يعزز تدمير نفق حماس على حدود قطاع غزة هذه الليلة (بين يومي السبت والأحد) الاستنتاج أن إسرائيل نجحت في إيجاد حل دفاعي، رغم أنه ما زال بعيدا عن أن يكون مثاليا ولكنه فعالا جدا ضد تهديد الأنفاق الهجومية من قطاع غزة. ويعتبر النفق الذي كشفته إسرائيل ودمرته بالقرب من معبر كرم أبو سالم في المنطقة الحدودية بينها وبين قطاع غزة ومصر النفق الرابع الذي كشفته في غضون ثلاثة أشهر تقريبا، منذ تشرين الأول الماضي.
يعزز تدمير النفق المشكلة لدى حماس حول كيفية التعامل مع نجاح المنظومة الأمنية في حرمانها تدريجيا لحماس من أحد أهم ممتلكاتها الهجومية الرئيسية. لا يرتبط العثور على النفق الأخير مباشرة ببناء الحاجز ضد الأنفاق على طول حدود قطاع غزة. بل اتضح أنه جزء من المنطقة التي لم تبدأ فيها الأعمال. ولكن الدمج بين الوسائل – التكنولوجية، الاستخباراتية، والعملياتية- وبين بناء الحاجز، الذي سيُكتمل بناء معظمه حتى نهاية هذا العام، يدل على أن الأمور لا تسير لصالح حماس والجهاد الإسلامي (كان النفق الأول الذي دُمر تابعا لمنظمة صغيرة جدا).
تعتقد قيادة حماس، أن الأنفاق هي مشروع استراتيجي استثمرت فيه مئات ملايين الشواقل طيلة نحو عقد وعمل فيه آلاف عمال الحفريات والناشطون العسكريون. حتّى الآن، لم تعرب حماس عن ردها على الخطوات الإسرائيلية. لم يكن نشطاؤها متورطين بشكل مباشر بإطلاق الصواريخ باتجاه منطقة النقب، بل أطلقها نشطاء سلفيون والجهاد الإسلامي. ويبدو أن عدم رد حماس على تدمير الأنفاق يعكس الأزمة الاستراتيجية التي تواجهها وأنه يصعب عليها تلبية احتياجات سكان غزة الاقتصادية الفورية الذين يصل تعدادهم إلى نحو مليوني مواطن، فضلا عن علاقاتها غير المستقرة مع مصر وتنفيذ اتفاق المصالحة مع السلطة الفلسطينية بشكل بطيء.
بات الاحتجاج ضد أعمال حماس كبيرا هذه المرة. لا يقتصر الأمر على كشف نشاطاتها الهجومية المخطط لها في الأراضي الإسرائيلية، وعلى النفق تحت معبر كرم أبو سالم – وهو الشريان الرئيسي لنقل البضائع إلى قطاع غزة (بالقرب من خطوط الأنابيب التي تزود الغاز والوقود إلى غزة) فحسب – بل على المس بالسيادة المصرية، التي تعتمد عليها حماس في التخفيف من ضائقة القطاع.
وادعت حماس في البداية أن قوات سلاح الجو قصفت نفقا مدنيا مخصصا لتهريب البضائع ولم تكن مسؤولة عن إدارته. ولكن تصر إسرائيل على أن مقاتلي وحدة “النخبة” في حماس شاركوا في حفر النفق، وأن تشعب جزء من النفق تحت المعبر يشير إلى خطة مستقبلية لتنفيذ هجوم في الأراضي الإسرائيلية.
إن استمرار الحفر باتجاه مصر قد يعكس خطة لتهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة أو إرسال إرهابيين من الجانب المصري عند الحاجة لتعزيز الهجوم على المعبر الإسرائيلي. منذ سنوات كانت تعتقد المنظمات الفلسطينية أن المعابر تشكل هدفا مشروعا بل مرغوبا به لشن هجمات، رغم الأضرار التي قد تلحق بسكان قطاع غزة. هناك تاريخ طويل من العمليات الانتحارية واستخدام الأنفاق ضد معابر إيرز، كارني، وكرم أبو سالم منذ منتصف التسعينيات.
تشهد نشاطات الجيش الإسرائيلي المتزايدة في غزة على عملية مستمرة ضد الأنفاق، وعلى أنها ستستغرق وقتا طويلا. على أية حال، فإن الأولويات الإسرائيلية في قطاع غزة واضحة: تركز إسرائيل جهودها على بناء حاجز ضد الأنفاق، وتحديد مكان الأنفاق وتدميرها حتى الانتهاء من بناء الحاجز. ومن المفترض أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمال قيام إحدى المنظمات الفلسطينية بشن هجوم مفاجئ، عبر نفق، قبل العثور على الأنفاق الأخرى وتدميرها.
إضافة إلى الخوف من حدوث كارثة إنسانيّة في القطاع، فإن الانشغال بالأنفاق يشكل عاملا كابحا في الاعتبارات الإسرائيلية حول ما إذا كان يجب خوض معركة شاملة مع حماس في غزة. يحتل التخلص من الأنفاق الهجومية سلم الأولويات لدرجة أن الزعماء مستعدون لتجاهل إطلاق الصواريخ من قطاع غزة إلى حد معين، حتى لو استمر وقتا طويلا، طالما لا تقع إصابات في إسرائيل.
في هذه الأثناء، وفق وسائل الإعلام الأجنبية، ما زالت النشاطات الإسرائيلية نشطة ومستمرة ضد إيران وحزب الله في الأراضي السورية. وبما أن الجهود العسكرية ما زالت قائمة في المنطقة الشمالية وتعمل وفق مبدأ سياسة التعامل حتى النهاية، وباتت تشكل خطرا كبيرا لاندلاع حرب، على إسرائيل أن تحسب خطواتها بعناية لمواصلة نجاحاتها العسكرية وتجنب حدوث صراع في كلا الجبهتين في الوقت ذاته.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني