في مثل هذا اليوم قبل 50 عاما تم إعدام إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الأبرز من بين الذين ألقِيَ القبض عليهم في دولة عربية. أصبح كوهين جاسوسا عربيًّا بارزا في رأس النظام السوري، وأرسل إلى إسرائيل معلومات استخباراتية غير مسبوقة في أهميتها، حيث هزمت إسرائيل بفضله الجيش السوري في حرب عام 1967 في جبهة الجولان، وهي الأراضي التي لا تزال إسرائيل تسيطر عليها حتى اليوم.
إعدام إيلي كوهين
وُلد كوهين في الإسكندرية عام 1924. تحدّث مع والديه باللهجة المصرية، ولكنه عرف أيضًا اللهجة السورية؛ لأنّ والده قد هاجر في طفولته من حلب إلى مصر.
انضمّ كوهين في صباه إلى الحركة الصهيونية، ومنذ ذلك الحين كان على علاقة مع شبكة الاستخبارات الإسرائيلية. هاجر كوهين عام 1957 إلى دولة إسرائيل.
عمل كوهين بترجمة الصحافة العربية إلى اللغة العبرية، وفي إدارة الحسابات. بعد ذلك، تم أخذه إلى اختبارات من قبل سلاح المخابرات الإسرائيلي، حيث أظهر هناك مهارات ذاكرة استثنائية، وتقرّر تجنيده كجاسوس. كان يتلو الصلوات من القرآن، درس عن سوريا، حسّن لكنته في اللهجة السورية بل وأطال شاربا.
تم إعطاؤه اسم كامل أمين ثابت، وانتحل شخصية رجل أعمال سوري يعيش في المنفى بالأرجنتين
أُرسِل عام 1961 إلى الأرجنتين، بشخصية وهمية. تم إعطاؤه اسم كامل أمين ثابت، وانتحل شخصية رجل أعمال سوري يعيش في المنفى بالأرجنتين، ووجد هناك أصدقاء سوريين كُثر. بعد مرور عام “عاد” كوهين إلى دمشق، وسكن في شقة لي حي أبو رمانة مجاورة لمقرّ قيادة الجيش السوري. كان أحد أبرز أصدقائه الجنرال أمين الحافظ، الذي كان الرئيس السوري.
كوهين في إحدى رحلاته إلى الجولان
أقام كوهين، أو “ثابت”، صداقات مع الضباط الأبرز في القيادة العامة للجيش السوري. تجوّل في كلّ سوريا مع أصدقائه الضباط. في إحدى رحلاته إلى الجولان نظر كوهين إلى منحدرات الجبال، وشاهد الحدود الإسرائيلية. بثّ جميع المعلومات التي وصلته عن توزيع القوات السورية إلى إسرائيل في جهاز استقبال راديو. عاش كوهين ثلاث سنوات هكذا، في قلب مراكز القوة في سوريا.
كان أحد الاخبار الأهم التي أرسلها كوهين هو عن نية السوريين بالإضرار بناقل المياه القطري لدولة إسرائيل. نقل كوهين الخبر عن ذلك في وقت مبكر، وهكذا استطاعت إسرائيل إحباط إلحاق الضرر بمنشآت المياه الخاصة بها.
قُبيل نهاية طريقه، بدأ كوهين يفهم بأنّهم يشتبهون به. تناقص عدد أصدقائه، وشعر بأنّ رجال القيادة في النظام يبتعدون عنه ولا يشاركونه بأسرارهم. ورغم ذلك، استمر في بثّ الأخبار من دمشق، حتى عندما قيل له أن يُحافظ على أجهزة الراديو صامتة.
محاكمة كوهين في دمشق (AFP)
اقتحم عقيد يُدعى سويداني شقّة كوهين وأخبره بأنّ “اللعبة قد انتهت”
في صباح يوم 18 كانون الثاني عام 1965 تم القبض على كوهين، كما يبدو بمساعدة معدّات الراديو السوفييتية المتقدّمة التي كشفت عن مكانه. اقتحم عقيد يُدعى سويداني شقّته وأخبره بأنّ “اللعبة قد انتهت”. بذلت إسرائيل جهودا دبلوماسيّة غير مسبوقة في محاولة إقناع السوريين بإطلاق سراح كوهين. عرضت إسرائيل على قادة النظام السوري معلومات استخباراتية عن المعارضة السورية، ولكن دون جدوى. مرّ كوهين بتعذيبات قاسية، وتم إعدامه شنقًا في 18 أيار عام 1965.
كتب كوهين قبل موته رسالة أخيرة لأرملته نادية، لابنتيه ولابنه:
“سيأتي يوم يكون فيه أبنائي فخورين بي. وإليك نادية عزيزتي، يحق لك الزواج من رجل آخر من أجل أن يكون أبا لأطفالنا. أنت حرّة تماما في هذا الموضوع. أطلب منك ألا تحزني على ما حدث، وإنما انظري إلى المستقبل. أرسلُ لك قبلات أخيرة. صلّوا لذكرى روحي”.
إعدام إيلي كوهين
ولكن نادية، التي هي اليوم في الثمانين من عمرها، لم تتزوّج من جديد أبدا. في مقابلة قدّمتها اليوم للراديو الإسرائيلي، قالت: “نحن نشعر بالحزن يوميا، وفي كل ساعة. يتحمّل أطفالي حزنا كبيرا، كبيرا في الصمت وفي الكثير من الألم”.
بقي مكان دفن كوهين لغزا حتى يومنا هذا. وفقا للتقارير التي وصلت إلى إسرائيل، فقد تم إلقاء جثته في حفرة في ضواحي دمشق، والتي بُني عليها بعد ذلك حيّ جديد. وقال مسؤول سوري آخر إنّ جثة كوهين قد دُفنت من جديد في ثلاثة أماكن مختلفة، من أجل منع إسرائيل من معرفة مكان دفنه.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني