رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي (Kobi Gideon/GPO)
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيسة الوزراء البريطانية، تريزا ماي (Kobi Gideon/GPO)

مئوية وعد بلفور.. حدث تاريخي أم مناسبة للمقارعة؟

يبذل الإسرائيليون والفلسطينيون جهودا كثيرة بمناسبة مرور 100 عام على توقيع وعد بلفور. هل تستفيد أية جهة من هذه الجهود في ظل الأزمات العالمية الكبيرة؟

المواساة الوحيدة لدى مَن يتابع حرب العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية التي كانت ذروتها عند إحياء ذكرى مرور 100 عام على وعد بلفور، هي أن هذه الحرب لا تدور في ساحة المعركة حقا.

لا نبالغ عندما نذكر أن كلا الجانبين استعدا للعام 2017 مسبقا. صادفت ذكرتان هامتان في هذا العام – ذكرى 50 عاما على حرب الأيام الستة، و 100 عام على وعد بلفور.

بذل الإسرائيليون، والفلسطينيون، والدولة الداعمة في العالم مالا وجهودا لكل جهة، لإدارة المعركة لرفع الوعي. بدءا من نشر مموّل في الصحف، وصولا إلى سيارات الأجرة في لندن، مقالات هيئات التحرير، مقابلات تلفزيونية، حملات تسويقية رقمية، وطبعا خيارات أخرى، وعلى رأسها الوفد الإسرائيلي برئاسة نتنياهو الذي سيحتفل بالذكرى بضيافة الحكومة البريطانيّة.

هذا الأسبوع، أثار وعد بلفور – حدث تاريخي هام جدا ولكنه رمزي بشكل أساسيّ – ضجة سياسية في إسرائيل بعد أن أعلن عضو كنيست عربي من حزب العمل، زهير بهلول، أنه لن يشارك في الاحتفال في الكنيست بمناسبة ذكرى الوعد، مثيرا انتقادا عارما من رئيس حزبه، آفي غباي.

وفي الجانب الفلسطيني، يتذكر جهاز التربية الفلسطيني الحدث من خلال إطلاق صفارات (كما يُطلق الإسرائيليون الصفارات إشارة إلى أيام الحزن)، وبرفع علم أسود على مقر حركة فتح، وقد ظهرت مقدمة التلفزيون الرسمي زيا أسود، واستخدمت وكالة الأنباء الرسمية اللون الأسود بدلا من الأبيض.

مظاهرة فلسطينية ضد مئوية وعد بلفور (Wisam Hashlamoun/Flash90)
مظاهرة فلسطينية ضد مئوية وعد بلفور (Wisam Hashlamoun/Flash90)

الآن يُطرح السؤال الهام والصريح – مَن هو المستفيد؟ لا شك أن هذه الخطوة لا تدفع التسوية بين الشعبين والحل السياسي قدما. في حين أن كل جهة كل جهة متمسكة بمواقفها وبقناعاتها أنها المحقة، متهمة الجانب الآخر إنه لا يتعرف بحق وجودها. ولكن يبدو أيضا أن العالم لا يهتم بهذه القضية بشكل خاصّ، في ظل الأزمات العالمية الأهم.

فمن الأفضل أن يبذل كلا الجانبين جهودهم وأموالهم من أجل إجراء حوار بينهما بهدف حل النزاع بطريقة سلمية أو على الأقل مساعدة من يحتاج إلى مساعدة بدلا من التنافس حول مَن هو الصادق والضحية الأكبر.

اقرأوا المزيد: 291 كلمة
عرض أقل
وعد بلفور (Wikipedia)
وعد بلفور (Wikipedia)

وعد بلفور نقطة تحوّل في تاريخ الصراع

اليوم قبل 100 عام تم توقيع وعد بلفور، الذي كان بمثابة كارثة للحلم العربي الفلسطيني بإقامة دولة قومية، وكان إنجازا سياسيا غير مسبوق للمشروع الصهيوني الذي عمل على إقامة دولة إسرائيل

في مثل هذا اليوم قبل 100 عام (1917) وقّع وزير الخارجية البريطاني على وعد بلفور، وبحسبه فإنّ بريطانيا ستدعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل). بالنسبة للصهيونية، التي أقامت بعد ذلك دولة إسرائيل (1948)، كان الوعد اختراقا تاريخيا وانطلق مع نشره فرح كبير في العالم اليهودي. ومع ذلك، كانت هناك أقلية يهودية رفضت هذا الوعد وأعلنت حربا عليه وعلى الصهيونية.

تم استقبال هذا الوعد في العالم العربي بالانقسام إلى جزءين، ولم يقبله الفلسطينيون إطلاقا وردّا عليه هدّدوا بأعمال شغب دامية.

كانت أهمية كبيرة لوعد بلفور في خفايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يزال مستعرا ولم تظهر نهايته بعد في الأفق.

ومن أجل أن نفهم بشكل أفضل ما هو هذا الوعد ومدى تأثيره على الصراع، أحضرنا لكم 5 حقائق وتفسيرات حوله:

1.تم توقيع هذا التصريح، كما ذكرنا، من قبل وزير الخارجية البريطاني حينذاك في 2 تشرين الثاني عام 1917، وهو في أساسه إعلان ستدعم بحسبه بريطانيا إقامة وطن قومي للشعب اليهودي. كان هذا الإعلان بالنسبة للصهيونية العالمية إنجازا غير مسبوق، حيث أنّ قوة عظمى مثل بريطانيا وافقت على رعاية الحركة الصهيونية.

2.وقد عمل الكثير من البريطانيين ضدّ عرض إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل) والذين خشوا من إفساد العلاقات مع العرب، أو اعتبروا فكرة إقامة دولة يهودية خيالا مجنونا. كان أحد أبرز المعارضين لهذا العرض، إدوين مونتاجو، وهو يهودي، وعضو برلمان ووزير شؤون الهند في الإمبراطورية البريطانية، وقد ادعى أن الوعد قد ينشئ ولاء مزدوجا عند اليهود في العالم.

طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)
طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)

3.سبقت الإعلان النهائي 12 مسودّة تم رفضها من قبل البريطانيين أنفسهم. وفي نهاية المطاف تم قبول مسودّة تحدثت عن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل (‏Palestine‏). ومن هنا يظهر أيضًا أن الوعد لم يكن ينفي إقامة سلطة سياسية أو قوميات أخرى في فلسطين (أرض إسرائيل).

4.عوامل إعطاء هذا الوعد: إعادة نظر قيمية – حيث بحسبها يجب إيجاد حلّ لمشكلة الشعب اليهودي المضطهد، وإعطاؤه أرضه الموعودة. هوية القيادة البريطانية – كانت الحكومة البريطانية الجديدة من العام 1916 تميل لأن تكون مصغية لمطالب الحركة القومية الصهيونية لاعتبارات استراتيجية واعتقادية مسيحية. يهود الولايات المتحدة – كان يهدف الوعد إلى إيجاد تماهٍ ليهود الولايات المتحدة مع بريطانيا، وتعزيز الضغوط من قبلهم على الإدارة الأمريكية لمساعدة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. تحقيق السيطرة على فلسطين (أرض إسرائيل) – كانت هناك أهمية استراتيجية كبيرة لفلسطين (أرض إسرائيل) بالنسبة لبريطانيا، بسبب قربها من قناة السويس التي تمكّن من المرور عبر البحر باتجاه الهند.‎ ‎بحسب اتفاقية سايكس – بيكو (1916) كانت فلسطين (أرض إسرائيل) معدّة لتكون تحت سيطرة فرنسية – إنجليزية (“المنطقة البنية”) بعد الحرب العالمية الأولى.‎ ‎كان يفترض أن يساعد الوعد الداعم للصهيونية بريطانيا في أن تحظى بالسيطرة على تلك المنطقة. في نهاية المطاف منحت عصبة الأمم حق الوصاية على أراضي فلسطين (أرض إسرائيل) لبريطانيا في مؤتمر سان ريمو عام 1920.‎ ‎كان في الوعد نوع من التهرّب من الالتزام المناقض لشريف مكة الذي أُعطي في إطار مراسلات حسين – ماكماهون، والتي لم تتم صياغتها في اتفاق رسمي أبدا، وبحسبها فإنّ عرب الشرق الأوسط سيحظون بالاستقلال إذا وقفوا إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

5.بعد المصادقة على الوعد فورا أقام القادة الصهاينة سلسلة من اللقاءات السياسية مع قادة العالم العربي من أجل تنفيذ ما ورد في هذا الوعد، ولكن هذه التحركات التي كانت تهدف إلى ترتيب العلاقات بين الصهيونية وبين القيادة العربية لم تنضج أبدا. لم يحبّ الفلسطينيون أبدا هذا الأمر وبدأوا بتنظيم أنفسهم في مؤتمرات وتجمعات احتجاجية ضدّ الوعد. أجريت إضرابات ومظاهرات في القدس بعد التوقيع على الوعد بعام. وتأسست رابطة إسلامية مسيحية بهدف إقناع البريطانيين بإلغاء الاتفاق مع الصهيونية. ادعى العرب الملكية الكاملة على الأرض، واستخدموا تفسيرات تاريخية (إقامتهم الطويلة في البلاد)، وديمغرافية (كونهم غالبية السكان بنسبة 90% من سكان البلاد عام 1918)، وقانونية (عدم دستورية – كما يفترض – هذا الوعد والتناقضات الداخلية فيه)، وسياسية (مراسلات الحسين – ماكماهون، والتي وُعد العرب فيها بفلسطين) وغيرها، من أجل إثبات صحة موقفهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد ادعوا أن اليهودية دين وليست قومية، وأن ادعاء اليهود بخصوص العودة إلى أرضهم بعد ألفي عام، ليس ذا صلة لأنّه “لا يمكن إعادة رسم خريطة العالم من جديد على أساس ادعاءات قديمة”.

اقرأوا المزيد: 640 كلمة
عرض أقل
وزير الشؤون الخارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي (AFP)
وزير الشؤون الخارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي (AFP)

مسؤول فلسطيني: “ننتظر وعد بلفور الخاص بنا”

يواصل مسؤولو السلطة الفلسطينية مساعيهم الديبلوماسية الرامية لنيل اعتراف دولي لدولة فلسطين خارج إطار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل لهذا المسار

ناشد وزير الشؤون الخارجية السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن وعد يشبه وعد بلفور، الذي يعترف بحق الشعب اليهودي بتقرير مصيره منذ عام 1917.

وقال المالكي: “لقد أصبح بلفور مشهوراً بوعده لليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، وأنا أُطالب أن يكون وزير خارجية بريطانيا الحالي مشهوراً بإعطاء وعد للفلسطينيين يسمى “وعد جونسون” عبر اعترافه بدولة فلسطين”.

وكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قد طالب بريطانيا، السنة الماضية، بالاعتذار عن وعد بلفور، وطرح إمكانية رفع شكوى ضدها في حال لم تستجب. كما ودعا عباس بريطانيا إلى إلغاء الاحتفالات لذكرى مرور مئة عام على وعد بلفور الذي يصادف في شهر تشرين الثاني القادم. إلا أن وزارة الخارجية البريطانيّة ردّت بأنها لا تنوي الاعتذار عن وعد بلفور.

“إن وعد بلفور هو وعد تاريخي لا تنوي بريطانيا الاعتذار عنه”، جاء في رد وزارة الخارجية البريطانيّة.

ويواصل مسؤولو السلطة الفلسطينية مساعيهم الديبلوماسية الرامية لنيل اعتراف دولي لدولة فلسطين خارج إطار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة وإسرائيل لهذا المسار

اقرأوا المزيد: 160 كلمة
عرض أقل
استعراض عسكري لحركة حماس (Flash90/Abed Rahim Khatib)
استعراض عسكري لحركة حماس (Flash90/Abed Rahim Khatib)

تحديث ميثاق حماس: الاعتراف بضرورات الواقع

حماس تلمّح منذ سنوات أن ميثاقها، المتطرّف تجاه اليهود، ليس مستندا ملائما لإدارتها السياسية. باتت الحركة على وشك تحديث ميثاقها وقبول حل الدولتَين

باتت حركة حماس على وشك نشر ميثاق مبادئ جديد توضح فيه طبيعة نزاعها الوطني ضد إسرائيل بحيث لا يشمل معاداة السامية والتآمر ضد اليهود، هذا وفق ادعاء قيادي في الحركة، أسامة حمدان، في مقابلة أجراها مؤخرًا في قناة الجزيرة بالإنجليزية.

يُعرّف ميثاق حماس الذي تمت صياغته في آب 1988، الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بصفته نزاعا أبديا بين اليهود والمسلمين. فهو يرسخ الجهاد في الحديث الشهير، الذي جاء فيه “نص عن الحجر والشجر“، الذي يعرض قتال المسلمين لليهود في آخر الزمان. يصف البند 22 من الميثاق سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العالمية وإحداث انقلابات كبيرة – بما في ذلك الثورة الفرنسية وانقلاب شيوعي من خلال تأثير اقتصادي ومياثيق سرية. وفق الوصف التاريخي لحماس فإن اليهود هم المسؤولون عن الحرب العالمية الأولى بهدف قطع وعد بلفور، وشن حرب عالمية ثانية لإقامة دولة إسرائيل.

القيادي الحمساوي، أسامة حمدان (Wikipedia/Sebastian Baryli)
القيادي الحمساوي، أسامة حمدان (Wikipedia/Sebastian Baryli)

تأتي أقوال حمدان الثورية‏‎ ‎‏والتي حُذِفت من ‏‎ ‎‏المقابلة الكاملة‏‎ ‎‏التي نُشِرت في القناة القطرية بتاريخ 27 كانون الثاني على خلفية زيادة الدعم الإقليمي لحماس (في تركيا ومصر) ومحاولتها أن تظهر بصفتها لاعبا سياسيًّا شرعيا في الغرب. تعرف عناصر حماس جيدا موقف الرباعية الدولية لشؤون الشرق الأوسط (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، والاتحاد الأوروبي) التي ترفض التحدث مع حماس طالما أنها لا تعترف بإسرائيل، لا تتخلى عن النزاع المُسلّح، ولم تعترف باتفاقيات أوسلو. هناك في موقف حماس الجديد والمُعقّد محاولة لتخطي هذه الظروف الصعبة بالنسبة للحركة.

رفض حمدان الذي يحفظ الأسرار، الكشف متى من الموقع نشر الميثاق الجديد وإذا كان سيتضمن التخلي كليا عن التصريحات المعادية للسامية المذكورة في ميثاق الحركة لعام 1988. “اطرح عليّ هذا السؤال ثانية بعد نشر الميثاق”، قال.

وفق ما قاله مُجري المقابلة، مهدي حسن، فقد كان من الواضح أثناء المقابلة أن حمدان يحاول المشي على حبل دقيق: الإشارة إلى تغيير سياسي، ولكن ألا يظهر كضعيف أو أنه يسير في طريق ملتو. فقد أنكر حمدان أن حركة حماس “تدعم حل الدولتين” ولكنه وافق على أنها تدعم “إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس، ودعم حق العودة للاجئين”. عندما أصر حسن أن هذا في الواقع يشكل اعترافا بحل الدولتين، رد حمدان قائلا: “يمكن أن تسمّي هذا ما تشاء […] وعلى هذا نتفق، لا أقل ولا أكثر”.

مُدركا لحديثه غير المباشر، لخص حمدان أقواله: “أود أن أوضح أن حماس تتحدث سياسيا في حين أن الآخرين لا يصغون. عليهم الإصغاء جيدا […] والعمل بموجب ذلك، وليس بموجب أفكار مقولبة يطلقها الإسرائيليون”.‎

إن حمدان ليس القيادي الأول في حركة حماس الذي يرمى قنبلة إعلامية في الآونة الأخيرة. فصرح في بداية شهر كانون الثاني نائب رئيس المكتب السياسي، موسى أبو مرزوق عن تفضيلاته لحل فيدرالي للانقسام بين غزة والضفة الغربية بدلا من محاولة التسوية الفاشلة مع فتح. في مقابلة أدت إلى ردود فعل حادة في الشارع الفلسطيني، أعلن أبو مرزوق عن استقلاليّة حماس تماما عن حركة الإخوان المسلمين، وهي علاقة ينص عليها ميثاق الحركة لعام 1988 في بدايته.

هل تعترف حماس يوماً ما بحل الدولتين؟ (Flash90/Hadas Parush)
هل تعترف حماس يوماً ما بحل الدولتين؟ (Flash90/Hadas Parush)

كان بالإمكان ملاحظة تغيير توجه حماس منذ أيلول الماضي، في خطاب رئيس المكتب السياسي المنتهية ولايته، خالد مشعل. فتحدث مشعل عن ‏‎ ‎‏نوايا حماس في إبداء المرونة السياسية لمواجهة اضطرارات الواقع (‎‏ضرورات الواقع) طالما أن هذا لا يمس بمبادئها الأساسية. (يُستخدم المصطلح ‏‎ ‎‏ضرورة‏‎ ‎في الشريعة الإسلامية كوسيلة للتسوية العملية لصالح الأمة الإسلامية، لا سيّما لوقت محدود).

وفق ما كتبه الباحث الفلسطيني، ناصر خضور‏‎ ‎‏في ورقة موقف‏‎ ‎‏نشرها ‏‎ ‎‏‏‎ا‎لمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية – مسارات في تشرين الأول الماضي حول تغيير موقف حماس، فإن “الواقع والمنطق” الجديد لحماس يتجسدان في التقارب من مصر وإيران رغم الخلاف في الرأي السياسي والأيدولوجي بينهما، وقبول واقع التقارب بين تركيا وإسرائيل‏‎ ‎‏.‎

يمس ميثاق حماس الذي يتجاهل الحاجة إلى دولة الشعب الفلسطيني ولا يهتم أبدا في العلاقات الخارجية، في علاقات حماس الخارجية، وفق أقوال خضر. أدت هذه النقطة إلى أن يُعرّف نائب رئيس حكومة حماس، ناصر الدين الشاعر بين عامي 2006‏—‏2007، الميثاق بصفته “برنامجا دينيا من الدعوى” وليس ميثاقا سياسيًّا بمعناه التام”. جعلت هذه الحقيقة وفق أقواله الميثاق غير ذي صلة منذ التسعينيات، لذلك توقفت الحركة عن طباعته مجددا.

بقي الآن أن نرى ماذا سيتضمن الميثاق الجديد، وهل سيكون قادرا على أن يجعل المجتمع العالمي ينظر إلى حماس بصفتها منظمة تحرير وطنية وليست منظمة إرهابية.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في موقع منتدى التفكير الإقليمي

اقرأوا المزيد: 655 كلمة
عرض أقل
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

الحياة قبل عام 1948

شهادات حيّة من السنوات التي سبقت قيام دولة إسرائيل: مَن كان فلسطينيا؟ من آمن بالصهيونية؟ ومَن عرّف نفسه فلسطينيّا يهوديا؟

دار الحديث كثيرا عن الصراع الإسرائيلي العربي – أو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وكُتب عنه. غالبا، كان الاهتمام دبلوماسيا أو سياسيا وانشغل بالجوانب التاريخية.

لم تُسمع أصوات أولئك الذين عاشوا هنا في فترات الصراع المختلفة، تقريبا. يُعرف القليل جدا عن الناس، يهودا وعربا على حدّ سواء، الذين عاشوا هنا في فترة الانتداب البريطاني (1917-1948). تُميّز تلك الفترة التي كانت مليئة بالعنف وعدم اليقين هوية عدد غير قليل من الإسرائيليين والفلسطينيين.

كان مشروع التصوير “فلسطين/ أرض إسرائيل”، للمصورة الإسرائيلية، هداس بروش (لصالح وكالة التصوير Flash90)، بمثابة عودة في الزمن إلى الوراء، لفهم قصص الأشخاص الذين عاشوا في هذه الأرض، في تلك السنين، في الفترة بين الانتداب البريطاني وبين إقامة دولة إسرائيل (1948) وللتعرّف إليها أيضا.

“يطمح مشروع “فلسطين/ أرض إسرائيل” إلى التعرّف إلى القصص والتجارب المختلفة لكل مَن تم تصويره حيث يُسأل عن دلالة البطاقة الفلسطينية التي يحملها، وعن وجهة نظره حول انتمائه إلى هذه الأرض”، كما تقول بروش في حديثها معنا.

وتدمج سلسلة الصور المميزة بورتريهات ليهود وعرب من مواليد أرض إسرائيل/ فلسطين في فترة الانتداب البريطاني، يحملون بطاقات فلسطينية أصلية من فترة الانتداب. على كل بطاقة، شهادة ميلاد، بطاقة هوية، أو جواز سفر – مكتوب “ממשלת פלשתינה (א״י)” بالعبرية، و Palestine بالإنجليزية، وفلسطين بالعربية.

وُلدت فكرى تعقّب الأشخاص الذين وُلدوا هنا في تلك الفترة عندما التقت بروش بجدتها، التي وُلدت هي أيضا عام 1934. فُوجئت بروش عندما عرفت أن شهادة ميلاد جدّتها تظهر عليها كتابة “فلستينا” بالعبرية.

رُوَيدًا رُوَيدًا، بدأت تتراكم قصص وتجارب مختلفة لأشخاص شكّلوا فسيفساء السكان على هذه الارض، قبل إقامة دولة إسرائيل. يعرض التوثيق الأصلي لبروش بورتريهات لأشخاص مختلفين، يهودا وعربا، حيث تظهر إلى جانبهم بطاقة هوية أو شهادة ميلاد أصلية (من فترة الانتداب).

تحمل كل صورة من تلك الصور قصة شخصية لأصحابها، بكلماتهم الخاصة. “هناك دلالة خاصة لاسم فلسطين لكل شخص تم تصويره وقصة خاصة بتلك الفترة تحت حكم الانتداب. تُستخدم الوثيقة نفسها في المشروع مفتاحا للحديث عن القصة الشخصية لكل واحد، وهي معدّة للمشاهد الذي سيواجه حالات الواقع المختلفة والمتناقضة أحيانا التي كانت قائمة في الوقت ذاته على الأرض المتنازع عليها ذاتها”، كما تقول بروش.

جمعنا قصص ستة أشخاص، عربا ويهودا، من سلسلة الصور لنفهم ماذا اعتقدوا حول تلك الفترة المهمة في التاريخ للشعبين. وهذا ما قاله كل واحد منهم حول بطاقة هويته

ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في حيفا، إسرائيل

ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا (Flash90/Hadas Parush)
ريموند ظاهر، وُلد عام 1944، في حيفا (Flash90/Hadas Parush)

“كل مَن وُلد قبل عام 1948، يحمل بطاقة هوية، العرب، اليهود، والجميع. عندما كنا صغارا، مَن كان يدرك أساسا معنى فلسطين أو إسرائيل؟ تظهر على هذه الوثيقة العبارة “فلسطين أرض إسرائيل”. من يستطيع أن يثبت ذلك؟ أنا لست فلسطينيا، لماذا؟ لأني وُلدت هنا. شهادة ميلادي فلسطينية، فماذا بعد؟ هل عليّ أن أجادل نتنياهو؟ إسرائيل موجودة: حقيقة. الضفة الغربية قائمة، وتقع تحت الاحتلال، ونحن ننتظر. أنا أعيش في إسرائيل، لا يمكن إخفاؤها. أنا سعيد في العيش فيها. لن تقوم دولة فلسطينية أبدا”.

تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس، عهد الانتداب البريطاني. تعيش في مستوطنة كريات أربع، الخليل، الضفة الغربية

تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس (Flash90/Hadas Parush)
تسيبورا هعتسني، وُلدت عام 1929، في القدس (Flash90/Hadas Parush)

“وُلدتُ في مستشفى “بيكور حوليم” في القدس، لقد نقلوا إليه حينها كل الجرحى الذين أصيبوا من المذابح ضدّ اليهود في مدينة الخليل في ذلك الحين. عندما أخبرتُ أمي أنني سأنتقل للعيش في الخليل، كانت على وشك أن يُغمى عليها فقالت: “هل تريدين العيش مع هؤلاء القتلة؟”.

أنا من الجيل السابع في إسرائيل. أحفادي في الواقع من الجيل العاشر. بطاقة الهوية هذه هي قصة حياتي. أنا فلسطينية. هكذا مُسجل فيها. دائما كنا صهاينة، حينذاك لم نعرّف أنفسنا أبدا كفلسطينيين. في نظري لم تكن هذه فلسطين وإنما أرض إسرائيل. كان اسم فلسطين شتيمة. كان ذلك اختراع لهادريان الذي أراد محو اسم إسرائيل، فسماها فلسطين، على اسم الفلستيين. ولكن هذا الاسم لا يعنيني. كنت يهودية في أرض إسرائيل وصهيونية”.

شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني. يعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل

شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
شريف محمد، وُلد عام 1941، باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

“لا أعارض شخصيا إقامة دولة إسرائيل، أو إقامة دولة فلسطين. إذا عاش الإسرائيليون والفلسطينيون معا، يمكن أن يختاروا اسما جديدا، وهذا لا يهمني. ولكن يهمني أن يحصل الجميع على حقوقهم فقط. في هذه الأيام، يزعم أشخاص مثل ليبرمان أنّه لا يوجد شيء اسمه فلسطين. مَن هو ليبرمان أصلا، مهاجر روسي جاء إلى هذه البلاد. اتركوا العرب واليهود يحلّون مشاكلهم وحدهم. وعندما يتم إنكار وجود فلسطين، فهذا يعني أنني غير قائم. كأننا سقطنا من السماء”.

واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية، في عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. تعيش اليوم في باقة الغربية، إسرائيل

واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)
واجهة أبو مخ، وُلدت عام 1943 في باقة الغربية (Flash90/Hadas Parush)

“عانت هذه المنطقة طيلة سنوات طويلة تحت احتلال الجيش الإسرائيلي، حتى عام 1967. شهدت البلاد حصارا خانقا. كان الاحتفاظ بمثل هذه الوثائق الفلسطينية صعبا جدا. لم يُسمح لنا أن نذكر اسم فلسطين، نرفع العلم، أو أن نعرّف أنفسنا كفلسطينيين. كانت المرة الأولى التي استخدم فيها الناس هذا المصطلح في الانتفاضة الأولى، 1987. فتحدثوا عن ذلك حينها فقط وتحرّروا من الضغوط. فالعثور على وثائق كهذه، يشير إلى أنّه يوما ما كان الأمر مختلفا. كانت هنا دولة ذات مرة وكنت مواطنة فيها. مررت فترة صعبة، وأحتفظ بشهادة الميلاد هذه من أجل أن يراها أولادي والأجيال القادمة. إنّها تذكار جيّد”.

إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في القدس، إسرائيل

إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس (Flash90/Hadas Parush)
إلياهو دافيد سغيف غروسمان، وُلد عام 1931، في القدس (Flash90/Hadas Parush)

“حتى حرب الاستقلال عام 1948، لم أكن أذكر اسم فلسطين. نعم عرفت الاسم من وثائق أرض إسرائيل فلسطين. ولكن كنا نسميها أرض إسرائيل. سمّينا العرب – عرب أرض إسرائيل. سمّاها البريطانيون فلسطين لأنّهم كانوا يعملون على مساعدتنا في الاستيطان هناك. أعرب العرب عن مقاومة شديدة لحركة الاستيطان اليهودي. لقد أرادوا الأرض ملكهم فقط.

بطاقة الهوية هذه هي منذ الفترة التي عشتُ فيها تحت الانتداب، والحقيقة هي أنّ الانتداب، قد كلّف من قبل الكومنولث، لإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، على شكل وعد بلفور“.

اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس، عهد الانتداب البريطاني، فلسطين. يعيش في شعفاط، القدس الشرقية، إسرائيل

اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس (Flash90/Hadas Parush)
اسحاق سعيد أبو خضير، وُلد عام 1943 في شعفاط، القدس (Flash90/Hadas Parush)

“في الفترة التي حرص فيها اليهود الفلسطينيون، أقصد ليس هؤلاء الذين قدموا أثناء الاحتلال، بل الذين كانوا في البلاد اهتم كل واحد بالآخر، وعاش الناس في البلاد كجيران وأصدقاء تربطهم علاقة حسنة. لم يهتم أحد بدين الآخر، سواء كان يهوديا أو مسلما.

جواز السفر هذا، يثبت للعالم كله أنّه كانت يوما ما فلسطين على هذه الأرض ونحتفظ بالوثائق للإثبات. ما معنى دولة؟ كيف تُبنى؟ – علم، عملة، وثائق وأرض. نحن فخورون لأننا نملك جواز سفر من تلك الفترة. هذه الأرض هي مُلك الشعب الفلسطيني – فبناء على التاريخ، والوثائق، قدم اليهود إلى البلاد وأخذوا منا أراضينا، سلبوا حريتنا، ووضعونا في السجن. نحن نعيش في سجن كبير”.

اقرأوا المزيد: 1003 كلمة
عرض أقل
وعد بلفور (Wikipedia)
وعد بلفور (Wikipedia)

وعد بلفور نقطة تحوّل في تاريخ الصراع

اليوم قبل 99 عاما تم توقيع وعد بلفور، الذي كان بمثابة كارثة للحلم العربي الفلسطيني بإقامة دولة قومية، وكان إنجازا سياسيا غير مسبوق للمشروع الصهيوني الذي عمل على إقامة دولة إسرائيل

في مثل هذا اليوم قبل 99 عاما (1917) وقّع وزير الخارجية البريطاني على وعد بلفور، وبحسبه فإنّ بريطانيا ستدعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل). بالنسبة للصهيونية، التي أقامت بعد ذلك دولة إسرائيل (1948)، كان الوعد اختراقا تاريخيا وانطلق مع نشره فرح كبير في العالم اليهودي. ومع ذلك، كانت هناك أقلية يهودية رفضت هذا الوعد وأعلنت حربا عليه وعلى الصهيونية.

تم استقبال هذا الوعد في العالم العربي بالانقسام إلى جزءين، ولم يقبله الفلسطينيون إطلاقا وردّا عليه هدّدوا بأعمال شغب دامية.

كانت أهمية كبيرة لوعد بلفور في خفايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يزال مستعرا ولم تظهر نهايته بعد في الأفق.

ومن أجل أن نفهم بشكل أفضل ما هو هذا الوعد ومدى تأثيره على الصراع، أحضرنا لكم 5 حقائق وتفسيرات حوله:

1.تم توقيع هذا التصريح، كما ذكرنا، من قبل وزير الخارجية البريطاني حينذاك في 2 تشرين الثاني عام 1917، وهو في أساسه إعلان ستدعم بحسبه بريطانيا إقامة وطن قومي للشعب اليهودي. كان هذا الإعلان بالنسبة للصهيونية العالمية إنجازا غير مسبوق، حيث أنّ قوة عظمى مثل بريطانيا وافقت على رعاية الحركة الصهيونية.

2.وقد عمل الكثير من البريطانيين ضدّ عرض إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل) والذين خشوا من إفساد العلاقات مع العرب، أو اعتبروا فكرة إقامة دولة يهودية خيالا مجنونا. كان أحد أبرز المعارضين لهذا العرض، إدوين مونتاجو، وهو يهودي، وعضو برلمان ووزير شؤون الهند في الإمبراطورية البريطانية، وقد ادعى أن الوعد قد ينشئ ولاء مزدوجا عند اليهود في العالم.

طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)
طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)

3.سبقت الإعلان النهائي 12 مسودّة تم رفضها من قبل البريطانيين أنفسهم. وفي نهاية المطاف تم قبول مسودّة تحدثت عن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل (‏Palestine‏). ومن هنا يظهر أيضًا أن الوعد لم يكن ينفي إقامة سلطة سياسية أو قوميات أخرى في فلسطين (أرض إسرائيل).

4.عوامل إعطاء هذا الوعد: إعادة نظر قيمية – حيث بحسبها يجب إيجاد حلّ لمشكلة الشعب اليهودي المضطهد، وإعطاؤه أرضه الموعودة. هوية القيادة البريطانية – كانت الحكومة البريطانية الجديدة من العام 1916 تميل لأن تكون مصغية لمطالب الحركة القومية الصهيونية لاعتبارات استراتيجية واعتقادية مسيحية. يهود الولايات المتحدة – كان يهدف الوعد إلى إيجاد تماهٍ ليهود الولايات المتحدة مع بريطانيا، وتعزيز الضغوط من قبلهم على الإدارة الأمريكية لمساعدة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. تحقيق السيطرة على فلسطين (أرض إسرائيل) – كانت هناك أهمية استراتيجية كبيرة لفلسطين (أرض إسرائيل) بالنسبة لبريطانيا، بسبب قربها من قناة السويس التي تمكّن من المرور عبر البحر باتجاه الهند.‎ ‎بحسب اتفاقية سايكس – بيكو (1916) كانت فلسطين (أرض إسرائيل) معدّة لتكون تحت سيطرة فرنسية – إنجليزية (“المنطقة البنية”) بعد الحرب العالمية الأولى.‎ ‎كان يفترض أن يساعد الوعد الداعم للصهيونية بريطانيا في أن تحظى بالسيطرة على تلك المنطقة. في نهاية المطاف منحت عصبة الأمم حق الوصاية على أراضي فلسطين (أرض إسرائيل) لبريطانيا في مؤتمر سان ريمو عام 1920.‎ ‎كان في الوعد نوع من التهرّب من الالتزام المناقض لشريف مكة الذي أُعطي في إطار مراسلات حسين – ماكماهون، والتي لم تتم صياغتها في اتفاق رسمي أبدا، وبحسبها فإنّ عرب الشرق الأوسط سيحظون بالاستقلال إذا وقفوا إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

5.بعد المصادقة على الوعد فورا أقام القادة الصهاينة سلسلة من اللقاءات السياسية مع قادة العالم العربي من أجل تنفيذ ما ورد في هذا الوعد، ولكن هذه التحركات التي كانت تهدف إلى ترتيب العلاقات بين الصهيونية وبين القيادة العربية لم تنضج أبدا. لم يحبّ الفلسطينيون أبدا هذا الأمر وبدأوا بتنظيم أنفسهم في مؤتمرات وتجمعات احتجاجية ضدّ الوعد. أجريت إضرابات ومظاهرات في القدس بعد التوقيع على الوعد بعام. وتأسست رابطة إسلامية مسيحية بهدف إقناع البريطانيين بإلغاء الاتفاق مع الصهيونية. ادعى العرب الملكية الكاملة على الأرض، واستخدموا تفسيرات تاريخية (إقامتهم الطويلة في البلاد)، وديمغرافية (كونهم غالبية السكان بنسبة 90% من سكان البلاد عام 1918)، وقانونية (عدم دستورية – كما يفترض – هذا الوعد والتناقضات الداخلية فيه)، وسياسية (مراسلات الحسين – ماكماهون، والتي وُعد العرب فيها بفلسطين) وغيرها، من أجل إثبات صحة موقفهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد ادعوا أن اليهودية دين وليست قومية، وأن ادعاء اليهود بخصوص العودة إلى أرضهم بعد ألفي عام، ليس ذا صلة لأنّه “لا يمكن إعادة رسم خريطة العالم من جديد على أساس ادعاءات قديمة”.

اقرأوا المزيد: 640 كلمة
عرض أقل
وعد بلفور (Wikipedia)
وعد بلفور (Wikipedia)

وعد بلفور نقطة تحوّل في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

اليوم قبل 98 عاما تم توقيع وعد بلفور والذي كان بمثابة كارثة للحلم العربي الفلسطيني بإقامة دولة قومية، وكان إنجازا سياسيا غير مسبوق للمشروع الصهيوني الذي عمل على إقامة وطن قومي يهودي

في مثل هذا اليوم قبل 98 عاما (1917) وقّع وزير الخارجية البريطاني على وعد بلفور، وبحسبه فإنّ بريطانيا ستدعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل). بالنسبة للصهيونية، التي أقامت بعد ذلك دولة إسرائيل (1948)، كان الوعد اختراقا تاريخيا وانطلق مع نشره فرح كبير في العالم اليهودي. ومع ذلك، كانت هناك أقلية يهودية رفضت هذا الوعد وأعلنت حربا عليه وعلى الصهيونية.

تم استقبال هذا الوعد في العالم العربي بالانقسام إلى جزءين، ولم يقبله الفلسطينيون إطلاقا وردّا عليه هدّدوا بأعمال شغب دامية.

كانت أهمية كبيرة لوعد بلفور في خفايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يزال مستعرا ولم تظهر نهايته بعد في الأفق.

ومن أجل أن نفهم بشكل أفضل ما هو هذا الوعد ومدى تأثيره على الصراع، أحضرنا لكم 5 حقائق وتفسيرات حوله:

1.تم توقيع هذا التصريح كما ذكرنا من قبل وزير الخارجية البريطاني حينذاك في 2 تشرين الثاني عام 1917، وهو في أساسه إعلان ستدعم بحسبه بريطانيا إقامة وطن قومي للشعب اليهودي. كان هذا الإعلان بالنسبة للصهيونية العالمية إنجازا غير مسبوق، حيث أنّ قوة عظمى مثل بريطانيا وافقت على رعاية الحركة الصهيونية.

2.وقد عمل الكثير من البريطانيين ضدّ عرض إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين (أرض إسرائيل) والذين خشوا من إفساد العلاقات مع العرب، أو اعتبروا فكرة إقامة دولة يهودية خيالا مجنونا. كان أحد أبرز المعارضين لهذا العرض، إدوين مونتاجو، وهو يهودي، وعضو برلمان ووزير شؤون الهند في الإمبراطورية البريطانية، وقد ادعى أن الوعد قد ينشئ ولاء مزدوجا عند اليهود في العالم.

طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)
طاولة اللورد بلفور التي كتب عليها الوعد (Wikipedia)

3.سبقت الإعلان النهائي 12 مسودّة تم رفضها من قبل البريطانيين أنفسهم. وفي نهاية المطاف تم قبول مسودّة تحدثت عن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في أرض إسرائيل (‏Palestine‏). ومن هنا يظهر أيضًا أن الوعد لم يكن ينفي إقامة سلطة سياسية أو قوميات أخرى في فلسطين (أرض إسرائيل).

4.عوامل إعطاء هذا الوعد: إعادة نظر قيمية – حيث بحسبها يجب إيجاد حلّ لمشكلة الشعب اليهودي المضطهد، وإعطاؤه أرضه الموعودة. هوية القيادة البريطانية – كانت الحكومة البريطانية الجديدة من العام 1916 تميل لأن تكون مصغية لمطالب الحركة القومية الصهيونية لاعتبارات استراتيجية واعتقادية مسيحية. يهود الولايات المتحدة – كان يهدف الوعد إلى إيجاد تماهٍ ليهود الولايات المتحدة مع بريطانيا، وتعزيز الضغوط من قبلهم على الإدارة الأمريكية لمساعدة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى. تحقيق السيطرة على فلسطين (أرض إسرائيل) – كانت هناك أهمية استراتيجية كبيرة لفلسطين (أرض إسرائيل) بالنسبة لبريطانيا، بسبب قربها من قناة السويس التي تمكّن من المرور عبر البحر باتجاه الهند.‎ ‎بحسب اتفاقية سايكس – بيكو (1916) كانت فلسطين (أرض إسرائيل) معدّة لتكون تحت سيطرة فرنسية – إنجليزية (“المنطقة البنية”) بعد الحرب العالمية الأولى.‎ ‎كان يفترض أن يساعد الوعد الداعم للصهيونية بريطانيا في أن تحظى بالسيطرة على تلك المنطقة. في نهاية المطاف منحت عصبة الأمم حق الوصاية على أراضي فلسطين (أرض إسرائيل) لبريطانيا في مؤتمر سان ريمو عام 1920.‎ ‎كان في الوعد نوع من التهرّب من الالتزام المناقض لشريف مكة الذي أُعطي في إطار مراسلات حسين – ماكماهون، والتي لم تتم صياغتها في اتفاق رسمي أبدا، وبحسبها فإنّ عرب الشرق الأوسط سيحظون بالاستقلال إذا وقفوا إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى.

5.بعد المصادقة على الوعد فورا أقام القادة الصهاينة سلسلة من اللقاءات السياسية مع قادة العالم العربي من أجل تنفيذ ما ورد في هذا الوعد، ولكن هذه التحركات التي كانت تهدف إلى ترتيب العلاقات بين الصهيونية وبين القيادة العربية لم تنضج أبدا. لم يحبّ الفلسطينيون أبدا هذا الأمر وبدأوا بتنظيم أنفسهم في مؤتمرات وتجمعات احتجاجية ضدّ الوعد. أجريت إضرابات ومظاهرات في القدس بعد التوقيع على الوعد بعام. وتأسست رابطة إسلامية مسيحية بهدف إقناع البريطانيين بإلغاء الاتفاق مع الصهيونية. ادعى العرب الملكية الكاملة على الأرض، واستخدموا تفسيرات تاريخية (إقامتهم الطويلة في البلاد)، وديمغرافية (كونهم غالبية السكان بنسبة 90% من سكان البلاد عام 1918)، وقانونية (عدم دستورية – كما يفترض – هذا الوعد والتناقضات الداخلية فيه)، وسياسية (مراسلات الحسين – ماكماهون، والتي وُعد العرب فيها بفلسطين) وغيرها، من أجل إثبات صحة موقفهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد ادعوا أن اليهودية دين وليست قومية، وأن ادعاء اليهود بخصوص العودة إلى أرضهم بعد ألفي عام، ليس ذا صلة لأنّه “لا يمكن إعادة رسم خريطة العالم من جديد على أساس ادعاءات قديمة”.

اقرأوا المزيد: 640 كلمة
عرض أقل
الملكة إليزبيث الثانية (AFP)
الملكة إليزبيث الثانية (AFP)

هل ستزور صاحبة الجلالة الأرضَ المُقدّسة؟

لمُدّة 68 عامًا من العلاقات الدبلوماسيّة بين إسرائيل وبريطانيا لم يزُرْ إسرائيل أيّ مندوب من جهة النظام المَلكيّ

عرضَ الرئيس الإسرائيليّ ريفلين، في لقاء أجريَ معه في بيته قبل أسبوعيْن، على السفير البريطانيّ إيصال دعوة للملكة إليزابيث الثانية للحضور إلى الأرض المُقدّسة و”لمعاضدة السلام”، هذا وفقا لما جاء في الموقع البريطانيّ – Jewish News.

تمّ تمرير الدعوة عندما استقبل ريفلين سماحة السفير البريطانيّ الجديد.

فقد روى ريفلين للسفير الجديد بأنّه سيتمّ الاحتفال في إسرائيل، في أثناء تأدية السفير لمنصبه، بذكرى مرور مائة عام على وعد بلفور، الذي شهِدَ مُستهلَّ العلاقات الدبلوماسيّة بين إسرائيل وبريطانيا.

شدّد الرئيس على الجانب الأهمّ؛ وهو أنّه بمقدور الملكة الاستغراق في بناء الثقة بين بريطانيا وإسرائيل. إذ قال: “أنا على عِلم بأنّه يوجد نزاع هنا، ولكنّ بدلَ أن تأتي الملكة عند نهاية الصراع، بمقدور جلالتها المجيء والمُساعدة على إنهاء هذا النزاع”.

مع ذلك، احتمال زيارة الملكة لإسرائيل مُتدنٍّ جدّا. إذ لم تُسجَّل، على طول 68 عاما من العلاقات الدبلوماسيّة مع المملكة البريطانيّة المتّحدة أيّة زيارة رسميّة لمندوب عن القصر الملكيّ للأرض المقدّسة. لم تزُر الملكة إليزابيث الثانية، التي شهِدت حفلَ تتويجها الثالث والستّين قبلَ بضعة أشهر، إسرائيل قط.

اقرأوا المزيد: 160 كلمة
عرض أقل
كنيس عدلي أو  أو شعار هاشامايم في القاهرة (SAMIR RAAFAT / AFP)
كنيس عدلي أو أو شعار هاشامايم في القاهرة (SAMIR RAAFAT / AFP)

يهود النيل – من فرعون إلى عبد الناصر

في العصور السالفة، استقرّ الحُكماء اليهود في الإسكندرية ونشروا حكمتهم للعالم. حتّى القرن العشرين، لم تكُن الصهيونية والوطنيّة المصرية متناقضتَين. لكن اليوم، تكاد جالية يهود مصر تكون غير موجودة

لم تكن الجالية اليهودية في مصر يومًا أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط، ولا أبرز جالية. فالجاليات العراقية، الشاميّة، اليمنيّة، والإفريقية الشمالية كانت أبرز بشكلٍ عامّ. لكن منذ فجر التاريخ، نسج اليهود علاقات خاصّة مع مصر، لم تتوقّف يومًا. فمنذ ذهاب إبراهيم الخليل ويعقوب إلى مصر في أزمنة الكتاب المقدّس، وجد الكثير من اليهود ملجأً في بلاد النيل.

شعب مُقاتِلين وحُكماء

ثمة شهادات قديمة على أنّ مقاتِلين يهودًا مأجورين كانوا يعيشون في جزيرة إلفنتين على حدود مصر الجنوبيّة، إذ كانوا مؤتَمَنين على حراسة الحدود من الغزاة القادمين من الصحراء، الذين تعاونوا مع المملكة الفارسيّة. حتّى إنّ أولئك اليهود أنشأوا معبَدًا فاخرًا جدًّا، كان مركزًا للنزاع مع جيرانهم غير اليهود. كذلك، استخدم الملك بطليموس الأول المقاتِلين اليهود بشكلٍ كبير لحماية مملكته.‎

في الحقبة الهلينستية، التي ازدهرت فيها مدينة الإسكندرية وأضحت مركزًا عالميًّا للحكمة، الفلسفة، الهندسة، والعمران، لم تتضرّر مكانة اليهود. ففي القرن الثالث قبل الميلاد، وضع حُكماء يهود من الإسكندرية الترجمة الأولى للأسفار المقدّسة العبرانيّة إلى لغة أجنبية، التي دُعيت “الترجمة السبعينية”، لأنّ 72 من الحكماء اليهود عملوا على الترجمة إلى اليونانيّة وفق التقليد. بعد ذلك بسنوات، ظهر في الإسكندرية فيلَسوف يهودي شهير آخَر، هو فيلون السكندري، الذي كان يطمح إلى أن يُظهر أنّ اليهودية دين يمكنه أن يندمج مع مبادئ الفلسفة اليونانيّة، ولا يناقضها.

بطليموس الثاني ومترجمو السبعينية، رسم من عام 1672
بطليموس الثاني ومترجمو السبعينية، رسم من عام 1672

في الحقبة الرومانية أيضًا، واصل اليهود الازدهار، لكنّ تمرّدهم على الحُكم الروماني عام 115 للميلاد كان ذا عواقب وخيمة عليهم. فقد كان يهود الإسكندرية عاملًا رئيسيًّا في الصراع ضدّ الرومان، الذي بدا في البداية انتصارًا كبيرًا على الإمبراطورية. لكن الإمبراطور تراجان أرسل قوّات عسكريّة كبيرة أدّت إلى انتهاء ثورة اليهود بإبادة 90% من يهود مصر، وتدمير المجمع اليهودي الفاخر في الإسكندرية. ولم تبدأ مكانة اليهود بالتعافي إلّا مع صعود الإسلام، إذ حظوا، كباقي يهود العالم الإسلاميّ بمكانة “أهل الذمّة”.

رغم أنّ تعامُل السلطات الإسلاميّة كان يتغيّر مع السنين، ورغم العبء الماديّ المتمثل في الضرائب والجزية، تمتّع يهود مصر باستقلال شبه تامّ. في القرن السابع للميلاد، ازدهر في مصر اليهود القرّاؤون، وهم فرع خاصّ من اليهودي لا يعترفون بأيّ من “الكتابات الدينيّة” عدا التوراة نفسها. ولا تزال هذه الجماعة، الموجودة في صراع طويل الأمد مع باقي الطوائف اليهودية، قائمةً في إسرائيل إلى اليوم.

حين بلَغ عظيمُ اليهود القاهرة

موسى بن ميمون
موسى بن ميمون

في أواخر القرن الثاني عشر للميلاد، وصلَ مصرَ رجلٌ يُعتبَر أحد أحكم اليهود وأفضلهم في التاريخ، وهو موسى بن ميمون. كان ابنُ ميمون، الذي وُلد في الأندلس، وانتقل جرّاء ضائقة اقتصاديّة إلى المغرب، في طريقه إلى الشرق الأوسط، رجل دين، فيلَسوفًا، عالمًا، وطبيبًا. وبالتوازي مع كونه رئيس الجالية اليهودية في مصر، كان ابن ميمون أيضًا طبيب الملك الأفضل بن صلاح الدين. قضى موسى بن ميمون وقتًا طويلًا في البلاط الملكيّ في القاهرة، لكنه استمرّ في تكريس قسمٍ كبير من عمله للفتاوى الدينية لليهود.

جعلت الخبرة المنوّعة، التي شملت كتب الفلسفة والعلوم اليونانيّة، إلى جانب الاطّلاع الكامل على الأدب الدينيّ السابق له، ابن ميمون اسمًا يبعث على الفخر لدى كلّ يهودي إلى يومنا هذا. في القاهرة، خَطَّ كتابه الشهير دلالة الحائرين، الذي يُرشِد اليهودي الحائر الذي لا ينجح في التوفيق بين مبادئ دينه وبين العلم والفلسفة، واستخدم فيه ابن ميمون مبادئ مدرسة “الكلام” الإسلاميّة. ويُعتبَر الكتاب مُؤَلَّفًا نموذجيًّا.

أيّام الازدهار

في عصر المماليك، كان وضع اليهود حرِجًا جدًّا. فقد جعل التعصُّب الديني ضدّ جميع الطوائف غير المسلمة، الذي كان موجَّهًا بشكل خاصّ ضدّ الطوائف المسيحية، اليهود يدفعون ثمنًا باهظًا. أمّا مع صعود الإمبراطورية العثمانية، فقد تحسَّن وضع اليهود نوعًا ما، لكنّه ظلّ متقلّبًا. وأدّت المجازِر المُرتكَبة ضدّ الجالية اليهودية إلى تقلُّص عدد اليهود بشكل ملحوظ في القاهرة والإسكندرية في القرون التي تلَت. ولكن مع تولّي محمد علي باشا السلطة، عاد وضع اليهود إلى التحسُّن.

حين بدأت تُثار مسألة شقّ قناة السويس في القرن التاسع عشر، تحسّن وضع اليهود أكثر أيضًا. فقد امتلأت القاهرة بمندوبين وذوي مصالح بريطانيين، فرنسيين، وألمان، وساعدت المبادرةُ الاقتصاديةُ اليهودَ على انتهاز تلك العلاقات لإقامة علاقات تجاريّة جيّدة.

في مطلع القرن العشرين، بلغت جالية يهود مصر الذروة، وتكوّنت ليس من يهودٍ عاشوا في مصر طوال قرون فحسب، بل أيضًا من مُهاجِرين يهود أتَوا من جميع أنحاء أوروبا وشمال إفريقيا. وأتى إلى مصر أيضًا يهودٌ من أصول بولندية وروسيّة بسبب التعامُل السيء مع اليهود في أوروبا الشرقية. أدّى هذا إلى جعل يهود مصر ينطقون بلُغاتٍ مختلفة. فالمخضرَمون تحدّثوا باللهجة العربية المصرية، فيما المُهاجرون المتحدّرون من المطرودين من إسبانيا تحدّثوا الإسبانية – اليهودية، التركية، اليونانيّة، والإيطاليّة، أمّا الأوروبيون الشرقيون فكانوا ناطقين بالروسية، البولندية، ولهجات من الألمانية – اليهوديّة. في الواقع، كانت الجالية المصرية في ذلك الحين أشبه بقوس قزح.

جوقة يهودية في الإسكندرية
جوقة يهودية في الإسكندرية

في القاهرة والإسكندرية، كانت ثمة مدارِس يهودية درّست مختلف اللغات والحضارات الأوروبية، التي اختارها والِدو التلاميذ. كما أنشأت الجالية اليهودية مستشفَيات في القاهرة والإسكندريّة، مؤسسات للمُسنّين، ومؤسسات صَدَقة وثقافة مختلفة، بما فيها مسرح جماهيريّ.

الدمج بين الصهيونيّة والوطنيّة المصريّة

بلغت الصحافة اليهودية في مصر ذروتَها في القرن العِشرين. فقد عمل نحو 90 صحيفة يهودية في مصر بدءًا من نهاية القرن التاسع عشر، حتّى مغادرة معظَم اليهود إلى إسرائيل. إحدى أشهر الصحف، التي كانت تصدُر في العشرينات، كانت صحيفة “إسرائيل”، التي نُشرت بالعربية، الفرنسيّة، والعبرانيّة. أنشأ الصحيفةَ د. ألبرت موصيري، أحد أعيان الجالية اليهودية. كان موصيري وطنيًّا مصريًّا، ولكنه دعم الصهيونيّة أيضًا. وهو لم يجِد أيّ تناقض بين الصهيونية وبين القوميّة العربية، بل ظنّ أنّ الدولة اليهودية يمكن أن تُقام في قلب الشرق الأوسط.

في تلك السنوات، بدأت الفكرة الصهيونية تنمو لدى يهود مصر. بدأ عدد أكبر فأكبر من شبّان مصر ينتمون إلى حرَكات شبابيّة صهيونية، فيما تبرّع أثرياء الجالية اليهودية بالمال لشراء أراضٍ للمستوطَنات اليهودية في فلسطين. ولدى صدور وعد بلفور عام 1917، عبّر يهود القاهرة والإسكندريّة عن فرحهم علنًا.

النشرة العربية لصحيفة "إسرائيل" المصرية
النشرة العربية لصحيفة “إسرائيل” المصرية

لكن في الثلاثينات، تزايدت الدعاية النازية والفاشيّة بين المصريّين، ما أدى إلى تدهوُر أوضاع اليهود. أدّى العداء لليهود في نهاية المطاف إلى إغلاق صحيفة “إسرائيل”. ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وازدياد الحديث عن الحاجة إلى دولة يهودية، تزايد السخط العربيّ والمصريّ على اليهود.

أيّام العِداء

في جلسةٍ للأمم المتحدة سبقت الإعلان عن إقامة دولة يهودية، في تشرين الثاني 1947، حذّر سفير مصر، يوسف هيكل باشا: “يعيش مليون يهودي بسلام في مصر وباقي الدول الإسلامية، ويتمتّعون بجميع حقوق المواطِنين. وهم بالتأكيد لا يرغبون في الهجرة إلى فلسطين. لكن إذا أُقيمت دولة يهودية، فليس في وسع أحدٍ أن يمنع الكوارث. ستندلع اضطرابات في فلسطين، تمتدّ إلى جميع الدول العربية، وتؤدي ربما إلى حرب عرقيّة … إذا قرّرت الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، فإنها ستتحمّل مسؤولية الكوارث الخطيرة جدًّا وقتل عددٍ كبير من اليهود”.

لكنّ قرار إنشاء دولة يهودية اتُّخذ في الأمم المتحدة، وقرّرت مصر إرسال جيشها لنصرة فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني. ولم يُؤدِّ الإخفاق المصري والانتصار الإسرائيلي عام 1948 سوى إلى تحوُّل التعامُل مع اليهود إلى أكثر سوءًا. فاعتُقل عددٌ كبير منهم، وصودرت ممتلكاتُهم.

بين حزيران وتشرين الثاني عام 1948، شرعَت الحكومة المصرية والجماهير في مصر في ممارسة العنف والاضطهاد ضدّ اليهود. في الحيّ اليهودي، أُلقيت قنابل، تسبّبت بوفاة 70 يهوديًّا وإصابة نحو 200 آخَرين، فيما أدّت اضطرابات أخرى في أرجاء مصر إلى مقتل وإصابة مئات آخَرين من اليهود. كما اعتُقل ألفا يهودي، وصودرت ممتلكات آخَرين.

كنيس بن عزرا في منطقة الفسطاط (Roland Unger)
كنيس بن عزرا في منطقة الفسطاط (Roland Unger)

في 30 أيار 1948، أعلنت الحكومة المصرية عن نيّتها مصادرة ممتلكات أيّ مواطن، في حال ثبت أنّ نشاطه يشكّل خطرًا على أمن الدولة. فانتقلت ملكيّة نحو 70 شركة ومصلحة يهودية إلى الحكومة المصرية. دفع ذلك يهودًا كثيرين إلى اجتياز الحدود، ليقيموا في إسرائيل. فغادر نحو 30 ألف يهودي القاهرة، ووصل نصفهم إلى إسرائيل.

تزايدت النزعة مع ارتقاء جمال عبد الناصر السُّلطة. فهزيمتا مصر أمام إسرائيل عامَي 1956 و1967 جعلتا مصريين عديدين يصبّون جام غضبهم على اليهود القليلين الباقين. أدرك معظم اليهود عام 1956 أنّ مصر لم تعُد ملجأً آمنًا بالنسبة لهم، فهاجروا إلى إسرائيل أو إلى دُول أخرى. صادرت الحكومة جميع ممتلكات اليهود الذين غادروا مصر، واضطُرّوا إلى التوقيع على تعهُّد بأنه لا يمكنهم مطالبة مصر بأيّ شيء أو العودة إليها مطلقًا. حتّى عام 1957، هبط عدد يهود مصر، الذي بلغ نحو 80 ألفًا في مطلع القرن، إلى مُجرَّد 15 ألفًا.‎ ‎

أمّا اليوم فلم يبقَ في مصر سوى بضع عشراتٍ من اليهود، يعيش معظمُهم في الإسكندرية. أدرك يهود مصر أنّ الأيّام التي كان يمكن فيها لليهود في مصر أن يرَوا أنفسهم وطنيّين مصريّين وصهيونيّين على حدٍّ سواء ولَّت، وأنه أصبح عليهم أن يختاروا بين الكون مصريين والكون صهيونيين. كانت تلك النهايةَ الحزينة لقصّة جالية عظيمة، كان يمكنها لولا الظروف السياسية أن تواصل النمو والازدهار داخل مصر، إلى جانب دولة إسرائيل، حتّى يومِنا هذا.

اقرأوا المزيد: 1292 كلمة
عرض أقل
دولة يهودية في الخليج العربي ? (Thinkstock)
دولة يهودية في الخليج العربي ? (Thinkstock)

دولة يهودية في الخليج العربي ؟

تفيد رسالة كشفت النقاب عنها المكتبة البريطانية أنه قبل شهر من وعده الشهير، رفض اللورد بلفور اقتراحًا لإرسال قوة عسكرية لإقامة دولة لليهود في المملكة العربية السعودية

تلقى سفير بريطانيا في فرنسا، اللورد فرانسيس بيرتي، في 12 أيلول 1917 رسالة تحتوي على طلب خاص: الدكتور م. ل روتشتاين، وهو طبيب يهودي – روسي يقيم في باريس، يطلب من بريطانيا مساعدته على إقامة دولة يهودية. وقد طلب عمليًا في هذه الرسالة من السلطات البريطانية إرسال قوات عسكرية للاستيلاء على “الأحساء” – وهي واحة صحراوية مركزية وخصبة، تقع اليوم في شرق المملكة العربية السعودية. الهدف: “إقامة دولة يهودية في الخليج العربي”.

تم الكشف عن هذه الرسالة، التي كتبت باللغة الفرنسية، الأسبوع الماضي في مدونة المكتبة البريطانية. وكتب فيها روتشتاين: “أتعهد بأن أجمع في الربيع القادم قوة يهودية مقاتلة مكونة من 120 ألف رجل قوي”. وكان من المفترض أن تنضم هذه القوة إلى القوات البريطانية والاستيلاء على الأراضي الجديدة التي من ستقام عليها الدولة اليهودية.

خارطة المملكة السعوية (Wikipedia)
خارطة المملكة السعوية (Wikipedia)

بموجب المخطط، وبعد تجمع الـ 30 ألف مقاتل الأوائل في البحرين، سيُشن هجوم سريع ينتهي به المطاف إلى الاستيلاء على الأحساء من الأتراك وتحويلها إلى “دولة يهودية”. وقد قدر روتشتاين أن تركيا ستعلن الحرب في أعقاب الغزو، لكنه تعهد بأن “القوات اليهودية ستدخل سريعًا في المعركة حتى تحقيق النصر النهائي”.

لم يتم على الإطلاق الشروع في تطبيق مخطط روتثستاين ولم يُطرح للنقاش في البلاط الملكي أو في مكاتب وزارة الخارجية البريطانية بتاتًا، حيث أن صفحات التاريخ تظهر أنه قبل بضع سنوات من ذلك تم نقل الأحساء من يدي الأتراك إلى سيطرة ابن سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية وأول ملك عليها. كما وأن البريطانيين وقعوا معه على اتفاقية تعترف به كحاكم للمنطقة.

الرسالة التي كتبها روتشتاين الى السفير البريطاني في فرنسا (المكتبة البريطانية)
الرسالة التي كتبها روتشتاين الى السفير البريطاني في فرنسا (المكتبة البريطانية)

نُقل مقترح روتشتاين إلى وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، الذي قرر بدوره رفضه جملة وتفصيلاً. وقام سكرتير بلفور في 3 تشرين الأول عام 1917 بإرسال رسالة في هذا الشأن إلى السفير البريطاني في فرنسا، وطلب منه أن ينقل إلى روتشتاين أن “حكومة صاحب الجلالة تأسف لأنها لا تستطيع الاستجابة لهذا العرض.”

لم تكن خطة روتشتاين الداعية إلى إقامة وطن يهودي خارج أراضي فلسطين هي الوحيدة التي تم رفضها. فقد تم، كما هو معروف، اقتراح أوغندا والأرجنتين وروسيا وقبرص كأهداف لإقامة الدولة اليهودية.

بعد شهر من رفض بريطانيا لمقترح روتشتاين الغريب، أصدر بلفور وعده الشهير ( 2 تشرين الثاني1917) بشأن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي على أرض إسرائيل. كان منح وعد بلفور بمثابة انجاز سياسي غير مسبوق للحركة الصهيونية: وافقت عمليًا قوة عظمى عالمية، مثل المملكة المتحدة، على رعاية الحركة الصهيونية ومساعدتها على تحقيق هدفها الرئيسي.

بعد إصدار وعد بلفور مباشرة، بدأ زعماء اليهود النشاط السياسي بين القادة العرب بهدف تحقيق الوعد والتخلص من معارضة الجانب العربي.عارض عرب فلسطين وعد بلفور واعتبروه انتهاكًا لحقوقهم. وقد بدؤوا بعد إصدار الوعد في تنظيم لجان وجمعيات مختلفة للاحتجاج. وفي 2 تشرين الأول عام 1918، يوم الذكرى السنوية الأولى لوعد بلفور، أضربت المحال التجارية العربية وخرجت مظاهرة في القدس تم الإعلان فيها عن تأسيس جمعية إسلامية – مسيحية عملت على إقناع البريطانيين بإلغاء وعد بلفور وإقامة نظام حكم في أرض إسرائيل يعبر عن حق العرب على البلاد.

اقرأوا المزيد: 452 كلمة
عرض أقل