هذه قصة لا تنسى من حملة “الرصاص المصبوب” (2008): حيث كان بيت الطبيب الفلسطيني في جباليا في مرمى تبادل النيران. وخلال وقوع القذائف استشهدت ثلاثة من بنات الطبيب المعروف، الذي لقي الاحترام والتقدير لدى كثير من الإسرائيليين بسبب عمله على طول سنين عدة كطبيب نسائي في مستشفى “تل هشومير”. وبعد انتهاء القتال مباشرة، ترك أبو العيش وعائلته القطاع وسافروا إلى كندا لفترة خمس سنوات، كتب خلالها “الطبيب من غزة” قصة حياته حتى اللحظة المأساوية التي فقد فيها ثلاثة من بناته. بعد ذلك بثلاث سنوات تتحول قصة “لن أكره” لمسرحية في المسرح القومي “هبيما”.

لأجل المسرحية تقوم “هبيما” بتجنيد الممثل العربي الإسرائيلي، غسان عباس، ليمثل دور أبو العيش والمخرج ورجل المسرح شاي فيتوفسكي، الذي قاتل خلال حملة “الرصاص المصبوب”، لبناء قصة حياة أبو العيش وإحضاره إلى الجمهور العريض.

لنتعرف أكثر على الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ قرار تقديم العرض، الذي ينظر إليه العديد من الإسرائيليين على أنه مثير للجدل، عن التجربة الشخصية والصعبة لأبي العيش، قمنا بإجراء مقابلة مع مخرج العرض، شاي بيتوفسكي.

كيف ولدت الفكرة بأن تقوم بعمل مسرحية عن حياة عز الدين أبو العيش؟ وفي مسرح “هبيما” بالذات، المسرح القومي في إسرائيل؟

“كان الاختيار من قبل مسرح “هبيما” منذ البداية. قرا احد العاملين في المسرح الكتاب الذي كتبه أبو العيش بعنوان “I Shall Not Hate” (لن أكره) وفكر بأنه من الجدير أن يقرأ كل إسرائيلي الكتاب. قام المسرح بالاتصال مع أبو العيش وربط بيننا”.

“لقد شغلتني المأساة الإنسانية في أعقاب حملة “الرصاص المصبوب” كثيراً وهذه كانت فرصتي لأواجه النتائج والعبر من الحرب. لقد كان مهماً جداً بالنسبة لي بأن أقدم الطرف الآخر، وأن أسمعه وأن أُسمع صوته للجمهور الإسرائيلي. كما أن “هبيما” ربط بيني وبين الممثل العربي المعروف غسان عباس الذي وافق على أن يقوم بدور شخصية الطبيب أبو العيش. أعرف أن تلك الحرب شغلت غسان أيضاً وكذلك التعامل مع قصة عائلة أبو العيش التراجيدية”.

هل يمكنك أن تفهم ما الذي دفع بمسرح “هبيما” لأن يقدم هذا العرض؟ نحن نتحدث عن مواضيع سياسية اجتماعية مثيرة للجدل؟

“على المسرح القومي أن يخوض في مجالات قومية اجتماعية، حتى لو لم يوجد إجماع قومي بشأنها. إنها وسيلة اجتماعية- ويفترض ألا يقتصر دوره على التسلية فقط. من المفروض أن يقوم بطرح مشاكل جادة ومثيرة للجدل. يتمتع الفن بقوة تمنعك من الهروب من الواقع، وتضعك مقابل هذه الصراعات، لتثيرك ولتعطي المجال لطرح مخاوف المجتمع”.

هل شغلك الموضوع بشكل شخصي؟

“نعم، أنا بنفسي كنت جندياً خلال حملة “الرصاص المصبوب”، ومكثت نحو أسبوع في بيت فلسطينيين في غزة خلال القتال، وبعد انتهاء الحملة بدأت رحلة شخصية للتعرف على الطرف الآخر، وبدأت أفهم الفرق بين أفكاري عن المجتمع الفلسطيني وبين الواقع. وفي وقت لاحق، انضممت لحركة “مقاتلون من أجل السلام” وخلال النشاط في الحركة، تعرفت على فلسطينيين مقاتلين في منظمات فلسطينية واللذين حاربوا عملياً ضد إسرائيل وبدأت أصغي للطرف الآخر”.

في حركة “مقاتلون من أجل السلام” يوجد شركاء أيضاً من المحاربين الفلسطينيين سابقاً وكذلك من المحاربين الإسرائيليين الذين كانوا في الجيش الإسرائيلي. بعد سنوات من النشاط في دوائر العنف قرر الأعضاء في الحركة وضع السلاح والمحاربة من أجل السلام.

بينما يقدم مسرح “هبيما” العرض عن التراجيدية الإنسانية لعائلة أبو العيش نحن نشهد حملة “عامود السحاب”، ماذا تشعر إزاء ذلك؟

“هذا يثبت ثانية الادعاء الذي نحاول طرحه من خلال المسرحية، بأنه لا يمكن التوصل إلى هدوء وسلام من خلال القتال وهذا يقوي المكان الذي يتحدث منه أبو العيش في كتابه. نبذ العنف من أجل التبادل والتواصل الأفضل بين الأطراف – التواصل المبني على الاحترام وتفهم الطرف الآخر ودوافعه. الردع العسكري المتعجرف هو مصطلح خاطئ. أعتقد أن المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني تجاهلا موضوع محادثات السلام ويستخدمان حالياً المزيد من القوة فقط، ويُقتل الناس من الطرفين وفي نهاية المطاف يعودان إلى نفس “الهدوء المخادع” وبعد ذلك يستأنفان جولة أخرى من العنف. الحل ليس هناك، الحل هو في الحوار المباشر المبني على التبادل والاحترام والفهم بأن العنف لا يولد سوى العنف”.

هل تحدثت مع الدكتور أبو العيش عن العرض؟

“تحدثت معه قليلاً. لقد تلقيت معظم الإلهام من الكتاب لأنه مفصل للغاية. ما يسرني أن الناس الذين شاهدوا العرض ويعرفون العائلة قالوا لنا بأنهم يتعرفون على القصة وعلى أبو العيش وأولاده مرة اخرى من خلال المسرحية. ولقد رأى ابو العيش أجزاء من العرض على DVD ، أرسلناه إليه وقد انفعل جداً جراء ذلك”.

هل كان هناك انتقاد على العرض من قبل الجمهور الإسرائيلي اليهودي؟

“نعم، بالطبع كان هناك انتقاد. جزء من المنتقدين ادعوا بأن العرض يمثل جانب واحد فقط، وآخرون ادعوا بأنهم لا يعتقدون أن الجانب الفلسطيني يتفهم الجانب الإسرائيلي الموجود أيضاً تحت تهديد الصواريخ وبأنهم لن يحظوا على ما يبدو برؤية مسرح فلسطيني يجرؤ على أن يطرح في مرحلة ما مسرحية عن الألم الذي يعيشه الطرف الإسرائيلي. وقد التقيت أيضاً بعدد لا بأس به من المشاهدين اليمينيين الذين قالوا بأن المسرحية تقدم قصة إنسانية وشخصية وتسمح بالنظر إلى الجانب الفلسطيني الذي لا يتعرضون إليه بأنفسهم”.

في نهاية المسرحية تقرر شخصية أبو العيش ترك غزة ونحن نعرف اليوم أنه يسكن في كندا مع عائلته، هل سيعود برأيك؟

“هذا سؤال يجب أن توجهه إلى أبو العيش. أظن أنه غادر لكندا لفترة معينة ليتعافى وليعيد تأهيل عائلته بعد المصيبة الفظيعة التي أصابتها. لقد بقي سفيراً للسلام ويتحدث عن المأساة الشخصية المتجسدة في فقدان ثلاثة من بناته مع الجاليات اليهودية في كندا وفي كل مناسبة يستضاف فيها. ولا يزال يستمر في نشر بشرى حسن الجوار، وفي نفس الوقت يستمر بتربية أولاده على السلام وتبادل السلام، والمساواة والاحترام المتبادل، ليكثر من أمثاله…”

اقرأوا المزيد: 837 كلمة
عرض أقل