بهدف العثور على مؤلفات عربية نقلت إلى اللغة العبرية في تل أبيب، متاحة للبيع لعامة الإسرائيليين، توجهنا إلى متجر صغير في المدينة، يدعى “”هميغدلور” أي “الفنار”. وهناك وجدنا عددا قليلا من هذه المؤلفات. فهذه الكتب ليس عليها طلب كبير بعد، كما أوضحت لنا البائعة في المتجر الصغير، الذي يشدد على أنه يهتم بتجميع أكبر عدد ممكن من هذه الكتب، وعرضها على القارئ الإسرائيلي.
وحين تفقدنا الرّف “المتواضع” في المتجر، حيث شمل نحو 20 كتابا، رأينا “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ، و”موسم الهجرة إلى الشمال” لطيب صالح، و”الأرواح المتمردة” لجبران خليل جبران، و”حكاية زهرة” لحنان الشيخ، و”باب الشمس” لإلياس خوري. كلها باللغة العبرية. وبدا أن مشروع ترجمة المؤلفات العربية إلى العبرية آخذ بالانحصار، ومعظم الكتب في المتجر لم تر طبعات جديدة.
والكتب مثل أي منتج آخر في العصر الحديث، تخضع لقوانين الاقتصاد، فكلما قل الطلب شح المنتج. وفي إسرائيل، بات قرّاء هذه الروايات قلة، خاصة أن الكتب الأجنبية المترجمة إلى اللغة العبرية، ومنها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، تنافس اللغة العربية بشدة، وتملك حيزا كبيرا في مكتبة القارئ الإسرائيلي.
وبعد معاينة الكتب، برز اسم دار النشر “الأندلس” على معظم الكتب. وهي دار نشر أقيمت عام 2000، وقامت بترجمة 22 مؤلفا من العربية إلى العبرية، بهدف إحياء العلاقة بين القارئ الإسرائيلي والأدب العربي العريق، لكن رغم البداية الواعدة ل “الأندلس”، ونجاح عدد من الكتب التي ترجمتها في السوق الإسرائيلي، ومنها كتب الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، ورواية “باب الشمس” للأديب إلياس خوري، إلا أن دار النشر دخلت في ضائقة مالية لقلة الطلب على الكتب التي ترجمت لاحقا.
ومثل اسمها المأخوذ من العصر الذهبي للأمة الإسلامية في بلاد الأندلس، فقد أفل نجمها، واليوم توقف مشروع الترجمة.
وحين سألنا البائعة في المتجر عن قلة الكتب المترجمة من العربية الموجودة في المتجر، قالت إن هذا الكم القليل جاء بعد مجهود كبير. وأضافت، اسمها نوغا، أن وجود الكتب يعود إلى السياسة التي تتبعها صاحبة المكان، وهي التميّز في انتقاء الكتب، والتشديد على التنوع. وفاجأتنا البائعة حينما أجابت على السؤال: “هل قرأتِ أيا من هذه الكتب؟”، فأجابت “نعم. أعجبتني قصة “نمر من ورق” للكاتب السوري زكريا تامر”.
ولفت انتباهنا كتاب “عزازيل” للروائي المصري، يوسف زيدان، الذي ترجم في إسرائيل عام 2009، ولا يزال يجذب القراء الإسرائيليين، حسبما تقول البائعة.
وحين سألنا من هم الزبائن الذين يطلبون هذه الكتب؟ لم تكن الإجابة واضحة، فهم متنوعون. قد يكونون من اليهود الشرقيين أو من المختصين في دراسات الشرق الأوسط، أم مجرد قرّاء ذوو ذوق متنوع في الأدب. وأضافت نوغا أن ثمة طلب دائم على أشعار محمود درويش، والشاعر طه محمد علي. وشاهدنا بين الكتب مؤلفات لكتاب فلسطينيين آخرين، مثل: علاء حليحل، وسلمان ناطور.
وغادرنا المكتبة ويساورنا الشعور أن مشروع نقل المؤلفات العربية المعروفة من العربية إلى العبرية، الذي كان له منزلة هامة لدى المفكرين الإسرائيليين في الماضي، الذين أرادوا أن يتعرفوا على العالم العربي عبر كتّابه ومفكّريه، فقد كثيرا من منزلته في إسرائيل، وربما يعود الأمر إلى الصراع العربي – الإسرائيلي الذي أبعد الحضارتين عن بعضهما البعض، وسبّب في أن تحوّلت كتب نجيب محفوظ وغيره من الكتاب الكبار، معبقة بالغبار على رفوف المتاجر الإسرائيلية.