يقترح تحقيق صحفي شامل نُشر أمس (الأحد 06.08.2017) في صحيفة “Washington Post” إلقاء لمحة نادرة على حياة الشبان الغزيين، من الجيل الكامل الذي ترعرع في ظل حكم حماس، الحركة الإسلامية العسكرية. لقد مروا بثلاث حروب ضد إسرائيل وحصار متواصل، ويشعرون أنه من الصعب عليهم التقدم في الحياة.
يعتاش سبعة غزيين من بين عشرة على المساعدات الإنسانية
ومن الصعب العثور على شبان في العشرينيات من عمرهم ولديهم مكان عمل وراتب شهري منتظم. وينعت الشبان أبناء جيلهم بـ “الجيل الضائع”. بعد عشر سنوات من سيطرة حماس على غزة، بات يواجه الاقتصاد في قطاع غزة التي يعيش فيها مليوني مواطن تدهورا، حروبا، وحصارا. ولكن تنجح غزة في الصمود بفضل ذكاء السكان، والفضلات التي تتبرع بها الحكومات الأجنبية بعد إعادة تدويرها. يعتاش سبعة غزيين من بين عشرة على المساعدات الإنسانية.
ويشير الشبّان إلى أنهم سئموا من الملل. وباتوا قلقين لأن معظم أصدقائهم يتعاطون المخدّرات – وهم لا يستخدمون المخدّرات المثيرة للابتهاج بل أقراص معدّة لتخدير الحيوانات، ومهرّبة من سيناء. في ظل هذه الحال، زادت حماس في الفترة الأخيرة عقوبة الموت بسبب تهريب المخدّرات.
يعتاش سبعة غزيين من بين عشرة على المساعدات الإنسانية (Flash90/Abed Rahim Khatib)
ويجرأ الشبان في غزة على التحدث قليلا عن الموضوع. تشير الحقائق التي كُشف النقاب عنها في برنامج التحقيقات أن الشبان غاضبون جدا من زعمائهم المسؤولين عن فشلهم، ويتحدثون عن أن إسرائيل ومصر تشدان الخناق حولهم.
لمَ لا يتمرد الشبان؟ إنهم يضحكون. بما أنه لا تُجرى انتخابات فمن الصعب إقالة الحكومة الحالية.
ولا يجد شبان كثيرون أنهوا دراستهم الجامعية عملا ملائما لهذا يكتفون بأعمال مؤقتة: يبيعون الملابس، يعملون في مقاه وحوانيت. يتلقى العمال مبلغا ضئيلا مقابل هذه الأعمال يصل إلى نحو 10 دولار.
الغزيون يعانون من مياه الصرف الصحي
تجري مياه الصرف الصحي إلى الشواطئ. تبدو مياه البحر زرقاء في المناطق التي تبحر فيها سفن الاستطلاع الإسرائيلية، وتفرض فيها حصارا مائيا. ولكن لون مياه السباحة في المنطقة المتاحة أمام الغزيين بني.
شباب غزة:”يفضّلون خوض الصراع في تل أبيب بحثا عن العمل بدلا من محاربة الإسرائيليين”
ولم يغادر معظم شبان غزة القطاع – ليس عبر إسرائيل، وهي إمكانية غير ممكنة تقريبًا، وليس عبر معبر رفح من جهة مصر، الذي كان مغلقا طيلة السنوات الأربع الأخيرة معظم الوقت. كان توفير الكهرباء في غزة مقتصرا لمدة أربع ساعات. وماذا بالنسبة للنشطاء الشبان في مخيّمات اللاجئين الذين تجرأوا في أيار على التظاهر ضد قطع اتصال الكهرباء؟ اعتُقِلوا.
الشبان الغزيون يتمسكون بالحياة
شهدت البطالة في غزة لدى البالغين ما معدله %60 (Flash90/Abed Rahim Khatib)
يقضي الشبان الغزيون أوقاتهم وهم منشغلون بهواتفهم الخلوية يوميا. ويقتصر عالمهم على شاشات صغيرة يشاهدون عبرها أفلام فيديو في “يوتيوب” ويجرون إلى ما لا نهاية من الدردشات.
وشهدت البطالة في غزة لدى البالغين ما معدله %60. هذا المُعطى رهيب وهو الأعلى في الشرق الأوسط وفي العالم. يُحذر خبراء في معاهد أبحاث من أن نسبة البطالة لدى الشبان المصريين التي نسبتها %30، هي بمثابة “قنبلة موقوتة”. بالمقابل، نسبة البطالة في غزة أعلى بضعفين.
ونسبة القادرين على القراءة والكتابة في غزة هي نحو %96.8 وهو مُعطى أعلى بكثير من نسبتهم في سائر مدن الضفة الغربية. كانت الهجرة في الماضي منفذا للبحث عن حياة أفضل خارج البلاد، ولكن في وقتنا هذا لم يعد هذا المنفذ متاحا. فلا يغادر غزة سكانها في هذه الأيام.
وقبل عامين، حذرت الأمم المتحدة من أنه حتى عام 2020 “لا يمكن العيش في غزة”. أعرب مسؤولون في الأمم المتحدة في الفترة الأخيرة عن أنهم كانوا متفائلين جدا: سيتدهور الحال في السنة القادمة في قطاع غزة، وفق تقديراتهم.
ويوضح الكثير من شبان غزة في وقتنا هذا في المقابلات معهم أنهم يفضّلون خوض الصراع في تل أبيب بحثا عن العمل بدلا من محاربة الإسرائيليين.
تمتد غزة على طول نحو أربعين كيلومترًا على شاطئ البحر وهي مسافة أقل من مسافة الماراثون (Flash90/Emad Nassar)
وتعد تسمية غزة “سجن مفتوح” كلاما مبتذلا، ولكن هناك شعور لدى الكثيرين أن لا مخرج منها فحسب، بل أن الغزيين محاصرون أيضا. تمتد غزة على طول نحو أربعين كيلومترًا على شاطئ البحر وهي مسافة أقل من مسافة الماراثون. عرضها في أضيق نقطة هو نحو خمس كيلومترات، وهي مسافة تستغرق ساعة من المشي على الأقدام لاجتيازها.
وغزة محاطة بجدار إسرائيلي، مزوّد بكاميرات، أبراج مراقبة، ووسائل إطلاق نيران تعمل عبر السيطرة عن بُعد. في جهة الحدود المصرية التي كانت مزوّدة في الماضي بأنفاق التهريب التابعة لحماس، هناك الآن منطقة عازلة كبيرة، عملت وسائل نقل على جعلها مستوية، ويُحظر دخولها كليا.
وماذا بخصوص البحر؟ تحظر سفن سلاح البحريّة الإسرائيلي على صيادي غزة الإبحار على بعد يزيد عن ستة أميال مائية. مياه البحر في غزة ملوّثة بمياه الصرف الصحي غير المُعتنى بها، وحظرت وزارة الصحة المستحمين من دخولها.
نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة Washington Post
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني