قال التلفزيون الرسمي إن رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان زار إيران اليوم الأربعاء لتعزيز العلاقات في مجالي التجارة والطاقة وهي خطوة ترمي كذلك فيما يبدو إلى نزع فتيل التوتر بخصوص سوريا بالاستفادة من انفتاح طهران الدبلوماسي على منافسيها في المنطقة وعلى الغرب.
وإيران حليف استراتيجي قوي للرئيس السوري بشار الأسد منذ بداية الانتفاضة المناوئة له أما تركيا فهي من أشد منتقديه وتدعم معارضيه وتتيح لمقاتلي المعارضة ملاذا آمنا.
غير إن فوز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية في يونيو حزيران الماضي زاد احتمالات التقارب بين تركيا وإيران إذ أنه معتدل نسبيا ويقول إنه يريد تحسين العلاقات مع الغرب ويشاطره القلق من صعود تنظيم القاعدة في سوريا.
ولا زالت الخلافات عميقة بين أنقرة وطهران بشأن الصراع في سوريا لكن دبلوماسيين ومسؤولين حكوميين يقولون إن الجانبين يريدان تحسين علاقتهما التي قد يكون لها دور محوري في خارطة الشرق الأوسط السياسية التي تتغير سريعا.
وتعتقد الولايات المتحدة أن تحسن العلاقات بين تركيا وإيران مهم لاستقرار الشرق الأوسط عموما وهو ما يمثل بالنسبة إليها انفراجة استراتيجية تأمل في تحقيقها من خلال المحادثات التي تجريها القوى العالمية مع طهران للحد من برنامجها النووي.
والتقي اردوغان مع الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي والرئيس روحاني الذي أدت سياسته الخارجية القائمة على “التعقل والاعتدال” إلى تخفيف عزلة طهران الدولية وإحياء الاتصالات بينها وبين واشنطن.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم للصحفيين في طهران “دخلت علاقتنا مع تركيا مرحلة جديدة ونأمل أن يستمر هذا الاتجاه. فبجانب خدمة مصالح البلدين نأمل أن يخدم حوارنا (مع تركيا) المصالح الإقليمية أيضا.”
وأضافت “تتمتع إيران وتركيا باعتبارهما دولتين إسلاميتين جارتين بالكثير من القواسم المشتركة وفرص التعاون.”
وقال بعض المحللين إن الهدف الرئيسي لزيارة اردوغان هو توسيع التعاون الاقتصادي وتهدئة الخلافات السياسية في الوقت الحالي.
وقال حسين فروغي وهو محلل في طهران “مع ملاحظة أن وزيري الاقتصاد والطاقة يرافقان اردوغان يمكننا القول إن زيارته هدفها تجاري.”
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن ارودغان وقع ثلاثة اتفاقات تجارية اليوم الأربعاء قبل أن يغادر طهران عائدا الى بلده.
وقال اردوغان في تصريحات أذاعها التلفزيون الإيراني مترجمة إلى الفارسية أثناء عرض لقطات لاجتماعه مع نائب الرئيس الإيراني اسحق جهانغيري “اليوم أتيحت لنا فرصة جيدة لمراجعة علاقاتنا الثنائية.”
وأضاف “أود أن أذكر بصفة خاصة الاتفاق الذي وقعناه في مجال التجارة التفضيلية وأن أعبر عن ارتياحي له… معروف أننا نستورد من إيران النفط الخام والغاز وهما مصدران استراتيجيان للطاقة و(سيكون) بمقدورنا زيادة حجم هذه الواردات.”
ولم تعلن على الفور أي تفاصيل بخصوص الاتفاقات التجارية الثلاثة ولا مضمون اجتماعي اردوغان مع خامنئي وروحاني الذي ذكر الاعلام التركي والايراني انه يعتزم زيارة تركيا خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقال مسؤول تركي كبير إن وفد اردوغان كرر مطالبة ايران بتقديم خصم على سعر الغاز الطبيعي. وابلغ مسؤول إيراني كبير رويترز بأن هذه المسألة “نوقشت لكن ستجرى مزيد من المحادثات بشأن موضوع الخصم. لم يتخذ قرار بعد.”
وتعتمد تركيا على الاستيراد لسد كل حاجتها تقريبا من الغاز الطبيعي وتمثل تكاليف الطاقة التي تبلغ 60 مليار دولار سنويا أكبر عامل في تضخم عجز ميزان المدفوعات الذي يمثل نقطة الضعف الأساسية لاقتصادها.
وتعتبر أنقرة سعر الغاز الايراني مرتفعا كثيرا مقارنة باسعار موردين اخرين مثل روسيا واذربيجان وهو ما ترفضه طهران. وأقامت مؤسسة خطوط أنابيب البترول التركية دعوى أمام محكمة تحكيم دولية بخصوص سعر الغاز الإيراني عام 2012. وما زالت الدعوى منظورة.
وتتطلع تركيا إلى زيادة واردات النفط والغاز من طهران توقعا لتخفيف العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني الضخم عقب التوصل لاتفاق 24 نوفمبر تشرين الثاني بين إيران والقوى العالمية الكبرى الست. وبموجب هذا الاتفاق تلتزم الجمهورية الإسلامية بالحد من بعض أنشطتها النووية المثيرة للجدل.
وخففت بعض العقوبات المفروضة على إيران بدءا من 20 يناير كانون الثاني. غير أن معظم العقوبات بما في ذلك القيود المشددة المفروضة على استخدام إيران للنظام المالي العالمي ما زالت سارية انتظارا لإبرام اتفاق طويل الأمد بخصوص نطاق البرنامج النووي الإيراني والمقرر التفاوض بشأنه خلال الأشهر الست القادمة.
وفرضت العقوبات للاشتباه في سعي ايران لاكتساب القدرة على صنع سلاح نووي وهو ما تنفيه.
وتمثل إمكانات السوق الإيرانية في بلد يقطنه 76 مليون نسمة ويحوي بعضا من أكبر احتياطات النفط والغاز في العالم فرصة جاذبة للمستثمرين الأجانب بما في ذلك الشركات التركية.
وقال اردوغان للصحفيين في أنقرة قبيل توجهه الى طهران “نأمل في تتويج هذه العملية باتفاق يضمن رفع جميع العقوبات عن إيران. بذلت تركيا حتى الان قصارى جهدها في هذا الصدد وستستمر في ذلك.”
ويقول مسؤولون إيرانيون إن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 22 مليار دولار في عام 2012 ثم تراجع إلى 20 مليار دولار في 2013 ومن المتوقع أن يصل إلى 30 مليار دولار في عام 2015.
وكانت إيران ثالث أكبر أسواق التصدير لدى تركيا في عامل 2012. وقالت وسائل إعلام إيرانية إن تركيا تصدر ما يزيد على 20 ألف منتج إلى إيران من بينها الذهب والفضة.
وعبرت الولايات المتحدة عن استيائها لاستمرار التبادل التجاري بين إيران وحليفتها تركيا في تجاوز لنظام العقوبات وأدرجت بعض الشركات التركية المشاركة في هذه التجارة على القائمة السوداء.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن وكيل وزارة الخزانة الأمريكية ديفيد كوهين الذي زار تركيا قبيل زيارة اردوغان لإيران حذر الحكومة التركية من التسرع في تحسين العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجمهورية الإسلامية قبل إبرام اتفاق نووي نهائي.