في بداية شهر أيار، زار الكاهن النيجيري المشهور تي بي جوشوا (T.B. Joshua) إسرائيل. كانت زيارته مصيرية جدا بالنسبة للحكومة النيجرية: قرر الكاهن جوشوا نقل مركزه العالمي من نيجيريا إلى ضفاف بحيرة طبريا في إسرائيل.
يعتبر الكاهن جوشوا شخصية رئيسية في مجال السياحة في نيجيريا: فهو معروف كساحر كريزماتي مسؤول عن %60 من السياحة في نيجيريا. أثار قراره نقل مركزه العالميّ من نيجيريا إلى بحيرة طبريا في إسرائيل قلقا لدى الحكومة النيجيرية، فدعته إلى التراجع عن قراره والبقاء في موطنه.
إلا أن الكاهن المخضرَم، المعروف تحديدا بسبب قدراته الخارقة في طرد الشياطين من أرواح البشر، اتخذ قرارا مصيريا من حيث السلطات النيجيرية والإسرائيلية أيضا.
قضى جوشوا في رحم والدته 15 شهرا
يشارك نحو 40 حتى 50 ألف مؤمن في مراسم طرد الشياطين التي يجريها جوشوا في مركزه العالميّ في نيجيريا، أسبوعيًّا. يشاهد مئات الآلاف الآخرين عبر شاشات التلفاز في منازلهم المراسم المميزة لطرد الشياطين والبركات التي يوزعها الكاهن النيجري على مؤمنيه الذين يصلون إليه من كل أنحاء العالم. يدعي الكاهن أن في وسعه طرد الأرواح الشريرة والشياطين التي تدخل إلى أرواح البشر العاديين، بهدف زرع الدمار والتسبب بمشاكل كثيرة لديهم.
يقع المركز العالميّ التابع للكاهن في يومنا هذا في لاغوس. لا يدور الحديث عن كنيسة عادية وفيها صلبان وسائر الأدوات المقدسة الموجودة في كل كنيسة عادية. في الواقع، يدعى المركز الخاص بالكاهن “كنيسة المجمع” (Church Snagogue). وفق معطيات رسمية، يزور 6 من بين 10 أشخاص نيجيريا للمشاركة في مراسم “طرد الشياطين”.
وتشير السيرة الذاتية الخاصة بالكاهن جوشوا الساحر إلى أنه وُلِد قبل 54 عاما، بعد أن حملت به والدته لمدة 15 شهرا. منذ أن كان عمره سبعة أيام، حاول الشيطان إذائه للمرة الأولى. وفق شهادات الكاهن الساحر، فقد تعرض سقف منزله لضرر إثر انفجار في محجر قريب منه. فقد اجتاز الطفل جوشوا هذه الحادثة ومنذ ذلك الحين تعهد لمحاربة الشيطان. في شبابه جعل الكاهن الساحر كرهه للشيطان، استعراضا للتغلب على كل محاولة له لإحداث دمار لدى البشر. أصبح الكاهن بفضل هذه الاستعراضات نجما عالميا وبدأ يصل إليه الكثيرون من أنحاء العالم للحصول على بركته وطرد الشياطين.
https://www.facebook.com/tbjministries/videos/1468106096643495/
بالطبع، لا تنقص جوشوا الساحر الأموال وهو ينوي نقلها من نيجيريا إلى المركز العالمي الخاص به الذي سيقيمه في منطقة تابعة للمجلس المحلي في بحيرة طبريا. سيقدم معه المؤمنون والحُجاج المسيحيون والأموال الكثيرة التابعة للسياحة الدينية.
الحادثة المأسوية التي أدت إلى انتقال الكاهن إلى إسرائيل
لم ينجح جوشوا في التنبؤ بهدم أحد المنازل التابعة لكنيسته قبل ثلاث سنوات (في عام 2013). قُتِل فيها 115 شخصا، كان معظمهم من أفريقيا الجنوبية حيث حضروا للمشاركة في مراسم طرد الشياطين التي يقيمها.
مراسم طرد الشياطين التي يجريها جوشوا في مركزه العالميّ في نيجيريا:
https://www.youtube.com/watch?v=mK-p6MVgCu4
يعود سبب هدم المنزل وفق ادعاء جوشوا إلى أن طائرة غامضة حلقت في السماء قبل وقت قصير من انهيار المبنى وألحقت به ضررا وكان هذا بمثابة ضرر شيطاني. ولكن اتضح من التحقيق الرسمي من قبل السلطات في نيجيريا سببا بسيطا أخراً: لم تحصل الطوابق الثلاثة التي أضيفت إلى المبنى على تصريح بناء ولم تكن ذات أساس هندسي متين مما أدى إلى انهيار المبنى. فحُكم على جوشوا في نيجيريا بسبب إهمال فاحش وربما هذا هو أحد الأسباب التي أدت إلى أن ينقل جوشوا مركزه إلى إسرائيل، بلاد ولادة يسوع المسيح. في الوقت الراهن، يعود الموقف التحفظي السلبي من قبل بعض المنظمات والجمعيات اليهودية إلى أنها تخشى من أن يعمل الكاهن على إقناع المواطنين الإسرائيليين اليهود على اعتناق المسيحية.
أين اختفى 10 ملايين حجاج مسيحيين؟
تشهد قصة الكاهن جوشوا وبرامجه الكبيرة لنقل الكثيرين من أتباعه المسيحيين ومئات آلاف الحجاج سنويا إلى إسرائيل، وحتى إن شهدت قليلا، على تضييع الفرصة الكبيرة للسياحة الروحانية المسيحية في إسرائيل وعلى الصراع القاسي لشركات السياحة في إسرائيل وخارج البلاد للسماح للحجاج المسيحيين بزيارة الأراضي المقدّسة، التي عاش وصُلب فيها يسوع المسيح.
كم من الحجاج المسيحيين يزورون إسرائيل؟ زار موقع “المغطس” الذي يقع قريبا من بحيرة طبريا، في العام الماضي، 350 ألف مسيحي. وفق المعطيات، زار موقع “قصر اليهود” القريب من أريحا 343 ألف سائح مسيحي. قدر بعض وكلاء السفر الإسرائيليين الخبراء بمجال السياحية الخاصة بالمسيحيين أنه يصل إلى إسرائيل سنويا بين نصف مليون إلى 700 ألف مؤمن مسيحي في إطار سياحة الحجاج المسيحيين. ولكن لم يتحقق الاحتمال الكامن فعليا في هذه السياحة أبدا لأن كل وكلاء السفر في إسرائيل وخارج البلاد يعتقدون أن الاحتمال الحقيقي لقدوم السياح المسيحيين هو 10 مليون في كل سنة، على أقل تقدير.
أحد الأسباب المركزية لعدم تحقيق هذه الإمكانية السياحية – الروحانية هو طابع دولة إسرائيل اليهودي. إذ تخشى السلطات التي عليها الاهتمام بسياحة المسيحيين من دخول الكثير من المسيحيين مثلا من دول العالم الثالث، حيث تكمن فيه الإمكانية الأكبر لتطوير السياحة الروحانية إلى إسرائيل. يسود في دول إفريقيا وعي روحاني كبير ورغبة كبيرة في القدوم إلى إسرائيل. تكمن المشكلة الأساسية في جهاز منح تصاريح الدخول المعقدة التي فرضتها سلطات الهجرة الإسرائيلية على الزوار من العالم الثالث. هناك مثال آخر وهو عدم تسويق إسرائيل كموقع سياحي روحاني لملايين المؤمنين الأفارقة الأمريكيين في دول رئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإذا حكمنا وفق ردود فعل الجمعيات والمنظمات اليهودية المتدينة في إسرائيل إزاء معرفة خبر محاولات الكاهن جوشوا لنقل مركزه الروحاني إلى بحيرة طبريا، فيمكن أن نفترض أن الكثيرين في الحكومة الإسرائيلية لن يكونوا راضين بشكل خاصّ إزاء سياحة الكثير من المسيحيين أيضا.