إعادة إعمار غزة

عباس يسعى إلى عرقلة الهدنة بين إسرائيل وحماس

الرئيس  الفلسطيني محمود عباس مع سلام فياض (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع سلام فياض (AFP)

تعمل السلطة الفلسطينية جاهدة لإحباط "صفقة القرن" التي يقترحها ترامب، وتطلق حملة تسويقية ضدها بالعبرية

02 يوليو 2018 | 16:39

“يبدو أن عباس مستعد للقيام بكل خطوة لإحباط البرنامج الأمريكي”، قال مصدر إسرائيلي عن الأخبار الأخيرة، التي تشير إلى أن الرئيس  الفلسطيني اقترح على سلام فياض، رئيس الحكومة السابق، أن يرأس حكومة الوحدة الوطنية  مع حماس.

اليوم صباحا، أوردت صحيفة “الشرق الأوسط”، خبرا جاء فيه أنه جرى لقاء مدته ساعتين بين الزعيمين، لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين فتح وحماس، تتحمل مسؤولية الوضع في قطاع غزة.

تفاجأ الكثيرون من اقتراح عباس على فياض، إذ إنهم يتذكرون كيف تم إبعاد فياض من منصبه عندما شعر أبو مازن مهددا بعد أن أصبحت مكانة فياض مستقرة أكثر فأكثر. ساد انقطاع في العلاقات بين كلا الزعيمين، ولكن يبدو أن الظروف الحالية تُجبر الرئيس الفلسطيني على “التفكير خارج الصندوق”.

ما هي الحقيقة؟ يرغب الأمريكيون الذين يؤجلون الإعلان عن برنامج السلام الخاص بترامب بسبب عدم تعاون الفلسطينيين في أن يعرضوا إنجازا رغم ذلك. مع الأخذ بالحسبان الوضع المتوتر في غزة، يحاول الأمريكيون إعادة إعمار القطاع وضمان الهدوء الأمني بين إسرائيل وحماس. في المفاوضات بين كلا الجانبين، تشارك الأمم المتحدة، مصر، وقطر. ستُستثمر أموال كثيرة في غزة ضمن مشروع إعادة إعمار القطاع في حال حدوث ذلك، ويأتي معظمها من دول الخليج. بما أن أبو مازن قد رفض أن يكون شريكا حتى الآن، تقدم المبادرون من دونه. ولكنه أصبح الآن يحاول العمل في “اللحظة الحاسمة” ويسعى إلى عدم السماح بتقدم الفكرة دون السلطة الفلسطينية.

في غضون ذلك، ما زالت فتح تواصل حملتها التسويقية بشأن “صفقة القرن” الخاصة بترامب، التي من غير الواضح ماذا تتضمن، وهل ستُعرض أصلا. جرت اليوم في رام الله تظاهرة أخرى ضد الصفقة، وحتى أن فتح أطلقت حملة تسويقية بالعبرية، لتوضح للإسرائيليين موقفها. شعار الحملة: “نعارض إقامة دولة في غزة، ونوضح أنه لا يمكن إقامة دولة من دونها”.

“فلسطين مش للبيع” باللغة العبرية
اقرأوا المزيد: 268 كلمة
عرض أقل
بناء مسجد جديد في غزة (AFP)
بناء مسجد جديد في غزة (AFP)

نظرة بزاوية 360 درجة إلى قطاع غزة

الصورة الكاملة والمحتلنة لسكان قطاع غزة وعملية إعادة إعماره في السنتَين الماضيتَين، بعد جولة القتال الأخيرة

نشرت منظمة حقوق الإنسان “مسلك” التي تابعت إعادة إعمار غزة في السنتين الماضيتين بشكل شامل، هذا الأسبوع، تقريرا شاملا ومحتلنا عن إعادة إعمار القطاع وسكانه منذ انتهاء الحرب في صيف 2014، التي استمرّت خمسين يومًا. يشير التقرير إلى عدة معايير في عملية إعادة إعمار القطاع: البناء، حركة نقل البضائع، وتنقّل الأشخاص.

يتطرق التقرير إلى حقيقتين بشكل خاص، وهما أنّه رغم دخول مواد البناءإلى القطاع خلال العامين الماضيين بهدف بناء المباني التي تم هدمها، فإنّ حقيقة تعافي سكان غزة تأخر عن المجيء، وهو ما ينعكس في معدّلات البطالة، حالة البنى التحتيّة، القدرة على التنقل، وعدد المشرّدين.

بيت دُمِّر خلال العملية العسكرية “الجرف الصامد”. تصوير جمعية “ﭼيشاه-مسلك”
بيت دُمِّر خلال العملية العسكرية “الجرف الصامد”. تصوير جمعية “ﭼيشاه-مسلك”

لغرض البناء في القطاع، دخل عن طريق معبر كرم أبو سالم 915 ألف طنّ من الأسمنت و 126 ألف طنّ من الحديد للبناء منذ نهاية الحرب في أيلول عام 2014 وحتى نهاية حزيران عام 2016، ولكن ذلك لا يكفي لكل احتياجات إعادة الإعمار. في المقابل، فإنّ قسمًا كبيرا من الأموال التي وعدت بها دول مختلفة لإعادة إعمار غزة، لم يصل بعد، والانقسام السياسي الداخلي الفلسطيني يؤثر في تأخير وصول الأموال أكثر. وهناك مشكلة أخرى وهي أنّ الآلية التي تشرف على تدفّق موادّ البناء تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة السلطة الفلسطينية، تجد صعوبة في منع تسلل الموادّ إلى السوق السوداء.

إن حركة نقل البضائع، شهدت في السنتَين الماضيتَين مغادرة نحو 127 شاحنة محمّلة بالبضائع شهريّا بالمعدّل، من غزة مقارنة بـ 1,064 شاحنة محمّلة بالبضائع خرجت منها شهريا قبل الحصار. في الأشهر الأخيرة كان معبر كرم أبو سالم المعبر الوحيد الذي كان مفتوحا لمرور البضائع، ولكن في شهر أيار الأخير وافق وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، يعلون، على فتح معبر إيرز أيضًا لنقل البضائع. وهذا التخفيف الكبير، جاء في أعقاب ممارسة سكان المنطقة الإسرائيليين ضغطا على وزير الدفاع.

حال الفطاع صعب بعد عامين من الحرب الأخيرة (Flash90/Abed Rahim Khatib)
حال الفطاع صعب بعد عامين من الحرب الأخيرة (Flash90/Abed Rahim Khatib)

ومن حيث تنقّل الأشخاص، فإنّ الوضع قاتم أكثر. هناك معبران فقط يمكن التنقل فيهما بين غزة ودولتين آخرتين – المعبر الأول بين إسرائيل وغزة وأما الآخر بين غزة ومصر. إنّ الخروج عن طريق المعبر الحدودي إيرز إلى إسرائيل يتطلّب تصريحا خاصّا، والذي يُعطى لشريحة محدودة من التجار، وكبار السنّ المسموح لهم بالخروج عدة ساعات في أيام الجمعة بسفريات منظّمة من أجل تأدية الصلاة في المسجد الأقصى، وللمرضى الذين يحتاجون إلى تلقّي العلاج الطبي في إسرائيل أو في الأردن.

إلى جانب ذلك، تم في أحيان كثيرة إغلاق معبر رفح بين غزة ومصر، والذي كان في الماضي معبرا يعجّ بالحركة، وذلك منذ تغيير السلطة في مصر. في النصف عام الذي سبق تغيير السلطة في مصر، في صيف 2013، غادر معبر رفح أكثر من 20 ألف شخص ودخل عبره إلى غزة 20 ألف شخص شهريا. في النصف الأول من عام 2016 سُجّلت في معبر رفح بالمجمل 11,376 حالة خروج ودخول، في كلا الاتجاهين. في أعقاب ذلك، لا يزال عشرات الآلاف الذين يفترض أن يخرجوا من غزة من أجل العمل، التعليم، الحصول على علاج طبي أو الالتقاء بأقارب العائلة خارج البلاد، عالقين في القطاع.

اقرأوا المزيد: 445 كلمة
عرض أقل
شاحنة محمّلة بالإسمنت في طريقها إلى قطاع غزة
شاحنة محمّلة بالإسمنت في طريقها إلى قطاع غزة

إسرائيل تنقل الإسمنت مجددا إلى غزة

قبل نحو شهر ونصف تم إيقاف نقل الإسمنت من إسرائيل لصالح إعادة إعمار القطاع بعد أن اكتُشف أنّه نُقل إلى حماس لبناء الأنفاق

شقّت اليوم (الإثنين) 90 شاحنة محمّلة بالإسمنت طريقها إلى قطاع غزة لإعادة إعماره وهذا للمرة الأولى منذ شهر ونصف، منذ أن تقرر تجميد نقل الإسمنت، وذلك بعد أن كشفت آلية الرقابة التابعة للأمم المتحدة عن عدم استخدام الإسمنت لصالح السكان، وإنما لأغراض حماس.

وقد جاءت هذه الخطوة بعد نقاشات أجرتها إسرائيل مع الأمم المتحدة ومع حماس، والتي تقرر فيها تعزيز إشراف الأمم المتحدة في القطاع من أجل التأكد من أن الإسمنت يُستخدم لأهدافه الأصلية أي إعادة إعمار القطاع بالإضافة إلى الاهتمام بإقالة نائب وزير الاقتصاد في غزة، عماد الباز، المسؤول عن نقل الإسمنت إلى حماس.

في نهاية المطاف حرصت آلية الرقابة التابعة للأمم المتحدة على إعادة الإسمنت الذي صادرته حماس بشكل غير قانوني لصالح بناء الأنفاق تحت الأرض إلى مالكيه واستخدامه هو أيضًا للبناء وإعادة إعمار القطاع لصالح السكان.

شاحنات محمّلة بالإسمنت في طريقها إلى قطاع غزة
شاحنات محمّلة بالإسمنت في طريقها إلى قطاع غزة

مؤخرا نُشر أنّ عبور الناس من القطاع إلى الخارج أصبح صعبا بل مستحيلا أيضًا، وذلك بعد أن بدأ الأردن يصعب تدريجيا على الغزيّين السفر عبر حدوده إلى الخارج بدءًا من آب عام 2015. “تُرفض طلبات المواطنين لعبور حدود المملكة الأردنية الهاشمية من دون توضيح ونحن لا نعلم ما هي الأسباب”، كما قال وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق مشهور أبو دقة.

بعد أن كان المعبر الذي يؤدي من رفح إلى مصر مغلقا معظم الوقت، من ثم كان في الأشهر الأخيرة مفتوحا لثلاثة أيام فقط، فإنّ الخيار الوحيد تقريبا أمام الغزيين للخروج خارج البلاد هو الخروج عبر معبر إيرز شمال القطاع، ثم الوصول إلى الأردن عبر معبر جسر الملك حسين، ومن هناك إلى عمان، ومن مطار عمان إلى وجهتهم، ولكن من دون الحصول على تصريح تظهر فيه “عدم ممانعة” من الأردن لا يمكن الخروج من القطاع.

قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، يوسف المحمود، إنّه “تُجرى مؤخرا محادثات واستشارات مع الحكومة الأردنية من أجل التوصل إلى تغيير في الوضع والتخفيف عن ضائقة المواطنين الفلسطينيين”.

اقرأوا المزيد: 284 كلمة
عرض أقل
وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)
وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)

“يجب إعادة إعمار غزة”

دراسة جديدة تُنشر في إسرائيل وتوضح: هذه هي الخطوات التي على إسرائيل أن تتخذها لإعادة إعمار غزة، "ولكن قبل ذلك عليها إسقاط حماس"

دراسة إسرائيلية جديدة تفصّل الخطوات التنفيذية التي على الحكومة الإسرائيلية اتخاذها لإنقاذ قطاع غزة من الانهيار الشامل. قررت الدراسة التي تتناول “تعزيز استراتيجية ملائمة لإعادة إعمار غزة”، أنّه إذا لم يحدث تغيير كبير في غزة في السنوات الخمس القادمة، حتى ولو من دون جولة أخرى من القتال بين إسرائيل وحماس، فستعاني غزة من فوضى وكارثة إنسانية قد تؤثر تأثيرا سيئا على إسرائيل، سواء كانت مسؤولة عن ذلك أم لا.

وكتب الدراسة، التي ستُنشر اليوم في موقع “والاه” الإسرائيلي، الوزير السابق الدكتور أفرايم سنيه، رئيس مركز الحوار الاستراتيجي في كلية نتانيا، والذي تولّى أيضًا منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، بالمشاركة مع الدكتور يائير هيرشفيلد، من مهندسي اتفاقية أوسلو والمدير الأكاديمي في مركز الحوار الاستراتيجي في الكلية.

وفقا للدراسة، هناك حاجة إلى القيام بعدة خطوات تنفيذية لإعادة إعمار القطاع في عدة مجالات مثل المواصلات، السياحة، الزراعة، وغيرها، ولكن قبل ذلك بكثير، يجب إعادة الإعمار في مجالي الطاقة والمياه. “تعود الأزمات الكبرى التي تتطلب معالجة فورية في غزة، من دون علاقة بهوية الحكم في غزة، إلى مجالات الطاقة، المياه، والصرف الصحّي. يجب علينا ضخّ المزيد من المياه وإصلاح منشآت تحلية المياه في غزة. هذا مهم لمنع كارثة إنسانيّة”، وفق أقوال سنيه.

وتتحدث الدراسة ذاتها أيضًا عن بناء شارع سريع من معبر “إيرز” (بيت حانون) إلى معبر رفح، إعادة بناء مطار الدهنية وتشغيله، إقامة ميناء عميق المياه وتشغيله، بناء مقاطع سكك حديدية تصل بين قطاع غزة وسلطة القطارات الإسرائيلية وغير ذلك.

“ولكن بصرف النظر عن خطوات إعادة الإعمار نفسها، فأحد أقول سنيه الأكثر إثارة للاهتمام هو أنّه “في الدراسة هناك سلسلة طويلة من النصائح للتنفيذ ولكن يشكل إسقاط حكم حماس شرطا حاسما لتنفيذها. تكمن المشكلة في أن الحكومة الإسرائيلية ترغب في إبقاء حماس في السلطة من أجل الاستمرار بإنشاء الفصل بين غزة والضفة الغربية. فهذا يضعف أبو مازن وهكذا يمكن الادعاء دائما أنّه ضعيف ولا يتخذ القرارات. المشكلة هي أنّ إسرائيل  تضحي من أجل ذلك بحياة سكان غلاف غزة”. وقال سنيه أيضًا إنّ جولة قتال أخرى هي مسألة وقت فقط، ويبدو أنّها ستتطوّر قريبًا.

اقرأوا المزيد: 318 كلمة
عرض أقل
النائب عومر بار ليف (Miriam Alster/FLASH90)
النائب عومر بار ليف (Miriam Alster/FLASH90)

البرنامج السياسي الجديد: الإخلاء الطوعي للمستوطنين

عضو الكنيست عمر بار ليف يقترح برنامجا سياسيا من أربع مراحل للانفصال عن الفلسطينيين، ويمكن البدء به خلال 18 شهرا فقط بحسب كلامه

هل يمكن لعضو كنيست شبه مجهول من صفوف المعارضة الإسرائيلية أن يتسبب في انفراجة سياسية؟ عضو الكنيست عمر بارليف هو نجل رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق حاييم بارليف الذي سُمّي خط بارليف على قناة السويس على اسمه قبل حرب 1973. يتألف البرنامج الذي اقترحه عضو الكنيست بارليف، والذي عرضه أمس، من أربع مراحل، ومن المفترض أن يتم تنفيذه في سنة ونصف فقط.

مقابل السؤال إذا ما كان الفلسطينيون شريكا يمكن التفاوض معه، ركّز بارليف برنامجه على خطوات أحادية الجانب يجب على إسرائيل تنفيذها، من أجل تخفيف نير السيطرة على الشعب الفلسطيني. وقال: “لا أنوي مناقشة السؤال حول وجود الشريك الفلسطيني مجدّدا وكيف يربي الفلسطيني العادي أطفاله”، وذلك عندما انتقد رئيس الحكومة نتنياهو الذي عاد وذكّر أنّ السلطة الفلسطينية ليست شريكا في عملية السلام.

الخطوة الأولى في برنامج بارليف هي وقف البناء خارج الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية فورا، وهي خطوة توصي بها جهات أخرى في اليسار. الخطوة الثانية هي تمرير قانون في الكنيست للإخلاء الطوعي والتعويض، والذي سيسمح للمستوطنين نقل سكنهم من الضفة الغربية إلى حدود دولة إسرائيل السيادية وفق رغبتهم. وتشير التقديرات إلى  أنّ نحو 5,000 أسرة إسرائيلية سترغب في ذلك.

الخطوة الثالثة هي توسيع مساحة المنطقة “ب” كما تقرّر في اتفاقيات أوسلو، حيث ستكون المسؤولية المدنية فيها فلسطينية والمسؤولية الأمنية إسرائيلية وسيتم ضمّ مناطق أخرى من المنطقة “ج” وفقا للاحتياجات الأمنية لدولة إسرائيل. وستوسّع هذه الخطوة الممارسة العملية من السيطرة الفلسطينية على الضفة الغربية، وتقلّص من السيطرة الإسرائيلية. والخطوة الرابعة هي تعزيز إعادة إعمار قطاع غزة، ونزع السلاح منها أيضًا في نهاية المطاف.

قال بارليف: “لا شكّ أنّ كل عملية للانفصال هي عملية طويلة ستستمر على الأقلّ لخمس سنوات، ولكن الأمر متعلق بنا فقط. فكل شيء يعود إلينا. لسنا بحاجة إلى التباكي”.

اقرأوا المزيد: 269 كلمة
عرض أقل
سكان من بلدات الجنوب الإسرائيلي في لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال زيارته لإسرائيل وقطاع غزة (Haim Zach/GPO)
سكان من بلدات الجنوب الإسرائيلي في لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خلال زيارته لإسرائيل وقطاع غزة (Haim Zach/GPO)

دون تجميل للواقع: الطلب على الشقق في منطقة “غلاف” غزّة يرتفع

صواريخ قسّام؟ قذائف هاون؟ أنفاق؟ لا يزال النقب حُلمًا. مركِّزو الاستيعاب في منطقة "غلاف غزّة" ينجحون في جَلب مئات المعنيّين إلى المنطقة التي ازداد عدد سكّانها منذ الحرب السنة الماضية بنحو 500

شعار كيبوتس “حوليت” لدى توجّهه للمرَّشحين للانضمام هو: “لكم الحُلم، ولدينا الفرصة”. المشهد الرومانسي يحاكي الأحلام حقًّا، وكذلك إمكانية القيام بمبادرات فرديّة وشراء أرض بسعرٍ يرقى إلى الأحلام في مناطق أخرى في البِلاد، ما يجعل الأمر مغريًا جدَّا. في السنة التي انقضت منذ الحرب في قطاع غزّة، انضمّ إلى بلدات المجلس الإقليمي إشكول 500 مستوطِن جديد. يعيش اليوم في منطقة إشكول نحو 14500 من السكّان، وهو رقم قياسيّ. في معظم الكيبوتسات، نفدت الشقق، ويجري انتظار انطلاق برنامج حكومي يُتيح بدء البناء. وكان رئيس المجلس الإقليمي إشكول، جادي يركوني، قد صرّح بأنّ النموّ الديموغرافي يتصدّر سلّم الأهداف. وبالفعل، يبذل مركِّزو الاستيعاب جهودًا جمّة في تقصير المسافة بين وسط البلاد والنقب الشمالي.

أخبرت مركّزة الاستيعاب في كيبوتس كيسوفيم، نوريت بورد، أنّ وظيفتها هي الاهتمام بالعائلة التي تنضمّ إلى الكيبوتس، ولكن أيضًا إعداد البلدة، قائلةً: “نعمل كي يكون المجتمع المحليّ جاهزًا، ونهتمّ بإظهار الوجه الإيجابي للكيبوتس للقادمين الجُدُد”. وقد انضمّت للكيبوتس حتى في أيلول الماضي، بُعَيد وقف إطلاق النار، خمس عائلات جديدة. تنظِّم بورد جولات للمعنيّين وتشرح عن الأحياء الجديدة المخطَّط لها على خلفية غُروب الشمس ومنظر البحر الخلّاب.

لا تُخفي نوريت المخاطر، لكنّ الرسالة الأهمّ – “آخِر سبعة بيوت بسعرٍ خاصّ بدءًا من 165 ألف شاقل” في النشرة الإعلانية للكيبوتس – أكثر إقناعًا. لا تأتي النشرة الإعلانية على ذِكر قذائف الهاون ولا تهديد الأنفاق، بل تكتفي بذكر التربية الجيّدة للأطفال، “الهدوء وجودة الحياة”. وفق بورد، تتوجّه كلّ شهر عشر عائلات في المُعدَّل، معبّرة عن اهتمامها بالاستيطان.

ويُخبر مركِّز الاستيعاب في كيبوتس حوليت، شمعون (كيش) أزولاي، إنه يحرص على الاستفسار إن كان للوالدين مصدر دخل وللأطفال إطار تربويّ. يعرض كيبوتس حوليت أيضًا، كسواه في المنطقة، تربية وتعليمًا على مستوى عالٍ وبهدوء – حاجة يندر الحصول عليها في سباق الحياة، ما أدّى إلى استيعاب ثلاث عائلات هناك مؤخرًا.

الاستيعاب هناك تدريجيّ. في كيسوفيم مثلًا، تعيش العائلات الجديدة في السنة الأولى في بيوت الكيبوتس، وفقط بعد أن تتأقلم (إن بقيت)، تشتري الأرض أيضًا. ترعرع كثيرٌ من القادمين الجدُد في المنطقة، وهم يعودون إليها بعد سنوات من الحياة في وسط البلاد. وفق كلمات بورد، يتكيّف أولئك بسهولة نسبيًّا “لأنهم يعرفون الواقع الأمنيّ ويخافون أقلّ من غيرهم، كما أنّ لديهم عملًا في مكان قريب نسبيًّا”.

صحيح أنّ بيت القصيد – أسعار الشقق – أمر ساحر، لكنّ رننة يعقوب من كيبوتس نير عوز، مركّزة الاستيعاب في منطقة الجنوب في الحركة الكيبوتسيّة، تقول إنّ “الاعتبار الاقتصادي غير كافٍ. الانتهازيّة الاقتصاديّة لا تكفي للعيش هنا، لأنّ هذا لا يتوافق مع روح المكان”.

تقول شارون بسيل، مسؤولة النموّ الديموغرافي في المجلس، إنّه رغم كون الأراضي والبيوت رخيصة الثمن، “فهذا لا يعني بالضرورة أنّ المعيشة أرخص هنا. على سبيل المثال، ثمّة حاجة إلى سيّارتَين عادةً للتنقُّل في المنطقة”، وتوضح بورد أنّ “العائلات التي تنجح في التكيُّف هنا هي التي يكون المجتمع على رأس سلّم أولوياتها. إنهم الأشخاص الذين يبحثون عن القيَم التي يريدون منحها لأبنائهم، وكذلك عن حريّة فتح الباب والخروج للَّعب في الطبيعة”.

يهتمّ معظم العائلات بالمدارس، الدورات، وفعّاليات الإثراء والثقافة. وحين تُثار المسألة الأمنية، يستجيب مركِّزو الاستيعاب للتحدّي. “لا نخدع الناس قائلين إنه لا شيء هنا، فالجميع يعرفون أين نعيش”، تقول بسيل. ويخبر أزولاي أنه لا يمكن إخفاء شيء، إذ يمكن سماع صوت المؤذِّن من غزّة من حقول حوليت.
“لا أحد يأتي إلى هنا اليوم دون أن يفهم إلى أين هو آتٍ”، تقول يعقوب.

“المسألة الأمنية تُؤخَذ في الحسبان. كثيرًا ما أجد نفسي في لقاءات الاستيعاب أتساءَل إن كانوا يعون الوضع الأمني، لأنّ الناس لا يسألون، فهم يأخذون الخطر الأمني كأحد المُعطَيات. مع ذلك، لا يمكن لمن لا يعيش في غلاف غزّة أن يفهم كاملًا، حسب أقوالها. “أُخبر الناس كيف هي الحياة في مكانٍ يخطّط فيه المرء سلفًا حين يتمشّى مع الطفل في الحديقة كيف يهرب في حال (اللون الأحمر). لكنني أذكُر أيضًا أنني أربّي في هذه المنطقة أولادي الثلاثة”.

تُخبِر بورد أنّ الأسئلة حول التهديد الصاروخي قلّت بعد عملية الرصاص المسكوب، لأنّ الصواريخ وصلت المركز أيضًا: “قالت عائلات اختبرت ذلك في بيتح تكفا أنّ (اللون الأحمر) يشكّل ضغطًا أقلّ من صفارات الإنذار المتكررة”؛ وتشدّد بسيل: “لا نريد فقط أن نعُدّ رؤوسًا، فنحن نرغب في أن يكونوا مرتاحين هنا، وأن تكون الحياة معهم جيّدة للمجتمَع”.

يقول أزولاي إنّ جذب الناس إلى المنطقة كان صعبًا حتّى قبل حرب الصيف الماضي، إذ دارت دورات عديدة من القتال، ولم يتوقّف إطلاق النار بينها تقريبًا. حسب رأيه، الدولة هي مَن يجب أن يهتمّ بالعمل واستثمار الموارد في تطوير المنطقة، بحيث يسهُل استيعاب المزيد من الناس. “نرغب جدًّا في أن تكون هناك عائلات أكثر وأكثر، لكن لا يمكننا التقدُّم دون دعم الدولة. الدولة مُجبَرة بزيادة أعمال تطوير الأراضي والأحياء الجديدة”.

ما يُثير العجب الشديد هو أنّ الطلَب على الشقق يرتفع اليوم في المنطقة لأنّ موازنات ترميم الأراضي وتأهيلها عالقة. تقول شارون بسيل: “كان علينا أن نستوعب على الأقلّ 40 عائلة، لكننا اضطُررنا إلى تأجيل ذلك لعدم توفّر مكانٍ لإسكانهم. تأجّلت الموازنات لعدم إقرار موازنة الدولة حتى الآن، ولا يمكن إحضار حتّى كرفانات للسكن الوقتي. يُخبِر مُدير قسم الاستراتيجية في المجلس، بوعز كرتشمر، إنه “يجب التذكُّر أنه منذ إقرار برنامج توسيع البلدات في أيلول 2014 حُلَّت الحكومة. لا مُوازنة اليوم، وكلّ ما نريده يجب أن تقرّه لجنة الاستثناءات”. الأسبوع الماضي، أقرّت لجنة الاستثناءات موازنة لترميم البيوت والمباني القابلة للنقل.

ويُخبر رئيس المجلس يركوني، الذي تولّى مهامّه مؤخرًا إنّ النقص في الشقق فاجأه، لكنه مقتنع أنّه يمكن التغلُّب عليه. حسب أقواله، “الخطّة هي استيعاب 150 عائلة جديدة كلّ عام. لقد تغيّرت البلدة الصغيرة والحميمة، وتوصّلنا إلى الاستنتاج أنّ هذه غلطة. نريد تربية وتعليمًا على مستوى عالٍ ومركزًا تجاريًّا، وهذه الأمور لا يمكن تحقيقها سوى في بلدة كبيرة. إن لم يحدُث نموّ، يفقد المكان معناه”.

تظنّ يعقوب أنّ النموّ والاستيطان في المنطقة هما مصلحة وطنيّة، لكنّ “المال لا يصِل إلينا”. إنهم يعترفون أنّ جُزءًا من المشكلة هو أنهم لا يصرخون كفاية، لكنّ يعقوب تعتقد أنّ الشكاوى الكثيرة قد تجعل الذين يريدون المجيء إلى المنطقة يهربون. ذكرت شارون بسيل أنّ محطة القطار قد تُقنع الناس بالقُدوم لأنها تسهِّل التنقُّل، “وكذلك فتح معبر إضافيّ لنقل البضائع إلى غزة، ما يُخفِّف من الضغط في الشارع، أو تحقيق السلام… ما يحدُث أوّلًا”.

نشر هذا المقال لأول مرة باللغة العربية في صحفية “هآرتس

اقرأوا المزيد: 955 كلمة
عرض أقل
وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)
وتيرة الحياة في غزة: نظرة من الداخل (AFP)

غزة أولا (مجدّدا؟)

الخروج إلى طريق إعادة الإعمار الشامل للقطاع سيكون مؤشرا لحماس بأنّ عليها القيام بالكثير من التنازلات في المقابل، سواء تجاه السلطة أو تجاه إسرائيل، إذا كانت فعلا معنية بتجنّب مخاطر أخرى على حكمها في القطاع.

في الأسابيع الأخيرة يُثار مجددا الخوف من تصعيد عسكري في قطاع غزة. قد تجرّ توترات داخلية في منطقة القطاع، بين حماس والتنظيمات الجهادية السلفية المحلية، إسرائيل وحماس إلى جولة مواجهة أخرى، لا يرغب بها كلا الطرفين. ومع ذلك، ففي خلفية الحوار الحالي حول الوضع الأمني في ساحة القطاع، يجب أن نتذكر السياق السياسي والجيو-استراتيجي الأوسع، والذي تستمر غزة في إطاره بلعب دور رئيسي وحاسم بشكل خاصّ.

بعد جولة الحرب التي جرت بين إسرائيل وحماس في صيف عام 2014، وعلى ضوء نتائجها الاقتصادية والإنسانية الخطيرة، والتي وقعت على القطاع خلالها، فهناك اهتمام ظاهر وزائد بإعادة إعمار البنى التحتيّة الاقتصادية والمدنية في المنطقة. فضلا عن ذلك، وخصوصا على ضوء ضعف حماس النسبي، يُعتبر تحدّي إعادة الإعمار من قبل المزيد والمزيد من الجهات الغربية، ذات الصلة بالعملية السياسية، كرافعة ممكنة لهدنة طويلة الأمد بين حماس وإسرائيل ومن ثم كوسيلة لتحقيق تهدئة في الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية ككلّ.

من المثير للاهتمام أن نلاحظ التشابه بين التركيز الحالي على قطاع غزة وبين خط التفكير، الذي هيمن على الخطاب حول العملية السياسية في الفترة التي جاءت مباشرة بعد التوقيع على اتفاقات أوسلو، أي فكرة “غزة [وأريحا] أولا” (اتفاق القاهرة) – والذي تم الاتفاق عليه في أيار 1994 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، التي كانت قد تأسست للتو. هناك فجوات واضحة بين تلك الفترة وهذه الفترة الحالية، خصوصا فيما يتعلق بالثقة لدى كلا الطرفين في القدرة أساسا على تعزيز اتفاق سلام شامل، وكذلك على مستوى تماسك الساحة السياسية الفلسطينية. ومع ذلك، وهذا هو وجه الشبة بين تلك الفترة والفترة الحالية، فقد عادت غزة لتُعتبر أكثر فأكثر كنقطة، يمكن منها، بل ربّما يجب، تجديد الحوار السياسي – الإقليمي بين إسرائيل والفلسطينيين.

اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)
اتّفاق أوسلو (Vince Musi/The White House/Wikipedia)

لا شكّ أن تنفيذ خيار “غزة أولا” كقاعدة انطلاق لتعزيز العملية السياسية سيكون معقّدا للغاية، وخصوصا على ضوء حقيقة أنّه خلال العقدين الماضيين انقسم الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى ثلاثة صراعات: بين إسرائيل، السلطة الفلسطينية وحماس. ومع ذلك، أحد الدروس الرئيسية التي يمكن استخلاصها من أحداث تلك السنوات العاصفة هو أنّ محاولات الماضي في تجاهل قطاع غزة وحماس، مع بذل الجهد لإحداث انفراجة سياسية، لم تُقرّب إسرائيل والفلسطينيين إلى اتفاق السلام.

بعد انتصار حماس في انتخابات البرلمان الفلسطيني، والتي جرت عام 2006، تركّز النهج الرئيسي لإسرائيل تجاه السياسة الفلسطينية – بدعم من جهات دولية رائدة وعلى رأسها الولايات المتحدة – على تعزيز الخلاف القائد بين

حماس وفتح كوسيلة لإضعاف حماس. وبعد أن تحوّل العداء الداخلي في الساحة الفلسطينية إلى العنف وأدى إلى سيطرة حماس على قطاع غزة عام 2007، تركّزت تلك السياسة على بذل الجهد لإضعاف حماس من خلال عزل حكومتها والقطاع بأسره. على هذه الخلفية، اعتُبر تجديد الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بقيادة فتح، طريقًا لتعزيز التفاهم الإسرائيلي – الفلسطيني وفرصة للاستمرار في عزل وإضعاف حماس على حدّ سواء. ومع ذلك، فإنّ هذه السياسة المدمجة من القيود الاقتصادية والعزل السياسي لم تُخضِع حماس، وبنفس الدرجة لم يساعد تجاهل القطاع على تعزيز اتفاق سياسي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. بكلمات بسيطة، إنّ تجاهل المشكلة لم يخفِها، وإنما زادها حدّة. واليوم، كما في الماضي، بقيت حماس وقطاع غزة مكونات مركزية في الساحة الفلسطينية، والتعامل معها أمر حيوي لأي سعي لعملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.

الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)
الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)

على المستوى الاقتصادي، فقد تباعد قطاع غزة والضفة الغربية عن بعضهما البعض منذ بداية التسعينيات، ومنذ العام 2007 فإنّ الفجوة بين المنطقتين آخذة بالازدياد. ومع ذلك، في نهاية المطاف، فإنّ الدمج الاقتصادي بينهما، سواء بواسطة استثمار في التنمية الاقتصادية لقطاع غزة أو من خلال تشجيع العلاقات الاقتصادية بين غزة والضفة الغربية، سيؤدي دورا حاسما في قدرات الدولة الفلسطينية المستقبلية على الوجود وأداء دورها. حتى ذلك الحين، فعلى الموقف الدولي تجاه قطاع غزة أن يرتكز على ثلاثة مجالات: المزيد من المال، المزيد من فرص الوصول والمزيد من التكامل.

المزيد من المال: تتميّز جهود إعادة إعمار القطاع بنقص التمويل، حيث إنّ جميع المنظمات الدولية العاملة في غزة تقريبا تفتقر إلى الميزانية المطلوبة لإعادة الإعمار والمساعدة. فضلا عن ذلك، فنحو ربع التبرّعات فقط والتي وُعد بها لمشروع إعادة الإعمار، ما مجموعة نحو ثلاثة مليار دولار، وصلت فعلا إلى القطاع.

المزيد من فرص الوصول: من أجل تمكين إنجاز مشروع إعادة الإعمار يجب إدخال المزيد من مواد البناء إلى القطاع، جنبًا إلى جنب مع تخفيف التقييدات الاقتصادية المفروضة على المنطقة والتنقّل في المعابر الحدودية، سواء من قبل مصر أو من قبل إسرائيل. ومن أجل أن يكون ذلك ممكنا مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف الإسرائيلية من الآثار الأمنية المترتّبة على الوصول الأكثر مرونة إلى غزة ومنها، سيتطلّب الأمر انتشارا أمنيا للقوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على الحدود بالإضافة إلى إعادة قوة EUBAM التابعة للأمم المتحدة إلى المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، “المزيد من فرص الوصول” معناه العمل على قلب الوضع الحالي من عزلة غزة ومزج جديد بين أسواق القطاع والضفة الغربية.

المزيد من الدمج: يجب تعزيز الدمج السياسي بين فتح وحماس كجزء من عملية إعادة الإعمار. بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فإنّ الدمج ليس ضروريا فقط من أجل إعادة ترسيخ وجودها – بدرجة أو بأخرى – في القطاع، وإنما أيضًا لتعزيز هدف الاستقلال الفلسطيني. إن تجاهل حماس، التي هي الهيئة السياسية المُسيطرة فعليا على غزة، يتجاهل حقيقة أنّ فرض اتفاق سياسي، لا تكون حماس مستعدة على قبوله وحتى بشكل غير معلن، يُصعّب على فتح فرضه أيضًا في الضفة الغربية، ناهيك عن القطاع نفسه. من المرجح أن تُلقي حماس بآمالها على الصراع العنيف من أجل التشويش على هذه العملية، والتي هي ليست شريكة فيها ومن غير المفترض أن تحصل من خلالها على أية تعويضات من أي نوع.

يبدو أنّه قد حان الوقت لوقف إطلاق النار المستمر بين إسرائيل وحماس. منذ انتهاء جولة المواجهة الماضية، أظهر كلا الطرفين مرارا وتكرارا عزمهما على تجنّب اللعب بالقرب من الفصائل الجهادية، التي تسعى إلى إشعال جولة أخرى من العنف في الساحة الغزية. ومع ذلك، فلا ينبغي التوصل إلى تفاهم صريح أو ضمني بين إسرائيل وحماس على حساب السلطة الفلسطينية. على العكس من ذلك، يجب إبقاء الدمج السياسي المتجدد بين غزة والضفة الغربية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته السابق رامي الحمد الله (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته السابق رامي الحمد الله (AFP)

على رأس الأولويات، كوسيلة لإعادة العملية السياسية إلى المسار. من الحيوي – منذ الآن – تعزيز التنسيق المؤسسي بين السلطة وحماس، حيث تضع الحكومات المانحة الرئيسية، وهي محقّة في ذلك، تعاون السلطة في مشروع إعادة الإعمار كشرط مسبق لذلك، حيث يتم تحويل الأموال المطلوبة والموعود بها ويتقدّم المشروع بدأب كامل. ولذلك، ينبغي الاستمرار في التزام السلطة الفلسطينية كشريك فلسطيني في العملية السياسية، من بين أمور أخرى، من خلال الدعم الاقتصادي الكبير والمستمرّ، إلى جانب التوقع الواضح لتنسيق حقيقي بين السلطة وحماس. بل وقد يتطوّر ذلك إلى جهود مصالحة أخرى بين كلا الطرفين الخصمين وإلى تشكيل قواعد جديدة للعبة، بالإضافة إلى توازن مؤسسي للقوى بينهما.

دون شكّ، فإنّ مبادرة سياسية تفصيلية، وحتى خطة تستند إلى الأداء (performance based)، متدرّجة وطويلة الأمد فقط، ستساعد في إقناع السلطة الفلسطينية، بأنّ برنامج “غزة أولا (مجدّدا)” لا يهدف إلى تجاوزها باعتبارها الممثل المعترف به للشعب الفلسطيني في العملية السياسية، وبذلك تليين موقفها إزاء التنسيق مع حماس.

بالنسبة لحماس، فإنّ المبادرة السياسية ستثبت للحركة بأنّ مشروع إعادة الإعمار لا يهدف، بأي شكل من الأشكال، إلى التخفيف من وجودها العسكري في القطاع. في حين أنّ نزع السلاح من حماس هو هدف غير واقعي في الظروف الحالية؛ فإنّ إيقاف جهود التسلّح لدى الحركة سيكون صعب التحقيق والتنفيذ. ولا يزال مجرد الخروج إلى طريق إعادة الإعمار الشامل للقطاع مؤشرا لحماس بأنّ عليها القيام بالكثير من التنازلات في المقابل، سواء تجاه السلطة أو تجاه إسرائيل، إذا كانت فعلا معنية بتجنّب مخاطر أخرى على حكمها في القطاع.

على أية حال، ينبغي أن نعتبر تغيير سياسة عزل غزة وحماس وتركيز الانتباه على “غزة أولا” ليس مجرّد خطوة تهدف إلى منع التدهور إلى جولة عنف جديدة في المستقبل القريب، وإنما أيضًا كخطوة تهدف إلى تمهيد الطريق لتجديد حوار بناء بين إسرائيل والفلسطينيين.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع INSS

اقرأوا المزيد: 1194 كلمة
عرض أقل
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته السابق رامي الحمد الله (AFP)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومته السابق رامي الحمد الله (AFP)

فتح لم تعد تحتمل

الشارع الفلسطيني لا ينظر إلى الحكومة على أنها حكومة وفاق وطني بل ينظر إليها على أنها حكومة رام الله، بمعنى حكومة فتح وبدأ، يحاسب فتح على عجزها، بينما لم يلحق بحماس أي ضرار

لم يتفاجأ أحد من إمكانية استقالة حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله. فالحكومات الفلسطينية، وبشكل عام، لا تُعمّر كثيرا. لكن استقالة حكومة وفاق تنطوي على دلالات سياسية ولا يمكن اختزال الأمر بأمور فنية او شكلية.

صحيح أن الحكومة تعمل وسط أزمة اقتصادية محدقة تجعل من عملها ومن إمكانية نجاحها أمر مستحيل. صحيح أيضاً أن قيادات فتحاوية لم تتوقف عن انتقاد الحكومة ومهاجمة عملها أو عمل بعض الوزراء. صحيح أن الشارع الفلسطيني لم ير أي انجاز يُذكر لحكومة التوافق. صحيح أن تسمية الحكومة بحكومة توافق كان بعيداً كل البعد عن الحد الأدنى من التوافق.

مصادر فلسطينية في الضفة الغربية وفي قطاع غزة ترى أنه كان بالإمكان إطالة عمر هذه الحكومة، حتى ولو قصريا، لكن ثمة أمور سياسية حصلت في الآونة الاخيرة من شأنها أن تساعد على تفسير النهاية التي وصلت اليها حكومة الوفاق.

لقاء رئيس وأعضاء حكومة الوفاق الفلسطيني بنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (AFP)
لقاء رئيس وأعضاء حكومة الوفاق الفلسطيني بنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (AFP)

حكومة الوفاق الوطني وجدت نفسها، في ظل ربيع عربي دامي، في قاع سلم أولويات العالم العربي مما أفقدها أي قدرة على تحقيق أي إنجاز يُذكر بالنسبة للمواطن الفلسطيني. المساعدات الدولية لم تستطع أن تلبي سوى بعض المشاريع المحددة التي لم يشعر المواطن الفلسطيني أنها تؤثر إيجاباً، على حياته اليومية وتحديداً على معيشته. في ظل حالة الشلل التي ميّزت عمل الحكومة، شعرت بعض القيادات في حركة فتح أن الشارع الفلسطيني لا ينظر إلى الحكومة على أنها حكومة وفاق بين الضفة وغزة، بين حماس وفتح، بل ينظر للحكومة على أنها حكومة رام الله، بمعنى حكومة فتح وبدأ، أي الشارع، يحاسب فتح على عجز الحكومة، بينما لم يلحق بحماس أي ضرار جراء هذا العجز. من هنا، ومن عدم قدرة قيادات فتح على تسيير الحكومة وفق رؤيتها، بدأت حرب إعلامية واضحة بين بعض رموز فتح وبين الحكومة – أعضاء ورئيساً.

العامل الأهم في تفسير استقالة الحكومة يكمن في العلاقة مع قطاع غزة وتحديداً مع حركة حماس. فحكومة الوفاق ورغم زيارة هنا أو هناك قام بها رئيسها ووزرائها الى القطاع، إلا أنها لم تكن تتمتع بأي قدر من السلطة على أرض القطاع. فرغم الوفاق كانت تحتاج أي زيارة لأي مسؤول حكومي أو وزير إلى قطاع غزة إلى تصريح من قبل حركة حماس. فقد حالت المناكفات السياسية في غالبية الأحيان الى إلغاء زيارات الوزراء الى قطاع غزة. ففي ظل حكومة التوافق لم تتوقف اتهامات حماس إلى الحكومة من أنها لم تلتزم بدفع رواتب موظفي حكومة غزة السابقة وانها تتواطئ مع الجانب الإسرائيلي لمنع تزويد القطاع ما يحتاجه من وقود ليحصل سكانه، بشكل منتظم أكثر، على الكهرباء.

الاصرار الذي أبداه بعض مسؤولي فتح على ضرورة إنهاء عمل الحكومة للأسباب التي ذكرناها وعدم القدرة على ممارسة اي سلطة في قطاع غزة كان لهما وزن في إنهاء عمل الحكومة. لكن بهذا القرار أراد أبو مازن أن يقول لحماس أنه مع الوفاق ولكن ليس بكل ثمن. فلم يغب على الرئيس الفلسطيني التقارب الغير رسمي والغير مباشر بين حماس وإسرائيل: حرص متبادل على التهدئة، انباء عن وساطات للتوصل الى هدنة وإلى تفاهمات سياسية طويلة المدى بين حماس وإسرائيل، رغبة إسرائيلية في تخفيف أزمة القطاع نظر أليها أبو مازن انها محاولة إسرائيلية على مساعدة حماس لتعزيز سيطرتها على القطاع. تنسيق إسرائيلي حمساوي في إدخال مزيد من البضائع، السماح بدخول تجار القطاع الى إسرائيل، السمح بدخول عمال من القطاع الى إسرائيل، السماح بدخول مصلين من القطاع إلى القدس وإلى المسجد الأقصى، محاولة إسرائيلية مستمرة لتخفيف العزلة العربية والدولية المفروضة على حماس. كل هذا جعل قيادات في فتح وحول أبو مازن بإنهاء هذه المعادلة والتي فيها فتح هي الخاسر الوحيد وحماس، على اعتبار أنها ليست حكومة أو شريكة في الحكومة، تفلت من أي محاسبة شعبية وجماهيرية.

الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)
الدمار التي خلفته الحرب في قطاع غزة (AFP)

ورغم مباركة السلطة قرار مصر بفتح معبر رفح إلا أنها تنظر الى هذه الخطوة المصرية على أنها جزء من حراك سياسي يهدف الى إقناع حماس بعدم التغريد خارج السرب العربي في ظل استقطاب عربي – إيراني وسني – شيعي واضح. وتنظر السلطة الى الأنباء عن هدنة قد تبرم بين إسرائيل وحماس تشمل تسهيلات كبيرة في عملية إعادة بناء القطاع أنها محاولة التفاف عليها وعلى حكومة الوفاق.

في ظل كل هذه المعطيات لم يجد الرئيس الفلسطيني أي جدوى في الحفاظ على حياة هذه الحكومة. صحيح أن تصريحات مستشاريه تتحدث عن الشروع في اتصالات مع كافة القوى، بضمنها حماس، لإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن الجميع مقتنع، أنه إذا ما لم تُستعمل على ابي مازن ضغوطات خارجية، فإن حماس لن تكون جزء من الحكومة ألتي سترتكز على وجوه فتحاوية أو حتى مستقلين، لكن من الطراز الفتحاوي.

اقرأوا المزيد: 682 كلمة
عرض أقل
عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق (AFP)
عضو المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق (AFP)

إزدياد المؤشرات لاحتمال توقيع اتفاقية تهدئة لخمس سنوات بين إسرائيل وحماس

أوردت صحيفة القدس، على لسان مصادر مُطّلعة في الحركة: حماس تضع اللمسات الأخيرة على اتفاق لتهدئة طويلة الأمد، وقيادي في الحركة اعترف: "تسلمنا أفكارًا مكتوبة تتعلق بملف التهدئة"

تُضاف بعض الدلالات الجديدة، هذا الصباح، إلى الصورة الآخذة بالتكامل والتي تُشير إلى أن إسرائيل وحركة حماس على وشك توقيع اتفاقية تهدئة طويلة الأمد فيما يتعلق بقطاع غزة.

وصرح مسؤول ملف العلاقات الدولية في حماس، أسامة حمدان، لصحيفة “فلسطين” أن حماس تلقت اقتراحًا مكتوبًا يتعلق بملف التهدئة، وأن القيادة تدرس الرد حاليًّا. ويتضمن الاقتراح، وفق التصريح، مسألة فتح المعابر وإنشاء الميناء البحري في قطاع غزة. تم توصيل هذا الاقتراح من خلال مسؤولين من الرباعية الدولية، وتقول التقارير إن من نقل هذا الاقتراح هو ممثل الأمم المُتحدة، نيكولاي مالدنوف.

وأوردت صحيفة القدس اليوم، على لسان مصادر مُطلعة في حماس، أن هناك إجماع لدى قيادة الحركة فيما يخص الاقتراح الذي تم تلقيه.

سافر عضو المكتب السياسي للحركة؛ موسى أبو مرزوق، وفق التقرير، بشكل مفاجئ إلى قطر، يوم السبت الماضي، لوضع “اللمسات الأخيرة” على الاتفاق. أجرى أبو مرزوق محادثات مُكثفة مع رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل.

وافقت إسرائيل، وفق التقارير الواردة، على إنشاء ميناء بحري “عائم”، في قطاع غزة، ولكنها رفضت رفضا قاطعًا إعادة إعمار المطار الفلسطيني الذي كان فعالاً في التسعينيات.

شدد الكثير من الجهات الإسرائيلية مؤخرًا على الضرورة الماسة لتوقيع اتفاق يُتيح إعادة إعمار غزة. وكان الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، قد صرّح أن إعادة إعمار قطاع غزة هي مصلحة إسرائيلية. وكان رئيس شعبة الأبحاث في المخابرات الإسرائيلية، العميد إيلي بن مائير، قد قال قبل أسبوع إن “إعادة إعمار غزة هو الأساس لضمان الهدوء”.

اقرأوا المزيد: 217 كلمة
عرض أقل
الجنود الاسرائيليين خلال عملية الجرف الصامد (Moshe Shai / Flash90)
الجنود الاسرائيليين خلال عملية الجرف الصامد (Moshe Shai / Flash90)

التقرير الإسرائيلي حول عملية “الجرف الصامد”: النفخ في قربة مقطوعة

فعالية تقرير وزارة الخارجية الذي نُشر أمس مشكوك فيها. إذا اتخذت إسرائيل مبادرة لإعادة إعمار غزة أو تعاونت مع لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، والتي من المتوقع أن تنشر التقرير اليوم، لكانت النتيجة أفضل

تم بذل مئات الساعات من عمل المحامين، الدبلوماسيين والضباط في 270 صفحة من التقرير الإسرائيلي حول عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة.

كانت النتيجة وثيقة شاملة، مفصلة، معلّلة ومصاغة بمبررات منطقية. إنه حلم كل محام. ورغم ذلك، فإن فعالية التقرير مشكوك فيها. ليس مبالغًا القول إنّ تأثيره على مكانة إسرائيل الدولية، وضعها القانوني والصورة العامة لها سيكون أكثر بقليل من إجراء النفخ في قربة مقطوعة.

رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة

تم نشر التقرير الإسرائيلي أمس (الأحد) من أجل الاستعداد للتقرير التابع للجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بخصوص الحرب في غزة والذي قد يُنشر اليوم. كان أحد الأهداف الرئيسية هو محاولة التأثير على طبيعة التغطية وعلى الرواية التي سيتم سردها في وسائل الإعلام الدولية في الأيام القريبة. ومن المشكوك فيه إذا كان سيتم تحقيق هذا الهدف.

البروفسور ويليام شاباس (Facebook)
البروفسور ويليام شاباس (Facebook)

كان في المؤتمر الصحفي في وزارة الخارجية والذي عُرض فيه ملخّص التقرير أمس حضور قليل جدا للصحفيين الإسرائيليين والأجانب. رغم العمل الجاد الذي تم بذله في كتابة التقرير فلم يُوفر معلومات جديدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ المحامين الثلاثة الذين تم اختيارهم ليكونوا “مقدّمي” التقرير وجدوا صعوبة في إثارة الاهتمام أو تغليف الوثيقة بعناوين ساحقة تكون رائدة في التغطية الإعلامية.

رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية

رغم أن التقرير كان جدّيا، فهو في نهاية المطاف ليس أكثر من ورقة دعاية مبذول فيها جهدا وطويلة بشكل خاص من قبل الحكومة الإسرائيلية. هكذا سيتم النظر إليه أيضًا من قبل القليلين الذين سيقرأونه من أوله حتى نهايته أو من قبل القليلين الذين سيقرأون الملخّص مع أهم الاستنتاجات. في العالم الذي نعيش فيه وفي عام 2015، وخصوصا في الدول الغربية، لم يعد ذلك كافيا.

إذا أرادت دولة إسرائيل الإقناع بعدالة القرارات التي اتخذتها والعمليات التي قامت بها في الصيف الماضي، كان عليها أن تُقيم لجنة تحقيق مستقلة وغير مرتبطة بها تشارك فيها أيضًا جهات دولية. هذا هو تماما ما جرى في لجنة تيركل التي حقّقت في أحداث أسطول الحرية التركي لغزة. كان للتقرير الذي أعدته لجنة تيركل دورًا حاسمًا في قرار لجنة التحقيق التابعة للأمين العام للأمم المتحدة حيث لم تنتهك إسرائيل القانون الدولي عندما سيطرت على سفينة “مرمرة”.

أحد الأسباب الرئيسية لكون التقرير ليس أكثر من ممارسة أكاديمية يكمن في حقيقة أنّ إسرائيل قد قررت مقاطعة لجنة التحقيق التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. كان جزء كبير من قرار عدم التعاون مع اللجنة عاطفيا ولكن كانت خلفية منطقية للجزء الآخر. فبعد كل شيء كان لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحيّز واضح ضدّ إسرائيل وتم وضع القانوني المعادي لإسرائيل، وليام شاباس، على رأس اللجنة.

بنيامين نتنياهو (Ohad Zwigenberg/POOL)
بنيامين نتنياهو (Ohad Zwigenberg/POOL)

ومع ذلك، أصبح قرار مقاطعة لجنة التحقيق أقل منطقية ومعقولية بعد أن استقال شاباس بشكل مخز بسبب التعارض الصارخ في المصالح، وتم تغييره بالقانونية الأمريكية ماري مكجوان ديفيس.‎ ‎وقد أصدرت الأخيرة، التي لديها مواقف معتدلة تجاه إسرائيل، قبل عدة سنوات تقريرا قررت فيه أنّ التحقيقات التي أجراها الجيش الإسرائيلي في أعقاب عملية “الرصاص المصبوب” قد استمرت لوقت طويل جدا، ولكنها جرت بشكل مناسب مع استثمار الكثير من الموارد من قبل إسرائيل.

إذا كانت إسرائيل قد قررت التراجع، والتعاون مع ماري مكجوان ديفيس حول أحداث عملية “الجرف الصامد” وعرض نتائج التقرير عليها، فهناك احتمال كبير أن يؤدي هذا الأمر إلى نتائج أفضل. إن حقيقة أن ذلك لم يحدث يثير الشكوك أنّ الحكومة الإسرائيلية قد قاطعت اللجنة فقط لكي تستطيع الادعاء في نهاية المطاف بأنّ الحديث عن زمرة من المعادين للسامية وأنّ العالم كله ضدّنا.

ولكن المشكلة الأصعب للتقرير الإسرائيلي الذي تم عرضه أمس هو أنّه يعاني من نفس المشكلة التي تعاني منها سياسة الحكومة الإسرائيلية منذ أن دخل بنيامين نتنياهو إلى ديوان رئيس الحكومة عام 2009. يبدو أنّ نتنياهو ورجاله في السنوات الست الأخيرة يحاولون حلّ كل مشكلة سياسية تواجهها إسرائيل من خلال إيجاد الحجة المفبركة والناجحة التي ستقنع العالم كله أنّ إسرائيل صادقة. ولكن الطريق لتجنيد دعم العالم يكون أقوى بالأفعال مقارنة بالأقوال. إنّ مبادرة سياسية إسرائيلية لإعادة إعمار غزة مع المجتمع الدولي كانت ستعمل بشكل أفضل من أي تقرير.‎ ‎

نُشر هذا المقال على “صحيفة “هآرتس‎”‎

اقرأوا المزيد: 641 كلمة
عرض أقل