أنصار بيت المقدس

إسرائيليون يستجمون في سيناء خلال عيد العرائش – سوكوت- 2016 (Johanna Geron/FLASH90)
إسرائيليون يستجمون في سيناء خلال عيد العرائش – سوكوت- 2016 (Johanna Geron/FLASH90)

سيناء.. عودة الفردوس

عادت سواحل شبه جزيرة سيناء إلى جذب السياح من إسرائيل بعد سنوات من تحولها إلى منطقة "سيئة السمعة" من الناحية الأمنية، حافلة بالمخاطر والمسلحين

01 أبريل 2017 | 09:50

شكّل شبه جزيرة سيناء، لا سيّما ساحل البحر الأحمر الجنوبي الشرقي، طوال سنوات عديدة مركز جذب للسيّاح. فمنذُ توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وعودة شبه الجزيرة إلى السيادة المصريّة، قام المصريون بتطوير المنطقة كموقع سياحيّ مُعدّ لجمهور أوروبي وإسرائيلي، وبُنيت بها قرى استجمام عديدة وفنادق فاخرة تابعة لشبكات فنادق دولية.

دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)
دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)

والأسباب التي تجذب الإسرائيليين إلى سيناء عديدة: أسعار المبيت المنخفضة، والقُرب من إسرائيل، والأمن النسبي، والخدمات باللغة العبرية. حتى قبل سنوات معدودة، في كل إجازة امتدّ طابور كبير من الإسرائيليين الذين أرادوا عبور الحدود إلى سيناء. وقد كانت بانتظارهم هناك سواحل طبيعية وواسعة، رمل وماء نقيّ، وطاقات مكّنتهم من الهدوء والشعور بشكل أفضل.

إضافة إلى الطبيعة الساحرة، إسرائيليون كثيرون اكتشفوا فيها أفضلية كبيرة لتوفّر الحشيش والماريجوانا، غير الشرعيّين وغير المتوفّرَين كثيرًا في إسرائيل، فيما كانت وافرة، رخيصة، وبجودة عالية في سيناء، دون احتمال كبير للقبض عليهم. أدّى هذا إلى أن يُنظَر إلى كثير من المسافرين إلى سيناء على أنهم “مُخدَّرون” أو “مهملون”، لكنّ هذا لم يمنع عائلات مع أولاد أو سيّاحًا أكبر سنًّا ومستقرين من السفر إلى هناك.

ومن مناطق الاستجمام المفضّلة للإسرائيليين رأس الشيطان، دهب، بير سوار، نويبع، المحاش، طابا، وغيرها. في هذه الشواطئ ثمة فنادق فاخرة إلى جانب “خُشَش”، أكواخ من قشّ مفروشة، أحيانًا غير موصولة بالكهرباء. يمكن لكلّ شخص أن يختار الظروف التي تناسبه، وفقًا لموازنته وطبيعة الإجازة التي يحبّ.

طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)
طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)

كذلك، على طول الكيلومترات الستمئة لشواطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة يقع بعض أجمل مواقع الغطس في العالم، التي تشكّل قبلة يحجّ إليها الغطّاسون من كافّة أرجاء المعمورة. الحيود البحرية، الممتدة على طول شبه الجزيرة، هي في وضع مُمتاز بالنسبة للحيود الموجودة شمال الحدود مع إسرائيل على طول شواطئ إيلات، سواء بسبب قلّة الغطّاسين نسبيًّا، أو بسبب التطوير السياحي القليل نسبةً إلى كمية الشواطئ.

تروي إسرائيلية كانت معتادة على الذهاب إلى سيناء للاستجمام بشكل دائم: “بدأت رواية عشقي لسيناء قبل 13 سنة. كنتُ في الثامنة عشرة حين انبهرت عيناي أول مرة بالشواطئ الذهبية، البحر الفيروزي، و”الخُشَش” الملوّنة. رحّب البدو بنا ترحيبًا حارًّا، كان الطعام ممتازًا، تسلّل الهدوء الساحر سريعًا إلى داخلي، ونسيتُ هموم العالم بأسرة لحظةَ جلستُ على الأرجوحة الشبكية القريبة. وجدتُ إجازة الأحلام، في الظروف المثالية: أقرب ما يمكن إلى الطبيعة والبحر، أقلّ نفقات مالية، والمقابل – أكبر قدر ممكن من السعادة”.

موقع الغطس "Blue Hole"، سيناء (photo: meir, wikipedia)
موقع الغطس “Blue Hole”، سيناء (photo: meir, wikipedia)


“كانت سيناء مكانًا عُذريًّا وآمنًا جدًّا. نبع الإحساس بالأمان عن البدو أيضًا، الذين عبّروا عن مشاعر دافئة تجاه الإسرائيليين حسب أصول الضيافة لديهم، وكذلك لأنّ الوضع بين إسرائيل ومصر كان جيّدًا نسبيًّا. لم تكن هناك تحذيرات، لم تُحّذر وزارة الخارجية من السفر إلى هناك مرارًا، وكان الوضع السياسي لدى الجيران هادئًا. كان الصخب الوحيد الآتي من الجنوب نابعًا عن دويّ الأمواج”.

لكنّ كل ذلك بدأ بالتغيُّر عام 2004. في تشرين الأول، الذي يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازة فيه بسبب الأعياد اليهودية، وقع عدد من التفجيرات ضمن ما يُدعى “هجمة الإرهاب على سيناء”. بدأ الهجوم بتفجير في فندق هيلتون طابا، ثم وقع في الليلة نفسِها تفجيران آخران هزّا شاطئ رأس الشيطان الهادئ. أودى التفجيران في مركزَي السياحة الشعبيَّين بحياة 34 شخصًا، بينهم 13 إسرائيليًّا، فيما أصيب 171 آخرون.

شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)
شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)

مباشرةً بعد التفجيرات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيرات من السفر، وطلبت من الإسرائيليين عدم السفر إلى سيناء. وأخبرت المواقع الإخبارية عن “آلاف الإسرائيليين الذين يعودون أدراجهم من سيناء”، كما امتنع سيّاح عديدون من الاقتراب إلى المنطقة. بعد شتاء هادئ نسبيًّا، ينخفض فيه النشاط وعدد السيّاح بشكل طبيعيّ، ورغم آمال القيّمين على المنشآت السياحيّة في المنطقة، لم يكن الصيف القادم “ما كان يومًا ما”.

قُبَيل بدء الصيف، بدأت التقارير في إسرائيل تعرض سواحل بديلة “للمُحبَطين من سيناء”، وبدأ المستجمّون يبحثون عن مكان آخر للاستجمام والهدوء. لكن رغم التجارب، استمرّ كثيرون في الادّعاء أن لا بديل لشواطئ سيناء. “إذا كانت الشواطئ قريبة ورخيصة، في البلاد مثلًا، فإمّا أنها غير جميلة كفاية، أو أنها مكتظّة بالسيّاح، مثل إيلات، ناهيك عن شواطئ اليونان وتركيا. إذا كانت جميلة ومنعزلة كفايةً، مثل تايلاند، فهي بعيدة جدًّا، والوصول إليها باهظ الثمن ومُضنٍ”، يروي أحد سكّان القدس الذي اعتاد على الاستجمام كلّ صيف في سيناء.


“للوصول إلى سيناء، كان كلّ ما علينا فعله أن نستقلّ الحافلة بسعر باخس، أن نجتاز الحدود، فنصل مباشرة إلى الفردوس – قريب، رخيص، والأهمّ جميل وهادئ جدًّا. هذا ناهيك عن محبي الغطس، الذين وجدوا عالمًا مذهلًا تحت المياه بعيدًا بضع ساعات فقط عن البيت”.

وهكذا، رغم المساعي المصرية للحفاظ على أمن السيّاح، قلّت جدًّا السياحة الإسرائيلية في سيناء. فأقفل عدد كبير من مواقع الاستجمام التي كانت تعتمد على السيّاح الإسرائيليين أبوابه، أو بدأ بالاتّكال على السياحة الأوروبية.

ورغم ذلك، ظلّ بعض الإسرائيليين أولياء لفردوسهم الخاصّ دونما خوف، محافظين على علاقات وديّة مع البدو هناك. في الفترة التي كانت التفجيرات الانتحارية تحدث في كل حدب وصوب في إسرائيل، كان الهروب إلى سيناء بالنسبة لبعض الإسرائيليين بمثابة “شاطئ الأمان”، بالمعنيَين، واستمرّت مجموعات صغيرة من السيّاح في السفر إلى هناك سنويًّا.

لكن عام 2011، حدث تغيير كبير مجدّدًا، هذه المرة بشكل متطرّف أكثر، بعد أن اجتازت مصر انقلابًا. تابع الكثير من الإسرائيليين بترقّب ما جرى في ميدان التحرير، استمعوا إلى الأخبار، وقرأوا التحليلات. لكن من عدم اليقين الكبير، كان ثمة استنتاج واضح جدًّا – السفر إلى سيناء أصبح أصعب من ذي قبل.

الخوف والشكّ، اللذان لم تنجح التفجيرات في زرعهما في عدد من الإسرائيليين، امتدّا مع وصول تقارير عن فوضى عارمة في مصر، عدم استقرار في السلطة، مناطق كاملة خارجة عن سلطة القانون، وعناصر إرهابيّة ملأت الفراغ الناتج. أضحت سيناء أرضًا مهجورة، منطقة حدودية يخاف حتى القانون من أن يدخلَها.

برهن انعدام الهدوء الذي شهدته الحدود، والتفجيرات التي خرجت من منطقة سيناء وأنفاق التهريب التي استمرّ يُكشَف النقاب عنها أنّ المخاوف مبرَّرة. اكتمل في سيناء المسار الذي بدأ عام 2004، إذ تحوّلت إلى مكان غير آمن بشكل جليّ بالنسبة للإسرائيليين.

استهداف زورق للجيش المصري قبالة سواح سيناء (Abed Rahim Khatib / Flash90)
استهداف زورق للجيش المصري قبالة سواح سيناء (Abed Rahim Khatib / Flash90)

وازدادت الأوضاع الأمنية سوءا بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى شبه الجزيرة عبر حركات جهادية هناك بايعته، ووقوع مواجهات دامية بين عناصر مسلحة تنتمي إلى تنظيم الدولة وقوات الأمن المصرية. وكان الهجوم الأقسى في الأول من يوليو/ تموز 2015، إذ شن تنظيم “أنصار بيت المقدس” هجمات متزامنة في شمال شبه الجزيرة، أودت بالعشرات من قوات الجيش المصري.

ورغم تحول سيناء في العشر سنوات الأخيرة وأكثر إلى منطقة سيئة السمعة من الناحية الأمنية، وتصدرها قائمة المناطق الخطرة التي تحذر الدول مواطنيها من السفر إليها، إلا أن السياحة فيها لم تمت يوما. فقد واصل إسرائيليون كثيرون السفر إليها، متجاهلين التحذيرات المتعلقة بها من مكتب مكافحة الإرهاب. وحتى أن المعطيات الرسمية للعام المنصرم تدل على أن مئات الآلاف من الإسرائيليين قضوا عطلة فيها.

ويمكن القول، بحذر شديد، إن الأوضاع الأمنية في شبه الجزيرة، لا سيما في المناطق السياحية، شهدت تحسنا كبيرا. ويعود ذلك إلى الحملة الأمنية غير المسبوقة التي شنها الجيش المصري ضد الحركات الإرهابية هناك ومواجهة المسحلين بقوة وردم الأنفاق بين شبه الجزيرة وغزة، وإلى رغبة السكان البدو في إعادة السياحة إلى شواطئ سيناء والتي تعد مصدر رزق لكثيرين.

فهل تعود سيناء لتكون الفردوس الذي فقد في السنوات الماضية؟ نأمل أن يكون الجواب نعم.

اقرأوا المزيد: 1071 كلمة
عرض أقل
أنصار بيت المقدس ولاية سيناء
أنصار بيت المقدس ولاية سيناء

من يقف وراء اغتيال زعيم أنصار بيت المقدس في سيناء؟

إنجاز مصري هام في اغتيال أبو دعاء الأنصاري إضافة إلى 45 ناشطا آخرين. موقع فرنسي أفاد أن هناك تعاونا استخباراتيا بين إسرائيل ومصر

بعد فترة طويلة من القتال الصعب بين الجيش المصري وبين أنصار بيت المقدس، فرع داعش في سيناء، نجح الجيش المصري في اغتيال زعيم التنظيم، أبو دعاء الأنصاري، في سلسلة هجمات جوية في منطقة العريش. قُتل أيضا 45 ناشطا آخرين من التنظيم، ومن بينهم مسؤولون، وعشرات الجرحى.  إضافة إلى ذلك، دُمرت وسائل قتالية تابعة للتنظيم الإرهابي.

حظي تنظيم أنصار بيت المقدس في بداية طريقة بدعم تنظيم القاعدة، حتى شهر تشرين الثاني 2014، حين أعلن عن مبايعة تنظيم داعش وأصبح فرعا له في مصر. منذ عام 2013، ازداد نشاطه الجهادي، سواء كان في شبه جزيرة سيناء أو في العمق المصري على حد سواء، بما في ذلك تنفيذ عمليات في القاهرة العاصمة، ونجح في التسبب بالكثير من الخسائر في أوساط الجيش المصري. يُنفذ التنظيم، أحيانا ضربات ضد إسرائيل، وقد نجح في عام 2011 في تنفيذ عملية داخلها، عندما أطلق نارا على حافلة كانت تقل سياحا وهم في طريقهم إلى مدينة إيلات الواقعة في الجنوب. كان الإنجاز الهام الذي حققه التنظيم عندما أسقط طائرة روسية في سيناء في شهر تشرين الأول 2015.

لقد أثار ازدياد قوة التنظيم قلقا في إسرائيل أيضا، التي سمحت في السنوات الأخيرة لمصر بإدخال قوات مصرية كبيرة ومن بينها قوات سلاح الجو إلى شبه الجزيرة، وفق اتفاق السلام بين البلدين. نجح الجيش المصري بفضل هذه المساعدة في صد التنظيم إلى حد معين والقبض على خلايا إرهابية في المنطقة.

يُعتبر تنظيم أنصار بيت المقدس أحد أنجع فروع داعش في الشرق الأوسط، وكان معروفا عن نقص وصعوبة في تغطيته الاستخباراتية. هذا هو السبب وراء طرح شكوك كثيرة حول تدخل إسرائيلي في العملية وفي كل مرة كان يحقق الجيش المصري إنجازا ضد التنظيم.

أفاد هذه المرة موقع فرنسي Intelligence Online أن هناك تعاونا استخباراتيا بين إسرائيل ومصر ضد داعش وفروعه في مصر. في السنة الماضية، ادعى عناصر من أنصار بيت المقدس عن وجود تعاون، وأبلغوا عن ضربات وطلعات جوية لطائرات إسرائيلية من دون تيار في سماء سيناء. في هذه الأثناء، تتجاهل مصر وإسرائيل الأخبار وليستا معنيتين بالرد عليها.

اقرأوا المزيد: 311 كلمة
عرض أقل
مقاتلو الدولة الإسلامية يتلفون الاف علب السجائر
مقاتلو الدولة الإسلامية يتلفون الاف علب السجائر

بالفيديو: داعش يحرق كميات كبيرة من السجائر في غزة

داعش يهتم جداً بصحة مواطني قطاع غزة ويقوم بإتلاف آلاف علب السجائر أمام عدسات الكاميرات لتنقل رسالة ضد مصدري السجائر ومستخدميها

07 فبراير 2016 | 15:06

نشرت وكالة أعماق، الناطقة باسم تنظيم “داعش” الإرهابي، صورًا وفيديو لعناصر تنظيم “أنصار بيت المقدس” وهم يحرقون كميات من السجائر جنوبي رفح، أول من أمس الجمعة.

https://www.facebook.com/arabistmideast/videos/1714381528777275/

وظهر في الفيديو ثلاثة ملثمين يرتدون ملابس “بيج” ومن أمامهم كميات كبيرة من علب حمراء اللون مضرم فيها النيران، وقالت الوكالة إنها سجائر تم ضبطها من قِبل عناصر التنظيم.

اقرأوا المزيد: 54 كلمة
عرض أقل
بدو سيناء ينتمون لجماعات نصار بيت المقدس
بدو سيناء ينتمون لجماعات نصار بيت المقدس

مرور عام على داعش في شبه جزيرة سيناء

تغيّرت رياح الحرب في شبه جزيرة سيناء خلال العام 2015، في أعقاب قرار التنظيم الجهادي الرئيسي الذي ينشط في المنطقة بأداء يمين الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية. هذا التطور يضع تحديات أمام مصر وإسرائيل

في 24 تشرين الأول عام 2014، شنّ مسلّحون في شبه جزيرة سيناء حملة في عدة جبهات ضدّ ثكنات تابعة للجيش المصري. فجّر تنظيم أنصار بيت المقدس – وهو اتحاد جهادي متشدّد، تأسس في سيناء عقب أحداث الشغب عام 2011 – سيارة مفخخة دمّرت قاعدة مصرية. بعد ذلك فورا داهم رجاله هذه الثكنة. وقُتل أكثر من ثلاثين جنديا مصريا.‎

بعد ذلك بأسبوعين، في العاشر من تشرين الثاني، أعلن تنظيم أنصار بيت المقدس عن انضمامه إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. وعندها غيّر تنظيم أنصار بيت المقدس اسمه إلى ولاية سيناء. حتى قبل إطلاق اسمه الجديد، كان أنصار بيت المقدس فعلا تنظيما إرهابيا مدرّبا، وتمتّع أعضاؤه بمساعدات وتدريبات من أشخاص مرتبطين بالقاعدة، داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى المناهضة للدولة في سوريا، بالإضافة إلى مسلّحين في غزة، بما في ذلك حماس. لا شكّ أن قدرات تنظيم أنصار بيت المقدس في تصدّر العناوين في الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان جعله موضوعا رئيسا بالنسبة لداعش.

https://www.youtube.com/watch?v=20PemWzWNUg

خلال العام الفائت، أصبحت نشاطات ولاية سيناء أكثر اتساعا، تواترا وتعقيدًا. ومع ذلك، وعلى ضوء تطور التنظيم منذ العام 2011، كان يُمكن أن تحدث زيادة قوته أيضًا دون انضمامه إلى داعش. كانت الهجمة الأكبر حتى الآن في صفوف المنفّذين في ولاية سيناء/ تنظيم أنصار بيت المقدس هي اقتحام الشيخ زويّد والذي تم في الأول من تموز عام 2015، وهي المدينة الثالثة في مساحتها في شمال سيناء. كانت هذه الهجمة، التي كانت محاولة واضحة لمئات المسلّحين في السيطرة على المدينة، تحاكي بشكل واضح الطريقة التي تداهم فيها داعش وتحتلّ الأراضي في شمال غرب العراق.

الفرق بين أنصار بيت المقدس وولاية سيناء

لم تكن عملية الشيخ زويّد نموذجية، ولكنها عكست الطرق الثلاث التي تغيّر فيها التشدّد في سيناء. بداية، فإنّ ولاية سيناء تفرض اليوم تهديدا أكبر بكثير على السكان المحليّين. فقد قتل التنظيم عشرات الأشخاص بحجّة أنهم جواسيس وهدّد علنًا زعماء القبائل المعارضين له. إن الهجمات المتزايدة لولاية سيناء تشكّل خطرا على المواطنين بشكل مباشر، وفي المقابل، يمنع التنظيم تهريب الدخان والماريجوانا لكونهما “خطايا في الإسلام”. في النهاية، هاجم تنظيم ولاية سيناء وأصاب جنود مراقبين متعدّدي الجنسيات، والذي من المفترض أن يشكّل هدفا رئيسيا لذوي الطموحات الجهادية، ولكن في المقابل، فهو أيضًا صاحب العمل الأكبر على الإطلاق لدى البدو في سيناء.‎ ‎

يكمن التغيير في التعامل مع السكان المحليين في الغالب من التغيير الرئيسي الثاني الذي مر به تنظيم أنصار بيت المقدس. وفقًا للحكومة المصرية فهناك تدفق للمقاتلين الأجانب إلى داخل سيناء، ومن بينهم مصريون عادوا من الحرب في سوريا. وإذا كان هذا الكلام صحيحا، فإن زيادة أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم تنشئ فرصة، يمكن للحكومة المصرية استغلالها لصالحها. ورغم أنّ التنظيم يتمتع دائما بدعم من جهات خارج حدود مصر، لكنه حرص على الحفاظ على جدول أعماله المحلي. ما يُنظر إليه باعتباره مصالح خارجية، سواء كانت خاصة بالأجانب أو بمصر، قد يؤدي في ظروف معينة، إلى تغيير موقف السكان المحليين ومن ثم تقديم مساعدتهم إلى الحكومة المصرية في صراعها.

التغيير الثالث الجدير بالذكر، هو أنّه منذ انضمام تنظيم أنصار بيت المقدس إلى داعش، فإنّه بتجسّده في ولاية سيناء يسيطر في الواقع على أراضي سيناء. وصحيح أن الحديث يجري عن منطقة صغيرة نسبيا، ومنذ فترة طويلة، لا يقع معظم شمال سيناء تحت السيادة التامة للحكومة المصرية. وبحسب أحد المصادر الغربية، ما زال التنظيم يعزّز سيطرته على المنطقة الحدودية رغم الهجمات المتكررة للجيش المصري. وبشكل مشابه لتجسّد التنظيم السابق، تشير دعاية ولاية سيناء إلى نية التنظيم بالحكم.‎ ‎

فرصة حصول رد مصري ناجح‎ ‎

بدو سيناء ينتمون لجماعات نصار بيت المقدس
بدو سيناء ينتمون لجماعات نصار بيت المقدس

حتى الآن، فشلت مصر في مواجهة هذه التطورات في سيناء. منذ شهر تشرين الأول عام 2014، فرضت السلطات الأمنية تقييدات على سكان سيناء، ورغم ذلك، فالسكان المحليّون اليوم أقلّ أمنا مقارنة بالعام الماضي. رغم الأعداد غير المسبوقة للجنود المصريين والسلاح في سيناء – والتقارير عن مقتل نحو ألف “إرهابي” خلال السنة الماضية – لم تنجح تلك الحملات العسكرية في إخضاع معاقل ولاية سيناء. لقد اتضح أن أعضاء التنظيم قد تكبدوا الخسائر ولكن استطاعوا التعافي وزيادة معدّل الهجمات التي ينفّذونها. وفي النهاية، رغم الحواجز على طرق المرور إلى سيناء (من قطاع غزة، مصر والبحر)، فلا يزال المقاتلون الأجانب والأسلحة المتقدّمة قادرين على الوصول إلى شبه الجزيرة.

https://www.youtube.com/watch?v=QubLRC_7D6M

إن التغييرات في طبيعة وهيكل تنظيم ولاية سيناء/ أنصار بيت المقدس تنشئ نافذة من الفرص لدى مصر. للمرة الأولى، يحتاج السكان المحليون إلى الدولة كي تدافع عنهم ضدّ العنف المحلي. ومن أجل استغلال هذه الفرصة، فعلى مصر أن تقوم بأكثر مما قامت به في حملتها العسكرية التي شنّتها مؤخرا. إنّ العمليات العسكرية الفعالة والمتكررة ضرورية بطبيعة الحال، ولكن على مصر أن تعمل أيضًا ضدّ رواية داعش، بشكل يمزج بين الأقوال والأفعال. يتعيّن على الرواية المضادة أن تؤكد كيف أن ولاية سيناء تعمل ضدّ مصالح السكان المحليين. كي تثبت الدولة أنّها البديل الأفضل بالنسبة لهم، على مصر أن تتعامل مع سكان المنطقة باحترام، وأن توفر لهم الخدمات وأن تصلح تعاملها معهم بعد سنوات طويلة من القمع السياسي وغياب التنمية في المنطقة. والأهم من كل شيء، على القوى الأمنية المصرية أن توفر الأمن لسكان سيناء.‎ ‎

بدا مؤخرا أن هناك علامات لتطورات إيجابية من قبل القاهرة. كان أحد النشاطات الذي قامت به الحكومة المصرية الجديدة، بعد أن أدّت القسم في أيلول الأخير، هو نشر بيان عن “خطة شاملة لمكافحة الإرهاب في سيناء”، تدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية والعلاج الطبي لسكان سيناء ووضع برنامج تعويضات “مفصّل” للسكان الذين تضرّروا أو اضطرّوا إلى المغادرة عقب النشاط الأمني لها. كما ودعت الحكومة القوى الأمنية إلى حماية السكان من خلال الارتباط بالاستخبارات الدقيقة وتجنّب العمليات التي قد تشكل خطرا على أمنهم.

https://www.youtube.com/watch?v=80YwYAft55A

الآثار المترتبة على إسرائيل

منحت إسرائيل مصر مساحة مناورة واسعة في جهود الأخيرة لمحاربة التهديد الذي يمثله الإرهاب في سيناء على كلا البلدين. إن نشر قوى الجيش المصري على طول قناة السويس يتجاوز معاهدة السلام، ولكنه تمّ بالتنسيق التام بين البلدين. فضلا عن ذلك، تجري إسرائيل مراقبة على حدودها الغربية وتنقل معلومات استخباراتية إلى مصر. وفي الوقت نفسه، يبقى السؤال إذا ما كانت مصر قادرة على القضاء أو كبح ولاية سيناء مفتوحا.‎ ‎

ومن جهته، يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال مهاجمة التنظيم ما وراء الحدود، حيث يستهدف المواطنين الإسرائيليين في المدن أو في المواقع العسكرية، وذلك بشكل مشابه لهجماته على المواقع الأمنية المصرية. إن آفاق التحسن في عمليات الجيش المصري والسيطرة السيادية على شمال سيناء يُقدم فائدة كبيرة لإسرائيل أيضًا. ومع ذلك، ستستمر إسرائيل ومصر بالتعرّض إلى المخاطر الأمنية في المستقبل المنظور، إذا زادت السياسة المصرية، التي تخطط لإرساء الاستقرار الفوري، من التوتر في المنطقة.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع معهد أبحاث الأمن القومي ‏INSS‏

اقرأوا المزيد: 1002 كلمة
عرض أقل
مظاهرة احتجاجية لجماعات سلفية، مؤيدة للدولة الإسلامية، في قطاع غزة (AFP)
مظاهرة احتجاجية لجماعات سلفية، مؤيدة للدولة الإسلامية، في قطاع غزة (AFP)

بيعة من غزة إلى البغدادي

مصادر: تم تصوير البيعة وإرفاق أوراق كاملة بأسماء الجهاديين الغزيين، الذين بايعوا البغدادي، حتى من داخل معتقالتهم في سجون حماس

كشفت مصادر جهادية في قطاع غزة أن 100 شخص وما يزيد قرروا في نهاية شهر رمضان الماضي مبايعة خليفة تنظيم داعش (الدولة الإسلامية)، أبو بكر البغدادي. وقد نقلت البيعة منذ فترة قصيرة إلى قيادة التنظيم المتواجدة بمحافظة الرقة في سوريا قبل أن تُنقل إلى العراق للنظر فيها من قبل القيادة المركزية لداعش.

وتولى نقل البيعة المصورة، جهاديون سلفيون فروا من غزة بعد ملاحقات حماس لهم وانضموا إلى داعش منذ أكثر من 3 سنوات وكانوا من السباقين المشاركين في بداية البيعة للبغدادي أثناء وجودهم هناك. بعض هؤلاء ممن كان يرافق أول من أطلق إمارة إسلامية في قطاع غزة، عبد اللطيف موسى والذي قتلته حماس إلى جانب العشرات من الجهاديين بعد أن هاجمت مسجد ابن تيمية في الحادثة الشهيرة عام 2009.

وتقول المصادر أن البيعة تم تصويرها ثم تم إرفاق أوراق كاملة بأسماء الجهاديين الذين بايعوا البغدادي رغم أن عدد ممن بايعوا زعيم الدولة الاسلامية كان معتقلا لدى أجهزة حماس الأمنية ولكنهم أتموا بيعتهم من داخل السجون وأوصلوا بيعتهم للمشرفين على حملة البيعة. وأشارت المصادر أن عشرات أخرين أبدوا استعدادهم لتقديم البيعة إلا أنهم ينتظرون في البداية موافقة من قبل قيادة داعش.

https://www.youtube.com/watch?v=q_Y8rnTKMa4

ولفتت المصادر السلفية إلى أن من بين الذين بايعوا قيادات معروفة بعضهم معتقلين لدى حماس منذ أكثر من شهرين، مطالبين البغدادي باعتبارهم جنوداً يعملون باسم “الدولة الإسلامية” وأنهم على استعداد للقتال من أجل أن تبقى “راية الإسلام” مرفوعة.

وذكرت هذه المصادر أن أكثر من 40 فرداً من المبايعين كانوا ينشطون في صفوف حركة حماس وجناحها العسكري والآخرين من فصائل إسلامية مختلفة تركوها في السنوات الأخيرة.

ورفض القيادي السلفي الجهادي، أبو العيناء الأنصاري، تأكيد أو نفي تلك الأنباء، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى رغبة المئات من عناصرهم في غزة الانضمام لصفوف “الدولة الإسلامية”.

ومن غير الواضح حتى الأن كيف تعاطت وكيف ستتعاطى قياده تنظيم الدولة الإسلامية مع بيعه سلافيي غزه وكيف سيكون رد حماس في حال تم قبول البيعة. وكان القيادي السلفي أبو العيناء الأنصاري قال في مقابله سابقه ان هناك رغبة واستعداد كبيرين لدى السلفيين في قطاع غزه الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية و بدولة الخلافة الذي يتزعمها أبو بكر البغدادي.

مظاهرة احتجاجية لجماعات سلفية، مؤيدة للدولة الإسلامية، في قطاع غزة (AFP)
مظاهرة احتجاجية لجماعات سلفية، مؤيدة للدولة الإسلامية، في قطاع غزة (AFP)

هذا وتقود حركه حماس منذ بداية العام وتحديداً بعد حادثه ” شارلي ايبدو” في فرنسا، والتي راح ضحيتها عدد من الصحفيين الفرنسيين، حملة ضد الجهاديين السلافيين حيث يتهم السلافيون حركة حماس بأنها زجت بالمئات من أنصارهم في سجون الحركة في قطاع غزه وأن عدد ممن تم اعتقالهم قد تعرضوا لعمليات تعذيب خلال التحقيق معهم. وكان مؤيدو الجماعات السلفية نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي بيانات شخصية وصور لمحققين من حماس ادعى السلفيون انهم يقومون بتعذيب المعتقلين.

واشتدت عمليات حماس التي استهدفت السلافيين بعد أن قام هؤلاء في الأشهر الأخيرة بإطلاق قذائف صاروخية باتجاه الاراضي الإسرائيلية وتهديدهم بنسف التهدئة المبرمة بين حماس وبين الحكومة الإسرائيلية. واتهمت قيادات سلافية حماس بأنها تخلت عن المقاومة واصبحت تعمل كحرس حدود يحافظ على أمن اسرائيل.

واعتبر القيادي السلفي أبو العيناء الأنصاري في المقابلة السابقة معه أن حركه حماس, وعلى حساب السلفيين, تحاول تحسين علاقاتها مع مصر وبعض الدول الأخرة لتُظهر نفسها أنها تحارب المتشددين.

من ناحيتهم قال مسؤولون في حركة حماس أن الإعلام يضخم ظاهرة السلفيين في قطاع غزه وأن الحديث يدور عن مجموعات صغيره لا تشكل خطر على الأمن وعلى الاستقرار في قطاع غزه وأن هذا التضخيم يهدف الى اظهار قطاع غزه على انه بؤره للإرهاب.

وتعقيباً على التطورات في قطاع غزة بين حماس والسلفيين قالت مصادر مصرية أنها، ورغم التوتر بين حماس والسلافيين، لا تلمس حتى الأن أي جهود لحركة حماس تهدف الى وقف التعاون بين سلافيي الدولة الإسلامية وأنصار بيت المقدس في شبه جزيره سيناء وبين السلافيين في قطاع غزه وأن بعض عناصر الجناح العسكري لحماس يتعاونون مع مجموعات سلافيه في قطاع غزه وخارجها.

اقرأوا المزيد: 571 كلمة
عرض أقل
رأس الشيطان، سيناء (photo: Shy halatzi)
رأس الشيطان، سيناء (photo: Shy halatzi)

سيناء: الفردوس المفقود

سواحل سيناء السماوية تحوّلت من فقاعة مهدِّئة وساحرة تجذب السيّاح من إسرائيل ومن العالم كله إلى أوكار إرهاب تلقي الذعر في النفوس

كان شبه جزيرة سيناء، لا سيّما ساحل البحر الأحمر الجنوبي الشرقي، طوال سنوات عديدة مركز جذب للسيّاح. فمنذُ توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، وعودة شبه الجزيرة إلى السيادة المصريّة، قام المصريون بتطوير المنطقة كموقع سياحيّ مُعدّ لجمهور أوروبي وإسرائيلي، وبُنيت بها قرى استجمام عديدة وفنادق فاخرة تابعة لشبكات فنادق دولية.

دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)
دهب, سيناء (Amr.moustafa.shalaby)

بسبب أسعار المبيت المنخفضة، القُرب من إسرائيل، الأمن النسبي، والخدمات باللغة العبرية، اعتُبرت سيناء مقصدًا سياحيًّا مفضَّلًا للشبّان الإسرائيليين. حتى قبل سنوات معدودة، في كل إجازة امتدّ طابور كبير من الإسرائيليين الذين أرادوا عبور الحدود إلى سيناء. وقد كانت بانتظارهم هناك سواحل طبيعية وواسعة، رمل وماء نقيّ، وطاقات مكّنتهم من الهدوء والشعور بشكل أفضل. ربما ليس حسنًا القول، ولكنّ عددًا غيرَ قليل من الإسرائيليّين رأوا فيها أفضلية كبيرة لتوفّر الحشيش والماريجوانا، غير الشرعيّين وغير المتوفّرَين كثيرًا في إسرائيل، فيما كانت وافرة، رخيصة، وبجودة عالية في سيناء، دون احتمال كبير للقبض عليهم. أدّى هذا إلى أن يُنظَر إلى كثير من المسافرين إلى سيناء على أنهم “مُخدَّرون” أو “مرميّون”، لكنّ هذا لم يمنع عائلات مع أولاد أو سيّاحًا أكبر سنًّا ومستقرين من السفر إلى هناك.

 وكانت مناطق الاستجمام المفضّلة للإسرائيليين رأس الشيطان، دهب، بير سوار، نويبع، المحاش، طابا، وغيرها.  في هذه الشواطئ ثمة فنادق فاخرة إلى جانب “خُشَش”، أكواخ من قشّ مفروشة، أحيانًا غير موصولة بالكهرباء. يمكن لكلّ شخص أن يختار الظروف التي تناسبه، وفقًا لموازنته وطبيعة الإجازة التي يحبّ.

طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)
طابا، سيناء (Photo: Amr.moustafa.shalaby)

كذلك، على طول الكيلومترات الستمئة لشواطئ البحر الأحمر في شبه الجزيرة يقع بعض أجمل مواقع الغطس في العالم، التي تشكّل قبلة يحجّ إليها الغطّاسون من كافّة أرجاء المعمورة. الحيود البحرية، الممتدة على طول شبه الجزيرة، هي في وضع مُمتاز بالنسبة للحيود الموجودة شمال الحدود مع إسرائيل على طول شواطئ إيلات، سواء بسبب قلّة الغطّاسين نسبيًّا، أو بسبب التطوير السياحي القليل نسبةً إلى كمية الشواطئ.

تروي إسرائيلية كانت معتادة على الذهاب إلى سيناء للاستجمام بشكل دائم: “بدأت رواية عشقي لسيناء قبل 13 سنة. كنتُ في الثامنة عشرة حين انبهرت عيناي أول مرة بالشواطئ الذهبية، البحر الفيروزي، و”الخُشَش” الملوّنة. رحّب البدو بنا ترحيبًا حارًّا، كان الطعام ممتازًا، تسلّل الهدوء الساحر سريعًا إلى داخلي، ونسيتُ هموم العالم بأسرة لحظةَ جلستُ على الأرجوحة الشبكية القريبة. وجدتُ إجازة الأحلام، في الظروف المثالية: أقرب ما يمكن إلى الطبيعة والبحر، أقلّ نفقات مالية، والمقابل – أكبر قدر ممكن من السعادة”.

موقع الغطس "Blue Hole"، سيناء (photo: meir, wikipedia)
موقع الغطس “Blue Hole”، سيناء (photo: meir, wikipedia)

“في تلك الأيام، كانت سيناء مكانًا عُذريًّا وآمنًا جدًّا. نبع الإحساس بالأمان عن البدو أيضًا، الذين عبّروا عن مشاعر دافئة تجاه الإسرائيليين حسب أصول الضيافة لديهم، وكذلك لأنّ الوضع بين إسرائيل ومصر كان جيّدًا نسبيًّا. لم تكن هناك تحذيرات، لم تُحّذر وزارة الخارجية من السفر إلى هناك مرارًا، وكان الوضع السياسي لدى الجيران هادئًا. كان الصخب الوحيد الآتي من الجنوب نابعًا عن دويّ الأمواج”.

لكنّ كل ذلك بدأ بالتغيُّر عام 2004. في تشرين الأول، الذي يقضي الكثير من الإسرائيليين إجازة فيه بسبب الأعياد اليهودية، وقع عدد من التفجيرات ضمن ما يُدعى “هجمة الإرهاب على سيناء”. بدأ الهجوم بتفجير في فندق هيلتون طابا، ثم وقع في الليلة نفسِها تفجيران آخران هزّا شاطئ رأس الشيطان الهادئ. أودى التفجيران في مركزَي السياحة الشعبيَّين بحياة 34 شخصًا، بينهم 13 إسرائيليًّا، فيما أصيب 171 آخرون.

شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)
شاطي نوبيع، سيناء (photo: Cairocamels, vikipedia)

مباشرةً بعد التفجيرات، نشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيرات من السفر، وطلبت من الإسرائيليين عدم السفر إلى سيناء. وأخبرت المواقع الإخبارية عن “آلاف الإسرائيليين الذين يعودون أدراجهم من سيناء”، كما امتنع سيّاح عديدون من الاقتراب إلى المنطقة. بعد شتاء هادئ نسبيًّا، ينخفض فيه النشاط وعدد السيّاح بشكل طبيعيّ، ورغم آمال القيّمين على المنشآت السياحيّة في المنطقة، لم يكن الصيف القادم “ما كان يومًا ما”.

قُبَيل بدء الصيف، بدأت التقارير في إسرائيل تعرض سواحل بديلة “للمُحبَطين من سيناء”، وبدأ المستجمّون يبحثون عن مكان آخر للاستجمام والهدوء. لكن رغم التجارب، استمرّ كثيرون في الادّعاء أن لا بديل لشواطئ سيناء. “إذا كانت الشواطئ قريبة ورخيصة، في البلاد مثلًا، فإمّا أنها غير جميلة كفاية، أو أنها مكتظّة بالسيّاح، مثل إيلات، ناهيك عن شواطئ اليونان وتركيا. إذا كانت جميلة ومنعزلة كفايةً، مثل تايلاند، فهي بعيدة جدًّا، والوصول إليها باهظ الثمن ومُضنٍ”، يروي أحد سكّان القدس الذي اعتاد على الاستجمام كلّ صيف في سيناء.

“للوصول إلى سيناء، كان كلّ ما علينا فعله أن نستقلّ الحافلة بسعر باخس، أن نجتاز الحدود، فنصل مباشرة إلى الفردوس – قريب، رخيص، والأهمّ جميل وهادئ جدًّا. هذا ناهيك عن محبي الغطس، الذين وجدوا عالمًا مذهلًا تحت المياه بعيدًا بضع ساعات فقط عن البيت”.

وهكذا، رغم المساعي المصرية للحفاظ على أمن السيّاح، قلّت جدًّا السياحة الإسرائيلية في سيناء. فأقفل عدد كبير من مواقع الاستجمام التي كانت تعتمد على السيّاح الإسرائيليين أبوابه، أو بدأ بالاتّكال على السياحة الأوروبية.

ورغم ذلك، ظلّ بعض الإسرائيليين أولياء لفردوسهم الخاصّ دونما خوف، محافظين على علاقات وديّة مع البدو هناك. في الفترة التي كانت التفجيرات الانتحارية تحدث في كل حدب وصوب في إسرائيل، كان الهروب إلى سيناء بالنسبة لبعض الإسرائيليين بمثابة “شاطئ الأمان”، بالمعنيَين، واستمرّت مجموعات صغيرة من السيّاح في السفر إلى هناك سنويًّا.

لكن عام 2011، تغيّر كلّ شيء مجدّدًا، هذه المرة بشكل متطرّف أكثر، بعد أن اجتازت مصر انقلابًا. تابع الكثير من الإسرائيليين بترقّب ما جرى في ميدان التحرير، استمعوا إلى الأخبار، وقرأوا التحليلات. لكن من عدم اليقين الكبير، كان ثمة استنتاج واضح جدًّا – لا يمكن السفر إلى سيناء بعد.

الخوف والشكّ، اللذان لم تنجح التفجيرات في زرعهما في عدد من الإسرائيليين، امتدّا مع وصول تقارير عن فوضى عارمة في مصر، عدم استقرار في السلطة، مناطق كاملة خارجة عن سلطة القانون، وعناصر إرهابيّة ملأت الفراغ الناتج. أضحت سيناء أرضًا مهجورة، منطقة حدودية يخاف حتى القانون من أن يدخلَها.

برهن انعدام الهدوء الذي شهدته الحدود، والتفجيرات التي خرجت من منطقة سيناء وأنفاق التهريب التي استمرّ يُكشَف النقاب عنها أنّ المخاوف مبرَّرة. اكتمل في سيناء المسار الذي بدأ عام 2004، إذ تحوّلت إلى مكان غير آمن بشكل جليّ بالنسبة للإسرائيليين.

دخان متصاعد من سيناء جرّاء الهجمات الإرهابية في 1 يوليو كما شوهد من الجانب الإسرائيلي (Abed Rahim Khatib /Flash90)
دخان متصاعد من سيناء جرّاء الهجمات الإرهابية في 1 يوليو كما شوهد من الجانب الإسرائيلي (Abed Rahim Khatib /Flash90)

وما زالت الأوضاع الأمنية في سيناء في حالة دهور مستمر، وحتى أن الوضع يسير من سيء إلى أسوأ، خاصة بعد أن استطاع تنظيم الدولة الإسلامية الدخول إلى شبه الجزيرة عبر حركات جهادية هناك بايعته. وفي الأول من يوليو/ تموز 2015، شهد شمال سيناء هجمات متزامنة من قبل تنظيم “أنصار بيت المقدس” أودت بالعشرات من قوات الجيش المصري.

لا يبقى لدينا سوى أن نأسف على ذلك، أن نرجو أن تنجح حملة التطهير التي يقوم بها الفريق أوّل السيسي في القضاء على أوكار الإرهاب، وأن نحلم بأن يعود الاستقرار إلى مصر في أسرع وقت ممكن، حتّى نتمكّن من العودة إلى الفردوس الشرق أوسطي، الموجود اليوم في أحلام إسرائيليين عديدين فقط.

TO GO WITH AFP STORY BY MONA SALEM قوات الجيش المصري في سيناء (AFP)
TO GO WITH AFP STORY BY MONA SALEM
قوات الجيش المصري في سيناء (AFP)
اقرأوا المزيد: 995 كلمة
عرض أقل
طائرة حربية مصرية في مطار غير محدد (AFP)
طائرة حربية مصرية في مطار غير محدد (AFP)

طائرات اف 16 مصرية تقصف مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية في سيناء

ارتفعت حصيلة ضحايا المواجهات بين الجيش والجهاديين إلى 70 قتيل بين مدني وجندي ومسؤول كبير في الجيش يقول: "إنها حرب. الأمر غير مسبوق بالنسبة لعدد الإرهابيين ونوعية الأسلحة المستخدمة"

قال مسؤولون أمنيون إن طائرات اف 16 مصرية قصفت مواقع لمسلحين في تنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء، حيث قتل العشرات الأربعاء في هجمات واشتباكات مستمرة بين قوات الأمن والمسلحين المتطرفين، حسب ما أفاد مسؤولون أمنيون وشاهد عيان.

وأوضح المسؤولون الأمنيون أن الطائرات قصفت مواقع لمقاتلي الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الشيخ زويد حيث اعتلى مسلحون أسطح البنايات ولغموا الشوارع المؤدية إلى قسم الشرطة في المدينة.

ووضع الناطق باسم الجيش المصري على صفحته على فيسبوك صورا جوية “لإستهداف عدد من عربات العناصر الإرهابية أثناء محاولتهم الهرب”.

ويشن جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية هجمات على حواجز للجيش ومنشآت أمنية أخرى في عدد من المناطق في شبه جزيرة سيناء وهي الهجمات الاكثر تنظيما وقوة منذ بداية الاضطرابات اثر عزل الرئيس الإسلامي السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.

وتعتبر شمال سيناء الواقعة شرق البلاد معقلا لتنظيم أنصار بيت المقدس الجهادي الذي بات يطلق على نفسه اسم “ولاية سيناء” منذ أن بايع تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف الذي يسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا.

وقال مسؤول كبير في الجيش لفرانس برس “إنها حرب. المعارك لا تزال جارية”.

وأضاف أن “الأمر غير مسبوق بالنسبة لعدد الإرهابيين ونوعية الأسلحة المستخدمة”.

وقالت المصادر الامنية والطبية إن 36 جنديا ومدنيا مصريا و38 جهاديا من صفوف الفرع المصري لتنظيم الدولة الاسلامية قتلوا في هذه الهجمات غير المسبوقة في شبه جزيرة سيناء.

اقرأوا المزيد: 206 كلمة
عرض أقل
مجاهد في تنظيم "ولاية سيناء" التابعة للدولة الإسلامية (Twitter)
مجاهد في تنظيم "ولاية سيناء" التابعة للدولة الإسلامية (Twitter)

داعش في سيناء تبث فيديو إعدام يظهر ذبح “10 جواسيس”

نشرت الجماعة المتشددة في الفيديو نفسه، ما اسمته اعترافات ٤ من المذبوحين، لما وصفوه تعاون مع الجيش المصري، او الموساد، للإرشاد عن “الجهاديين” في سيناء

10 فبراير 2015 | 09:47

نشر التنظيم المتشدد “ولاية سيناء”، التابع للدولة الإسلامية، مقطع فيديو، يظهر فيه علي ما يبدو ذبح اكثر من ١٠ اشخاص، سماهم جواسيس وعملاء لجهاز الأمن العام الاسرائيلي “موساد”، والجيش المصري.

وفي مقطع فيديو نشرته “ولاية سيناء”، علي مواقع التواصل الاجتماعي، اليوم الثلاثاء ظهرت عمليات ذبح لأكثر من ١٠ اشخاص من اهالي سيناء ، والقاء جثثهم علي الطريق الدولي الواصل بين رفح والعريش.

ونشرت الجماعة المتشددة في الفيديو نفسه، ما اسمته اعترافات ٤ من المذبوحين، لما وصفوه تعاون مع الجيش المصري، او الموساد، للإرشاد عن “الجهاديين” في سيناء.

وبحسب الفيديو الذي تم نشره علي صفحات انصار للحركة علي تويتر، ولم يتسن التأكد من صحته، فان هذه العمليات تأتي كثأر لما اسموه “عمليات هدم البيوت والمساجد في رفح والشيخ زويد من قبل الجيش المصري”.

وبين وقت واخر، تعثر الاجهزة الامنية او الاهالي، علي جثث لأهالي من المحافظة مختفين او مختطفين، دون معرفه ملابسات قتلهم.

وهذه هي المرة الاولي التي يظهر التنظيم عمليات ذبح لما يسمونهم جواسيس، في خطوه مشابهه لما يقوم به تنظيم داعش في سوريا والعراق عند اعدام الاجانب.
وكان التنظيم ذاته، نشر في 12 يناير/ كانون الثاني الجاري، مقطع فيديو علي موقع يوتيوب، لمن اسمتهم “جواسيس جيش مصر”، تضمنت ما اسمته اعترافات لـ4 من اهالي سيناء بالتعاون مع الجيش، وارشادهم عن اماكن “المجاهدين” والالغام المنصوبة للجيش، قبل ان يتم اعدامهم بإطلاق النار علي رؤوسهم، بعد تكبيل ايديهم للخلف، معتبرين ذلك جزاء التعاون مع الجيش.

وتنشط تلك الجماعة المحسوبة علي التيار السلفي الجهادي، في محافظه شمال سيناء، بشكل اساسي وفي بعض المحافظات الاخرى، بشكل ثانوي، مستهدفه شخصيات ومواقع شرطيه وعسكريه.

اقرأوا المزيد: 242 كلمة
عرض أقل
الجيش المصري يتأهب في سيناء (MOHAMED EL-SHAHED / AFP)
الجيش المصري يتأهب في سيناء (MOHAMED EL-SHAHED / AFP)

قضية داعش تُعزز التحالف بين إسرائيل والأردن ومصر

الحرب التي أعلنها عبد الله ضد التنظيم من المتوقع أن تُفاقم الانقسام الداخلي في المملكة. في مصر، ضغط السيسي على حماس يزيد من خطر تجدد عُنف الفلسطينيين ضد إسرائيل

تواجه جارتا إسرائيل، على جانبيّ الحدود السلميَين الوحيدَين لديها، الأردني والمصري، تحديات كبيرة وحثيثة تتمثل بالمواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأذرعها المحلية.

من المتوقع أن تزيد الدولتان، اللتان عززتا علاقاتهما مع إسرائيل في الآونة الأخيرة؛ بسبب عدم الاستقرار في المنطقة، اعتمادهما أكثر على الدعم الاستراتيجي الذي توفره لهما جارتهما. أرسلت إسرائيل، وفقًا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الأمريكية “سي. إن. إن” الأسبوع الماضي، طائرات دون طيار إلى الحدود الأردنية السورية، لمساعدة عمان بجمع معلومات تهدف إلى وقف هجمات متوقعة من قبل داعش من ناحية الحدود الشمالية.

طائرة صغيرة بدون طيار (FLASH 90)
طائرة صغيرة بدون طيار (FLASH 90)

خلقت عملية قتل الطيار الأردني، وبشكل ما، الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في شبه جزيرة سيناء، توقعات من النظامين بالرد بشكل قاسٍ على ذلك

تفاقم الصراع بين الأردن وداعش بعد أن تم الأسبوع الفائت نشر الفيديو الذي يُوثق فيه مسلحو التنظيم عملية قتل الطيار الأردني مُعاذ الكساسبة حرقًا، العملية التي تم تنفيذها عمليًا قبل شهر.‎

بعد قتل الطيار الأسير، عمت الأردن مطالبات بالانتقام.‎ نفذ سلاح الجو الملكي الأردني عشرات الغارات الجوية ضد أهداف لداعش في سوريا. يقود الجيش المصري حاليًا في سيناء عملية واسعة جدًا ضد أتباع التنظيم المُتطرف “أنصار بيت المقدس”، على إثر مقتل 21 مصريًا، غالبيتهم من قوات الأمن، بواسطة سلسلة تفجيرات مُنسقة للتنظيم في شبه جزيرة سيناء في الـ 29 من كانون الثاني. أعلن التنظيم عن نقل ولائه من القاعدة إلى تنظيم داعش في تشرين الثاني من العام الماضي.

خلقت عملية قتل الطيار الأردني، وبشكل ما، الهجمات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في شبه جزيرة سيناء، توقعات من النظامين بالرد بشكل قاسٍ على ذلك. تُشدد الأسرة المالكة الهاشمية على أن تحظى كل طلعة جوية ضد داعش بتغطية إعلامية واسعة في الأردن. يهاجم الجيش المصري، في سيناء، معاقل “الأنصار” بواسطة جُنود المُشاة ومروحيّات حربية، التي يدخل بعضها إلى حدود غزة، من أجل تفجير أهداف من هناك بسهولة تابعة للتنظيم الإسلامي قرب الحدود، داخل منطقة سيناء.

 تظاهرة في عمان في 5 فبراير 2015 ضد تنظيم الدولة الاسلامية  (AFP)
تظاهرة في عمان في 5 فبراير 2015 ضد تنظيم الدولة الاسلامية (AFP)

التجاهل المصري السافر لحكومة حماس في غزة ليس بالصدفة. جددت القاهرة، التي تتهم حماس بشدة بتوفير دعم لوجستي وعسكري للتنظيمات التي تعمل ضدها في سيناء، تهديداتها ضد الحركة منذ وقوع سلسلة التفجيرات الأخيرة وتنوي المتابعة بهدم آلاف البيوت في رفح المصرية، إلى حين توفير منطقة آمنة على امتداد  كيلومترين عند حدود القطاع. يهدف ذلك الشريط الأمني للتقليل، بقدر الإمكان، من عدد أنفاق التهريب إلى الجانب الفلسطيني.

تُعزز الخطوات المصرية الأردنية، بشكل غير مُعلن، ما يُمكن تعريفه على أنه “اتحاد الدول المُهدَدة” بين الدولتين وإسرائيل. أعادت الأردن مؤخرًا سفيرها إلى تل أبيب، بعد رحيله قبل ثلاثة أشهر احتجاجًا على سياسة حكومة نتنياهو في جبل الهيكل. عادت العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى سابق عهدها فقط بعد أن اتخذ رئيس الحكومة تدابير لتهدئة النفوس ومنع أعضاء الجانب اليميني المُتطرف في ائتلافه من زيارة جبل الهيكل.

إنما من وجهة النظر الإسرائيلية ليست كل التطورات الأخيرة هي إيجابية بالضرورة. ستكون لزيادة التوتر بين الأردن وداعش لاحقًا تداعيات على الوضع الأمني الداخلي في المملكة. تُعارض الجماعات المنضوية تحت جناح جبهة العمل الإسلامي في الأردن الهجمات ضد داعش ومن شأن الحرب الصريحة التي أعلنها الملك عبد الله ضد التنظيم أن تزيد من حجم الخلافات الداخلية وأن تؤدي إلى عمليات انتقامية ضد داعش، أيضًا من ناحية الحدود مع العراق.

تزيد مسألة تجدد الضغط المصري على حماس، وكذلك تأخر عمليات إعادة الإعمار في غزة، من خطر حدوث عمليات فلسطينية ضد إسرائيل من قطاع غزة

بينما في مصر، هنالك نتيجتان سلبيتان متوقعتان. تزيد مسألة تجدد الضغط المصري على حماس، وكذلك تأخر عمليات إعادة الإعمار في غزة، من خطر حدوث عمليات فلسطينية ضد إسرائيل من قطاع غزة، بتشجيع من حماس وتجاهله لما قد تقوم به التنظيمات الصغيرة. قد يعود تنظيم “أنصار بيت المقدس”، الذي كان مسلحوه قد قاموا بعمليات إرهابية قاسية ضد إسرائيل (الأخطر بين تلك العمليات، في آب 2011 حيث قُتل 8 إسرائيليين في المنطقة الحدودية) إلى شن هجمات ضد أهداف إسرائيلية، كأداة لجذب الانتباه عن حرب الاستنزاف التي يقوم بها في سيناء ضد قوات الأمن المصرية.

نشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة ‏‎”‎هآرتس‏‎‏‏‎”‎‏

اقرأوا المزيد: 603 كلمة
عرض أقل
عبد الفتّاح السيسي يؤدي القسم كرئيس لمصر (AFP)
عبد الفتّاح السيسي يؤدي القسم كرئيس لمصر (AFP)

قوي ضدّ حماس: حرب السيسي ضدّ الإرهاب

اضطر الرئيس السيسي الآن إلى مواجهة الإرهاب المستشري في سيناء، والذي يجذب الاهتمام والموارد عن التحدي الحقيقي والأهم: الاقتصاد المصري المضطرب

لم تتقبل حركة “الإخوان المسلمون” هزيمتها. بعد عزل مرسي بالقوة عن الحكم من خلال انتفاضة شعبية واسعة وبمساعدة عسكرية، أطلقت الحركة عصيانا مدنيّا مستمرّا ومبادرات احتجاج في الشارع بشكل مستمرّ. ويعمل أعضاؤها الذين لا يزالون في مناصب حكومية وعامة رئيسية كطابور خامس للإضرار بالبنى التحتية للبلاد. وبفضل معلومات قاموا بنقلها، تم تفجير أعمدة ضغط عال مما أدى في لحظة ما إلى هبوط بنسبة 5% من الجهد الكهربائي في مصر. وقد تضرّرت أيضًا خطوط السكك الحديدية عدة مرات في أعقاب تفكيك أجزاء من السكة الحديدية أو تفجير القطارات.

رغم استمرار المظاهرات، وفي حين أن عدد المشاركين لم يتجاوز بضع مئات، ازداد عنفهم وكذلك ردود فعل القوى الأمنية التي تفقد صبرها. ويتهم النظام أيضًا الحركة بتنفيذ هجمات في أرجاء البلاد. كان أشهرها الهجوم على محطة الشرطة في كرداسة، وهي قرية سياحية معروفة غربي القاهرة، والذي قُتل خلاله 16 شرطيًّا. تم إلقاء القبض على المنفّذين، وهم من أعضاء “الإخوان المسلمون”، وتمّت محاكمتهم وسيتم الحكم عليهم بالإعدام هذا الأسبوع. وبالمجمل فإنّ الأضرار الناجمة عن المظاهرات والهجمات، باستثناء سيناء، ليست كبيرة، ولكنها تُنشئ شعورا بفقدان الأمن العام. أضرّ النظام إلى توجيه موارد عديدة من أجل محاربتهم ولا يستطيع التركيز على التحدّي الاقتصادي، كما كان يريد.

في مصر، حماس هي داعش

تنبع مشكلة الأمن الرئيسية من عمليات التنظيمات الجهادية في سيناء. في الأشهر الـ 18 الماضية منذ إسقاط “الإخوان المسلمون” من الحكم توسّع نشاط التنظيمات الإرهابية الإسلامية كثيرا في شبه الجزيرة. تجمّعت معظمها تحت مسمّى “أنصار بيت المقدس”، الذي تبيّن أن لديه قدرات عمليّاتية مذهلة. حيث استطاع التنظيم في شهر تشرين الأول الماضي قتل 31 جنديًّا في هجمة على موقع عسكري، وهي العملية التي أدت إلى فرض حظر تجوال ليلي على شمال سيناء وإنشاء منطقة عازلة من 1000 متر على طول قطاع غزة. تم إخلاء المنطقة من سكانها، الذين رغم تلقّيهم للتعويضات إلا أنّ ذلك بالتأكيد لم يزد محبّتهم للنظام المصري المكروه على أية حال.

في الأشهر الـ 18 الماضية منذ إسقاط “الإخوان المسلمون” من الحكم توسّع نشاط التنظيمات الإرهابية الإسلامية كثيرا في شبه الجزيرة سيناء

خرج الجيش المصري، الذي أدخل تعزيزات كبيرة إلى شمال سيناء بموافقة إسرائيل، في عملية واسعة النطاق. تم اكتشاف وتدمير 1850 نفق، وقُتل واعتُقل المئات من الإرهابيين وتضررت العشرات من بؤر التنظيمات. بدا في الأسابيع الماضية أنّ عمليات التنظيم قد تقلّصت، ولكن الهجمة الإرهابية الكبيرة والتي تمّ تنفيذها الأسبوع الماضي ضدّ منشآت الشرطة والجيش في العريش ونجم عنها وفاة ما لا يقلّ عن 30 جنديّا مصريّا، أثبتت بأنّ الإرهاب الإسلامي في سيناء حيّ يرزق. وعلاوة على ذلك، فقد أعلن تنظيم “أنصار بيت المقدس” مؤخرا ولاءه لأبي بكر البغدادي؛ زعيم الدولة الإسلامية، وتم تغيير اسمه إلى “ولاية سيناء” (التابعة للدولة الإسلامية). وقد أعلن مسؤوليته بهذا الاسم عن العملية الأخيرة في العريش.

وفي مصر نفسها كانت هناك تعبيرات عديدة للتضامن مع الجيش، والذي يرمز إلى وحدة البلاد أكثر من أي جسم آخر ويحظى بالتبجيل باعتباره المدافع الأخير عنها. وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك ردود فعل منتقدة في الإعلام والذي يتمتع بحرية أكثر اليوم من الماضي. والأسئلة شرعية: كيف يُمكن للجيش الأكبر والأقوى في الشرق الأوسط ألا ينجح في السيطرة على تنظيم إرهابي يعمل داخل مناطق السيادة المصرية، وذلك بعد أن أدخل إلى سيناء تعزيزات واسعة النطاق، والتي تشتمل على مروحيّات، ناقلات الجند المدرعة وأمور أخرى؟ والانتقادات موجّهة إلى السيسي بطبيعة الحال، وهو في الأصل رجل عسكري، والذي وعد بضرب الإرهابيين حتى الموت. قطع السيسي زيارته لأديس أبابا، حيث شارك هناك في القمة السنوية للاتحاد الإفريقي، وعاد إلى القاهرة لإدارة الحدث.

ألقى السيسي بالمسؤولية عن الهجمات على “الإخوان المسلمون”، وأعلنت محكمة محلية عن الجناح العسكري لحركة حماس تنظيمًا إرهابيًّا. وذلك بعد أن أعلنت محكمة أخرى قبل عام حظر نشاط حماس في مصر، في أعقاب مشاركة التنظيم في المظاهرات ضدّ مبارك عام 2011 ومشاركة أعضائه في اقتحام السجون في القاهرة. وقد تم في هذه الهجمات إطلاق سراح مجموعة من قادة “الإخوان المسلمون”، ومن بينهم مرسي نفسه، والذين اعتقلوا قبل أسابيع من ذلك. وكان من بين من أطلق سراحهم أيضًا أحد مسؤولي حماس وهو أيمن نوفل، الذي نجح في الهروب إلى غزة، وتم تعيينه قائدا للواء المركزي في قطاع غزة، وسامي شهاب، رئيس خلية حزب الله في مصر والذي خطّط لهجمات في قناة السويس، وهرب إلى لبنان. يُعتبر قطاع غزة قاعدة لوجستية لعمليات التنظيمات الإرهابية في سيناء. حيث تستطيع هناك التدرّب والتنظيم من أجل عملياتها في مصر.

الجيش المصري (صورة: المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)
الجيش المصري (صورة: المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)

مقابل الحرب على الإرهاب: لا مبالاة من قبل الأمريكيين والغرب

السؤال هو لماذا لا ينجح الجيش المصري في إيقاف الإرهاب. يبدو أنّ المشكلة تكمن في عدم استعداده للقتال ضدّ حرب العصابات وخصوصا إذا كانت في المدن

السؤال هو لماذا لا ينجح الجيش المصري في إيقاف الإرهاب. يبدو أنّ المشكلة تكمن في عدم استعداده للقتال ضدّ حرب العصابات وخصوصا إذا كانت في المدن. اتضح أنّ الجيش لم يُجهّز لمهامّ من هذا النوع من قبل قادته ولم يُجهّز أيضًا في إطار المساعدة العسكرية الأمريكية التي تشتمل على تدريب ضباط الجيش المصري في الأكاديميات العسكرية الأمريكية (حيث أقام هناك أيضًا عبد الفتاح السيسي بنفسه) وعلى المناورات العسكرية المشتركة، التي خُصّصت للحروب التقليدية غير الموجودة اليوم في الشرق الأوسط منذ سنوات طويلة. وُيضاف إلى ذلك أنّ على الجيش أن يواجه، جزئيّا على الأقل، سكانا بدوًا عدائيين لا يميلون للتعاون مع السلطات، التي أهملتهم وأهانتهم في العقود الأخيرة. سمحت نتيجة هذه السياسة الحكومية الفاشلة لحماس في البداية بإقامة شبكات لتهريب الصواريخ والأسلحة من السودان إلى غزة عن طريق سيناء بمساعدة البدو، وسهّلت في المقابل على التنظيمات الإرهابية الإسلامية إغراء البدو للانضمام إلى صفوفها والكفاح ضدّ السلطة باسم الإسلام. بدأت هذه العملية في شمال سيناء منذ فترة مبارك.

بلراك أوباما وجون كيري (AFP)
بلراك أوباما وجون كيري (AFP)

عاد السيسي ليقول إنّه سيبذل كلّ جهده من أجل القضاء على الإرهاب ولن يسمح بتدهور مصر إلى الفوضى. وقد أعلن هذا الأسبوع عن إنشاء مقرّ خاصّ لمكافحة الإرهاب ينسّق بين جميع الهيئات. ويمكن أن نقول عن ذلك من الأفضل أن يكون متأخرا من ألا يكون مطلقا.

ومن المثير للدهشة، فإنّ مصر التي تحارب الإسلام الأصولي، لا تحظى بالمساعدة من الغرب. خصوصا بالنسبة للولايات المتحدة المرتبطة مع مصر باتفاقات للمساعدة الأمنية منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. تستمرّ حكومة أوباما في التعبير عن دعمها لحركة “الإخوان المسلمون” واعتبارها تيّارا سياسيا أصيلا وشرعيّا في الإسلام. وقد ظهر هذا الدعم في الأسبوع الماضي بشكل حادّ ويمسّ بمصر عندما تمّ استقبال وفد من “الإخوان المسلمون” هرب أعضاؤه من مصر إلى محادثة في وزارة الخارجية في واشنطن. التقط أحد أعضاء الوفد صورة بجانب شعار وزارة الخارجية وهو يشير بأصابعه بإشارة تأييد حركة “الإخوان”، ونشر الصورة في مواقع التواصل الاجتماعي في تحدّ واضح للسيسي.

ورغم أن واشنطن قد أرسلت مؤخرا العشرات من مروحيّات الأباتشي التي كانت تنقص مصر في حربها بسيناء ضدّ الإرهابيين، ولكن المساعدة الأمنية التي تمّ تعليقها كعقاب للسيسي لا تزال لم تُجدّد بنطاقها الكامل. يواصل أوباما تجاهله للسيسي ولا تحظى مصر بالمساعدة في مجال القوى الخاصة وإدارة حرب العصابات، مما يمكن أن يرفع من قدراتها في حربها ضدّ قوى الإرهاب في سيناء. أيضًا الاتحاد الأوروبي لا يقوم بأيّ جهد لمساعدة مصر.

إلغاء الدعم وتطوير مشاريع جديدة

إنّ السؤال الكبير الذي يقف أمام مصر اليوم هو إذا ما كانت ستنجح بالمضيّ في طريق النموّ الاقتصادي أم سيحبط الإرهاب جهودها. تحاول مصر اليوم الخلاص، ليس فقط من أربع سنوات من الأزمة السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية، والتي غرق فيها الكثير من الضحايا ودهورت اقتصادها، وإنما أيضًا من سوء إدارتها في فترة مبارك.

تعاني مصر من تخلّف اقتصادي حادّ. يعيش أكثر من نصف السكان الذين يبلغ تعدادهم نحو 90 مليون نسمة تحت خطّ الفقر، والذي يعرّف بحسب الأمم المتحدة براتب دولارين يوميّا

تعاني مصر من تخلّف اقتصادي حادّ. يعيش أكثر من نصف السكان الذين يبلغ تعدادهم نحو 90 مليون نسمة تحت خطّ الفقر، والذي يعرّف بحسب الأمم المتحدة براتب دولارين يوميّا، ويعيشون فقط بفضل الدعم السخيّ للمنتجات الأساسية ولمنتجات الطاقة التي تقدّر  بنسبة 20% من ميزانية الدولة. يصل عدد العاطلين عن العمل إلى أقل من 15% من القوى العاملة، وتزداد البطالة في أوساط الشباب من خرّيجي الجامعات إلى نحو 40%، ونحو 12% من السكان لا يزالون يصابون بأمراض الملاريا، البلهارسيا والتهاب الكبد C، ولا يعرف ثلث السكان، على الأقل، القراءة والكتابة.

يضاف إلى ذلك بأنّه ليست لدى مصر صناعة حديثة تليق باسمها وهي تعتمد على استيراد المنتجات المتطوّرة والتكنولوجية من الغرب. صادرات مصر الأساسية هي القطن ومنتجاته، والمواد الكيميائية على أساس النفط، والآخذة بالنفاد. وقد توقف تصدير الغاز بعد أنّ لم تُنفّذ منذ عهد مبارك الاستثمارات المطلوبة لتطوير حقول الغاز وتسويقه. ليس فقط أنّ مصر ينقصها الغاز بالنسبة للسكان المحليّين وإنما لأنها تلبّي الاتفاقات التي وقّعتها مع شركة “بريتيش غاز” وشركة “فينيسيا” الإسبانيّة لتوفير الغاز بشكله المسال – LNG – إليهما، وهي مُدينة لهما بمليارات الدولارات كتعويضات.

يكرّس الرئيس المصري، عبد الفتّاح السيسي، كلّ طاقته من أجل تعزيز الاقتصاد. فهو يعي أنّ الشعب متعب من فترة عدم الاستقرار الثورية ويرى فيه الملاذ الأخير لتغيير حقيقي. منذ أن قرّر السيسي ترشيح نفسه للرئاسة، كرّر التصريح بأنّ هدفه الوحيد هو إخراج مصر من الجمود الاقتصادي، وإلا فستغرق في الفوضى ومن يدري ماذا ستكون نتائج ذلك.

تتفاوض شركة الغاز المصرية الآن مع “نوبل إنيرجي” و “ديلك” الإسرائيلية من أجل شراء الغاز من حقل تمار الإسرائيلي من خلال هذه الشركات، حتى تستطيع تلبية التزاماتها تجاه زبائنها في آسيا وأوروبا. تأتي إيرادات مصر بالعملات الأجنبية في الأساس من السياحة، الضرائب في قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج. وهو هيكل اقتصادي معيب لا يسمح بتقدّمها إلا إذا تمّ إصلاحه بشكل كامل. تجدر الإشارة إلى أن عدد سكان مصر سيبلغ 100 مليون مواطن عام 2020.

قال السيسي للشعب إنّه سيقوم بإصلاحات بعيدة المدى والتي ستُثقِل على المدى القريب على المواطن وستكون هناك حاجة للانتظار لنحو عامين قبل الشعور بالتحسّن. بعد تولّيه لمنصبه فورا، ألغى السيسي نحو 80% من الدعم على الوقود والغاز ووفّر بذلك مليارات الدولارات، التي وُجّهتْ لتمويل البنى التحتية، التعليم وغير ذلك. أدى ارتفاع أسعار المواصلات الذي جاء عقب ذلك إلى استياء في أوساط الشعب، ولكن ذلك هدأ بعد مرور زمن قصير، وكان يمكن أن نفهم بأنّ المواطنين يقبلون سياسة التقشّف التي يقوم بها ويعتبرونها أملا لتغيير ملموس في المستقبل. وقد بدأ السيسي أيضًا في تنفيذ برنامج عملاق في مجال البنى التحتيّة مثل بناء قناة السويس الموازية، بهدف مضاعفة حركة السفن في القناة، وكذلك مثل إنشاء مناطق صناعية وسياحية بين القناتين، مما يُفترض أن توفّر فرص عمل لمئات الآلاف من المصريين وأن تسرّع أيضًا التنمية في سيناء.

هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)
هل يمنح الشعب المصري رئيسه، السيسي، المهلة الكافية للقضاء على المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة ؟ (AFP)

في الوقت الراهن، توفّر السعودية ودول الخليج لمصر مساعدات مالية، ولكن ذلك دواء مؤقّت وليس بديلا عن النموّ الاقتصادي

وهناك برامج أخرى عديدة ومثيرة للإعجاب في مجالات مختلفة، ولكن السؤال إذا ما كانت مصر قادرة على تنفيذها على أرض الواقع. في الوقت الراهن، توفّر السعودية ودول الخليج لمصر مساعدات مالية، ولكن ذلك دواء مؤقّت وليس بديلا عن النموّ الاقتصادي. ومن أجل زيادة الاستثمارات والتكنولوجيا، فقد بادر السيسي إلى انعقاد “المؤتمر الدولي من أجل مصر” والذي يُفترض أن ينعقد في نصف شهر آذار القريب في شرم الشيخ. دُعي للمؤتمر 1,500 شركة من جميع أنحاء العالم. هناك نتائج إيجابية فعلية لهذه السياسة. بدأ الدَّيْن الوطني بالانخفاض قليلا وتتنبّأ التوقعات بنموّ اقتصادي بنسبة 3% في الفصول القادمة. وهو تغيير متواضع جدّا ولكنه على الأقل يغرس أملا صغيرا.

هناك تحدّ آخر ومهمّ جدّا وهو جلب الاستقرار للنظام السياسي الذي لا يزال يعتمد بشكل أساسي على الرئيس، بينما لا تنجح الأحزاب في إقامة أطر سياسية قابلة للحياة قبيل الانتخابات البرلمانية.

إنّ الانتخابات التي يُفترض إجراؤها في نهاية شهر آذار هي المرحلة الثالثة في خارطة الطريق التي قدمها السيسي للشعب المصري بعد عزل مرسي. وقد تمّ تنفيذ المرحلتين الأولين بنجاح وهي: صياغة الدستور والموافقة عليه من خلال استفتاء شعبي والانتخابات الرئاسية. ستمثّل الانتخابات البرلمانية اختبارا للمشهد المصري المحلّي. إنّ برلمانا منتخبا مكوّنا من أحزاب ليبرالية هو فقط ما يمكنه أن يمثّل وزنا ضدّ الرئيس، وينتقد السياسات الاقتصادية، ويحافظ على حقوق الإنسان ويوقف التطرّف الإسلامي. في الوقت الراهن، لم تنجح عشرات الأحزاب القديمة والجديدة المفتقدة للتقاليد الديمقراطية في الانتظام وإقامة كتلة ليبرالية كما هو مطلوب، وهناك خشية من أن تستغلّ جهات إسلامية هذا الوضع. وقد يأتي الأمل من جهة رئيس الحكومة السابق الجنزوري الذي يعمل على تأسيس قائمة موحّدة للأحزاب الليبرالية، ولكنه مضطر إلى مواجهة زعماء أحزاب ضيّقي الأفق يحاولون استنزاف أكبر قدر من الأماكن الحقيقية في البرلمان منه ويرفضون التخلي عن مكانتهم. ولذلك ينبغي الانتظار لعدة أسابيع حتى يتّضح الموقف.

الإرهاب قد يتدفّق إلى الخارج

تعيش مصر – والتي هي أكبر وأهم دولة عربية – اليوم في ذروة جهود هائلة مبذولة لتجديد اقتصادها، ولإقامة نظام سياسي جديد ومستقرّ في الوقت الذي تدير فيه صراعا مريرا ضدّ التنظيمات الإسلامية المتطرّفة. ومن المفارقات، أنّ مصر المحتاجة للتفهّم والمساعدة، قد تُركت بمفردها ولا تحظى بتشجيع ومساعدة من الغرب. إنّ الافتراض هو أنّ مصر ستهزم الإرهاب الإسلامي، ولكن سيكون ذلك بسعر حرب طويلة ودموية ستؤثّر على جميع دول المنطقة. سيستمرّ الصراع في مصر، مثل صراع الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، دون شكّ في إلهاب المشاعر وجلب تدفّق آخر للشباب من الدول العربية ودول الغرب، وسيزيد من مخاطر الإرهاب سواء في إسرائيل أو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

تسفي مازال، هو مستشرق ودبلوماسي إسرائيلي، تولّى منصب سفير إسرائيلي في رومانيا، مصر والسويد. باحث زميل في المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة.

نُشرت مقالة الرأي هذه للمرة الأولى في موقع ميدا

اقرأوا المزيد: 2034 كلمة
عرض أقل