وصل الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، البارحة (الأحد) إلى إسرائيل لزيارة سيلتقي خلالها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الدولة شمعون بيريس، ويلقي خطابًا في الكنيست اليوم.
ويعاني هولاند من تدهوُر في مكانته لدى الشعب الفرنسي، لكنه يحظى بتأييد غير مسبوق في إسرائيل، إذ يُنظَر إليه على أنه الشخص الذي منع توقيع الاتّفاق في جنيف، الذي كان سيؤدي إلى رفع العقوبات عن إيران.
وتعي باريس النقاط التي كسبتها الدبلوماسية الفرنسية، وتسعى لتحسين مكانة فرنسا لدى الرأي العام الإسرائيلي، الذي لا يحبّ فرنسا دائمًا. وسارع رئيس الحكومة نتنياهو إلى التعبير عن شكره في إعلان استثنائي نشره مكتبُه قبل نهاية الأسبوع: “الرئيس الفرنسي هو صديق مقرّب من دولة إسرائيل، وأنا أنتظر بفارغ الصبر استقباله ورفيقتَه في إسرائيل، لا سيّما هذه الأيام، حين تناقش القوى العظمى، ومن ضمنها فرنسا طرقًا لإيقاف البرنامج النووي العسكري لإيران”.
وكانت العلاقات الإسرائيلية الفرنسية شهدت صعودًا وهبوطًا على مرّ التاريخ. ويُقدَّر أنّ لفرنسا دورًا كبيرًا في قدرات إسرائيل النووية، على الأقل وفق التقديرات الأجنبية. منذ 1967، ومنذ إقامة المستوطنات وتوسيعها، بدأت فرنسا بانتقاد إسرائيل، حتّى إنّ أصواتًا سُمعت في السنوات الأخيرة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل. وادّعت مصادر رسمية في فرنسا رغم ذلك أنّ فرنسا الرسمية تعارض بشدّة مقاطعة إسرائيل.
زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في إسرائيل (Flash90/Edi Israel)
وتُعتبَر العلاقات التجارية بين إسرائيل وفرنسا مقبولة، إذ تحتلّ فرنسا المكان الحادي عشر في قائمة شركاء إسرائيل الاقتصاديين. ويُذكَر في إسرائيل أنّ هذه الزيارة تكتسي طابعًا اقتصاديَّا. فهولاند يأتي مع وزراء فرنسيين ومع رجال أعمال. وسيشارك الوفد كلّه في يوم الابتكار والتجديد في تل أبيب، الذي يُعتبَر من جهة الفرنسيين ذروة الزيارة. ويشمل يوم التجديد معرضًا لشركات إسرائيلية، خطاباتٍ، ومحادثات عن شراكات اقتصادية مستقبليّة. “يدرس الفرنسيون باهتمام شديد التحوّلات في الاقتصاد الإسرائيلي”، يُقال في القدس، “لا سيّما في مجال الطاقة والبُنى التحتيّة، موارد الغاز الطبيعي، والإصلاحات في شركة الكهرباء”.
استثمار فرنسي واسع النطاق
نجحت صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوقّع على أمر رئاسيّ يمنح الجنسية الروسية للممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو، بداية العام الحاليّ، في إثارة عاصفة في فرنسا. وخلفية الأقوال، التهديدات، والغضب هي الوعد الانتخابي للرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بفرض “ضريبة على الأغنياء” بنسبة 75% لمن يكسب أكثر من مليون يورو في السنة.
سياح فرنسيون يزورون أسواق القدس (Flash90/Serge Attal)
خلف العاصفة الفرنسية، تكمن زاوية إسرائيلية أيضًا: “ضريبة الأغنياء” المخطَّط لها تشكّل “القشة” الأخيرة بالنسبة ليهود فرنسيين كثيرين، يخطّطون في أعقابها للاستقرار في إسرائيل، أو يفعلون ذلك منذ الآن.
توضح مصادر مختلفة أنّ يهود فرنسا يستثمرون منذ سنوات طويلة في إسرائيل لأسباب شتّى بينها الصهيونية، الشعور بالانتماء، العلاقات الأُسرية، تزايد اللاسامية في أوروبا، وغيرها؛ لكن حسب تقدير المصادر، ستؤدي الضريبة الجديدة وشعور فرنسيين كثيرين أنّ الأشخاص “الأثرياء” يُلاحَقون بسبب أموالهم، إلى ازدياد ملحوظ في تدفّق الاستثمارات الفرنسيّة.
فأين سيستثمر الفرنسيون؟ أوّلًا، في العقارات، وفق إجماع المصادر، كاستثمار مربِح من جهة، وفي شقق سكن ورفاهية من جهة أخرى. وستكون استثمارات أخرى في مجالات المبادَرة، التقنية العالية، والتجارة.
غزو حضاريّ؟
ولا يقتصر التدفّق الفرنسي على الاستثمارات الاقتصاديّة والمسائل السياسية الاستراتيجية للتعاوُن العسكري والسياسي. فعلى مدار السنة، يملأ سيّاح فرنسيون مدن إسرائيل الكُبرى.
سياح فرنسيون (Flash90/Nati Shohat)
تل أبيب هي غاية محبوبة بشكل خاصّ بالنسبة للسيّاح الفرنسيين. ففي شهرَي تموز وآب، شهرَي العطلة، تمتلئ شواطئ تل أبيب بالسياح الأوروبيين الذين يعتبرون تل أبيب كالريفييرا الفرنسية في موطنهم.
وينتهز رجال أعمال إسرائيليون الفرصة ويعرضون جاذبات شتّى على السائح الفرنسي العادي، السخي بشكل خاصّ، والذي يصرف مئات اليوروهات في الاستجمام في المدينة الكُبرى في المطاعم، الحانات، الحفلات، ومحالّ الأزياء.
اعتاد الإسرائيليون على أن يسمعوا بين مزيج اللغات في الشارع (إلى جانب اللغتَين الرسميّتَين العربية والعبريّة) اللغة الفرنسيّة أيضًا. وتُفتتَح مطاعم عديدة تعرض تنوُّعًا من الوجبات الفرنسية قُبيل الموسم، وتُغلَق فور عودة السياح الفرنسيين إلى وطنهم. تعرض النوادي حفلاتٍ وموسيقى فرنسية أصلية لجذب السائح الفرنسيّ. في تل أبيب، تستعدّ خدمات الفندقة والخدمات البلدية للاستجابة بشكل خاصّ لموجة السيّاح الفرنسيين.
حسب معطيات وزارة الداخلية، يصل إسرائيل نحو 260 ألف فرنسي إلى إسرائيل كلّ عام. وتحتلّ فرنسا المركز الثاني في عدد السيَاح القادمين من أوروبا (بعد روسيا)، والأرقام هي في تزايُد مُطَّرِد: ففي أشهر كانون الثاني – أيار 2013، سُجّلت زيادة بمقدار 7% مقابل العام الماضي. وأنفق السائح الفرنسي في زيارته إسرائيل 1332 دولارًا في المعدَّل.
معظم السيّاح هم يهود، ولكن جرت في السنوات الأخيرة محاولات لجذب سيّاح غير يهود، وذلك لزيادة الأرقام و”بيع” إسرائيل لجماهير أخرى أيضًا.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني