رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)

قناة في غاية السرية

في الثالث عشر من أيلول عام 1993، تمّ التوقيع على اتّفاق أوسلو في البيت الأبيض. وبدأت المسيرة السرية التي قادت إلى المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات قبل تسعة أشهر بلقاء في النروج.

بدأت القناة السرية في أوسلو، عاصمة النروج، في كانون الثاني 1993، وأدارها كلٌّ من يائير هيرشفيلد ورون بونداك، مبعوثَي نائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين.

بادر نائب وزير الخارجية بيلين إلى المحادثات السرية، بدايةً في لندن، ومن ثم في أوسلو. جرت هذه اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر، رغم أنّ اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير كانت ممنوعة قانونيًّا في إسرائيل.

وقال بيلين لاحقًا إنّ وزير الخارجية شمعون بيريس جرى إطلاعه بعد شهرَين فقط من إطلاق القناة السرية بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي. أمّا رئيس الحكومة رابين فقد أُعلِم بعد ذلك بكثير.

في أيار 1993، جرى ضمّ المدير العام لوزارة الخارجية حينذاك، أوري سافير، للمحادثات السرية ولكن الرسمية. وبعد ثلاثة أشهر، في 20 آب 1993، وقّع سافير سرًّا على إعلان المبادئ إلى جانب أبي العلاء. بعد مرور بضعة أيام، تسرب الخبر إلى الإعلام محدثًا ضجيجًا في العالم.

في 9 أيلول، تبادل رابين وعرفات رسالتَي اعتراف متبادل عبر وزير الخارجية النروجي يوهان يورغن هولست. وجاء في الرسالة الإسرائيلية التي أرسلها‎ ‎‏رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين أنّ إسرائيل‏ تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل قانوني وشرعي للشعب الفلسطيني.‎ والتزمت إسرائيل بإلغاء القانون الذي يحظر اللقاء بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والإعلان عن المنظمة تنظيمًا إرهابيًّا.

أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)
أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)

في الرسالة الفلسطينية التي أرسلها رئيس‎ ‎‏منظمة التحرير الفلسطينية‏‎ ‎‏ياسر عرفات، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في أن تعيش بسلام وأمان. قبلت المنظمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (الأرض مقابل السلام)، وقرار مجلس الأمن رقم 338 (وقف إطلاق النار خلال 12 ساعة). بالمقابل، أعلنت المنظمة نبذ الإرهاب والعنف، والتزمت بإنهاء النزاع بطرق سلمية. أمّا البند الأكثر أهمية من جهة إسرائيل فكان موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم تغييرات في بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ليصادق عليها المجلس الوطني الفلسطيني، حيث إنّ هذه البنود تنكر حق وجود إسرائيل.

رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)
رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)

وقال رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي للمحادثات: “إنّ الهدف الأكبر كان ولا يزال إتمام عملية إقامة دولة إسرائيل، التي بدأت في 29 تشرين الثاني 1947 مع إعلان الأمم المتحدة عن التقسيم. أكبر إنجازَين حققهما اتّفاق أوسلو هما الاعتراف المتبادل التاريخي بين حركتَين وطنيتَين – الحركة الصهيونية ممثلةً بدولة إسرائيل، والحركة الوطنية الفلسطينية ممثَّلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية، قاتلتا حتى ذلك الوقت الواحدة ضدّ الأخرى في مباراة مجموع نقاطها صفر، أي أنّ انتصار الطرف الواحد يعني هزيمة الآخر. أمّا الإنجاز الثاني فهو الموافقة على أنّ الطريق إلى الحل يكمن في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، وبكلمات أخرى، تقسيم أرض إسرائيل/ فلسطين إلى كيانَين سياسيَّين – إسرائيلي وفلسطيني”.

في 13 أيلول 1993، أقيمت في حديقة البيت الأبيض، بمشاركة رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، رئيس الحكومة إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، مراسيم احتفالية للتوقيع على “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”. ووقّع على الوثيقة نفسها باسم إسرائيل شمعون بيريس، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، وكشاهدَين وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ووزير الخارجية الروسي أندريه كوزيريف. وبعد التوقيع، جرت مصافحة تاريخية بين عرفات ورابين المتردّد، حيث اهتمّ كلينتون بأن يمتنع عرفات عن أن يقوم عرفات، كعادته، بتقبيله أو تقبيل رابين.

اقرأوا المزيد: 468 كلمة
عرض أقل
من هو هذا السياسيّ الذي رفضَ مدح فؤاد بن إليعازر؟ (لقطة شاشة)
من هو هذا السياسيّ الذي رفضَ مدح فؤاد بن إليعازر؟ (لقطة شاشة)

من هو هذا السياسيّ الذي رفضَ ذكرَ مناقب فؤاد بن إليعازر؟

أدهشَ حديثُ أحد زملاء السياسيّ الإسرائيليّ الراحل فؤاد بن إليعازر، الذي وافته المنيّة البارحة، الإسرائيليّين تاركا إياهم في صدمة

توفّي البارحة السياسيّ المحنّك بنيامين (فؤاد) بن إليعازر عن عمر ناهز الـ 80 عاما. أشاد بذِكره العديدُ من السياسيّين على نحو خاصّ. إذ مدحه الرئيس الإسرائيليّ رؤوفين ريفلين قائلا “كان فؤاد شخصا داعما للكثير من الحقوق الإنسانيّة، وقد كرّس جُلّ سنواته في الدفاع عن الدولة. وعلى ضوء رحيله فإننا نُمجِّد محبّته لأرض إسرائيل”.

على نقيض ذلك، فقد فاجأ السياسيُّ يوسي بيلين، شريكُ فؤاد السابق في الحزب، الجميعَ حينما استُدعيَ لأحدِ الاستوديوهات الإعلامية كي يروي بعضَ ذكرياته من عمله المَشترك مع بن إليعازر، ولكن بدلَ أن يمدحَ الراحلَ بذكريات عطِرة، فقد شارك القُرّاءَ بذِكرِ نقاط ضعفِ فؤاد كرجل سياسيّ وحكى عن معارضته لترشيحه رئيسا.

أخبرَ بيلين المذيعَ المذهول قائلا “لستُ أنوي الانضمامَ إلى موكبِ مادحيه، فلم آتي إلى الاستوديو لهذا الغرض. أنا أراه على أنهّ كان سياسيّا عُدوانيّا، جشعًا، والذي لم يجدر به أن يكون المُرشّح للرئاسة من حزبنا (حزب العمل) وبالتأكيد ليس المُرشّح لرئاسة الملفّات الأمنية”

حاولَ مُقدّمُ الأخبار عدَّ مناقب بن إليعازر ومساهماته للحزب أمام بيلين، لكن بيلين أصرّ على الاستمرار بذمّه فقد أردف قائلا “لقد كان سياسيّا من هذا النوع الذي يُنفّر الناس من السياسة. آملُ أنّ حياته قبل السياسة كانت أكثر نفعًا”.

أما وسائل الإعلام الإسرائيليّة فقد كان مصدومة من كلام بيلين. في حين أنّه معروفٌ بأنّ براءة بن إليعاز كانت مُحاطة بهالةٍ كبيرة من الشكّ، لكن لم يخطر في بال أحد أن يذكر هذه الأمور بعد مضيّ ساعات معدودة فقط على موته. تعرّض بيلين للكثير من الانتقادات إثرَ عدم اعتذاره على ما قال، فقد استمر بذِكر أمور مُماثلة في كلّ فرصة أعطيت له للظهور في أي بث. تعرّض بيلين أيضا لانتقاد لاذع عبرَ وسائل التواصل الاجتماعيّ، إذ ادُّعيَ أنّه كان يجب على الأقل الانتظارُ إلى أن “تبرد الجثة” قبل تسليط هذا الانتقاد الجارح.

يُمكن تفسيرُ اختيار بيلين الغريب هذا بالإسراع في تشويه سُمعة زميله في الحزب على أنّه انتقام مُتأخّر. فقبل 13 عاما، وقتَ الانتخابات التمهيديّة في حزب العمل، حاربَ بن إليعازر، الذي كان حينها في أوج قوتّه السياسيّة، خصمَه بيلين بكل ما أوتي من وسائل. فإلى جانب جهود بن إليعازر للترشّح للرئاسة، تحمّس أيضا لمنع بيلين في التقدّم والحصول على مرتبة مُعيّنة في قائمة المُرشّحين. ولقد نجح في ذلك، إذ كان سببا لاستقالة بيلين من الحزب. من ناحية بيلين، فإنّ أمس، يوم وفاة بن إليعازر، هو وقت الانتقام والأخذ بالثأر.

اقرأوا المزيد: 360 كلمة
عرض أقل
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)
رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين (Flash90)

قناة في غاية السرية – أوسلو قبل عشرين عامًا

في الثالث عشر من أيلول عام 1993، تمّ التوقيع على اتّفاق أوسلو في البيت الأبيض. وبدأت المسيرة السرية التي قادت إلى المصافحة بين إسحاق رابين وياسر عرفات قبل تسعة أشهر بلقاء في النروج.

بدأت القناة السرية في أوسلو، عاصمة النروج، في كانون الثاني 1993، وأدارها كلٌّ من يائير هيرشفيلد ورون بونداك، مبعوثَي نائب وزير الخارجية آنذاك، يوسي بيلين.

بادر نائب وزير الخارجية بيلين إلى المحادثات السرية، بدايةً في لندن، ومن ثم في أوسلو. جرت هذه اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل مباشر، رغم أنّ اللقاءات مع قيادة منظمة التحرير كانت ممنوعة قانونيًّا في إسرائيل.

وقال بيلين لاحقًا إنّ وزير الخارجية شمعون بيريس جرى إطلاعه بعد شهرَين فقط من إطلاق القناة السرية بين الوفد الفلسطيني والوفد الإسرائيلي. أمّا رئيس الحكومة رابين فقد أُعلِم بعد ذلك بكثير.

في أيار 1993، جرى ضمّ المدير العام لوزارة الخارجية حينذاك، أوري سافير، للمحادثات السرية ولكن الرسمية. وبعد ثلاثة أشهر، في 20 آب 1993، وقّع سافير سرًّا على إعلان المبادئ إلى جانب أبي العلاء. بعد مرور بضعة أيام، تسرب الخبر إلى الإعلام محدثًا ضجيجًا في العالم.

في 9 أيلول، تبادل رابين وعرفات رسالتَي اعتراف متبادل عبر وزير الخارجية النروجي يوهان يورغن هولست. وجاء في الرسالة الإسرائيلية التي أرسلها‎ ‎‏رئيس حكومة إسرائيل، إسحاق رابين أنّ إسرائيل‏ تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثّل قانوني وشرعي للشعب الفلسطيني.‎ والتزمت إسرائيل بإلغاء القانون الذي يحظر اللقاء بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والإعلان عن المنظمة تنظيمًا إرهابيًّا.

أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)
أحمد قريع (أبو العلاء- يمين) ويوسي بيلين (شمال) نائب وزير الخارجية السابق (Flash 90)

في الرسالة الفلسطينية التي أرسلها رئيس‎ ‎‏منظمة التحرير الفلسطينية‏‎ ‎‏ياسر عرفات، اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في أن تعيش بسلام وأمان. قبلت المنظمة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 (الأرض مقابل السلام)، وقرار مجلس الأمن رقم 338 (وقف إطلاق النار خلال 12 ساعة). بالمقابل، أعلنت المنظمة نبذ الإرهاب والعنف، والتزمت بإنهاء النزاع بطرق سلمية. أمّا البند الأكثر أهمية من جهة إسرائيل فكان موافقة منظمة التحرير الفلسطينية على تقديم تغييرات في بنود الميثاق الوطني الفلسطيني ليصادق عليها المجلس الوطني الفلسطيني، حيث إنّ هذه البنود تنكر حق وجود إسرائيل.

رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)
رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي لمحادثات أوسلو (Flash90Miriam Alster)

وقال رون بونداك، أحد مهندسي أوسلو من الطاقم الإسرائيلي للمحادثات: “إنّ الهدف الأكبر كان ولا يزال إتمام عملية إقامة دولة إسرائيل، التي بدأت في 29 تشرين الثاني 1947 مع إعلان الأمم المتحدة عن التقسيم. أكبر إنجازَين حققهما اتّفاق أوسلو هما الاعتراف المتبادل التاريخي بين حركتَين وطنيتَين – الحركة الصهيونية ممثلةً بدولة إسرائيل، والحركة الوطنية الفلسطينية ممثَّلةً بمنظمة التحرير الفلسطينية، قاتلتا حتى ذلك الوقت الواحدة ضدّ الأخرى في مباراة مجموع نقاطها صفر، أي أنّ انتصار الطرف الواحد يعني هزيمة الآخر. أمّا الإنجاز الثاني فهو الموافقة على أنّ الطريق إلى الحل يكمن في تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 242، وبكلمات أخرى، تقسيم أرض إسرائيل/ فلسطين إلى كيانَين سياسيَّين – إسرائيلي وفلسطيني”.

في 13 أيلول 1993، أقيمت في حديقة البيت الأبيض، بمشاركة رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، رئيس الحكومة إسحاق رابين، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، مراسيم احتفالية للتوقيع على “إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي”. ووقّع على الوثيقة نفسها باسم إسرائيل شمعون بيريس، وباسم منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، وكشاهدَين وزير الخارجية الأمريكي وارن كريستوفر ووزير الخارجية الروسي أندريه كوزيريف. وبعد التوقيع، جرت مصافحة تاريخية بين عرفات ورابين المتردّد، حيث اهتمّ كلينتون بأن يمتنع عرفات عن أن يقوم عرفات، كعادته، بتقبيله أو تقبيل رابين.

اقرأوا المزيد: 468 كلمة
عرض أقل
بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)
بيل كليتنتون بين ياسر عرفات وإسحاق رابين خلال التوقيع على اتفاقية أوسلو (GPO)

رأي رؤساء أجهزة الاستخبارات في إسرائيل حول أوسلو

إثر مرور 20 سنة على اتّفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين، رؤساء أجهزة الاستخبارات من تلك الفترة ينتقدون العملية، ويدّعون أنهم اعتقدوا منذ ذلك الوقت أنّ الاتفاق ليس جيِّدًا

يجري في هذه الأيام إحياء الذكرى السنوية العشرين لاتفاق أوسلو التاريخي في إسرائيل والسلطة الفلسطينية. قبل 20 سنة، لم يتمكن قادة دولة إسرائيل: وزير الخارجية شمعون بيريس، نائبه يوسي بيلين، ورئيس الحكومة الراحل إسحاق رابين، من توقع خيبة الأمل وانهيار اتفاقات أوسلو على أرض الواقع الصعب في الشرق الأوسط.

وحتى بعد مرور 20 سنة، لا تزال جولة البحث عن حل سياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستمرّة. في هذه الأيام، يستمرّ الجانبان في البحث عن أجوبة، مدفوعَين بضغط أمريكي على أمل تثبيت السلام والأمن طويلَي المدى لشعبَيهما وإنهاء أحد أشدّ النزاعات التاريخية الملطخة بالدماء التي عرفتها المنطقة.

لكن منذ ذلك الحين، تمكّن رؤساء أجهزة الاستخبارات في إسرائيل من التوقّع أنّ الاتّفاق، الذي كان عتيدًا أن يتفجر بصوت صاخب على ضوء الواقع الإسرائيلي – الفلسطيني، ليس جيّدًا. ففي مقابلات مع الإعلام الإسرائيلي، ادّعى مؤخرا قادة الاستخبارات في إسرائيل أنّ اتّفاق أوسلو كان فاشلًا من وجهة نظر تاريخيّة.

وقال رئيس الموساد في تلك الفترة، شبتاي شافيت، في المقابلات، إنّ نبأ بدء الاتصالات السرية في النروج بين الوفود الفلسطينية والإسرائيلية تبلغه من الملك الأردني الحسين في لقاء وجهًا لوجه عُقد في الأردن. فقد أخبر: “في لقاء مباشر في الأردن، طلب منّي الملك الحسين إيضاحًا حول كيفية إدارة مسارَي مفاوضات متوازيَين. لم يكُن قد أطلعني على أي شيء رئيس الحكومة رابين، أو بيريس، أو نائبه بيلين. كان الملك الحسين مصمّمًا، وادّعى أنّ المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين جدية إلى درجة أنه قال لي في تصريح استثنائي: “حكمتم عليّ بالإعدام”، كان غاضبًا جدًّا وبشكل مبرَّر”.

رئيس الموساد في تلك الفترة شبتاي شافيت (IDF)
رئيس الموساد في تلك الفترة شبتاي شافيت (IDF)

وتابع شافيت نقده اللاذع للعملية، قائلًا: “كان هدف هذا الاتفاق أن يكون خطوة أولى، كبيرة جدًّا، مبدئية، يعقبها السلام الحقيقي. لم يحدث هذا، وليس مهمًّا لماذا. العملية كما جرت لم تكن سليمة. إذا أردتَ أن تذهب لتتحدث إلى عدوك، لا يمكن أن يكون ذلك الشأنَ الخاص لشخصٍ ما. وزير ونائب وزير، بيريس وبيلين، يقودان عملية سياسية – دون الحصول على تفويض الحكومة ومصادقتها”.

رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي (Flash90)
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أوري ساغي (Flash90)

ووجّه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في تلك الفترة، أوري ساغي، هو الآخر نقدًا لاذعًا للاتّفاق، قائلًا: “تتبعنا هذه الخطوات في الإعلام ومن التسريبات التي أخذت تتكدّس. كانت الموادّ حسّاسة جدًّا. بعد الكثير من الإزعاج من جانبي، شاطرني رئيس الحكومة رابين، أنا ورئيس الأركان إيهود باراك، في محادثة غير رسمية بما يجري. أخبرنا رابين: “ثمة عملية، وأنا أثني عليها، وهي تجري بتفويض مني”. هكذا بدأ اطّلاعي على الأمور الخفية”.

وكشف ساغي أنّ الاستخبارات الإسرائيلية إذّاك كان لديها توجّهان حول الموضوع: “كان ثمة توجه تشاؤمي جدًّا في لواء البحث. وكان هناك توجه آخر مفاده أنه يجب منح الموضوع فرصة، بشروط معيّنة. كان التوجّهان يظنّان أنّ الاتّفاق غير جيّد”.

وادّعى ساغي أنّ قادة العملية قرّروا عدم مشاركة رؤساء الاستخبارات، الاستخبارات العسكرية، الشاباك، والموساد، على الأقل في البداية، وهذا إجراء شرعي، لكنه غير حكيم. “حتى اغتيال رابين، أظنّ أنّ الفلسطينيين أرادوا التقدّم في المسار السياسي”، قدّر ساغي.

رئيسَ الشاباك السابق يعقوب بيري (Flash90/Moshe Shai)
رئيسَ الشاباك السابق يعقوب بيري (Flash90/Moshe Shai)

أمّا الشخصية الأكثر تفاؤلًا في أجهزة الاستخبارات إذّاك فكان رئيسَ الشاباك، يعقوب بيري. ” لم أُفاجَأ، علمتُ أنّ شيئًا ما يحدُث في إحدى الدول الإسكندنافية. تحدثتُ عن ذلك مع رئيس الحكومة رابين، الذي أكّد لي الشائعات التي وصلتني من مصادر رسمية، شبه رسمية، وأنباء استخبارية”، اعترف بيري. “عشية التوقيع على المعاهدة (12 أيلول 1993)، تلقيتُ اتصالًا من مصدر إسرائيلي، لا أستطيع الكشف عنه لدواعٍ أمنية رغم مرور 20 سنة، وسألني إن كنتُ أدري بالتوقيع الذي كان سيحدث في اليوم التالي. لم أؤكّد ولم أنفِ بالطبع. اتّصلتُ برئيس الحكومة، وأوقظتُه من النوم، إذ إنّ الساعة كانت الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل. سألتُ رابين إن كان يعرف أنّ شمعون بيريس سيقوم بالتوقيع على اتفاق مع الفلسطينيين. طلب منّي رابين بصوته الوقور أن أهدأ وأعود إلى فراشي، ووعدني بالتحدث معي حول التفاصيل في اليوم التالي”.

واعترف بيري أنه ظنّ بأنّ اتّفاق المبادئ كان يمكن أن ينجح: “ظننتُ أنّ أوسلو، كاتّفاق إطاريّ وكاتّفاق يضع خطة تدريجية لإنهاء النزاع، يمكن أن ينجح. لكنّ التاريخ كانت له كلمة أخرى”.

اقرأوا المزيد: 598 كلمة
عرض أقل
أحمد شفيق يصوت في الانتخابات الرئاسية حين نافس الإخواني محمد مرسي (AFP)
أحمد شفيق يصوت في الانتخابات الرئاسية حين نافس الإخواني محمد مرسي (AFP)

“مرسي لم يفز في انتخابات العام 2012”

تحدث الوزير السابق يوسي بيلين إلى صحيفة "إسرائيل اليوم" قائلا: "قام قادة الجيش المصري بتحريف نتائج الانتخابات في العام الماضي"

18 أغسطس 2013 | 11:45

“اعترفت أمامي شخصية في الإدارة المصرية أن الجيش المصري قد قام بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية في حزيران 2012، خوفًا من حدوث فوضى في أعقاب هزيمة محمد مرسي، وهو مرشح الإخوان المسلمين”.

هذا ما كتبه الوزير الإسرائيلي السابق، رجل اليسار، يوسي بيلين، في الزاوية التي يحررها في صحيفة “إسرائيل اليوم”.

على حد أقوال بيلين، الذي تربطه علاقات قريبة منذ سنوات عدة مع جهات في المنطقة ومن ضمنها مصر، فإن أحمد شفيق، قائد سلاح الجو السابق والرئيس الأخير لحكومة حسني مبارك، فاز بالانتخابات بأغلبية ضئيلة، غير أن قادة الجيش الذين أرادوا ضمان الحفاظ على القانون والنظام العام، بعد انتهاء الانتخابات، تخوفوا من أنه في حال هزيمة مرسي، لن يعترف الإخوان المسلمون وسيتصرفون كما يتصرفون الآن في أعقاب الإطاحة به.

وكانت النتائج الرسمية (51.73 لصالح مرسي، 48.27 لصالح شفيق) عكسية تماما تقريبا لما حدث في صناديق الاقتراع. لم تصدر بعد نشر النتائج أصوات احتجاج واعتراضات تقريبا من الجانب العلماني الليبرالي، وأما الجانب المتديّن، للإخوان المسلمين والسلفيين فقد كان سعيدًا جدًا لإنجازه.

ويضيف بيلين، أن تقديرات الجيش كانت أن مرسي عديم التجربة سيقبل الإدارة المشتركة مع الجيش، ولن يجتاز بعض الخطوط الحمراء (بما في ذلك السياق الإسرائيلي). ما جرى على أرض الواقع كان دمجًا بين انعدام قدرة كبير على الإدارة، وجهد لنشر المفاهيم الأيديولوجية من قبل ربع الشعب المصري على الشعب المصري كله، بمساعدة مقرّبين غير قادرين على إدارة شيء. وقام بعض زملائه الجنرالات بدفع السيسي إلى التصرف منذ عدة أشهر، ولكنه أراد أن يمنح مرسي (الذي عيّنه وزيرا للدفاع وفضله على من هم ذوي أقدمية أكثر منه)، فرصة ليثبت أن كل ما يحدث نابع من الحقيقة أنه مبتدئ.‎ ‎

حسب تحليل المصدر المصري الذي أدلى بالمعلومات إلى بيلين، بعد سنة من حكم الإخوان المسلمين، اعتقد أن المظاهرات الشعبية ستكون هي الخلفية الأكثر ملاءمة للإطاحة بالرجل الذي عيّنه، إذا لم يوافق على تلبية طلبات قاطعة يطالب بها الجيش. وقد رفض مرسي فعلا المطالبات (مثل الإعلان عن انتخابات مسبقة للرئاسة)، واتخذ خطوة جريئة، كان معناها واضحا وهو انقلاب عسكري، قبل أن يتغير الجهاز القانوني في مصر، بحيث يكون من الصعب إرجاعه إلى البداية.

وقد قال نفس المصدر أن السيسي لم يقدّر أن عدد القتلى في مواجهة داعمي مرسي سوف يكون مرتفعًا إلى هذا الحد، ولكنه كان مصرًا على اقتلاعهم من الميادين التي جلسوا فيها، ولن يسمح لهم بالعودة.

اقرأوا المزيد: 357 كلمة
عرض أقل