منذ لحظة استئناف محادثات السلام في الشرق الأوسط في يوليو تموز الماضي كان الأمر يبدو دوما كما لو أن وزير الخارجية جون كيري متلهف على التوصل لاتفاق أكثر من الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم.

ورغم أن الخصمين العتيدين قالا مرارا إنهما يريدان التحدث لم يبد أي منهما استعدادا ولو من بعيد لتقديم تلك التنازلات التي يمكن أن تقود في النهاية للسلام.

وحين اعترضت طريق المفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة عقبات كبرى هذا الأسبوع.. لم يكن ذلك بسبب القضايا الجوهرية التي أذكت الصراع القائم منذ عقود وإنما بسبب كيفية الحفاظ على المحادثات غير المثمرة وتجنب تحمل اللوم على الفشل.

وبعد أن أطلق كيري صفارة بدء أحدث مسعى للسلام بحماسته المعهودة أشار بعد ثمانية أشهر إلى أنه سيقلص دوره حال استمرار العملية وهو ما ينم عن إحباطه المتزايد في الأيام الأخيرة.

وقال خلال زيارته الجزائر أمس الخميس “في النهاية يمكنكم.. كما تعلمون جميعا يا أصدقائي.. إعطاء دفعة هنا أو دفعة هناك.. لكن يتعين على الأطراف نفسها أن تتخذ قرارات جوهرية وتقدم تنازلات. القادة يجب أن يقودوا.”

وخلال زيارته المغرب اليوم الجمعة قال “هذه ليست جهودا الى ما لا نهاية ولم تكن قط. إنه وقت العودة للواقع ونعتزم ان نقيم بدقة ماذا ستكون الخطوات القادمة.”

بدأت الأزمة الأخيرة في مطلع الأسبوع عندما لم يف الإسرائيليون بتعهد بالإفراج عن دفعة تضم 26 سجينا فلسطينيا قائلين إنهم يحتاجون أولا لضمانات بمواصلة المحادثات لما بعد انقضاء المهلة المحددة لها في نهاية أبريل نيسان.

كان كيري قد زار المنطقة أكثر من عشر مرات خلال ما يزيد عن العام بقليل. وفي المرة الأخيرة ترك كل مهامه وطار لليلة واحدة إلى القدس لمحاولة إيجاد سبيل لبلوغ الهدف الصعب المتمثل في قيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

وفي اليوم التالي ووسط توقعات بقرب التوصل لاتفاق ثلاثي الأطراف فوجيء كيري وإسرائيل بتوقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس طلبات للانضمام الى 15 اتفاقية دولية في مراسم نقلتها شاشات التلفزيون على الهواء مباشرة.

ورغم أن أيا من هذه الاتفاقيات لا يمثل تهديدا مباشرا لإسرائيل كانت الخطوة تشير بوضوح إلى استعداد عباس لإدخال الفلسطينيين في ساحة المنظمات العالمية التي يمكنهم من خلالها مضايقة إسرائيل إذا لزم الأمر.

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Issam RImawi/FLASH90)
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (Issam RImawi/FLASH90)

* هوة آخذة في الاتساع

وألغى كيري رحلة العودة للمنطقة التي كان يعتزم القيام بها يوم الأربعاء وقال للصحفيين في مؤتمر صحفي لاحق إن الوساطة الأمريكية “جيدة مادام استعداد الزعماء لتقديم تنازلات فعلية جيدا.”

وقال مسؤول أمريكي إن خطوة عباس المفاجئة نجحت بالفعل في إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى المحادثات المباشرة لأول مرة منذ نوفمبر تشرين الثاني وإن كان في جلسة عاصفة حسبما ذكرت وسائل إعلام فلسطينية.

ويتبادل الطرفان منذ البداية الاتهامات بعدم أخذ العملية بجدية.

وقالت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية “لسنا هنا لنلعب.. فهذه مسألة تتعلق ببقائنا.”

وأضافت قائلة لرويترز “على مر التاريخ لن يجدوا شخصا بمرونة واستعداد الرئيس أبو مازن لإنجاح مهمة كيري” مستخدمة كنية عباس.

لكن وزيرا إسرائيليا رأى الأمر من منظور مختلف تماما.

وقال الوزير الذي طلب عدم نشر اسمه لحساسية المسألة “إنني لأنظر إلى الطريقة التي يتصرف بها الفلسطينيون وأسأل نفسي هل يريدون دولة حقا.”

وتابع قائلا “ما يقولونه هو: إذا لم نحصل على 100 في المئة مما نريده فلا نريد شيئا على الإطلاق. ونحن كحكومة إسرائيلية يمينية نعرض 90 في المئة مما يريدونه. ولو كانوا يسعون لدولة حقا لقالوا نعم.”

ويقول الفلسطينيون إنهم قدموا تنازلا كبيرا بالفغل عام 1993 عندما وافقوا على قيام دولتهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والتي تمثل 22 في المئة فقط من فلسطين تحت الانتداب البريطاني.

وفي الشهر الماضي قال ياكوف أميدرور الذي عمل مستشارا للأمن القومي في حكومة بنيامين نتنياهو حتى نوفمبر تشرين الثاني الماضي إن العالم لم يدرك حجم التنازلات التي تبدي إسرائيل استعدادا لتقديمها.

ورغم أنه أدان الفلسطينيين لعدم تقديمهم “تنازلا واحدا” قال إنه يتفهم المأزق الذي هم فيه.

نتنياهو أمام الجمغية العامة (GPO)
نتنياهو أمام الجمغية العامة (GPO)

* كراهية

أقر كيري علانية بانعدام الثقة بل وبالكراهية المتبادلة بين الجانبين. وفي أوج تفاؤله بالتغلب على العقبات الأخيرة اقترح مكتبه أن تفرج الولايات المتحدة عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد مقابل تقديم تنازلات من جانب إسرائيل.

وكان هذا سيمثل نصرا لنتنياهو الذي طالما ناصر قضية بولارد. لكن إطلاق سراح بولارد لم يكن لييسر السبيل أمام اتفاق سلام كامل أو يعالج أي قضية ذات صلة.

وقال كيري “الشجار الحالي .. الخلاف .. ليس على القضية الجوهرية المتمثلة في اتفاق الوضع النهائي بل على العملية التي تقود إليها.”

ويزن كل من الخصمين أفعاله وتصريحاته بحرص كيلا يلقى عليه باللائمة في الفشل الذي سيلحق ضررا أكبر بسجل السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة.

ولا يزال أمام الطرفين مهلة حتى 29 أبريل نيسان لتجاوز خلافهما الأخير والتوصل لاتفاق حول كيفية دفع العملية قدما وهو أمر لايزال مسؤولون من الجانبين يرونه ممكنا.

ويساعد هذا في تحقيق هدف نتنياهو المتمثل في إبقاء الوضع على ما هو عليه وهو ما توفره المحادثات. أما عباس فيريد ضمان استمرار المعونات الأمريكية وستتحسن صورته داخليا إن أمكنه نيل الإفراج عن عدد آخر من السجناء.

لكن لا الشعب الفلسطيني ولا الإسرائيلي يعتقد فيما يبدو أن المفاوضات ستفضي إلى شيء وتتعالى الأصوات التي تطالب كيري بأن يسدل الستار.

ونشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية اليومية ذات التوجه اليساري عنوانا على صفحتها الأولى أمس الخميس يقول “ارجع بلدك يا سيد كيري .. ارجع بلدك.”

“الخروج الأمريكي من عملية السلام هو فقط الذي يمكن أن يحدث العلاج بالصدمة الذي يحتاجه الإسرائيليون والفلسطينيون.”

عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
عباس ونتنياهو في لقائهما عام 2010 (AFP)
اقرأوا المزيد: 790 كلمة
عرض أقل