ما تقوم به شركة “إل عال” من تدابير أمنية، ولا سيما تفتيش المسافرين الذين يطلبون خدمتها، يتماشى مع المعايير الدولية، فلا توجد سلطة طيران دولية أو شركة طيران خاصة لا تضع تأمين منشآتها وسلامة مسافريها على رأس سلم أولوياتها. لكن حينما يدور الحديث عن شركة “إل عال” الإسرائيلية، الاستثناء هو كم الانتقادات الموجّهة للشركة من جهة المواطنين العرب في إسرائيل، الذين يُتعامل معهم على أساس أنهم “مشبوهون”، ويمرون بتجربة قاسية ضمن تفتيشهم الأمني. على ماذا تركز شركة “إل عال” في تفتيشها الأمني وهل ثمة تجاوزات في عملها؟
إن المشترك في الشكاوى التي تتردد على ألسنة المواطنين العرب ضد إل عال، وتظهر في الدعاوى القانونية ضد الشركة، هو أن الرحلة التي تهدف إلى الترويح عن النفس والمتعة تتحول إلى رحلة “عذاب”، إذ يروي من مروا في هذا العذاب عن تفتيش أمني مهين، والتعرض لإجراءات قاسية تنال من كرامة المسافرين.
تجربة المسافرين
قصة التفتيش الأمني والتجربة الصعبة التي يمر بها العربي مع شركة الطيران الإسرائيلية تتردد طوال الوقت في إسرائيل. وكثيرون ممن يمرون بهذا “التعذيب”، كما يصفون، يلجأون إلى القضاء لمحاكمة الشركة الإسرائيلية.
وكانت آخر قصة بهذا الصدد ما رواه جودت إبراهيم، صاحب “مطعم أبو غوش” الأسطوري والذي يُشكّل رمزًا للتعايش، عن التعامل الذي حظيت به زوجته أثناء التفتيش الأمني في مطار بن غوريون.
ويقول كثيرون من المواطنين العرب إنهم حينما يدخلون قاعات المطار يتحولون إلى “مشبوهين”، وتتعامل معهم الشركة على أنهم تهديد أمني وشيك، رغم أنهم مواطنون إسرائيليون. ويشيرون إلى أن بعض أساليب التفتيش تمس بكرامتهم، ويشعرون أن الأسئلة الموجهّة إليهم تدل على أن الشركة تعمل لحساب الجهات الأمنية في إسرائيل، إذ تجمع المعلومات عن المسافرين، ولا تكتفي بإجراءات أمنية خاصة بالسفر.
ويروي هؤلاء عن إجراءات تشمل دخول غرف تفتيش خاصة بعيدا عن بقية المسافرين، وفي بعض الحالات إجراء تفتيش دقيق والطلب منهم بخلع الحذاء وجزء من الملابس. وفي مرات عديدة يتم حجزهم أو توقيفهم لساعات طويلة دون مبرر مما يؤدي إلى تفويت الموعد المحدد لإقلاع الطائرة ويعكر الإحساس الأولي بأن هدف الرحلة هو الارتياح.
مفتشة تقوم باستجواب مسافرين في مطار “بن غوريون” الدولي (Moshe Shai/Flash90)
وفي معظم الحالات التي تصل إلى القضاء الإسرائيلي، تقر المحاكم أن إل عال انتهكت خصوصية المسافر أو تجاوزت مبدأ المعيارية في انتهاجها إجراءات مهينة، وإلى جانب ذلك، قرارات المحاكم الإسرائيلية تشدّد على أن التفتيش الأمني في المطارات إجراء قانوني، لكن يجب إجراؤه بحذر ومراعاة وبصورة معيارية.
وفي إحدى قرارات المحكمة كتب الحكام أن المفتشين أطالوا التفتيش دون مبرر، وبعضهم تصرف بصورة غير لائقة، ولا تخدم الاحتياجات الأمنية، مطالبا الشركة بتعويض امرأة عربية، عمرها 40 عاما، رفعت شكوى ضد الشركة الإسرائيلية، قالت إنها خضعت لتفتيش مطول ومرهق، شمل تفيشا جسديا وتفتيش أمتعتها من قبل إل عال بصورة وحشية.
واقتنع الحكام في هذه القضية أن الإجراء الأمني تحوّل إلى إجراء مهين، إذ خرق المفتشون واجبهم بالحفاظ على كرامة المسافرة وخصوصيتها.
رواية الشركة
شركة إل عال ترد على الادعاءات القائلة إن إجراءاتها الأمنية قاسية وتتسم بالتمييز والعنصرية أن التدابير الأمنية التي تقوم بها تخضع إلى توجيهات جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الشاباك، إذ أن الشاباك هو المسؤول عن وضع معايير التفتيش. وتضيف الشركة أن الخضوع للتفتيش هو جزء من عقد بطاقة السفر، إذ يعلم المسافر مسبقا بوجود إجراءات أمنية قبل صعوده على متن الطائرة.
وتؤكد الشركة أن أسلوبها يعتمد على التحقيق مع الشخص أكثر من التحقيق في الأمتعة، أي أنها تشدد على استجواب الشخص وبناء بروفايل خاص له ولأهداف رحلته ودوافعه. وهذا الأسلوب يستوجب إجراء تفتيش أطول وأكثر تدقيقا.
وقد أشادت صحيفة “إيكونوميست” بالإجراءات المتبعة لدى إل عال، مانحة الشركة ومطار “بن غوريون” مرتبة عالية في قائمة الشرك الأكثر أمانا في إل عالم. وجاء في مقالة نشرت قبل وقت قصير إن إل عال تركز على التحقيق مع الشخص وليس على الأمتعة التي بحوزته، وهي وسيلة أفضل للوصول إلى الإرهابيين، خاصة بعد حادثة 11 سبتمبر التي نجحت بفعل خطف الطائرات وتوجيهها إلى المنشآت الأمريكية الحيوية.
طائرة تابعة لشركة الطيران الإسرائيلية “إل عال” (Moshe Shai/Flash90)
مبادرات لتحسين العلاقة بين الطرفين
وتقول الشركة إنها تبذل مجهودا كبيرا من أجل تخفيف عناء المسافرين العرب وعدم المساس ببهجتهم قُبيل بدء رحلتهم في خارج البلاد، لا سيما استثمار الملايين من أجل تشغيل منظومة تكنولوجية هي الأكثر تقدّما في إل عالم لفحص المسافرين دون التمييز أو التفرقة، لكن الاعتبارات الأمنية يجب أن تتم على أفضل وجه، لا سيما في وجه التهديدات الأمنية المحدقة بأمن الإسرائيليين بالذات.
وهذا الحديث لم يثبت بعد على أرض الواقع، لا سيما أن الشركة تقدم عبر جهة ثالثة خدمة تفتيش أمني في بيت المسافر، قبل وصوله إلى المطار، للتسهيل عليه، لكن الخدمة لا تتوفر في هذه المرحلة في القرى العربية في إسرائيل.
يُذكر أن الشركة كانت حتى عام 2003 شركة حكومية، وارتبط تاريخها بتاريخ قيام دولة إسرائيل، إذ شاركت في مجهود الدولة عمليات نقل القادمين الجدد من اليهود إلى إسرائيل من أنحاء إل عالم. وعبر الوجهات السياحية التي تقصدها يمكن التعرف على العلاقات الدولية لإسرائيل.
وتعرضت طائرات الشركة لمحاولات خطف عديدة، كان أبرزها، وهي الوحيدة التي نجحت، خطف طائرة ركاب كانت في طريقها من روما إلى تل أبيب عام 1968، إذ نجح عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في خطف الطائرة وإرغام قائدها على الهبوط في الجزائر. وبعد 40 يوما من المفاوضات تم إطلاق سراح المخطوفين. وغير هذه الحادثة، استطاع حراس الأمن في الشركة إحباط محاولات خطف عديدة أقدم على تنفيذها فلسطينيون في إطار الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
لكن هذا التاريخ لا يعني المواطنون العرب في إسرائيل، فهم يطالبون بعدم تمييزهم وعدم وضعهم في خانة المشبوهين، وأبرز المناضلين ضد هذه الإجراءات التي تنال من كرامة المسافرين العرب، وتتجاوز الاعتبارات الأمنية هو النائب العربي، أحمد الطيبي، الذي يطالب بتسهيل الإجراءات الأمنية وعدم تمييز العرب في هذه الإجراءات. وكان الكنيست قد صادقت على مشروع قانون طرحه الطيبي بتقديم تعويضات للمسافرين جراء تأخير وإلغاء تكون شركة الطيران مسؤولة عنه.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني