مُتظاهرون عرب في تل أبيب ضدّ بشار الأسد والقتل في حلب  (Flash90/Amir Levy)
مُتظاهرون عرب في تل أبيب ضدّ بشار الأسد والقتل في حلب (Flash90/Amir Levy)

لماذا لا تدين القيادة العربية في إسرائيل الأسد؟

بعد الهجوم على إدلب، حاول أيمن عودة نشر استنكار، ولكن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة عارضت. بالمقابل، في نهاية الأسبوع، شجب قائد الجبهة الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على سوريا

إن الشرخ داخل المجتمع العربي في إسرائيل حول الحرب في سوريا ليس جديدا، ولكن في كل مرة تظهر فيها مشاهد قاسية من الحرب، يثور جدلا بين مؤيدي نظام الأسد وبين مؤيدي المعارضة السورية.

ظهر هذا الخلاف في الرأي في الأسبوع الماضي أيضا، عندما شُن الهجوم الكيميائي على إدلب الذي نُسب إلى نظام الأسد وراح ضحيته عشرات القتلى ومن ثم ظهر الجدل ثانية بعد هجوم شنته الولايات المتحدة على قاعدة جوية في سوريا. نشرت صحيفة “هآرتس” في عددها الوارد اليوم صباحا (الأحد) أن بعد الهجوم الكيميائي حاولت القائمة المشتركة برئاسة عضو الكنيست أيمن عودة نشر استنكار إلا أنه لم يُنشر بسبب معارضة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. ولكن بالنسبة للهجوم الذي شنته الولايات المتحدة فلم ينشر أي خبر. نشر نشطاء ومسؤولون كبار من الأحزاب التي تشكل القائمة المشتركة استنكارا شخصيا ومنفردا.

متظاهرون عرب في إسرائيل يدعمون بشار الأسد ويعارضون الهجوم الأمريكي (Flash90/Isam Rimawi)
متظاهرون عرب في إسرائيل يدعمون بشار الأسد ويعارضون الهجوم الأمريكي (Flash90/Isam Rimawi)

منذ وقت طويل تشكل الحرب الأهلية السورية محط الخلاف الأكبر في المجتمَع العربي في إسرائيل. يعرّف مناصرو مليشيات الثوار في سوريا، غالبا هم من الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية في إسرائيل، الحركة العربية للتغيير (برئاسة أحمد الطيبي)، وجزء من التجمع الوطني الديمقراطي (برئاسة جمال زحالقة) الأسد بصفته طاغيا، لا يخاف من تدمير بلاده بهدف الحفاظ على حكمه.

بالتباين، يحتفل مناصرو الأسد وحليفتيه، إيران وروسيا، غالبا هم نشطاء من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (بزعامة محمد بركة)، وجزء منهم من التجمع الوطني الديمقراطي، بالنجاحات العسكرية التي حققها نظام الأسد. يعتقد داعمو نظام الأسد أن النجاحات الأخيرة مثل السيطرة على حلب والقضاء على أوكار المقاومة الإسلامية، تشكل انتصارا على الولايات المتحدة وحلفائها من دول الخليج وتركيا. وقد أشادوا ببوتين في الماضي بسبب تدخله.

وتزداد حدة هذه النقاشات أحيانا في شبكات التواصل الاجتماعي. ينعت داعمو الأسد معارضيه بعملاء إسرائيل، السعودية وقطر، بينما ينعت معارضوه داعميه بالفاشيين. ولكن تبقى التنظيمات الاجتماعيّة والسياسية في المجتمع العربي في إسرائيل صامتة رغم أن الموضوع يتصدر أحداث الساعة. تفضل لجنة المتابعة الخاصة بعرب إسرائيل وكذلك الأحزاب التي تمثل الجمهور العربي، بما في ذلك القائمة المشتركة ألا تحاول الاستجابة للتحدي.

اقرأوا المزيد: 304 كلمة
عرض أقل
وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان (Flash90)
وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان (Flash90)

ليبرمان: من المؤكد %100 أن الأسد مسؤول عن الهجوم الكيميائي”

بعد الهجوم الكيميائي في إدلب الذي حصد أرواح 100 سوري، وزير الدفاع الإسرائيلي في مقابلة خاصة يدعي أن الأسد مسؤول عن إصدار أوامر شن الهجوم

“شُن الهجومان الكيميائيان الفتاكان على المواطنين في ريف إدلب في سوريا وعلى مستشفى محلي بأمر مباشر ومخطط له من الرئيس السوري، بشار الأسد، من خلال طائرات سورية”، هذا وفق أقوال وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، لصحيفة “يديعوت أحرونوت”. “هذا مؤكدا %100″، أضاف.

“الأفظع” أضاف ليبرمان، “أن المصابين الذين تم إخلاؤهم من منطقة الهجوم إلى المستشفى تعرضوا ثانية إلى سلاح كيميائي عندما شنت طائرات الجيش السوري هجوما على المستشفى أيضا”. قال وزير الأمن، ليبرمان ردا عن السؤال هل شاركت روسيا في الهجوم الكيميائي: “ليس معروفا. نحن نعرف أن الهجوم كان سوريا منذ البداية حتى النهاية”.

وأدان ليبرمان كثيرا اللامبالاة في العالم تجاه الهجوم الكيميائي، مدعيا أنه في ظل هذه اللامبالاة حول المأساة في سوريا، على إسرائيل أن تعتمد على نفسها فقط. “حاول الأسد سابقا الحصول على سلاح نووي عبر كوريا الشمالية، وكذلك يعمل القادة المسؤولون في المنطقة مثل حزب الله ونصرالله بهذه الطريقة”.

وأضاف: “هناك أكلو لحوم البشر. عندما يسألونني لماذا لا يعم السلام في الشرق الأوسط فأشعر أن هذا السؤال شبيه بالسؤال هل يمكن أن يصبح أكلو البشر نباتيين. كلمة السلام لم تعد ذات صلة بالشرق الأوسط. يمكن أن نتوصل إلى تسويات سياسية ولكن ليس إلى سلام”.

السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن، نيكي هالي،  تعرض  صور أطفال سوريين تضرروا أثناء الهجوم (AFP)
السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن، نيكي هالي، تعرض صور أطفال سوريين تضرروا أثناء الهجوم (AFP)

إلى ذلك، عقد مجلس الأمن في الأمم المتحدة اجتماعا خاصا أمس (الأربعاء) للبحث في هجوم النظام السوري على إدلب. هاجم ممثلو دول مختلفة أثناء النقاش سوريا وحليفتها روسيا. وهاجمت السفيرة نيكي هالي، السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن روسيا أيضًا.عرضت هالي صور أطفال سوريين تضرروا أثناء الهجوم، قائلة إن الأسد لن يكف عن استخدام السلاح الكيميائي طالما لا تتوقف روسيا عن حمايته.

وما زالت إسرائيل تستنكر الهجوم الفظيع. اليوم صباحا، أجرى الحاخام الرئيسي الإسرائيلي سابقا، الحاخام لاو، مقابلة مع محطة الإذاعة قائلا: ” لا شك أن الأحداث التي يمر بها الشعب السوري هي بمثابة الهولوكوست. مَن سيقرع الأجراس التي تطالب بوقف هذا القتل؟ علينا أن نُسمع صوتنا هذا”.

اقرأوا المزيد: 289 كلمة
عرض أقل
طفل سوري يتلقى علاجا طبيا في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي شنه الأسد على حي خان شيخون في إدلب (AFP)
طفل سوري يتلقى علاجا طبيا في أعقاب الهجوم الكيماوي الذي شنه الأسد على حي خان شيخون في إدلب (AFP)

تقديرات إسرائيلية: أوامر الهجوم الكيماوي صدرت من القيادات العليا للنظام السوري

وفق التقديرات، من المحتمل جدا أنه استُخدم غاز السارين أثناء الهجوم، وصودق على استخدامه بسبب الأمان المتزايد لدى النظام من حيث اسقراره. على ما يبدو، فقد استُخدم غاز كان في مستودعات قديمة احتفظ بها نظام الأسد

تصادق المعلومات لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية إلى حد كبير على التقارير الواردة من مدينة إدلب، شمال غرب سوريا، التي تشير إلى أن نظام الأسد استخدم غاز السارين في الهجوم الذي راح ضحيته أمس (الثلاثاء) نحو مئة مواطن سوري وجُرح المئات. ركز الهجوم على الجزء الجنوبي من مدينة خان شيخون، الواقع تحت سيطرة منظمات الثوار.

يعيش المواطنون الذين أصيبوا في منطقة مدينية، تبعد نحو 15 كيلومترًا عن خطوط التماس بين الجهات المقاتلة، في عمق المناطق التي تسيطر عليها الثوار. إن رفض نظام الأسد الذي ادعى، من بين ادعاءات أخرى، أن طائراته شنت هجوما مستخدمة وسائل قتالية عادية وأنه في إحدى الهجمات تضررت حاوية تضمنت سلاحا كيميائيا كانت تابعا للثوار، لا تبدو حقيقية في إسرائيل.

تقدر إسرائيل أن الهجوم صادقت عليه النخب العليا في النظام السوري، إلا أنه لا يمكن المعرفة بشكل مؤكد إذا شاركت راعيتا بشار الأسد، روسيا وإيران، في الهجوم أيضا. في الأشهر الماضية، في ظل تعلق الرئيس بشار الأسد إلى حد بعيد بالمساعدات العسكرية والاقتصادية الخارجية، حافظ الأسد على إمكانية اتخاذ قرارات بشكل مستقل، فيما يتعلق بترتيبات وقف إطلاق النار في محادثات استانة وفيما يتعلق بشن عمليات عملياتية أثناء الحرب.

وفق التقديرات في إسرائيل، يهدف الهجوم أمس إلى نقل رسالة تهديدية إلى بعض تنظيمات الثوار، التي لم تعمل في الأسبوعين الماضيَين بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. من المفترض أن الأسد أو قيادين بارزين في نظامه صادقوا على استخدام سلاح كيميائي على خلفية الأمان المتزايد في الحكم من حيث استقراراه وقدراته، في أعقاب إنجازات عسكريّة حققها في القتال منذ إكمال السيطرة على مدينة حلب في كانون الأول الماضي.

وتقدر المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن النظام السوري قد احتفظ أيضا منذ اتفاق تفكيك مستودعات الأسلحة الكيميائية، منذ صيف 2013، بكمية ضئيلة من السلاح الكيميائي تتضمن غاز الأعصاب سارين. لقد دُمرت غالبية البنى التحتيّة للسلاح الكيميائي في إطار الاتّفاق، ولكن ما زال من المحتمل أن النظام السوري عمل على إعادة حيازة سلاح بيولوجي من نوع “سارس”، وكذلك على إنتاج سلاح كيميائي مجددا.

رغم ذلك، من المحتمل أن الغاز الذي استُخدم أمس هو جزء من بقايا مستودعات قديمة احتفظ بها نظام الأسد. منذ الاتفاق، استخدم النظام السوري في حالات كثيرة، سلاحا كيميائيا مختلفا، ولكن هذه هي المرة الأولى منذ أربع سنوات التي يُستخدم فيها غاز السارين، وهو غاز قاتل بشكل خاصّ.

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في صحيفة هآرتس

اقرأوا المزيد: 359 كلمة
عرض أقل
أطفال سوريون يتلقون علاجا بعد شن هجوم كيميائي في إدلب (AFP )
أطفال سوريون يتلقون علاجا بعد شن هجوم كيميائي في إدلب (AFP )

لماذا يموت الكثير من الأطفال في الهجمات الكيميائية في سوريا؟

الباحثة الخبيرة في شؤون سوريا، أليزابيث تسوركوف، في مقابلة خاصة لموقع "المصدر" في أعقاب الهجوم الكيميائي على إدلب: "أصيب أصدقائي الذين وصلوا لالتقاط الصور ولتقديم المساعدة من الغاز. ثمة تقديرات تشير إلى غاز السارين"

على خلفية الصور القاسية لجثث الأطفال الذين تضرروا إثر الهجوم الكيميائي الذي شنه جيش الأسد في ريف إدلب في سوريا، وأذهلت العالم، اليوم الثلاثاء، تحدثنا مع الباحثة أليزابيت تسوركوف، الخبيرة في شؤون سوريا، بهدف تلقي معلومات.

يرد الكثير من التقارير من سوريا. كيف يمكن أن نعرف إذا كانت التقارير حقيقية أم لا؟

“من الصعب أن أتطرق إلى التقارير بصفتها كاذبة، فهناك أشخاص ينكرون الهولوكوست في يومنا هذا أيضا. لدي أصدقاء في سوريا يبلغون عن الأعمال الفظيعة التي يشاهدونها. كيف يمكن أن نوضح ظاهرة قتل كافة العصافير، والأطفال الذين لا يتحركون بعد استنشاق الغاز؟”

الباحثة الخبيرة في شؤون سوريا، أليزابيث تسوركوف (Facebook)
الباحثة الخبيرة في شؤون سوريا، أليزابيث تسوركوف (Facebook)

هل نوع الغاز الذي استخدم معروف؟

ليست هناك إمكانية لمعرفة ذلك طالما لا تؤخذ عينات من المصابين وتُفحص مخبريا. يتطلب ذلك أسبوعين على الأقل. وفق الشهادات، يبدو أن الغاز المستخدم هو غاز سارين أو غاز تابون، والغازان هما غازا أعصاب استخدمهما نظام الأسد سابقا. من المؤكد أن الحديث لا يدور عن غاز “الكلور”، أولا لأنه لم تكن هناك رائحة الكلور وهي رائحة قوية ومعروفة، ثانيا لأن حجم الوفاة أكبر بكثير من حجم الضرر الذي يحدثه عادة غاز الكلور، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين لم يكونوا في المنطقة أثناء شن الهجوم ووصلوا إليها لاحقا لتقديم المساعدة أو التقاط الصور تضرروا عندما اقتربوا من المصابين.

وصل صديق شخصي لي، وهو مصور، لالتقاط الصور فأصيب جراء استنشاق الغاز. في هذه الأثناء انقطع الاتصال بيننا، ولا أعرف في أي مستشفى هو الآن أو إذا كان ما زال على قيد الحياة. وكذلك لا أعرف معلومات عن صحفيَين آخرَين أيضا. وصل أطباء، ومساعدون آخرون، وعمال إنقاذ من منظمة “الخوذ البيضاء” لتقديم المساعدة للمصابين، وكل من لمس الجرحى أو القتلى دون أن يستخدم قفازات تضرر أيضا.

ماذا يحدث الآن في أرض الواقع؟ ما هو عدد المصابين؟

وفق الصور والتقارير الواردة من سوريا هناك بعض عشرات القتلى، ما لا يقل عن 50 قتيلا، وهناك تقارير تتحدث عن أكثر من 100 قتيل. وبالإضافة إلى ذلك هناك مئات الجرحى والمصابين، وعلى ما يبدو، قد تضرروا بعد الهجوم أيضا. ما زالت البلدة تتعرض إلى هجوم جوي مكثف وإلى إطلاق نيران “تقليدي” مكثف جدا. أطلِقت النيران على بعض مراكز المساعدة، وعلى عيادة كبيرة عالجت الجرحى إثر الهجوم الكيميائي، وتضرر مركزان تابعان لمنظمة “الخوذ البيضاء”. ما زال الأشخاص يتعرضون للأذى وحال المدينة صعب جدا.

كيف يمكن تفسير أن الأطفال قد تضرروا أكثر من الآخرين نسبيا؟ هل كان الهجوم موجها ضدهم؟

يتضرر الأطفال من الهجوم الكيميائي لأن النظام يستخدم غازا ثقيلا يترسب، وعندها يستنشقونه بكمية أكبر. أما الكبار، فلأنهم أطول، نسبة الغاز التي تصل مستوى وجههم منخفضة أكثر. أمر مشابه حدث خلال الهجوم الكيميائي السابق الذي شنه نظام الأسد في الضواحي الشرقية من دمشق بتاريخ 31.8.2013، الذي قُتِل فيه 1400 مواطن، فقد مات الكثير من الأطفال للسبب ذاته.

لماذا شُن الهجوم على إدلب تحديدًا؟ هل هذه منطقة استراتيجية؟

ليس واضحا. هذه المنطقة بعيدة نسبيًّا عن خط الجبهة، تقع في مركز منطقة سيطرة المعارضة. كان هناك الكثير من المظاهرات في هذه المنطقة، ولم تكن ضد نظام الأسد فحسب مثل ما حدث في كل مدينة، بل ضد منظمات الثوار مثل جبهة النصرة أيضا. ففيها نسبة دعم واسعة للجيش السوري الحر، ولكن ليس هناك في المنطقة ثكنة أو مواقع استراتيجية. جرى الهجوم على المدينة على منطقة مأهولة بالمدنيين.

إلى ماذا يشير توقيت الهجوم حول الأسد ووضعه؟ هل يحاول الأسد نقل رسالة إلى العالم؟

في الأسبوعين الماضيَين نشهد زيادة تدريجية في استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي. يمكن أن نفترض أن هذا مرتبط بتصريحات الإدارة الأمريكية، مثلا، وزير الخارجية وسفيرة الولايات المتحدة في الأمم، اللذين قالا إن الولايات المتحدة لا تعتزم إسقاط الأسد. وهناك شعور عام أن الرئيس ترامب يقترب من بوتين.

اقرأوا المزيد: 554 كلمة
عرض أقل
سكان حلب يفرون من القصف الروسي (AFP)
سكان حلب يفرون من القصف الروسي (AFP)

المعركة القادمة للأسد بعد حلب

عملية تصفية الحسابات القاتلة التي ينفّذها جنود الأسد لن تنتهي بالانتصار الاستراتيجي في حلب. فالأسد يوجّه أنظاره الآن إلى مناطق أخرى عديدة يستقرّ فيها الثوّار، على رأسها إدلب

عشرات الآلاف من سكّان شرقي حلب هم اليوم في خطر حقيقي على حياتهم. ليس فقط بسب نقص الطعام والأدوية وتدمير كلّ المستشفيات في المدينة، بل بسبب عملية “تصفية الحسابات” التي بان أولها في اليومَين الماضيَين، إذ قام جنود الأسد والميليشيات الداعمة له بتنفيذ مجزرة ضدّ كلّ مَن يُشتبَه بتعاونه مع الثوّار. ينضمّ الجنود السوريون وأفراد الميليشيات إلى عصابات النهب التي لا ترحم أحدًا، بل تقتحم البيوت، تنهب كلّ من تصادفه، وتبيع مسروقاتها لكلّ مَن يرغب.

حلب، التي استولى عليها المعارضون، خضعت لنظام الأسد. ومقاتلو المعارضة سيُخلَون عبر الحافلات، مع السكان المحليين الذين بقوا في أنقاض ما كان ثاني أكبر مدينة في سوريا.‎ ‎وسيؤدي اتفاق وقف إطلاق النار، الموقَّع بوساطة روسية وتركية، إلى إفراغ حلب من معارضي الرئيس بشار الأسد، الذي سيتمكن بعد ثلاث سنوات ونصف من القتال من الإعلان أنّ العاصمة الاقتصادية لبلاده في حوزته.

ثوار حلب يخسرون المعركة أمام البطش الأسدي (AFP)
ثوار حلب يخسرون المعركة أمام البطش الأسدي (AFP)

حقّق الأسد وشركاؤه في الحرب السورية انتصارًا عسكريا وإعلاميا هائلا بحسم معركة حلب، لكنّ الحرب في سوريا بعيدة عن نهايتها، وستستمر وقتًا طويلا بعد. سبب ذلك هو رفض المعارضين أن يستسلموا، وعدم استعداد الجيش السوري للإقامة الطويلة في المناطق التي يستعيدها. فظاهرة الانشقاقات والتهرب من الخدمة العسكرية، فضلًا عن الخسائر الكبيرة في الأرواح، أدّت إلى انخفاض عديد الجيش إلى النصف مقارنةً بعدده عشية الحرب الأهلية.

“هذا هو سبب عودة العديد من البلدات والقرى التي يُخضعها جيش النظام إلى الثوار، ثمّ إلى الجيش من جديد. هذا ما يمكن أن يحدث أيضًا في حلب ومحافظة إدلب شمالي البلاد، التي هرب إليها مَن تبقى من الثوّار. فهناك ستدور كما يبدو المعركة الأساسية القادمة”، كما قدّر هذا الصباح المحلّل العسكري الإسرائيلي لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي.

الرابحون الأساسيون من انتصار الأسد في حلب هم أبناء الطائفة العلوية وأقليات أخرى، بينها السُّنة من الطبقة الوسطى الذين يكسبون رزقهم بفضل النظام. توفّر السيطرة على حلب ميزات استراتيجية عديدة للنظام. فالمدينة شكّلت جبهة لوجستية وعملياتية للجيش السوري، فيما يقطع سقوطها في يد النظام عن الثوار قواعد إمدادهم في تركيا. لكن بادئ ذي بدء، يبرز الإنجاز المعنوي، الذي يرفع معنويات الأسد ويقضي على الروح القتالية لمعارضيه، الذين يُذبَحون في هذه الأيام شرقي المدينة مع المواطنين المحليين.‎ ‎

الروس أيضًا رابحون من حسم المعركة على المدينة. فوفق منهجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعزّز القوة الجوية التي أرسلها إلى سوريا قوة الأسد في السلطة، لكنها بالمقابل تحافظ على تبعية السوريين لسوريا.

في المعركة القادمة التي ستكون إدلب مسرحها كما يبدو، سيستمرّ الروس في طريقة الغارات الثقيلة وعديمة التمييز من الجوّ، فيما يواصل الجيش السوري والميليشيات الشيعية زحفها نحو المدينة، ساحقةً كلّ من يجرؤ على معارضة النظام أو يُعتبَر كذلك.

اقرأوا المزيد: 399 كلمة
عرض أقل