بدأ هذا الأسبوع دوري كرة القدم الأعرق والأكثر إثارةً، البريميرليغ الإنجليزي، وللمرة الأولى منذ 23 عامًا – دون أيّ لاعب إسرائيلي. نعم، فمنذ وصل روني روزنتال الجزر البريطانية عام 1990 وقاد ليفربول إلى بطولته الأخيرة، فإنّ الإسرائيليين حافظوا دائمًا على ممثّل أو اثنين، وأكثر أحيانًا. هذه السنة، ومع انتهاء عقد يوسي بنايون في تشلسي، دون أن يتلقى أي عرض من فرق الدوري، توقف هذا السجل المدهش. أُقصي لاعب كرة القدم الإسرائيلي عن قمة كرة القدم في العالم وعن تشكيلات فرق النخبة، لصالح بطولات الدوري الثانوية في أوروبا – فرنسا، بلجيكا، وروسيا.
لكنني آثرتُ هنا تجنب السلبيات، والعودة إلى اللحظات الأبرز للّاعبين الإسرائيليين في ملاعب كرة القدم في إنجلترا. وكانت البداية، كما ذُكر آنفًا، مع روني روزنتال، المهاجم ذي الضفيرة الذي استُعير من ستاندرد لياج البلجيكي، قبيل انتهاء موسم 1989/1990، حين تنافس أرسنال وليفربول على البطولة. لم يلعب روزنتال سوى ثماني مباريات، لكنه نجح في تسجيل سبعة أهداف، كان بعضُها حاسمًا جدًّا. وسجّل كلّ هذه الأهداف رغم أنه دخل بديلًا في معظم المباريات.
شاهدوا الثلاثية المذهلة لروني روزنتال في فوز ليفربول بأربعة أهداف للا شيء على تشارلتون:
http://youtu.be/bdwVSeP_jHs
إثر النجاح، وُقّع معه عقد لأربع سنوات. لكن بمرور الوقت، ضعف روزنتال وقلّ تسجيله للأهداف. ورغم أنه استمر يُشرَك في المباريات وينال فرصًا عديدة للتأثير، استصعب استعادة نجاحه. لكن في نهاية الأمر، ظلّ أحد العوامل الهامّة في النادي الفاخر. في أيلول 1992، في موسمه الرابع في الفريق، سجّل إحدى أسوأ اللحظات في مسيرته. فقد وصلته كرة طويلة فيما كان مقابل الحارس، حيث تلقّى الكرة بشكل ممتاز. تجاوز روزنتال الحارس برشاقة على حدود منطقة الستة عشر مترًا، تابع التقدم باتجاه المرمي، وعن بعد أقل من عشرة أمتار سدّد كرة أنيقة ارتطمت بأعلى المرمى. للأسف الشديد، سُجِّلت هذه النتيجة في صفحات التاريخ كأحد أكبر الإهدارات. وقال 26% من قرّاء موقع الإنترنت لصحيفة الغارديان البريطانية إنّه “أكبر إهدار في تاريخ كرة القدم العالمية”.
شاهدوا الإهدار الشنيع لروزنتال أمام أستون فيلا:
بعد ذلك، انتقل روزنتال ليلعب لصالح نادي توتنهام، الذي لعب فيه أكثر من مئة مباراة، دون أن يحرز الكثير من النجاح. عام 1996، وفيما كان يدافع عن ألوان “الديوك” اللندنيين، انضم إسرائيلي آخر إلى الدوري. كان هذا إيال بركوفيتش، لاعب وسط موهوب يبلغ 24 عامًا، استعاره من مكابي حيفا “الملائكةُ”، نادي ساوثامبتون. كان موسمه الأول جيّدًا، ولا سيّما مباراة ستُذكر أكثر من أية مباراة أخرى. كان ذلك اليوم الذي حظي بركوفيتش بالاعتراف بكونه لاعب خط وسط مميزًا في دوري الدرجة الممتازة، ما مهّد لبروز نجمه في عدة نوادٍ في السنوات القادمة. استضاف فريقه ناديَ مانشستر يونايتد، بطل الدوري وحامل اللقب حينذاك، مع النجوم ريان غيغز، بول سكولز، روي كين، وبالطبع إريك كانتونا. افتتح صانع الألعاب الإسرائيلي المباراة بعاصفة، إذ سجّل هدفًا في نهاية عملية عبقرية، وصنع ما لا يقل عن ثلاثة (!) أهداف، وسدّد في الوسط كرة رائعة خارج منطقة الجزاء، ليسجّل هدفًا في شباك حارس “الشياطين الحُمر” الأسطوري، العملاق بيتر شمايكل.
شاهدوا المباراة الخرافية لبركوفيتش أمام مانشستر يونايتد:
في نهاية الموسم، اشترى وستهام بركوفيتش، ولعب في صفوفه 65 مباراة في السنتَين القادمتَين، سجّل 10 أهداف، وصنع ضعف هذا العدد من الأهداف. أدّى هذا النجاح بنادي سلتيك إلى إنفاق مبلغ قياسي في كرة القدم الإسكتلندية حتى عام 1999: 7 ملايين باوند، لنقله إلى الدوري الإسكتلندي. استمر اللاعبون الإسرائيليون، إلى جانبه (إيتسيك زوهر ودافيد إمسلم في كريستال بالاس) ودونه، في تسجيل حضور مفاجئ جدًّا، في أفضل دوري في العالم في تلك الأثناء. ووقّع لاعب خطّ الوسط الدفاعي، وليد بدير، مع ويمبلدون، والظهير الأيسر، نجوان غريّب، مع أستون فيلا. شارك بدير في 21 مباراة، وبشكل مدهش، كانت لحظة ذروته ضدّ مانشستر يونايتد أيضًا.
ففي المباراة التي جرت على ملعب أولد ترافورد في أيلول 1999 وانتهت بالتعادل 1:1، سجّل وليد، الذي اعتزل الصيف الماضي، هدف التقدّم. ورغم الموسم المعقول الذي أمضاه عاد إلى إسرائيل في نهاية الموسم، تمامًا مثل نجوان غريّب، الذي يودّ بالتأكيد نسيان تجربته في المملكة المتّحدة، فقد لعب 5 مباريات فقط، دون أن يترك خلفه أي أثر. ومع مغادرتهما، وصل إسرائيلي جديد – عيدان تال، الذي اشتراه إيفرتون من مكابي بيتح تكفا. في البداية، أظهر اللاعب قدرات جيدة في التدريبات، حتى إنه كان جزءًا من التشكيلة الأساسية في بعض الحالات. وقد شارك بالإجمال في 29 مباراة خلال 3 مواسم، معظمها في بداية طريقه. أما ذروته فكانت في مباراة أمام ميدلزبره، حين أخضع الحارس الأسترالي، مارك شوارتسر، وسجّل تعادلًا دراماتيكيًّا 2:2 في الدقيقة 78. لاحقًا، عاد إلى إنجلترا مجددًا، ولعب موسمًا غير مميّز مع بولتون.
شاهدوا عيدان تال يرفع رجله ويسجّل في غوديسون بارك:
غادر تال صيف 2003، لكن الدوري لم يفرغ من الإسرائيليين. فقد تأهل إيال بركوفيتش من الدرجة الثانية إلى الدوري الممتاز برفقة مانشستر سيتي. وإثر قلة حضوره، انتقل إلى بورتسموث، مدافعًا عن ألوانه خلال الموسم ونصف الموسم التاليَين. في النهاية، ورغم الأهداف والتمريرات الحاسمة الرائعة التي سجّلها خلال سنواته في إنجلترا، فإنه سيُذكَر بفضل حادثة عنيفة بشكل خاصّ – فبعد أن جرت عرقلته في مباراة تدريبية داخلية لوستهام، قام إيال بشتم جون هارتسون وشدّ سرواله. فردّ الأخير بركلة مؤلمة جدًّا.
شاهدوا الركلة التي هزّت كرة القدم الإنجليزية:
ورغم هذه الحادثة، فإنّ سنوات بركوفيتش في وستهام يتذكرها مناصرو الفريق الأولياء بشكل إيجابي. لذلك، سرّهم جدًّا قرار النادي عام 2005 بالتوقيع مع لاعب خطّ وسط إسرائيلي موهوب آخر، هو الآخر صغير الحجم، سريع، وبارع: يوسي بنايون، الذي أتى من راسينغ سانتاندر الإسباني. تمّيز بنايون بشكل فوري، مع تمريرتَين حاسمتَين في باكورة مبارياته. ونجح في التحكم بوسط الملعب مع الفريق الصغير، وفي مبارياته الثلاث والستين معه، نجح في تسجيل 8 أهداف، بما فيها بعض الأهداف المذهلة.
شاهدوا القفزة الممتازة لبنايون أمام فولهام:
اشتراه ليفربول عام 2007 بمبلغ 5 ملايين باوند. ومن ذلك الحين وحتى الموسم الماضي، بقي بنايون – الملقب في إسرائيل “الماسة” – في صدارة كرة القدم الإنجليزية، رغم أن لياقته انخفضت وأصبح بديلًا، لكنه كان بديلًا يشارك بشكل شبه منتظم. وكان بنايون من معشوقي الجماهير خلال سنواته الثلاث في إنفيلد، وترسخ في ذاكرتهم بفضل ثلاثيته ضد بشكتاش التركي، وبفضل الهدف الذي قاد ليفربول إلى فوز خارجيّ على ريال مدريد، في ثمن نهائي دوري الأبطال في نيسان 2009. انتقل بنايون إلى تشلسي عام 2010، لكنه لم ينَل الكثير من الفرص في ستامفورد بريدج، حيث لعب 14 مباراةً فقط. ومع انتهاء الموسم، استعاره أرسنال، لينهي اللاعب الإسرائيلي موسمًا لا بأس به تحت إشراف المدرّب العريق، أرسين فينغر، مسجّلًا 4 أهداف في 19 مباراة.
شاهدوا بنايون يفوز برأسية على ريال مدريد في سانتياغو برنابيو:
شاهدو لحظات بنايون الرائعة في أرسنال:
http://youtu.be/bbeVrOOBLN8
وبالتوازي مع المسيرة الناجحة لقائد منتخب إسرائيل، الذي لعب في 4 نوادٍ إنجليزية خلال 8 سنوات، استضاف البريميرليغ كذلك لاعب الوسط الدفاعي، تامير كوهين؛ المدافعَين ديكل كينان وتال بن حاييم (الذي اشتراه في ذروته نادي تشيلسي)؛ والمهاجمَين ينيف كتان وإيتي شختر. وقد لعب جميع هؤلاء في أعلى مستويات أوروبا. صحيح أنّ بنايون غطّى عليهم، لكنهم نجحوا في إقناع مدرّبين بارزين بمنحهم فرصًا أمام أفضل لاعبي العالم. والآن، يبدو أنّ كرة القدم الإسرائيلية تفتقر إلى لاعبين بإمكانهم البروز في منصة كهذه، والتحوّل إلى مكوّن هام في نوادٍ بارزة. آثرتُ إنهاء الموضوع بمقطع فيديو لهدف مذهِل، من مباراة تدريبية لتشيلسي، أجريت قبل انتقال بنايون إلى أرسنال.
شاهدوا هذا الهدف الرائع الذي حظي بأكثر من مليونَي مشاهدة على YouTube: