يبدو أنّ النقاش حول “قانون القومية” الذي صادقت الحكومة الإسرائيلية عليه اليوم الاحد يمسّ بالأعصاب المكشوفة حول طابع دولة إسرائيل. عرّفت دولة إسرائيل نفسها دائما بأنّها “يهودية وديمقراطية”، ولكن تفسير معنى هذه العبارة بقي غامضا دائما.
هناك من ادعى بأنّ كون الدولة “يهودية” فيه معنى ديني، وأنّ الصهيونية تحتاج أن تستجيب للمتطلّبات الدينية اليهودية. وهناك من قال إنّ تفسير عبارة “دولة يهودية” هو دولة الشعب اليهودي، وليس الدين اليهودي. وهناك من سخر وقال إنّ “يهودية وديمقراطية” تعني يهودية بالنسبة للعرب، وديمقراطية بالنسبة لليهود.
يسعى “قانون القومية” إلى تبديد الغموض حول هذه العبارة، وإعادة ترتيب علاقات القوة بين يهودية إسرائيل، وبين ديمقراطيتها. حسب كل الآراء، يسعى القانون إلى إعطاء أفضلية معيّنة لخصائص دولة إسرائيل اليهودية، مع أخذ الطابع الديمقراطي بعين الاعتبار.
“دولة القومية اليهودية“
وتشمل صيغ أخرى، أكثر صرامة من مشروع القانون هذا، جعل اللغة العبريّة اللغة الرسمية الوحيدة في دولة إسرائيل، مقابل اللغة العربية التي ستكون ذات “مكانة خاصة” ولكن لن يتم الاعتراف بها كلغة رسمية للبلاد.في صياغة اقتراح القانون الذي أيده رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كانت المكانة التي أعطيت للديمقراطية وليهودية الدولة متساوية. إنّ الهدف المعلن للقانون الذي اقترحه نتنياهو هو “تعريف هوية دولة إسرائيل باعتبارها دولة قومية للشعب اليهودي، وترسيخ قيمها كدولة يهودية وديمقراطية، بروح المبادئ التي في إعلان إقامة دولة إسرائيل”.
وقد شدّد نتنياهو على الطابع القومي لدولة إسرائيل. كما أنّ بريطانيا هي دولة الشعب البريطاني وفرنسا هي دولة الشعب الفرنسي، فإنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي
وقد شدّد نتنياهو نفسه على الطابع القومي لدولة إسرائيل. كما أنّ بريطانيا هي دولة الشعب البريطاني وفرنسا هي دولة الشعب الفرنسي، فإنّ إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي. وفقا لهذا الموقف، فإنّ حقوق الإنسان والمواطن في إسرائيل الديمقراطية تُمنح لكلّ مواطن؛ أيّا كان دينه. ولكن حقوق التعريف الذاتي والقومي في دولة إسرائيل محفوظة لليهود، ولهم فقط.
يهود وعرب يعيشون مع بعض في القدس (Zuzana JankuFLASH90)
كما وشرح نتنياهو الاقتراح في افتتاحية جلسة مجلس الوزراء الهائجة والتي ناقشت القانون، فقال: “في دولة إسرائيل هناك مساواة في الحقوق الشخصية لكل مواطن، ولكن حقوق القومية هي فقط للشعب اليهودي. العلم، النشيد الوطني، حقّ كلّ يهودي في الهجرة إلى البلاد؛ كل تلك تُمنح فقط لشعبنا في دولته الواحدة والوحيدة”.
وقد جاء في اقتراح قانون نتنياهو: “ستعمل الدولة على تمكين كلّ مواطن في إسرائيل، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنسية، من العمل للحفاظ على ثقافته، تراثه، لغته وهويته”. ومع ذلك، وفقًا للقانون، فإنّ رموز الدولة، علمها ونشيدها الوطني تعكس بشكل حصريّ يهودية الدولة، ولا تزعزع هوية الفلسطينيين من مواطني إسرائيل.
“تشريع يضرّ بالديمقراطية“
كانت معارضة اقتراح نتنياهو داخل الحكومة شديدة. قاد المعارضة في الحكومة وزير المالية، يائير لبيد، والذي قال إنّ اقتراح القانون هذا يتناقض جوهريّا مع رؤيا مؤسسي دولة إسرائيل. وبحسب اقوال لبيد، فالسبب الوحيد الذي جعل نتنياهو يدعم القانون هو كسب تأييد العناصر اليمينية. وقد أشار إلى أنّ زعماء الصهيونية التاريخيين من جميع ألوان الطيف السياسي، دافيد بن غوريون، زئيف جابوتنسكي ومناحم بيجن – والذين يرى نتنياهو نفسه سائرا على خطاهم – لم يكونوا ليوافقوا على هذا القانون.
بحسب اقوال لبيد، فالسبب الوحيد الذي جعل نتنياهو يدعم القانون هو كسب تأييد العناصر اليمينية
وأضافت وزيرة العدل، تسيبي ليفني، أنّها ستعارض “كل اقتراح قانون يضرّ بقيم دولة إسرائيل كما تمّ تحديدها في وثيقة الاستقلال”. قالت ليفني في جلسة مجلس الوزراء إنّ نتنياهو يحاول أن يجعل الوزراء يصوّتون ضدّ اقتراح القانون، كي يتمكّن من إقالتهم.
وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد (Flash90)
وكتب رئيس الشاباك الأسبق، يوفال ديسكين، وهو من زعماء المعارضين لنتنياهو في الآونة الأخيرة، في صفحته على الفيس بوك كلمات قاسية ضدّ الاقتراح. بحسب تعبيره: “إنّ هويّة البلاد يتمّ تحديدها في نقاش عامّ وخصوصا في الإجراءات وليس من خلال تشريع يضرّ بالديمقراطية. إنّ كون الدولة يهودية سنحافظ عليه فقط عندما تكون هناك دولتان لشعبين”.
المجتمع العربي في إسرائيل بين المطرقة والسندان
كما ذكرنا، فإنّ القضية الرئيسية للقانون، حتى لو تم قبول اقتراحه “المعقّد”، هي التحديد بأنّ الحق في التعريف القومي في إسرائيل محفوظ لليهود فقط، وليس للفلسطينيين. وسينال مواطنو إسرائيل العرب جميع حقوق الإنسان والمواطن التي تشمل كل أنواع الحريات الشخصية، ولكن دون الاعتراف بكونهم مجموعة قومية.
نتنياهو: “أنا لا أفهم أيضًا أولئك الذين يطالبون بدولتين لشعبين وفي نفس الوقت يعارضون ترسيخ ذلك في القانون”
إنّ الجانب الخفيّ لمؤيّدي القانون هو علاقته مع حلّ الدولتين. قبل أنّ نعلن حلّ “دولتين لشعبين”، علينا أنّ نذكّر بأنّ الدولة الواحدة – إسرائيل، هي دولة الشعب اليهودي. نتنياهو نفسه قال اليوم: “أنا لا أفهم أيضًا أولئك الذين يطالبون بدولتين لشعبين وفي نفس الوقت يعارضون ترسيخ ذلك في القانون. إنّهم يبتهجون بالاعتراف بدولة قومية فلسطينية ويعارضون بشدّة دولة قومية يهودية”.
وفقًا لموقفه، فقبل الاعتراف بدولة القومية الفلسطينية، التي لم تقم بعد، هناك حاجة لتعريف تدقيق للدولة اليهودية. ولكن من سيعاني أكثر من الجميع من هذا التعريف، هم المليون ونصف مواطن عربي في إسرائيل.
يعتقد معارضو الاقتراح بأنّ ترسيخ حصرية الحقّ القومي للشعب اليهودي هو تعميق للفجوة القائمة في إسرائيل بين اليهود والعرب. إنّ تعريف الدولة، رموزها ومؤسساتها بمجموعة واحدة فقط من بين مواطني البلاد – الغالبية اليهودية – سيبرز فقط حقيقة أنّ اليهود والعرب لا يتمتّعون بالمساواة المدنية الكاملة.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني