أدت وفاة النبي محمد عام 632 للميلاد والصراع العنيف على خلافة الزعامة إلى تأسيس الطائفة الشيعية في الدين الإسلامي عام 680 للميلاد. حتى بعد مرور مئات السنين استمر فقهاء السنة بإخراج الشيعة من الإسلام بسبب اختلافات في العقيدة الدينية، فالتيار الشيعي لا يعترف بالخلفاء الثلاثة الأوائل ويعتبر الخليفة الرابع، علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد، خليفه الحصري. بل وأضاف الشيعة مبدأ اعتقاديا ليس واردا في السنة، وهو الولاية، والذي يقضي أنّه يجب على الإمام أن يكون من ذرية علي. هناك لكل جيل إمام خاص به يكون وسيطا بين الله والمؤمنين، ولكن في الجيل الحالي فالإمام غائب.
تسود بين السنة والشيعة علاقات متوترة حتى اليوم. يعتبر الخطاب السني المحافظ الشيعة خونة بل وكفرة، من بين أسباب أخرى، لأن الشيعة يتهمون عائشة، زوجة النبي، بخيانة علي وينسبون إلى الأئمة صفات فوق بشرية ترفعهم إلى مستوى واحد مع النبي. يستند المحافظون إلى فتوى تقليدية للفقيه السني تقي الدين ابن تيمية، الذي عاش في القرن الثالث عشر، والتي قرر فيها أنّ الشيعة أكفر من اليهود، المسيحيين، والوثنيين، وهم أعداء الإسلام تماما كالصليبيين والمغول حينذاك.
تؤثر الأسباب غير العقدية في علاقات السنة والشيعة في أيامنا أيضا. جلب صعود الإسلام الشيعي في الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 معه سياسة “تصدير الثورة”، والتي هددت مكانة الدول السنية الرئيسية في الشرق الأوسط. دعمت إيران احتجاجات السكان الشيعة في العراق، البحرين، والمملكة العربية السعودية بدعوى حق تقرير المصير والمساواة في الحقوق، وموّلت من أجل ذلك مراكز دينية ومنظمات خيرية.
في المقابل، يدعي فقهاء من التيار “الوسطي” في الإسلام أنّ تعامل الإسلام السني مع الآخرين، بما في ذلك الشيعة، يجب أن يكون مؤسسا على التفاهم المتبادل وعلى السلام. إنهم يخشون إذا تعزز التوتر السني-الشيعي فلن يُحتمل الثمن الذي سيدفعه المسلمون. يعمل الوسطيون على جَسْر الفجوات السياسية والدينية بين التيارين وهناك من يقترح إنشاء إطار موحد، بما يشبه الاتحاد الأوروبي. ويذكرون أيضًا أنّه على مدى التاريخ عاش الشيعة والسنة إلى جانب بعضهما البعض، بل وفي بعض المدن صلّوا معا في نفس المساجد.
يعتمد الكثير من الفقهاء على كلام حسن البنا، الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، الذي أكد أنّه فيما عدا البهائيين تحظى جميع الطوائف في الإسلام بمكانة متساوية، وعلى فتوى محمد شلتوت عام 1959 والتي أعلن فيها أنّ الشيعة يعتبرون المذهب الخامس في الإسلام وأنّ فقط من ينكر رسالة النبي فهو كافر.
ويعمل يوسف القرضاوي، الفقيه الوسطي الأبرز اليوم، كثيرا على الوساطة بين مختلف الطوائف في الإسلام. وهو يعتقد أنّه يجب إدانة الآراء المتطرفة ضدّ جميع الطوائف، وفي فتوى نشرها على خلفية العنف في العراق عام 2004 دعا السنة والشيعة إلى البدء بمحادثات الوساطة فورا. ويؤكد القرضاوي على أنّ هناك عامل مشترك بين الطوائف، مثل الإيمان بإله واحد وبرسوله واحترام الواجبات الخمسة في الدين، ويوصي لها باعتماد النموذج الأوروبي (الاتحاد الأوروبي) أو الأمريكي (الفدرالية). وفي فتوى أخرى وُجّهت لكلا الجنسين أجاز القرضاوي الزواج بين الشيعة والسنة، وإن كان قد قضى أنّه من المفضل تجنّب ذلك.
ورغم أن القرضاوي يؤيد العلاقات الجيدة بين الشيعة والسنة (التقريب، تقريب القلوب)، إلا أنه يعارض نشر المذهب الشيعي في أوساط السنة. في فتوى نشرت عام 2010 أكد على أنّ الشيعة هم “مبتدعة”، أي إنهم أضافوا ممارسات غير مقبولة في الإسلام السني، مثل الحج إلى القبور المقدسة لدى الشيعة وإحياء ذكرى الحداد في شهر عاشوراء. ومع ذلك، إذا شنّت الولايات المتحدة حربا على إيران فسيضطر السنة إلى الوقوف بجانب الأخيرة من أجل الدفاع عن بلاد الإسلام. دفعت الحرب الأهلية السورية القرضاوي إلى تغيير رأيه، وفي عام 2013 دعا السوريين السنة ذوي الخبرة العسكرية إلى “النهوض لقتال العلويين والشيعة”. وقد اتّهمه فقهاء وسطيون آخرون بأنّه بذلك يلهب الحرب بين الإخوة أي يثير فتنة.
ورغم أن الصراع بين السنة والشيعة أصبح عنيفا في مناطق معينة في الشرق الأوسط، فإنّ الفقهاء الوسطيين لم يستسلموا. عام 2005، على سبيل المثال، وقّع 170 فقيها، من بينهم سعوديون وهابيون، على “إعلان عمان”، الذي حظي بتأييد كبير في العالم الإسلامي، وقرر أنّ المذاهب الفقهية الثمانية هي جزء من الإسلام، ولا يمكن أن يعتبر التابعون لها كفارا وأن يعتبر دمهم وأموالهم حراما. دعا الإعلان إلى وضع حدّ لكل مظاهر التمييز والعنف بين الطوائف.
بعد عقد من ذلك ادعى رئيس جامعة الأزهر، محمد الطيب، أنّه يجوز للمسلم تبني التشيّع، والذي سماه المذهب الخامس في الإسلام. بل إنّ الطيب لم يعرب عن معارضته للزواج بين كلا التيارين. وقد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أوضح أنّ تقلّبات العصر الذهبي في الإسلام، والتي ولّدت الصراع بين السنة والشيعة وجعلت الخليفين أبو بكر وعمر زعيمَي الأمة الإسلامية، لا تتعلق بمبادئ الإيمان وأسسه.
نشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي