أعلن أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، في 28 تموز 2016، عن إقامة إطار جديد يدعى “جبهة فتح الشام” بدلا من تنظيم جبهة النصرة. وقد سبق إعلان الجولاني إعلان تأييد لهذه الخطوة المرتقبة من قبل زعيمَي القاعدة (أيمن الظواهري ونائبه أحمد حسن أبو الخير).
ومن خلال تحليل بيانات الجولاني وزعماء القاعدة يظهر أنّ إقامة جبهة فتح الشام قد تمت من خلال اتفاق مسبق وتنسيق مواقف بينهم. وينعكس هذا الأمر بالثناءات التي وجهها الجولاني إلى زعماء القاعدة، ودعمهم الواضح لهذه الخطوة، والتفسيرات المشابهة التي قدمها كل من الطرفين لتبرير إقامة هذا الإطار الجديد، مما يدل على تنسيق مسبق لمضمون الإعلان.
وجاء في التقييم الذي نشره “مركز المعلومات للاستخبارات والإرهاب” أنّ إقامة هذا الإطار الجديد يهدف إلى طمس وتشويش العلاقة بالقاعدة والانفصال عن الصورة الإرهابية التي يرمز إليها التنظيم، من أجل تعزيز هدفين أساسيين، في الساحة الدولية وفي الساحة الداخلية-السورية:
تهدف هذه الخطوة في الساحة الدولية إلى التصعيب على الولايات المتحدة ودول التحالف الغربي الانضمام إلى الهجمات الجوية الدائرة ضدّ جبهة النصرة التي تنفذها روسيا. لقد ركّزت حملة الغرب في بدايتها على داعش في حين أن روسيا هاجمت أيضًا جبهة النصرة بعد أن اعتبرتها أحد الأعداء الرئيسيين للنظام السوري. ويرتبط توقيت الإعلان، وفقا للتقديرات، بأخبار حول اتفاق يتشكّل بين روسيا والولايات المتّحدة، والذي في إطاره ستتعاون كلتاهما في الحرب ضدّ داعش وجبهة النصرة. يرى الجولاني أن من شأن هذه الخطوة الجديدة أن تنشئ صورة تعكس الانفصال عن القاعدة ليصعّب بذلك على الولايات المتحدة والغرب التعامل مع الإطار الجديد باعتباره تنظيما إرهابيا (وأيضا في الواقع، يتجنّب تنظيم جبهة النصرة القيام بعمليات ضد الولايات المتحدة والغرب أو ضدّ روسيا، بخلاف الهجمات الإرهابية التي تقوم بها داعش وأنصارها في العالم).
وفي الساحة السورية الداخلية يسعى الجولاني إلى إيجاد أرضية مشتركة قدر الإمكان مع تنظيمات الثوار ذوي الطابع الإسلامي، حتى أولئك الذين أيديولوجيّتهم ليست بالضرورة سلفية جهادية، والقتال معهم بشكل مشترك ضدّ النظام السوري. ويبدو أيضًا أنّ الخطوة الحالية قد تمت استجابة لمطالب تنظيمات الثوار الأخرى، والتي تخشى من أن تصبح هدفا للهجمات الجوية بسبب تعاطفها مع القاعدة.
منذ تأسيسه كان يميل تنظيم جبهة النصرة إلى التعاون مع تنظيمات الثوار الأخرى، بل وانضمّ إلى تحالف “جيش الفتح”، مما ميّزه بشكل واضح عن داعش، التي تفضّل إدارة معاركها لوحدها، وتتعرض إلى مواجهات مستمرة مع تنظيمات الثوار الأخرى. من شأن التعاون مع تنظيمات المعارضة الأخرى، في نظر الجولاني، أن يحسّن من قدرات الإطار الجديد في الصمود أمام المساعي الهجومية للجيش السوري بمساعدة روسيا، إيران، حزب الله، والميليشيات الشيعية المدعومة التي تدعمها إيران. تركّز هذه الهجمات اليوم على معركة حلب، ولكن لاحقا ستقع “في مرمى” النظام السوري وحلفائه محافظة إدلب، المعقل الرئيسي لجبهة النصرة.
هل معنى إقامة الإطار الجديد هو حقّا انفصال جبهة فتح الشام عن تنظيم القاعدة؟ كلا، كما يبدو. الخطوة الجديدة هي في أساسها نتيجة الضغوط الممارَسة ميدانيا على جبهة النصرة وطموح الجولاني الأساسي لتحسين قدرات بقاء تنظيمه في الحرب المستمرّة التي لا يزال يرتقبها. أيديولوجيا، وفقا لوثيقة تأسيسي التنظيم، تستمر جبهة فتح الشام في التمسّك بالأيديولوجية السلفية الجهادية التابعة للقاعدة، وتشير التقديرات إلى أنّ الإطار الجديد سيستمرّ في إقامة علاقاته مع قيادة القاعدة. وتدل ردود الفعل الرسمية الصادرة عن الولايات المتحدة وروسيا أنّهما لن ينطلي عليهما الإطار الجديد “جبهة فتح الشام”، وأنهما مستمرتان في التعامل معه باعتباره تنظيما إرهابيا.