في النصف الثاني من القرن التاسع عشر اجتاحت الفكرة القومية الأرمن أيضًا، وهم أفراد شعب مسيحي قديم، حيث عاش معظمهم في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية العثمانية وما وراء الحدود، في فارس وفي مناطق روسيا القيصرية. انتشر عشرات آلاف الأرمن خلال السنين أيضًا في مدن الإمبراطورية العثمانية، وقد شكّلوا طبقة متعلمة وثرية نسبيا. في الشرق عاش الأرمن في مناطق عديدة إلى جانب الأكراد – الذين رغم كونهم أقلية قومية، إلا أنهم مسلمون دينيا، والذين استغلوا ضعف السلطة من حين إلى آخر من أجل مهاجمة جيرانهم المسيحيين.
في التسعينيات بدأت حركات الأرمن بالتسلّح والتنظيم للدفاع عن النفس. حاولت السلطات العثمانية أيضًا أن تحرّض الأكراد ضدّ الأرمن، وفقا للقاعدة الرومانية “فرّقْ تسُدْ”. كانت النتيجة موجة من المذابح والمجازر ضدّ الأرمن بين عامي 1895-1996، تشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا تراوح بين 80 ألفا إلى 200 ألف.
في الحرب العالمية الأولى، والتي اندلعت في آب عام 1914، قاتلت الإمبراطورية العثمانية ضدّ روسيا، ووجد الأرمن أنفسهم بين الجبهتين. دفعت هزائم الجيش العثماني الأرمن إلى شن ثورة في عدة أماكن من الشرق، غير بعيدة عن خطّ الجبهة، وخشي قادة الحكومة بأن يمهّد انتشار التمرّدات الطريق للاحتلال الروسي. شكّلت هذه الخشية ذريعة لسلسلة من الإجراءات القمعية، والتي كانت تهدف إلى تمهيد الأرضية لإبادة جماعية، بل من أجل هذا الغرض أقيم “التنظيم الخاص”، والذي جُنّد إليه سجناء جنائيون أطلق سراحهم لهذا الهدف، وهم أبناء قبائل كردية ومهاجرون من القوقاز والبلقان.
إذا، لماذا ما زال نفي الهولوكوست الأرمني والذي أبيد فيه وفق التقديرات 1.5 مليون أرمني ساريا؟ إليكم بعض الحقائق حول الهولوكوست الأرمني والإنكار الكاسح لوجوده، حتى اليوم.
1. يتم إحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن، أو هولوكوست الأرمن، كل عام في 24 نيسان. في نفس اليوم عام 1915، في ذروة الحرب العالمية الأولى، اعتقلت حكومة الإمبراطورية العثمانية برئاسة “تركيا الفتاة” نحو 250 من قادة الطائفة الأرمنية وقتلتهم بشكل علني في نفس الليلة. في ذلك الوقت قُتل الأرمن الذي جُنّدوا للجيش التركي من قبل ضباطه.
2. في موازاة المجازر “العفوية” أصدرت الحكومة التركية أوامر تدعو إلى تهجير “العناصر المعادية” إلى خارج الإمبراطورية العثمانية. ونتيجة لذلك طُرد مئات آلاف الأرمن في مسيرات الموت: قُتل المطرودون خلال المسيرات واغتُصبوا. أما أولئك الذين نجوا فقد وُضعوا في معسكرات موت من دون شراب وطعام. وفقا للتقديرات فقد قُتل نحو مليون ونصف المليون أرمني بشكل ممنهج بين عامي 1915-1918 من قبل سلطات الإمبراطورية العثمانية.
3. الإبادة الجماعية للأرمن هي أول إبادة جماعية في القرن العشرين، وقد سبقت الإبادة التي ارتكبها الألمان بحق اليهود، الهولوكوست، أثناء الحرب العالمية الثانية. لا بل إن أدولف هتلر، عندما قرّر غزو بولندا، عام 1939، طلب من جنرالاته أن يقتلوا كل من ينتمي إلى العرق البولندي بلا رأفة لتأمين مجال ألمانيا الحيوي. وقال لهم لتشجيعهم وإزالة الخوف من نفوسهم: “لا أحد يتحدث في هذه الأيام عما حلّ بالأرمن”.
4. تعترف 20 دولة فقط بالإبادة الأرمنية وهي: الأورغواي، قبرص، روسيا، كندا، لبنان، بلجيكا، فرنسا، اليونان، الفاتيكان، إيطاليا، سويسرا، الأرجنتين، سلوفاكيا، هولندا، فنزويلا، بولندا، ليتوانيا، تشيلي، السويد، وبوليفيا. كذلك تعترف بها 43 ولاية أمريكية. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، اعترفت تركيا بجرائم الحرب التي ارتكبتها وتبدّى ذلك من مواقف لحكومتها ومن خلال المحاكمة العسكرية لبعض القادة. وأقرت بالإبادة الأرمنية محملةً المسؤولية لزعماء حزب الاتحاد والترقي الذي كان يسيطر على الحكومة. ولكن منذ العام 1921، صار الموقف الرسمي التركي ينكر إبادة الأرمن وهو موقف يستمر إلى الوقت الحاضر.
5.لا تعترف إسرائيل الرسمية بالإبادة الجماعية للشعب الأرمني وهذا الموضوع لا يندرج في البرامج الدراسية.
في ذكرى الهولوكوست العالمي الأخير افتتح رئيس دولة إسرائيل، رؤوفين ريفلين، خطابه قائلا: “مائة عام من التردّد والإنكار. في أرض إسرائيل حينذاك، والتي ولدتُ فيها، لم يتنكّر أحد للقتل الذي حصل. لقد رأهم سكان القدس، أهلي، قادمين بالآلاف… لقد وجدوا في القدس مأوى ويعيش أحفادهم فيها حتى اليوم”. في الواقع السياسي الحالي في إسرائيل ورغم الصعوبات الكثيرة بين إسرائيل وتركيا لا يبدو أنّه سيحدث تغيير في موقف إسرائيل الرسمية بخصوص التعامل مع هولوكوست الأرمن.