحماية أنفسهن من الجرائم الجنسية التي يرتكبونها. إن جرائم الاغتصاب – وليس الضجيج ودوي الانفجارات – هي السبب وراء هرب اللاجئين السوريين إلى الأردن ولبنان، هذا ما صرحت به منظمة مساعدات دولية.

لعبت النساء دورًا هامًا وأساسيًا خلال موجة الاحتجاجات وتغيير أنظمة الحكم التي اجتاحت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بدءًا من النشاط على شبكة الإنترنت ووصولاً إلى المشاركة بالمظاهرات. حضورهن في الثورة السورية هو عسكري أكثر، إنما معظمهن ينشطن من وراء الكواليس. ربما كانت الحرب الأهلية في سوريا هزة أرضية سياسية وأمنية إنما حضارية أيضًا، حيث تتحدى التقاليد المحافظة التي خص بها الإسلام المرأة.

اقرأوا المزيد: 967 كلمة
عرض أقل
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)
مقاتلو جبهة النصرة (AFP)

المعارضة السورية – نظرة من إسرائيل

حوار مع رجل الاستخبارات، أفيف أورج، عن القوى الفاعلة على الساحة السورية وخلفيتها

29 مايو 2013 | 15:15

ننشر مقابلة أجريناها مع الرائد (ميجور متقاعد) أفيف أورج، رئيس قسم أبحاث “القاعدة والجهاد العالمي” في الاستخبارات العسكرية في جيش الدفاع الإسرائيلي في السابق، واليوم مدير عام شركة “سيفايت” (Ceifit) للاستشارة في مجالات الإرهاب والجهاد العالمي. ويفسر لنا الرائد أورج خلال المقابلة إلى أي مدى الحرب الأهلية في سوريا معقّدة، كاشفا النقاب عن معلومات جديدة عن طابع المنظمات المشاركة في الاحتراب ضد نظام الأسد وفعالياتها.

نص المقابلة:

الحلبة السورية
كل من تابع تطوّر الحرب الأهلية في الدولة المقسّمة، سوريا، كان من الصعب عليه عدم الانتباه إلى أنه طرأت تغييرات كثيرة على أسلوب القتال، قياداته وأحجامه والقوة التي يُدار بها القتال اليوم: “قادة النضال والمظاهرات ضد النظام كانوا في بداية الثورة السورية مواطنين سوريين قلقين من الأوضاع الاقتصادية – الاجتماعية. شهدت سوريا في السنوات الأخيرة تطوّرات تمدّنية متسارعة، الخروج من القرى إلى ضواحي المدن السورية. إذ حكمت مراكز المدن السورية نخب اجتماعية واقتصادية قوية، داعمو الأسد. ولم يهنأ المهاجرون الجدد من الإصلاحات الاقتصادية ومن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي اتبعها الأسد منذ العام 2005، فانطلقوا باحتجاجات شعبية. حاول النظام السوري نظرًا لاعتباراته الخاصة، ومنذ بادئ الطريق أن يصوّرهم كجهاديين ينتمون إلى رجال القاعدة وبدأ بقمع هذه الاحتجاجات قمعًا قاسيًا وعنيفًا. في واقع الأمر، لم يكونوا كذلك، بل كانوا مواطنين قلقين كانوا قد خرجوا احتجاجًا على الفقر والبطالة. بدأ الوضع بالتدهور وباشرت عناصر جهادية من كل الدول العربية بالدخول إلى سوريا بسبب تزعزع أركان النظام” يقول أورج.

يصعب اليوم تحليل طابع، عدد، وطرق نشاط المجموعات المختلفة المشاركة في الاحتراب ضد الأسد تحليلا دقيقًا، وذلك بسبب كثرتهم، كثرة الأجندات السياسية والدينية، وعدد لا يحصى من المصالح المشتركة والمتضاربة بينهم وبين أنفسهم. ورغم ذلك، يمكننا رسم محور يتيح لنا أن نربط به انتماءات المجموعات المختلفة. يمتد هذا المحور بين المجموعات الوطنية السورية من جهة، والمجموعات التابعة للحركات السلفية – الجهادية من الجانب الآخر، وتدخل في هذا المجال مجموعات مستقلة ومجموعات إسلامية سلفية.

محور المعارضة السورية للأسد

تثبت المعلومات المتوفرة في وكالات الاستخبارات المختلفة في العالم، المعلومات المتوفرة للجمهور والمنتشرة على صفحات الإنترنت، والمواد الأكاديمية التي تنشر بين الفينة والأخرى مدى البلبلة في تشخيص المجموعات، نشاطها، قدراتها العسكرية، أهدافها، والتزامها لسوريا ككينونة واحدة، أو كعدة كينونات، وبالتالي يجب النظر إلى هذه المعلومات المتراكمة بتحفظ، آخذين بعين الاعتبار أن هذه التطوّرات هي ديناميكية ومتغيّرة.

ويضيف أورج: “إن تقدير عدد المقاتلين في كل مجموعة هو مهمة صعبة بشكل خاص. غالبية الحركات تدعو نفسها كتيبة، كتائب، أو لواء. رغم أن هذا كفيل بتوفير دلالة للحجم – كتائب ترمز إلى أن المجموعة هي أكثر من وحدة واحدة، بينما لواء يدلّ على “كتائب” عدة موجودة ضمن مبنى قيادة “لواء” أكبر – عمليًا تستخدم هذه الكلمات بشكل ركيك جدًا لتشخيص المجموعة وتمييزها وعدد المقاتلين في الكتيبة أو اللواء قد يتغيّر بحجم كبير”.

مسح مجموعات المعارضة السورية

المعسكر الوطني – الجيش السوريّ الحرّ (FSA)
أسس العقيد (كولونيل) رياض الأسعد الجيش السوري الحر (FSA) في تموز 2011. ووصف الأسعد مهمة الجيش في شهر تموز 2011 عند إعلان تأسيسه بالقول “دفاعًا عن الثورة والشعب السوري بكمال عناصره وقواته”.

أورج: “بدأ طالبو الحماية المسلحة وناشطون من التيار المركزي بتبن علني لما يسمى اليوم “الجيش السوري الحر” بشكل علني. إنه كيان بدأ طريقه كرذاذ مجموعات مسلًحة لعمليات عسكرية فعلية، معارضة متجذرة بالمجتمعات المقموعة، وفيه متطوعون محليون وفارّون من الجيش الذين طالبوا بالمحاربة ضد استخدام النظام المفرط للقوة”.

في الوقت الذي يتطرق صحافيون غربيون وعرب ومحللون إليه وكأن الحديث يدور عن تنظيم متماسك، إنه أشبه بـ”ماركة” من كونه قوة عسكرية موّحدة ومنظمة. فصائل كثيرة متناسقة بصورة هشة تتشارك في مصادر تمويل مشتركة. الشخصيات البارزة – العقيد رياض الأسعد، والملازم عبد الرزاق طلاس، فارّ من جيش الأسد، ومصطفى الشيخ – رئيس المجلس العسكري الأعلى.

وحسب أقوال أورج: “الجيش الحر يضم نحو 12000 ناشط في كل الجبهات، وهم أقوياء بشكل خاص في شمال الدولة ويسيطرون على مساحات واسعة. وتأمل دول غربية في أن يشكّل التنظيم بديلا للجيش الدائم بعد سقوط النظام، نظرًا لأن قياداته ذات تأهيل عسكري أساسي وسيكون جنوده منضبطين لضباطهم وللنظام الهرمي العسكري”.

يصف غالبية فصائل الجيش السوري الحر الثورة كنضال وطني ضد الديكتاتورية القامعة وليس كجهاد سنيّ ضد النظام العلويّ. رغم وجود مقاتلين سنيّين متديّنين يسيطرون على أجزاء من صفوف الجيش السوري الحر، وفي معظم الأحيان فإنهم يتجهون للإسلام كإلهام ذاتيّ، روحاني، وليس كمثال عينيّ لقيام دولة شريعة إسلامية بعد عهد الأسد.

صعود المجموعات السلفية
مع تعاظم الرد الدامي من قبل الأسد والقمع الشديد لثورة شعبية في المنتصف الثاني من العام 2011، ازدادت الحاجة إلى المعارضة المسلحة لتناضل من أجل الوحدة الوطنية والدفاع عن الذات. وشكّل عدم توفير هذه الحاجة من جانب المهاجرين السوريين والذين لم ينجحوا بتجنيد الدول الغربية لخدمتهم، ورفض دول الغرب في بادئ الأمر تسليح الجيش السوري الحر، خطرًا على سلامة وأمان مجموعات المتمردين. وبدأت الثورة تحتلي بصبغة إسلامية. أبرز المجموعات المتعلقة بهذه النزعة: جبهة النُصرة وكتائب أحرار الشام اللتين أعلنتا عن انضمامهما للجهاد في أواخر كانون الثاني 2012. وقد أدى الإحباط من انعدام التحرك الدولي وازدياد عمليات القتل والذبح، إلى التطرف، وبداية دخول مجموعات ذات طابع إسلامي جهادي واضح إلى داخل مجال النضال السوري ضد النظام الأسديّ القامع.

وفي رده على سؤالنا حول الخطأ الذي ارتكبه الغرب في منع مجموعات متطرفة من الاندماج ضمن صفوف المقاتلين في سوريا، قال أورج: “يمكننا القول بحذر أنه لو كان الغرب قد تدخّل في الشأن السوري من البداية، عندما كان لا يزال الحديث يدور عن احتجاج سوري محلي، أعتقد أنه كان بالإمكان احتواء النضال ومنع تغلغل ودخول مجموعات جهاد سلفي إلى داخل سوريا أو على الأقل تقليص نشاطها. تأخر الغرب في الدخول لأسباب استراتيجية كثيرة، ولأن الولايات المتحدة لم تكن معنية بالغوص في الوحل السوري وفتح جبهة جديدة أيضًا. العراق وأفغانستان تشكلان “وجع رأس” كبير للولايات المتحدة، التجربة هناك تعتّم على ما يجري اليوم في سوريا”.

مجموعات سلفية جهادية – جبهة النُصرة
يرتبط التنظيم الأخطر بنظر الغرب بتنظيم القاعدة في العراق. بحسب التقديرات، يضم هذا التنظيم 5000 مقاتل، وينشط في نواحي واسعة من ريف دمشق، وفي الشمال، وفي شرق الدولة. وتم الإبلاغ في الأشهر الأخيرة عن أن رجال التنظيم يحاولون إملاء نظام حياة بموجب الشريعة الإسلامية في المناطق التي تحت سيطرتهم، وبذلك أثاروا غضب دوائر علمانية وليبرالية ليست بقليلة وكذلك لدى الطوائف المسيحية التي تضم بضعة ملايين في سوريا.

اندفعت المجموعة إلى ساحة التمرّد في سوريا في نهاية كانون الثاني 2012 مع شريط مصوّر وعد بالخروج للجهاد ضد النظام. حظي هذا الإعلان بمديح في الإنترنت وبدعم غير مشروط من قبل فرع القاعدة في العراق وقائده أبو بكر البغدادي.

وميّز التنظيم نفسه عن بقية الحركات والمجموعات الناشطة عبر استخدام البلاغة والتشبيهات السلفية الجهادية. إسقاط الأسد كان نصف المعركة فقط، وسيصل النصر بعد سريان نظام ودولة شريعة إسلامية فقط.

ثوار سوريون (AFP)
ثوار سوريون (AFP)

ويحظى التنظيم ببروز أكثر من غيره من المنظمات العسكرية السلفية لعدة أسباب: إنه يتحمل مسؤولية التفجيرات الانتحارية في الأحياء السكنية بشكل دائم؛ تعتبره القاعدة المجموعة السلفية الجهادية المفضّلة لديها، ويدعو بشكل علني للدفاع عن السكان السنيين من ظلم وقمع “العدو العلويّ وعملائه الشيعة”، وحتى أنه يستخدم استراتيجية ترويج الوسائط على الإنترنت، المشابهة لتلك التي يستخدمها شركاؤه في فرع القاعدة العراقي.

شخصية مركزية ومبنى تنظيمي – قائد النُصرة هو رجل يدعى أبو محمد الجولاني، الأمر الذي يرمز إلى كونه من هضبة الجولان. “لا نعرف الكثير عنه وحتى أن قوميته غير واضحة. مبنى التنظيم يختلف حسب تضاريس سوريا: يعمل في دمشق التنظيم كخلية سرية خفية، بينما تعمل في مدينة حلب (في الشمال الغربي) المجموعة بشكل منظم على طول خطوط عسكرية شبه تقليدية، تشمل وحدات مقسمة إلى ألوية، كتائب وفرق. كل المُجنّدين المحتملين ملزمين بخوض دورة تدريب دينية لمدة عشرة أيام، وبعدها برنامج تدريب عسكري يتراوح بين 15 – 20 يومًا” يقول أورج.

ويُضيف: “على رأس الهرم يقف كيان ديني، مجلس الشورى، الذي يتخذ القرارات الوطنية باسم التنظيم. يلعب رجال الدين دورًا هامًا في قيادة المجموعات والفصائل الإقليمية لجبهة النُصرة: لكل منطقة قائد وشيخ. الشيخ يراقب القائد من ناحية دينية، ويُعرف كالضابط الشرعي”.

مجموعات سلفية مستقلة
في الوقت الذي تُعتبر فيه جبهة النُصرة محبوبة لدى القاعدة، تطوّرت مجموعات مستقلة، سلفية وأقل شهرة. عمليًا، إنها تحتل “درب الذهب” بين القوات السلفية الجهادية كجبهة النُصرة من جهة، وبين القوات الوطنية السورية المتمثلة بالجيش السوري الحر(FSA)من جهة أخرى. وخلافًا لجبهة النُصرة، هؤلاء لا يميلون لتحمل المسؤولية عن عمليات تفجيرية في أحياء سكنية، ولا يتبنون تبنيًا رسميًا العمليات الانتحارية، ويبتعدون عن استخدام تعابير وبلاغة الجهاد العالمي.

من جهة أخرى، وعلى عكس الجيش السوري الحر، تشرّع هذه المجموعات والكُتل استخدام العنف في إطار استناد إسلاميّ؛ ويعلنون أن هدفهم الأخير هو تشكيل حكم إسلامي ولا يكتفون بالوعود لتشكيل نظام ديمقراطي بعد عهد الأسد. بنفس الروح، فهم يميلون نحو تبني التشبيهات والتعابير والبلاغة السلفية، إضافة مستطيلات إسلامية سوداء للعلم وإضافة نكهات من الأناشيد الإسلامية المادحة للجهاد إلى مقاطع الفيديو الخاصة بهم. هم يدعّون أنه يوجد مقاتلون أجانب في صفوفهم ويكثرون التعاون مع الجيش السوري الحر في عمليات ردّ ومقاتلة فعلية. الأبرز بينهم…

كتائب أحرار الشام
معروفون على وجه التخصيص بفضل تفجير عبوات ناسفة والدعاية الذكية على الإنترنت، يعتبرون أنفسهم كبديل سلفي مستقل. يدّعون أنهم يملكون أكثر من عشرين كتيبة ناشطة في أنحاء البلاد، رغم أن معاينة نشاطهم المصوّر يثبت أن أغلبية نشاطهم يرتكز في الشمال الغربي في لواء إدلب وكذلك في المدينة العلوية الساحلية اللاذقية، حماة، وألوية حلب (500 مقاتل في مدينة حلب).

إنهم يعترفون بأنهم اكتسبوا اختصاص تجهيز قنابل العبوات الناسفة من مقاتلي الجهاد الذين حاربوا في العراق وفي أفغانستان، لكنهم ينكرون أي علاقة لهم بالمقاتلين الأجانب في صفوفهم.

يعرض التنظيم أهدافه الأساسية وإيمانه الأيديولوجي: الخروج للجهاد ضد جهود إيران لنشر الشيعة في أنحاء المنطقة وإقامة دولة إسلامية. ويخصص صفحة “فيسبوك” الخاصة به للدعوة ويقوم بتحديث الصفحة مع إرشاد فعلي للسلفية. التنظيم يدعم نشاطا إنسانيا اجتماعيا أيضًا.

لواء صقور الشام
أُقيم التنظيم في تشرين ثاني 2011، ومنذ آذار 2012 ظهر كأحد أقوى القوات في لواء إدلب، ينشط فيه حسب التقارير نحو 4000 مقاتل.

ادعى التنظيم أنه أنجز عمليتين مشتركتين مع كتائب أحرار الشام في لواء إدلب وأن التنظيمين نسّقا هجمات إلى جانب وحدات الجيش السوري الحر. قائدهم أحمد عيسى أحمد الشيخ (الملقب في الكثير من الأحيان بأبي عيسى)، يوجه مقاتليه إلى أن هدفهم الأخير يجب أن يكون إقامة دولة إسلامية.

صفحة “فيسبوك” الرسمية التابعة للتنظيم تقوم بتحديث مواد بشكل دائم تدعو لتشكيل نظام إسلامي، مع رفض الهوية القومية السورية أو الصبغة العربية. من جهتهم، أي توحيد قومي بين السنة، العلويين والمسيحيين “ممنوع منعًا باتًا”. ورغم ذلك، يعترف أعضاء التنظيم في لقاءات مع صحافيين غربيين أن الهدف المنشود هو إقامة دولة شريعة إسلامية مع الحفاظ على حقوق الأقليات.

لواء الإسلام
تنشط المجموعة في مدينة دوما ومنطقة ريف دمشق منذ آذار 2012. تشارك المجموعة في عمليات مع الجيش السوري الحر. اختارت المجموعة العلم الأسود الإسلامي وتعرّف نفسها كمجموعة “جهادية عسكرية” مستقلة تقوم بتفجيرات باسم “الجهاد لأجل الخالق” وتؤمن بنظرة الشريعة السلفية. تميل مضامين الدعاية التي اختارتها المجموعة إلى كونها دينية ذات معالم سلفية.

كتائب الأنصار
تنشط المجموعة منذ آذار 2012 في ريف مدينة حمص. تصف المجموعة مهمتها كجهاد سلفي يدعو إلى تصرف إسلامي صحيح، وتتحدث علنًا عن هيئة الصراع الطائفية. تبّنت المجموعة العلم الإسلامي الأبيض. كما أنها تتداول بمسألة علاقاتها مع كتل المعارضة غير السلفية وتؤكد في هذا الإطار البيئة الفاسدة التي عمل بها مقاتلون عدّة قبل الثورة.

الناشطون والكُتل المستقلة
توجد أيضًا، بين الكُتل الوطنية والكُتل السلفية أو الكُتل السلفية الجهادية، مجموعات وكُتل مستقلة، ومن بينها…

اتحاد ثوّار حمص
تم تأسيس المجموعة في أواسط أيار 2012، وهي عمليًا إحدى التجارب الأولى لجلب الألوية المحلية من خارج الجيش السوري الحرّ إلى الائتلاف. تضم المجموعة بشكل رسمي 19 فرقة تعمل في حمص وقراها، إضافة إلى تنظيم ناشطين مدنيين ورجل دين واحد محلي على الأقل. أعضاء المجموعة وقّعوا على مبنى نظام محدد يضم هيئة قضائية مخصصة لملء الفراغ العسكري الذي حلّ في أعقاب فقدان النظام للسيطرة. فِرق المجموعة تلتزم بالمنشور السياسي الواسع الذي يصف هدفهم لتشكيل حكومة “وطنية، منتخبة من قبل غالبية الشعب وتعمل في إطار إسلامي”.

جبهة ثوّار سوريا
أعلنت المجموعة عن إقامتها في الرابع من حزيران 2012 في مؤتمر صحافي في إسطنبول. تصف المجموعة نفسها كتحالف عسكري يهدف إلى توحيد كُتل المعارضة وإقامة حكومة جديدة تعتمد على مبادئ الحرية، العدل، التعددية، والقضاء الإسلامي.

لواء التوحيد
القوة المحرّكة وراء حملة الثوّار في حلب، تمثّل المجموعة المحاولة الأكثر تطوّرا لتوحيد الكتائب والفرق المحلية تحت قيادة واحدة. تم إقامتها في 18 أيلول 2012، بعد مجموعة من اللقاءات بين قادة الثوّار المحليين في حلب، ومن المدن والمناطق الريفية حولها.

تجمع أنصار الإسلام
أقيم التنظيم في 8 آب 2012، ويضم سبع فرق ثوّار تعمل في دمشق وضواحيها. إنها تضم بالأساس الكتلة السلفية المستقلة الأبرز في المنطقة، لواء الإسلام، إضافة إلى فرق بارزة في الجيش السوري الحر.

المهمة المعلنة للائتلاف: “توحيد المساعي في دمشق وقراها بهدف إسقاط نظام عصابات الأسد”. تفتقد المجموعة إلى أيديولوجيا واضحة، وبناء عليه، تتعايش جنبًا إلى جنب رموز التريكولور في علم الثوّار بالإضافة إلى رموز إسلامية سوداء. يمكن رؤية مشاركات ورسائل من كافة جوانب القوس الأيديولوجية في سوريا على صفحتها الرسمية في “فيسبوك”.

وفي رده على سؤال فيما إذا كانت إسرائيل تشكل اهتماما في الاحتراب الذي يتم اليوم ضد نظام الأسد، وأي من بين المجموعات تشكل الخطر الأكبر على أمن إسرائيل يقول أورج: “ليست إسرائيل طرفًا في الخلاف الداخلي، القتال ضد الأسد، شركائه، جيشه، والنُخب القديمة التي لا زالت تدعمه (بعضها علويّ). اعتقد أن اهتمام إسرائيل قد يظهر في نهاية الاحتراب وإسقاط نظام الأسد بعد أن ترغب جزء من المجموعات السلفية والجهادية بتنفيذ عمل استفزازي ضد إسرائيل، وبإمكانها القيام بعمل ما في الحدود الشمالية وفي الجولان”.

هل يمكنك أن تقول لنا ما إذا كانت إسرائيل تقيم علاقات مع مجموعات ثوّار بهدف التفاوض مستقبلًا؟

“أعتقد أن هذه العلاقات تجري عبر جهة ثالثة. أقدّر أن ذلك يتم بوساطة تركية أو أردنية. لا يمكننا معرفة ذلك بالتأكيد”.

اقرأوا المزيد: 2088 كلمة
عرض أقل