بسبب المناصب الهامة التي كان يشغلها أبو محمد العدناني، التي كانت تدمج بين إدارة الحملة الترويجية للتنظيم والاستراتيجية العسكرية خارج البلاد، يشكّل اغتياله ضربة قاسية
تمت البارحة (30.08) تصفية العدناني، الذي كان معروفًا بصفته المتحدث باسم تنظيم الدولة الإسلامية. مات العدناني، وفقًا لتصريح رسمي صادر عن وكالة الأنباء التابعة لتنظيم داعش، “شهيدًا بينما كان يُتابع عمليات تستهدف الحملة العسكرية على حلب”. وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية، لاحقًا، نبأ مقتل العدناني إثر غارة جوية أمريكية استهدفت مسؤولاً كبيرًا في داعش. بدأ المناصرون لتنظيم داعش بندب العدناني على شبكات التواصل والثناء على نشاطه.
اشتهر العدناني، وهو من أصل سوري، بصفته المتحدث باسم داعش. ترأس القسم الإعلامي في التنظيم وكان مسؤولاً عن بعض الخطابات الهامة الخاصة به. وقد أعلن عن قيام الخلافة في نهاية حزيران عام 2014، مُشكِّلا بذلك مرحلة جديدة في تاريخ الإسلام الراديكالي ومميزا داعش عن كل الحركات الإسلامية (السياسية والراديكالية) الأخرى. لقد ناشد أيضًا مقاتلي داعش في أيلول من ذلك العام لتنفيذ عمليات ضد أهداف غربية، وقد تحقق ذلك فعلا بعد فترة وجيزة من ذلك. اعتُبر هذا الخطاب حجر الأساس لانطلاق العمليات الإرهابية المسماة “الذئاب الوحيدة”، التي باتت صفة مميزة لعمليات داعش الإرهابية العالمية.
لكن العدناني كان أكثر بكثير من كونه فقط صوت داعش. تحدث مقاتلون فرّوا من التنظيم أن العدناني كان يترأس الجهاز الأمني الداخلي في التنظيم، الذي كان مسؤولاً عن قتل جواسيس وقمع من يعارض حكم داعش في مناطق “الخلافة”. كان بالإضافة إلى ذلك أيضًا، مسؤولا عن “قسم الأمن الخارجي” في التنظيم، الذي خطط لتصدير عمليات داعش الإرهابية إلى الغرب.
وكان من القلائل الذين ظلوا في القيادات الكبيرة والمؤسسة في تنظيم داعش. كان يعرف شخصيًا أبو مصعب الزرقاوي، الجهادي الأردني الذي أنشا تنظيم القاعدة في العراق ومهّد الطريق للأعمال الإرهابية المتوحشة التي نفّذها الجهاديون ضد الشيعة، السنة، وأهداف غربية في العراق، ومن ثم ساهم في بلورة وتأسيس تنظيم “الدولة الإسلامية”. كان العدناني، بفضل علاقته بالزرقاوي والتعاون معه، من أوائل المقاتلين الأجانب في العراق الذين بدأوا نشاطهم ضد قوات التحالف الأمريكية في العراق.
تُعتبر تصفيته أهم إنجاز يتم ضد داعش منذ قيام الائتلاف الدولي ضد التنظيم في أيلول 2014. تُشكّل تصفيته، بسبب المناصب الهامة التي كان يشغلها في التنظيم، ضربة قوية ضد تنظيم داعش الذي سيجد صعوبة في إيجاد من يؤدي مهامه في المرحلة الصعبة أساسًا التي يعيشها التنظيم. إلا أنه وحتى وإن أثرت تصفيته في الترويج لتنظيم داعش ونشاطه الإرهابي في أوروبا فلا يزال الصراع الدولي ضد التنظيم بعيدًا عن الانتهاء.
منذ أن دخل أعضاء الدولة الإسلامية، داعش، إلى حياتنا ووعي العالم، تعرضنا لطرق إعدام لم نكن نفكّر بوجودها حتى في الخيال الأكثر وحشية. كل شخص يقوم بالإعدام يظهر كتجسيد للشر ويتفوّق على سابقه في مستوى الوحشية.
كُتب الكثير عن طرق القتال والقتل الجماعي. جميع الأوامر على الأرض تأتي من عدة قيادات تقود مختلف القطاعات وتحمل مسؤوليات مختلفة لنشر تعاليمها المجنونة دون التمييز بين الخير والشر.
حتى في تنظيم من هذا النوع، والذي نجح في احتلال أجزاء كبيرة من العراق وسوريا واستغلال الفراغ الناشئ في الحكم، لا يزال هناك تسلسل هرمي منظّم يفرض سلطته على المحاربين المتعطّشين للدماء ويعمل على نشر تعاليمه المتطرفة. هؤلاء القادة هم رأس الحربة في قيادة داعش.
بخلاف قادة القاعدة، حماس وحزب الله، لا يكثر قادة الدولة الإسلامية من الظهور في الأماكن العامة. وتقريبا لا يلقون خطبًا أو يرسلون تسجيلات مع رسائل خفية.
تعرض هيئة تحرير “المصدر” أمامكم القادة الثلاثة الأبرز في التنظيم، وهم أشخاص تتدلّى فوق رؤوسهم بطاقات تسعير بالملايين.
رأس الحربة: أبو بكر البغدادي
خليفة الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي
إنه “الرئيس الكبير”. وهو قائد أحد أبغض التنظيمات الإرهابية في العالم، ويتدلّى فوق رأسه مبلغ بقيمة 10 ملايين دولار وهو في القائمة منذ عام 2011. من القليل المعروف عنه، فقد وُلد البغدادي في العراق في بدايات السبعينيات، ودخل إلى عالم الإرهاب بعد زمن قصير من اندلاع حرب العراق الثانية.
لقد كان فعلا في أيدي الأمريكيين، ولكن تم إطلاق سراحه عام 2009 لأسباب قانونية. ووفقا لقائد معسكر الاعتقال بوكا، عندما خرج البغدادي من بوابات السجن قال له “نراكم في نيويورك”. لم يصل إلى نيويورك، ولكن الأمريكيين وصلوا إليه في محاولة لمحاربته.
بعد زمن قصير من إطلاق سراحه، تم تعيين البغدادي قائدا للقاعدة في العراق، حيث حلّ مكان أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي اللذين تمّ اغتيالهما من قبل الولايات المتحدة. منذ ذلك الحين أعلن أنّه سيقيم في المنطقة خلافة إسلامية، وقد بدأ بتحقيق ذلك بعد زمن قصير من اندلاع الحرب في سوريا. لم تحدّد وكالات الاستخبارات الدولية بعد مكان مخبئه رغم أنّ التقديرات تتحدث عن أنّه يقيم في العراق.
في 8 تشرين الثاني عام 2014، هاجمت طائرات حربية أمريكية لقاء قمّة للتنظيم وأصيب البغدادي بجروح خطيرة. في البداية زعموا أنّه قُتل وتم تعيين بديل له اسمه أبو علاء العفري. في نهاية المطاف اتّضح أنّ البغدادي أصيب بجروح خطيرة فقط وبأنّه مستمرّ كما يبدو في قيادة التنظيم.
الآس رقم 2: عبد الرحمن مصطفى القادولي
عبد الرحمن مصطفى القادولي
هناك القليل جدّا مما هو معروف عن الرجل. يوجد على رأسه تسعيرة بقيمة 7 ملايين دولار، وتم إدخاله رسميا إلى قائمة المطلوبين من قبل السلطات الأمريكية فقط في أيار عام 2014. مثل البغدادي، فقد بدأ طريقه في الإرهاب في صفوف القاعدة. قاتل القادولي الأمريكيين عندما غرقوا في الوحل العراقي، ومنذ ذلك الحين ظهر كنجم صاعد في كلّ ما يتعلّق بقتل شعبه. منذ خدمته في القاعدة، تقدّم في سلّم الرتب وأصبح نائبا لأبي مصعب الزرقاوي.
في نهاية المطاف تم إلقاء القبض على القادولي من قبل الولايات المتحدة بل وتم تحويله لقضاء الوقت في سجن عراقي. وقد حظي هو أيضًا بمغادرة السجن بعد أنّ غادرت الولايات المتحدة البلاد. وجد طريقه سريعًا جدّا إلى داعش وأصبح بفضل سجّله الوحشي أحد أبرز قادته.
الرقم 3: أبو محمد العدناني
أبو محمد العدناني
هنا المعلومات غير واضحة أيضًا: بشكل رسمي، هو المتحدث الرسمي باسم التنظيم، من أعلن بلسانه عن إقامة الخلافة الإسلامية. يُقال إنّ العدناني لم يتردّد في مواجهة رئيسه السابق، زعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، عندما طلب منه الأخير أن تخرج داعش من سوريا.
تقريبًا كل ما هو معروف عن العدناني أنّه ولد عام 1977. من غير الواضح متى تحوّل إلى إرهابي ومتى انضمّ إلى صفوف داعش. وهو يترأس “مركز الحياة”، الذراع الإعلامي للتنظيم والمسؤول، من بين أمور أخرى، عن أفلام الرعب التي يصدرها التنظيم. في المجمل هناك تسعيرة بقيمة 5 ملايين دولار على رأسه.
على الرغم من الاضطرابات التي تُعاني منها هذه المنطقة من المعمورة، على عتبة خريف 2014، تُشكّل الأردن اليومَ ملجأ من الأمن والاستقرار. مع ذلك، شكّل الخلل والاضطراب السياسي والأمنيّ السائدان في العراق وسوريا، إلى جانب العجز على إيجاد حل عادل للصراع الإسرائيليّ-الفلسطينيّ، بيئة مشحونة تدعم الاقتتال والتطرّف. هذا التهديد المتزايد والآخذ بالتطوّر يُشكّل تحدّيات غير مسبوقة أمام المملكة الأردنيّة الهاشميّة وعلى رأسها – التعامل مع تطرّفٍ مرّ بعمليّات تطبيع.
صرّح ملك الأردن، عبد الله الثاني، في لقاء مع صحيفة الغد الأردنيّة، أنّ الجبهة الداخليّة في أراضيه منيعة ومُحصّنة ضدّ الأيديولوجيّات المتطرّفة والكافرة، إذ أنّ أرض النزاعات الخصبة التي تنمو منها هذه الأيديولوجيّات ليست ذات شعبية وتأييد من قِبل المملكة. يتّفق رئيس الحكومة السابق، معروف البخيت، مع هذا الرأي، مُضيفا أنّه في الأردن ليس هناك خطر حقيقي ملموس من تبلوُر ميليشيات مُسلّحة، كداعش مثلا، وذلك بسبب ثلاثة عوامل. الأول، هناك لدى السلطة الأردنيّة قدرات دفاعيّة متينة للدفاع عن نفسها، والتي تطوّرت قبل حوالي عقد من الزمن، عندما قام زعماؤها بتحديد وتمييز التهديدات الحديثة لإحداث الحروب غير التقليديّة. إذ أفلحت المملكة بتطوير قوات مُتمركزة ذات كفاءة بالمناورة ودقة في الحرب، والتي تمّ ضمّ مُخابرات موثوقة إليها معروفة بحنكتها في تحديد مواقع جماعات متطرّفة تعمل في المنطقة. العامل الثاني؛ هو التضاريس الجغرافيّة للصحراء الشرقيّة والصحراء الشماليّة الفسيحة والشاسعة، والتي تُشكّل عائقا طبيعيّا. الثالث، المبنى الداخلي الضعيف للدولة الإسلامية (داعش)، إذ أنّ التنظيم غير قادر على استغلال واستخدام مخازن أسلحة الجيش العراقي، التي استحوذ عليها، بشكل تامّ.
https://www.youtube.com/watch?v=QT5Wa2H3-MA
وإحدى العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار هو التصرّف البراغماتي لداعش باختياره المعارك التي اشترك فيها وبزمن تخمينه لقوة وشدّة خصمه، ما يُشير بالتالي إلى أنّ الأردن قابعة خارج حساباته، على الأقل على مدى المستقبل القريب المُتنبّئ به.
بينما أشار الأمين العام لحركة حزب الله، حسن نصر الله، إلى أنّ داعش يُمكن أن يتحوّل إلى تهديد على المملكة الأردنيّة، إذ أنّه “في كل مكان يحوي أشخاصا يُؤمنون بأيديولوجيّة داعش فإنّ هُناك قاعدة وأساس لتطوّر التنظيم، وهذا هو الوضع الذي يعمّ ويسود في الأردن…”، كما ولفتَ النظر إلى ازدهار جماعات مُؤيّدة لداعش في مناطق مُختلفة بالدولة، سواءً داخلَ مُخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين أو في مدينتَيْ السلط ومعان. وفي الواقع، منذ تنصيب أبي بكر البغداديّ خليفةً للدولة، رفعَ أنصاره في مدينة معان لافتات وشعارات لتأييده وحتّى أنّهم قد أثنوا عليه في أغانيهم. في مدينة الزرقاء، تجمهرَ في اليوم الأوّل من عيد الفطر مُؤيّدون لتنظيم داعش، ونشروا علنًا شعاراتِ التنظيم على اللافتات وردّدوا أغاني موجّهة للدولة الإسلاميّة وأميرها. في ذات الوقت، فقد بايع قائد الحركة السلفيّة الجهاديّة في الأردن، أبو محمّد الطحاويّ، أبا بكر البغداديّ، وأعلنت شبكة الجزيرة أنّ عدد المواطنين الأردنيّين الذين يقتتلون إلى جانب صفوف داعش وجبهة النصرة في سوريا قد وصل إلى ألفَيْ شخص.
https://www.youtube.com/watch?v=b-rC1Jy0gp8
بنظرة سطحيّة، كان من الممكن الأخذ بالانطباع الذي ينصّ على أنّ دعم وتأييد داعش في الأردن لهما وقعُهما واعتبارهما، إلّا أنّه لم يصل إلى درجة اعتباره كحاضنة اجتماعيّة. أضاف رئيس الحكومة الأردنية السابق، البخيت، مُشيرًا إلى أنّه يجب تخطّي الفرضيات لأنّ البيئة الاقتصاديّة – التي تشمل معدّلات فقر مُرتفعة، بطالة وظواهر لآثار الإهمال في المنطقة المُحيطة – ستُشكّل، على ما يبدو، الشروط والظروف “المُلائمة” لتذويت أيديولوجيّة داعش وسْطَ العشائر الأردنيّة، لكنّ هذا الأمر من المُتوقّع أن يُؤدّي إلى عدم استقرار استراتيجيّ على المدى القصير فقط.
تقتصر التهديدات المرئية من قِبَل التنظيم على احتمال نفاذ وتسلّل المنظمة إلى داخل الحدود الأردنيّة، من أجل القيام بأعمال هجوميّة هناك، كالواقعة التي حدثت عام 2005 (عندما تولّى تنظيم “القاعدة في العراق” التابع لأبي مصعب الزرقاوي مسؤوليّة تنفيذ سلسلة من تفجيرات مُنسّقة أودت بحياة 60 ضحيّة وإصابة 115 شخصًا إضافيّا في عَمّان)، بمحاولة إلحاق الضرر بالمصالح الأردنيّة خارج البلاد، أو بمُحاولة لإحياء خلايا مُخدّرة حاليّا بهدف إثارة الاضطرابات والفوضى في المناطق الريفيّة.
صحيح أنّه حتى الآن يُشكّل الأردن جزءًا من الائتلاف الدوليّ الذي أُقيم بقيادة الولايات المتّحدة من أجل الاقتتال بداعش، وهذه الحقيقة بحدّ ذاتها من الممكن أن تُشكّل خطرا مُحتمَلا إضافيّا. إذا لم يقدِر المجتمع الدوليّ على هزيمة الإرهابيّين بوسائل عسكريّة وسياسيّة يستخدِم فيها جرعات مُتساوية، فستكون النتائج في المُقابل سلبيّة بالأحرى، الأمر الحريّ أن يُؤدّي إلى ارتفاع وزيادة في التعبير عن التعاطف مع الجماعات المُتطرّفة. لن يكون هذا مُفاجئا، إذا كان الأمر كذلك، وبدأت الجماهير الأردنيّة بالتظاهُر فسيدلّ ذلك على أنّ دعمها بالمُجتمعات السنيّة سيكون لأولئك الذين في سوريا وفي العراق.
طفل سوري، لاجئ في مخيمات الأردن (AFP)
علاوة على ذلك، إذا تدهور النزاعُ في منطقتنا إزاءَ فشل العمليّات السياسيّة القائمة في العراق، فمن المُتوقّع أن ينضمّ عدد جليل جدّا من اللاجئين العراقيّين إلى المليون وربع لاجئ سوريّ الذين يقبعون مُسبقا وبشكل دائم في مُخيّمات المملكة الأردنيّة. بغض النظر عن إثارة تقييمات مُختلفة وأرقام مُتناقضة بصدد اختلافات ديموغرافيّة مُفاجئة جرت في الدولة في السنوات الأخيرة، ستُشكّل موجة لاجئين إضافيّة من هذا النوع عبئا هائلا على كاهل المؤسسات التعليميّة والمؤسسات الصحيّة التابعة للأردن، بالإضافة إلى مؤسسات الدولة الأخرى.
بلغت التكلفة المُقدّرة الإضافيّة بما يخصّ استضافة اللاجئين السوريّين 2.1 مليار دولار (أمريكيّ) لسنة 2013 إلى جانب 3.2 مليار دولار أخرى لعام 2014. هذا في حين حصلت المملكة الأردنيّة على إعانة دوليّة أُعدّت لمساعدة هؤلاء اللاجئين بما يوازي 777 مليون دولار فقط (ليس أكثر من 15% من التكلفة الكلّيّة)، في حين يُغطّي الأردن بنفسه حصة 85% من التكلفة، الأمر الذي يُمارس بدوره ضغوطات إضافيّة على مؤسسات الصحة، التعليم والمياه، وعلى الحاجة إلى دعم وتوفير المنتجات الأساسيّة أيضا، المُستهلكة على يد مواطني الأردن وعلى يد السكان السوريّين.
وعلاوة على ذلك، يُواجه المواطنون الأردنيّون مؤخرًا تنافُسا مُتزايدا في الحصول على الوظائف واقتناء سكن مُستدام. تم رفض مشاريع جوهريّة كثيرة نتيجةً لاحتياطات الإنفاق العام غير الكافية من مخزن الدولة وعدم وجود تخصيص ماليّ مُناسِب، وهذا نظرا إلى الحقيقة التي وفقا لها فإنّ 21% من النفقات الحكوميّة موجّهة هذه الأيام لاحتياجات الأمن العسكريّ، في حين أنّ 22% أخرى تُقسّم بين احتياجات القطاعات الصحيّة، التعليم والتوظيف.
تدريبات للجيش الأردني في الستيلاء على إرهابيين إسلاميين (AFP)
يوجد للأردن تاريخ يشهد على مُناهضته للتطرّف فهو يعرض نموذجا للتعايش وتقبّل الآخر. مع ذلك، بدأت مُؤخّرا ظاهرة جديدة بالتبرعم من أجل تطبيع التطرّف، الذي يُمكن ربطه بالجَوْر والظلم الاجتماعيّ، بدفع الاقتصاد نحو الهامش، وبالفشل لإيجاد حلّ عادِل للقضيّة الفلسطينيّة.
تُشكّل جميع المُخلّفات التي ذُكرت أعلاه مُؤشرات للجوّ والمزاج العامّ، مع خلق بيئة متوتّرة تُعتبر أرضًا خصبة لإنبات أيديولوجيّات مُتطرّفة في الشرق الأوسط.
وفيما يلي ثلاثة طُرق بواسطتها يُمكِن المُساهمة بمنع السلبيّات التي ذكرت أعلاه:
أ- سيترتّب على المجتمع الدولي أن يلعب دوره من أجل مُساعدة الأردن في التعامل مع الحِمْل والعبء الاقتصادي والاجتماعيّ الثقيل باستضافة اللاجئين إلى أراضي الدولة.
ب- تعزيز التكامُل بين القيم الأردنيّة والقيم الديمُقراطيّة، كالتعدّديّة على سبيل المثال، التنوع، الاعتدال، اتخاذ مُبادرات في مجال حقوق الإنسان وسيادة القانون، سويّا مع الالتزام بتنفيذ الإصلاحات.
ت- تحفيز وتسريع الخطوات التي يجب اتباعها من أجل اعتماد خطة سلام شاملة وعادِلة على أساس حل للدولتين، بين إسرائيل وفلسطين، بهدف إنهاء الخِصام والنزاع الإقليميّ الواسع ومن أجل إيجاد وتذويت الأمن والاستقرار في منطقتنا.
عشرات النشطاء من المنظمة المتطرفة قُتلوا في معارك في عرسال، وهي المعارك التي يصفها الجيش اللبناني بأنها "الأخطر من نوعها". قُتل 11 جنديًا بينما تم اختطاف 15 آخرين. يقف حزب الله إلى جانب الجيش في صراعه
ها قد أصبح ذلك قريبًا وعلى الحدود، التنظيم الجهادي الذي وصلت أصداؤه إلى العراق، سوريا، وبدأت بوادر قوته وتقدمه الأولى تظهر في لبنان، الأردن وغزة.
عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)
الأخبار السارة هي أن الجيش اللبناني يشن منذ عدة أيام عملية عسكرية لم يشهد لها لبنان مثيلاً خلال السنوات الأخيرة بمحاولة من الجيش لصد التيار الجهادي الجديد، الذي يدق على أبواب الدول القومية الجديدة في أرجاء الشرق الأوسط، على أمل إقامة أنظمة حكم إسلامية بديلة.
يُستدل من فحص عميق أن التنظيم هو عبارة عن رمز جديد – قديم للجهاد، والذي يحاول أن يفرض من جديد الشروط السياسية، العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط بعد حرب أفغانستان، العراق، ثورات الربيع العربي وسقوط الأنظمة الإسلامية لاحقًا.
عندما نتوجه الى مصادر إعلامية ما ونطلب أن نعرف أكثر عن التنظيم الذي بات يهدد الهلال الخصيب نحصل على انطباع خاطئ بأننا نتحدث عن جهة قوية جديدة نسبيًا، شقيق صغير لتنظيم “القاعدة”، الذي نمى في الخواء السلطوي الذي تكوّن في تخوم الشرق.
عجّل البروز السريع للتنظيم من تفكك الدول القديمة مثل سوريا والعراق، وترك دول أخرى، مثل الأردن، إيران والسعودية في وضع انتظار. إلا أن نظرة فاحصة على مصادر التنظيم القديمة وطريقة نشاطه تكشف لنا صورة مختلفة قليلاً.
يمكن تمييز براعم التنظيم في العمليات السابقة لقائد التنظيم الأول – أبو مصعب الزرقاوي. جمع الزرقاوي، الذي ترعرع في الأردن وانتسب إلى التيار السلفي السني، خبرة كبيرة بما يخص مجال الإرهاب وحرب العصابات من خلال التنظيمات الجهادية العالمية، بداية من أيامه في أفغانستان تحت الاحتلال السوفيتي، وصولاً إلى محاولاته في أواخر القرن الماضي لإضعاف المملكة الأردنية الهامشية.
أبو مصعب الزرقاوي (Wikipedia)
أنشأ لهذه الغاية في العام 2000 تنظيم “جماعة التوحيد والجهاد” بالتعاون مع نشطاء سلفيين أردنيين آخرين. بعد عام من ذلك، وبالتوازي مع بدء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، نقل الزرقاوي مركز ثقل عملياته إلى العراق، حيث بدأ هناك بنسج شبكة من العلاقات مع جهات في السلطة وفي أذرع أجهزة المخابرات العراقية ومع ميليشيات متطرفة في الشمال – شرق الدولة، أمثال “أنصار الإسلام”. كانت علاقة التنظيم الرسمية بنظام الحكم، بالمقابل، مختلفة في ماهيتها، وقبل الاجتياح العراقي دارت بين نظام حكم صدام والزرقاوي لعبة أشبه بلعبة القط والفأر.
أسقطت الولايات المتحدة في العام 2003 حكم صدام حسين تمامًا وبما في ذلك النظام المخابراتي – العسكري الذي قاد بواسطته البلاد خلال فترة حكمه. أدى تفكك مؤسسات السلطة والفراغ الذي حدث جراء ذلك لنشوء بيئة مناسبة للزرقاوي وتنظيمه للقيام بعمليات جهادية. استقطب تنظيم الزرقاوي آلاف الناشطين من كل أنحاء العالم الإسلامي، وحتى أنه ضم بعض “التنظيمات الصغيرة” إليه.
بدأ التنظيم في النصف الثاني من العقد الماضي في السعي نحو تحقيق ثلاثة أهداف وضعها أمامه. الهدف الأول، طبعًا، كان القتال ضدّ تحالف الاحتلال الغربي والعراقيين المتواطئين مع ذلك الاحتلال. الهدف الثاني كان إحداث شرخ بين الطائفة السنية والشيعية (اللتان تشكلان غالبية نسبة السكان في البلاد”. أما آخر هدف فكان (في تلك السنوات) يسعى إلى إقامة دولة خلافة في العراق.
محاولات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بإقناع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بتوسيع حكومته وضم جهات أخرى إليها لا تنجح حاليًا (AFP)
“منحت” الطرق التي استخدمها التنظيم في عملياته سمعة التنظيم الأخطر والأكثر وحشية. وهذا بسبب استخدام التنظيم لعبوات ناسفة مبتكرة في داخل الأحياء السكنية. مهاجمة أشخاص لا دخل لهم ونشطاء إنسانيين وأيضًا عُرف عن التنظيم قيامه بقطع رؤوس أعدائه. جاءت عمليات الزرقاوي منذ البداية لكي تترك أصداءً مجلجلة وشحن طائفي.
كان الصراع الذي خاضه الزرقاوي سلاحًا ذا حدين وجذب إليه الكثير من النار وفي عام 2006 شنت الولايات المتحدة ثانية حربًا ضدّ قيادة الفصيل التابع لتنظيم “القاعدة” في العراق ونتج عن تلك الحرب وفاة الزرقاوي ونائبه ومعلمه الروحي.
تسلم قيادة التنظيم، بعد اغتيال الزرقاوي، أبو أيوب المصري، الذي كان يُعتبر اليد اليمنى للزرقاوي والذي أنشأ خلايا جهادية كثيرة في جنوب العراق وفي بغداد. مر الحزب في ذلك العام بالكثير من التحولات، وفي نهاية الأمر ارتدى بذلة جديدة: “دولة العراق الإسلامية” والتي كان هدفها الأساسي صراع سني أصولي وصولاً إلى إقامة دولة الخلافة.
ظهر جليًا في ذلك العام تراجع قوة التنظيم على إثر تراجع الدعم له من قبل سكان الطائفة السنية الذين ضاقوا ذرعًا بالأساليب المتوحشة التي انتهجها التنظيم في مناطق نفوذه وبالطرق العنيفة التي كان ينتهجها. نجحت، بفضل ذلك، قوات من الجيش الأمريكي عام 2008؛ بالتعاون مع الحكومة العراقية، بتجنيد العائلات السنية لمواجهة واستهداف الحركات الأصولية التي تتبع “القاعدة” من مناطق محافظة ديالى والأنبار ومن العاصمة بغداد، الموصل وشمال الدولة.
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
حلّ العام 2009 وجاء معه تحوّل جديد. بدأت القوات الأمريكية، على إثر تراجع قوة القاعدة، بالانسحاب من المدن المركزية وبتسليم الحكم للحلفاء المحليين، أي للجيش العراقي الذي دعمته ولحكومة المالكي الشيعي. استغل المقاتلون السنة انسحاب القوات الأمريكية ومن خلال التعاون مع قيادات سابقة في حزب البعث، الذي تم حله، وقاموا بشن موجة عمليات عنيفة جدًا والتي اعتبرت أشرس هجمة يتعرض إليها نظام الحكم الجديد منذ تأسيسه.
بقي، رغم ذلك، النظام ثابتًا نوعًا ما حتى نهاية عام 2012. قُتل في نيسان من العام 2010 المصري، قائد التنظيم، وقادة آخرين على إثر هجوم جوي أمريكي على منطقة تكريت الأمر الذي فسح المجال أمام تربع القائد الجديد للتنظيم، أبو بكر البغدادي، على رأس الهرم.
أبو بكر البغدادي (AFP)
جاءت إنجازات داعش الأخيرة نتيجة امتعاض الأقلية السنية في العراق نتيجة الظلم والقمع والتمييز ضدّهم من قبل حكومة المالكي. يدعي السنة أنه يتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية وبشكل غير عادل، وأنهم دائمًا على مرمى هدف قوات الأمن العراقية.
إن البغدادي، الذي تحوّل؛ منذ زمن إلى شخص ملاحق وإلى عدو همجي وهو الذي لا يتوانى أبدًا عن استخدام أساليب عنيفة جدًا ووحشية من أجل تنفيذ مخططاته بالسيطرة من جديد على العراق ومن ثم بقية دول الهلال الخصيب، قد أعطت تلك الشخصيةـ ولأول مرة الوجه الحقيقي لأخطر تنظيم في المنطقة اليوم، تمامًا كما كان بن لادن وجه القاعدة طوال سنوات التسعين وما بعد ذلك لحين اغتياله في عام 2011.
بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان (تشرين الأول 2001) انقسمت حركة الجهاد العالمي، عندما هربت القيادة (بزعامة بن لادن، نائبه الظواهري وآخرين) إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية. انتقل آخرون إلى إيران ومن هناك في نهاية المطاف إلى العراق. ومن بين هؤلاء، كان الأردني المسمّى أبو مصعب الزرقاوي، الذي بدأ يعمل في البلاد بعد الغزو الأمريكي للعراق عام (2003) على رأس تنظيم “التوحيد والجهاد”.
أبو بكر البغدادي (AFP)
كان هذا التنظيم وراء المئات، إنْ لم يكن الآلاف، من العمليات الإرهابية القاتلة ضدّ السكان الشيعة في العراق، وضدّ القوات الحكومية وقوات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. يعتبر الزرقاوي نفسه مسؤولا عن عدد كبير من عمليات الإعدام للمخطوفين والرهائن الذين تمّ توثيق عمليات قتلهم ونُشرت في الإنترنت. وقد بلغ تعداد أفراد التنظيم، وفقًا للتقديرات، المئات من العناصر، ولكن رغم أنّه لم يكن كبيرًا من الناحية الكمّية، فكان لا يزال يعتبر إحدى الجهات الأكثر خطورة في العراق.
https://www.youtube.com/watch?v=v5GEYvvG-yI
في عام 2004 بايع الزرقاوي زعيم القاعدة حينذاك أسامة بن لادن، واعتمد اسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”. بعد عامين من ذلك، في حزيران 2006، تم اغتياله من قبل الأمريكيين، وانقسم تنظيمه إلى قسمين: قسم استمرّ تحت الاسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” وقسم آخر تحت اسم “مجلس شورى المجاهدين”. نشأ من التنظيم الثاني في النهاية تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، والذي اعتمد – بعد دخوله إلى الحرب في سوريا – اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وتضمّ داعش في تجسّدها الحالي جيشًا من آلاف المقاتلين (تشير التقديرات أنّ عدد عناصر التنظيم هو 7,000 مقاتل) وعدد كبير من المؤيّدين، الداعمين والمساندين في جميع أنحاء العالم.
“هذا هو الوقت لنسيان الظواهري”، هكذا كتب محلّلون ومؤرّخون خبراء في دراسات الشرق الأوسط في الإعلام العالمي: “من اليوم فصاعدًا فإنّ زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، هو الذي يمثّل أكبر مصدر إلهام بالنسبة للجهاد العالمي”. وتدعم مجلة “تايم” المرموقة هذه الادّعاءات، وقد اختارت البغدادي ليتألّق في قائمة أكثر 100 شخصية مؤثّرة في العالم للعام 2013. وقد عرّفت صحيفة “واشنطن بوست” زعيم داعش باعتباره “الزعيم الجهادي الأقوى”، ويصفه آخرون بأنّه “أسامة بن لادن الجديد”، على ضوء حجم التأييد والشعبية التي يحظى بها لدى الجهاديين في جميع أنحاء العالم.
أبو بكر البغدادي- منافس القاعدة
أبو بكر البغدادي هو الرجل الذي حوّل القاعدة في العراق إلى تنظيم داعش- التنظيم المستقل الذي يًسيطر في الأسابيع الأخيرة على كل أجزاء الدولة ويهدد بالسيطرة على مساحات أوسع أخرى في الشرق.
https://www.youtube.com/watch?v=7V-jXpuO-AA
وُلد البغدادي في 1971 في سامراء في العراق حتى نهاية اللقب الأول بالجامعة، عاش حياة عادية جدًا. انجذب سريعًا إلى التيار المتطرف الإسلامي وفيما بعد انضم لفرع القاعدة في العراق. لقد أثبت نفسه سريعًا كقاتل وحظي بثمن يقدر بـ 10 ملايين دولار برعاية قائمة المطلوبين الأمريكية. “هذه الجائزة ثانوية بالنسبة للجائزة المرصودة لرئيس القاعدة أيمن الظواهري ويمثل التزامنا المستمر لمساعدة شركائنا في المنطقة على إبعاد هذا التهديد من بلادهم”، هكذا صرحت المتحدثة بلسان الحكومة الأمريكية، جين ساكي، بعد أن تولى البغدادي مكانه كقائد للتنظيم.
لم يُلق القبض عليه منذ تصريح البيت الأبيض فحسب، بل وازداد وحشية وخطرًا. تحت قيادته، ازداد عدد التفجيرات في العراق، كذلك انضم هو ومقاتلوه إلى الحرب في سوريا ونفذوا عددًا ليس قليلا من الجرائم، مما أدى في نهاية الأمر إلى الانشقاق عن تنظيم القاعدة العالمي في بداية سنة 2014 وإقامة تنظيم داعش.
منذ ذلك الوقت وهم يدمرون العراق فعليًّا ويدمرون الجيش الذي كانت تموّله وتدرّبه القوات الأمريكية. في سوريا، ينفذون أحكام إعدام على الملأ، وفي العراق يذبحون جماعيًّا أسرى من الجيش العراقي، وأغلبية ذلك موثقة ومنتشرة في الشبكة.
https://www.youtube.com/watch?v=PmMpuBal2Zg
من الغريب أن البغدادي كان في يد الأمريكيين، لكن أطلق سراحه سنة 2009 لأسباب قضائية. حسب أقوال الكولونيل كنث كينج، الذي كان مسؤولا في تلك الفترة عن معسكر الاعتقال بوكا في العراق، عندما خرج البغدادي من بوابات السجن قال له: “نلتقي في نيويورك”.
الشهاب الجديد في سماء الإرهاب العالمي يتسابق عاصفًا نحو بغداد، والعالم يشعر بالحرج. فتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" يترك وراءه ذيلا من الجثث والأشلاء في جميع أنحاء العراق وسوريا في طريقه ليصبح كيانًا سياسيًّا حقيقيّا
الآن أصبحت هذه حقيقة معروفة: في كلّ مرّة يقوم فيها عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) باحتلال منطقة جديدة يمكننا أن نتوقّع الأسوأ. أصبحت الشهادات على المجازر والتطهير العرقي مسألة شائعة، فمن كل جهة تصل تقارير عن قطع رؤوس علني، جلد وإعدام، بغضّ النظر عن جنس أو عمر الضحية. فعلى سبيل المثال، في حادثة مروّعة حدثت في بداية العام، أطلق عناصر داعش النار حتى الموت على شاب عمره 14 عامًا بعد أن قام بسبّ اسم محمد، وكلّ ذلك أمام عيون والديه.
يقف عناصر التنظيم وراء عمليات صلب الأشخاص المتّهمين بـ “الكفر” والمسيحيين، وأيضًا بتر الأطراف بسبب السرقة وقتل المدنيين والأسرى. مؤخرًا، لم يستطع البابا فرنسيس أيضًا تجاهل الأخبار عن صلب النصارى واستنكر أفعالهم. فهناك نموذج آخر لمستوى الوحشية الذي وصل إلينا في حزيران هذا العام، وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان “منظمة العفو” حين قام عناصر التنظيم باحتلال بلدة كردية في منطقة الحسكة شمال سوريا. ولأنّه تم الاشتباه بسكّانها بمساعدة الانفصاليين الأكراد، قام عناصر التنظيم بقتل الكثير من المدنيين، من بينهم أطفال، نساء ورجال. وتم طرد الكثير غيرهم.
لا يمكن الفصل بين العراق والحرب الأهلية في سوريا، التي تغذي داعش وتزوّد صفوفها بآلاف المقاتلين الأجانب والدم الجديد. أحد هؤلاء المقاتلين الأجانب هو مهدي نموش، وهو الإرهابي الذي نفّذ هجومًا إرهابيًّا على المتحف اليهودي في بروكسل. يعتبر نموش واحدًا فقط من بين آلاف آخرين، يأتون إلى سوريا بسهولة، يجتازون معسكرات التدريب مع سلاح ويتلقّون تثقيفًا متطرّفًا. تشرّع عقيدة داعش القتل العشوائي لـ “الكافر”، الذي يهدّد الأمة الإسلامية، ويسعى – كما يُفترض – إلى إذلالها، التضييق عليها، احتلال أراضيها واستعباد مواردها. ولذلك، فإنّ كلّ إضرار بهؤلاء الكفار المتآمرين هو وصية والتزام مفروض على المسلمين الأصوليّين الذين ينتمون إلى داعش ونظرية الجهاد العالمي.
في الأيام الأخيرة، أنهى تنظيم داعش سيطرته على مدينة الموصل في شمال العراق، وهي إحدى مراكز النفط المهمّة في البلاد المقسّمة والنازفة. بالإضافة إلى ذلك، فقد نجح مقاتلو داعش من احتلال الحدود السورية العراقية وتعزيز قبضتهم على المكان، إلى جانب النجاحات السابقة في جبهات الأنبار، نينوى وصلاح الدين. وحتى الآن فيبدو أنّ الهدف التالي هو العاصمة بغداد. وكما يقول الجهاديون أنفسهم فهو لا ينوون أخذ أسرى.
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
الأسود يعلو
ما هو هدف داعش النهائي؟ الرأي السائد هو أنّ داعش تسعى إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية، إذ تستطيع من خلالها أن تستأنف حربًا عالمية مقدّسة (الجهاد). وكما يبدو، فإنّ الطريق إلى الخلافة الإسلامية الجديدة يمرّ، وسيمرّ، ببرك من الدماء. تشكل سوريا العراق وبلجيكا البداية فقط، ومن المرجح أن نرى “ارتدادات” الحرب في سوريا تنفجر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، في أوروبا وربما أيضًا في دولة إسرائيل.
تقول التقارير المختلفة إنّ موجة الاحتلالات قدّ أدّت إلى هروب جماعي للمسيحيين. ونقل أحد مواقع الأخبار الإيرانية عن مقتدى الصدر، وهو أحد الزعماء الشيعة الكبار في العراق، ويدعو المسيحيين والشيعة للاتحاد وإقامة قوات حماية تواجه داعش وتحمي الأماكن المقدسة للمسيحيين والشيعة. كما ونشر الصدر رسالة كتب فيها أنّه مستعد “لتأسيس وحدات سلام (بهدف) حماية الأماكن المقدّسة” والعمل بالتعاون مع الحكومة العراقية برئاسة المالكي.
من المهم أن نفهم بأنّ ذلك ليس حادثًا محلّيًا ينحصر في حدود العراق. إنّ سلسلة الأحداث تهزّ كلّ توازن القوى الإقليمي وأكثر من ذلك. وتؤثّر الآثار الثقيلة حاليًّا وستؤثّر مستقبلا على جميع دول الجوار، بما في ذلك الأردن، سوريا، دولة إسرائيل، إيران، الخليج العربي، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة وأوروبا.
ولا تريد أيّ من تلك الجهات التي ذكرناها السماح للجهاديين بأن ينموا. فهناك تقديرات مزعجة بأنّ هذه الأوضاع ستقرّب تحديدًا بين الولايات المتحدة وإيران، ومن المفترض أن يتم ذلك التقارب تحت شعار مكافحة العدو السلفي الجهادي المشترك: ستسمح الولايات المتحدة، التي لا ترغب بإرسال قوات لاحتلال العراق من جديد بالتدخّل العسكري الإيراني، وبالمقابل تذيب الجليد أكثر في علاقتها معها. ومن ناحية التهديد الواقع على الأردن، فهناك خطر بأن يحاول مقاتلو عناصر الإرهاب بالتسلل إلى المملكة وتنفيذ عمليات إرهابية ضدّ أهداف مختلفة داخلها، أو بدلا من ذلك، أن يشجّعوا ويحفّزوا العناصر المتطرّفة في الأردن لمواجهة النظام والقوى الأمنية.
بالنسبة لإيران، فالوضع واضح تمامًا: لا يجوز السماح لداعش والسُنة بالسيّطرة على مناطق استراتيجية في العراق. وقد تمّ التعبير عن هذه الرؤية في كلام الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الذي قال إنّ بلاده مستعدّة لدعم جهود الحكومة العراقية لقتال داعش والقبائل السنّية في البلاد والتي تعارض الحكومة. ووفقًا لتقرير مجلة “الغارديان”، فقد أرسل النظام في طهران نحو 2,000 مقاتل إلى العراق في الأيام الأخيرة، من أجل قتال الجهاديين، وهي خطوة لم تصاحبها أيّ معارضة أمريكية، ممّا يجدر ذكره.
شرق أوسط جديد. مرّة أخرى
إنّ السيّطرة العسكرية – المدنية لداعش على مناطق مختلفة في أنحاء العراق، جنبًا إلى جنب مع ترسّخه في سوريا خلال العامين الماضيين؛ تُكمّل في الواقع تجاوزًا إقليميّا يُلغي الحدود القديمة، والتي فُرضت على سكّان الشرق الأوسط من قبل القوى العظمى الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى. وفقًا لنشرة التنظيم نفسه، فإنّ النجاحات الأخيرة في ساحة المعركة تبشّر بإلغاء اتفاقية “سايكس-بيكو”، والتي تمّ توقيعها بين بريطانيا وفرنسا خلال الحرب العالمية الأولى.
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام يبشّر بإلغاء اتفاقية “سايكس-بيكو”(Twitter)
وفي الخريطة التي تمّ إعدادها من قبل Long War Journal، وهو مشروع تابع لـ “صندوق حماية الديمقراطية”، تظهر داعش وهي تسيّطر حتى الآن على 22 بلدة ومدينة في أنحاء العراق، بالإضافة إلى سبع بلدات ومدن في سوريا. جاء في أحد التقارير أنّ “تقدّم داعش الأخير في شمال ووسط العراق يجعل المجموعة الإرهابية (داعش) تسيّطر على ما يقارب ثلث البلاد”. ويتمّ الاحتلال بينما ينهار الجيش العراقي، المموّل والمدرّب من قبل الأمريكيين، تمامًا. انسحبت وحدات كاملة من الجيش العراقي من أمام قوى صغيرة من الجهاديين. وقد جعلت المهانة رئيس حكومة العراق، نوري المالكي، يتّهم جهات مختلفة في الجيش بـ “الخيانة” مدّعيًا أنّ المسؤولية ملقاة على عاتق القوات الأمنية في البلاد وليس عليه.
قال البروفيسور عوزي رابي، وهو خبير في الشؤون الإيرانية من جامعة تل أبيب، في مقابلة ببرنامج “لندن وكيرشنباوم” (الأربعاء، 11 حزيران) إنّه من الممكن “أن نرسم في خريطة افتراضية خطّا في الوسط فيه “شبكات” قوية لجميع الإسلاميين من حلب في سوريا حتى الموصل وربما إلى الأسفل حتى بغداد. […] المالكي الشيعي يجلس في بغداد، وبشار الأسد يجلس في دمشق، وفي المنتصف هناك نوع من الدولة الافتراضية. إن البروفيسور رابي صادق تمامًا. ومع ذلك، يمكننا أن نضيف بأنّ هذه الدولة ليست افتراضية؛ فسرعان ما تتحوّل الأراضي التي يسيّطر عليها مقاتلو التنظيم إلى معسكرات تدريب ضخمة، يعيش فيها مئات الآلاف من المواطنين. يُدعى أولئك للتجنّد في صفوف التنظيم واعتماد رؤيته الصارمة. بالمقابل، يقوم التنظيم بتوفير حاجياتهم الأساسية ويحلّ مكان السلطات الحكومية المختلفة.
ويدعم باحثون آخرون من مجال الإرهاب العالمي هذا التوجّه في مقالهم، ويدّعون أنّ داعش تحوّلت إلى كيان ماديّ ملموس يسيّطر على المنطقة الإقليمية الواقعة بين العراق وسوريا: “يشكّل هذا الواقع الجديد تحدّيًا يتجاوز المشكلة الشائعة في الحرب على الإرهاب. ولم تعد داعش الآن قائمة باعتبارها خلايا صغيرة يمكن تحييدها بـ (مساعدة) إطلاق صواريخ وفرق كوماندوس صغيرة”، هكذا كتبوا. فلقد أصبحت داعش كيانًا سياسيًّا حقيقيًا، حتى لو لم يكن معترفًا بها من قبل المجتمع الدولي. في الواقع، تُذكّر داعش بتجسّدها الحالي نظام طالبان في أفغانستان أكثر من تنظيم القاعدة.
إعدامات جماعية” لجنود عراقيين في تكريت
شهاب في سماء الجهاد العالمي
يدّعي الكثيرون اليوم أنّ داعش قد “تجاوزت” قاعدة الظواهري، وتحوّلت إلى أكثر أهمية وتأثيرًا بالنسبة للإسلاميين في أنحاء العالم. يعود أحد أسباب ذلك إلى القائد الاستثنائي للتنظيم: أبو بكر البغدادي.
بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان (تشرين الأول 2001) انقسمت حركة الجهاد العالمي، عندما هربت القيادة (بزعامة بن لادن، نائبه الظواهري وآخرين) إلى الحدود الباكستانية – الأفغانية. كما وانتقل آخرون إلى إيران ومن هناك في نهاية المطاف إلى العراق. من بين هؤلاء، كان الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي بدأ يعمل في البلاد بعد الغزو الأمريكي للعراق عام (2003) على رأس تنظيم “التوحيد والجهاد”. كان هذا التنظيم وراء المئات، إنْ لم يكن الآلاف، من العمليات الإرهابية القاتلة ضدّ السكان الشيعة في العراق، والقوات الحكومية وقوات حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة. يعتبر الزرقاوي نفسه مسؤولا عن عدد كبير من عمليات الإعدام للمخطوفين والرهائن الذين تمّ توثيق عمليات قتلهم ونُشرت في الإنترنت. وقد بلغ تعداد أفراد التنظيم، وفقًا للتقديرات، المئات من العناصر، ولكن رغم أنّه لم يكن كبيرًا من الناحية الكمّية، فكان لا يزال يعتبر إحدى الجهات الأكثر خطورة في العراق.
في عام 2004، أقسم الزرقاوي الولاء لزعيم القاعدة حينذاك أسامة بن لادن، واعتمد اسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”. بعد عامين من ذلك، في حزيران 2006، تم اغتياله من قبل الأمريكيين، وانقسم تنظيمه إلى قسمين: قسم استمرّ تحت الاسم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” وقسم آخر تحت اسم “مجلس شورى المجاهدين”. في النهاية، نشأ من التنظيم الثاني تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، والذي اعتمد – بعد دخوله إلى الحرب في سوريا – اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وتضمّ داعش في تجسّدها الحالي جيشًا من آلاف المقاتلين (تشير التقديرات إلى أنّ عدد عناصر التنظيم هو 7,000 مقاتل) وعدد كبير من المؤيّدين، الداعمين والمساندين في جميع أنحاء العالم.
“هذا هو الوقت لنسيان الظواهري”، هكذا كتب البروفيسور جان بيير فيليو، المؤرخ والخبير في دراسات الشرق الأوسط: “من اليوم فصاعدًا فإنّ زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، هو الذي يمثّل أكبر مصدر إلهام بالنسبة للجهاد العالمي”. وتدعم مجلة “تايم” المرموقة ادّعاء البروفيسور فيليو، والتي اختارت البغدادي ليتألّق في قائمة أكثر 100 شخصية مؤثّرة في العالم للعام 2013. وقد عرّفت صحيفة “واشنطن بوست” زعيم داعش باعتباره “الزعيم الجهادي الأقوى”، ويصفه آخرون بأنّه “أسامة بن لادن الجديد”، على ضوء حجم التأييد والشعبية التي يحظى بها لدى الجهاديين في جميع أنحاء العالم.
جيش الدولة الإسلامية في العراق والشام (AFP)
ستخبرنا الأيام إذا كان النجم الصاعد في سماء الإرهاب العالمي سيسقط بنفس السرعة التي صعد بها، أم سينجح البغدادي في إقامة خلافة إسلامية جديدة، والتي من شأنها أن تغيّر وجه الشرق الأوسط على المدى البعيد.
سقطت الموصل، المدينة الأكبر في شمال العراق، بيد جيش "الدولة الإسلامية في العراق والشام". وبموجب كل المقاييس، فهي نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المنطقة. هل يستطيع المقاتلون الأكراد أن يوقفوا الجهاديّين السنّة؟
في 9 حزيران عام 2014، قبيل المساء، سقطت الموصل. أثناء كتابة هذه السطور يسيطر جيش “الدولة الإسلامية في العراق والشام” على المدينة الأكبر في شمال العراق. سيطر مقاتلو التنظيم على مكاتب الحكومة في محافظة نينوى العراقية، طردوا رجال الجيش والحكومة من المدينة، ويسيطرون عليها الآن. حتى يتمّ نشر هذا المقال فمن الممكن أن ينجح الجيش العراقي في طردهم، ولكن بموجب كل المقاييس فإنّ هذا الحدث هو نقطة تحوّل مهمّة في تاريخ المنطقة.
يعرف التنظيم الإسلامي المتطرّف عادة بحروف الاختصار: داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام). كانت بداية التنظيم في المعركة الخاصة لرجل القاعدة الضالّ أبو مصعب الزرقاوي ضدّ الشيعة في العراق في أعقاب الغزو الأمريكي. ومنذ ذلك الحين، مرّ التنظيم بتقلّبات كثيرة، ويتزعّمه اليوم قائد متشدّد يُدعى أبو بكر البغدادي. مع بداية الثورة ضدّ الأسد في سوريا، انضمّ التنظيم إلى قوى المعارضة، وخلال الثورة تصارع مع الممثّل الثاني للقاعدة في سوريا، جبهة النصرة. قرّرت قيادة القاعدة في أعقاب الصراع وقف رعاية داعش، ومنذ ذلك الحين فهو يعمل كتنظيم مستقلّ، حيث أنّ أيديولوجيّته هي: جهادية، تكفيرية وتكره الشيعة، وهي متطرّفة حتّى أكثر من أيديولوجيّة بن لادن. ينفّذ أعضاء التنظيم بشكل متكرّر عمليات إعدام علنية للكفار والخونة، ومنذ مدّة ليست طويلة قاموا بصلب مشتبه بهم بالخيانة.
ممقاتلو داعش في نينوى (ISIL / AFP)
تمركز التنظيم في الأشهر الأخيرة بشكل كبير بين حلب في شمال غرب سوريا وبين بغداد في جنوب شرق العراق، أو، بكلمات أخرى؛ تقريبًا في جميع المنطقة العربية بين نهري دجلة والفرات. ويسيطر التنظيم بشكل تامّ أيضًا على مناطق الفلوجة وبعقوبة في العراق، وهكذا أيضًا أجزاء كبيرة في المنطقة الشرقية من سوريا، دير الزور والرقّة. وقد جاءت مهاجمة الموصل في أعقاب عدد من الانتصارات سواء في المنطقة الكردية في شمال سوريا، أو في المدن على طول نهر دجلة في العراق. نجح مقاتلو التنظيم في هذه الفترة بوضع يدهم على مخازن السلاح، الوسائل القتالية والذخائر الحكومية، وإلى جانبها أيضًا موارد مالية وبنكية ومكاتب حكومية.
يعتبر نموّ داعش نموذجًا إضافيًّا لقصر نظر الحكومات في جميع ما يتعلّق بدعم التنظيمات المتطرّفة. في بداية العمل ضدّ الأسد تم دعم التنظيم من قبل جزء كبير من الأنظمة العربية السنّية في شبه الجزيرة العربية، وأيضًا – كما تشير الأدلّة – من قبل الحكومة التركية نفسها، بواسطة تنظيمات وسيطة مختلفة. هذه المرّة أيضًا، نجحت الحكومات في تربية التنّين في الدرج وأن تكتشف – بعد فوات الأوان – أنّه ينفث النار عليها أيضًا.
ولأنّ التحدّيات التي يضعها التنظيم أمام النظام السوري والحكومة العراقية معروفة؛ فإنّ الصراعات الأكثر إثارة للاهتمام هي الدائرة بين التنظيم وتركيا والأكراد. فقد نفّذ أعضاء التنظيم في الأشهر الأخيرة عدّة هجمات ضدّ أهداف على الحدود التركية، ضربوا دوريات الحدود بل ورجال الشرطة، ولكن هُزموا في هجمة عسكرية قصيرة. من المحتمل أن تكون هذه هي إحدى القضايا الرئيسية في النقاش بين أردوغان والرئيس الإيراني روحاني في لقائهما هذا الأسبوع. اضطر أردوغان إلى الاعتراف الآن – مع الأسف الكبير – بأنّه خائف من الدولة المتطرّفة التي تنمو على حدوده، ومتفاجئ من المصالح المشتركة التي يجدها مع روحاني. هناك من يعتقد في أروقة الحكومة في أنقرة بأنّه من المفضّل إزالة معارضة استمرار حكم الأسد، والتنازل عن أحلام الديمقراطية المحافظة بالصغية التركية. فالبديل الجهادي قد يكون أكثر سوءًا.
عنف وعمليات تفجير سيارات مفخخة في تكريت (AFP)
والقصة الكردية هي كذلك مثيرة للفضول. قبل عدّة شهور، ضربت داعش بلدة كردية في سوريا، وفي بداية الأسبوع فجّر انتحاريّون من أعضاء التنظيم أنفسهم في مقارّ لأحزاب كردية في مدينة توز خورماتو. والهجمة على الموصل أيضًا، التي يرى فيها الأكراد إحدى عواصم إقليمهم، هي تحدّ واضح لمنطقة الحكم الذاتي الكردي. ومع تعزيز الثقة بالنفس لدى قادة داعش فسيتطلعون إلى المناطق الكردية أيضًا، التي تتّخذ موقفًا أكثر ليبرالية من الدين، هدفًا للغزو والسيطرة.
ولكن من المرجّح هذه المرّة أن يجد مقاتلو داعش أنفسهم في معركة أكثر صعوبة. لقد راكَمَ الأكراد في الصراعات الطويلة في سوريا، تركيا والعراق سنوات طويلة من التجربة في حرب العصابات والصراعات الجبلية. حتى الآن تتجنّب الحكومة الكردية تفاقُم الصراع، وتأمل بأن تحوّل الحرب في سوريا مركز صراع التنظيم باتجاه دمشق. ولكن الآن، حين اتّضحت الاستراتيجية الجديدة للتنظيم، فنحن نتوقّع أن نرى صراعًا أكثر تصميمًا من قبل الأكراد، وأيضًا من قبل الحكومة العراقية، مع التنظيم المهدّد.