أحد وعشرون موسمًا، خمس بطولات، خمس كؤوس دولة وحتى مغامرة خلف البحار. اعتزل وليد بدير، لاعب فريق هبوعيل تل أبيب في المواسم الثمانية الماضية، في الصيف الأخير، كرة القدم وخلف تراثا محترما وذكريات كثيرة وجيدة بين أوساط كافة مشجعي كرة القدم في إسرائيل. تم أمس (الأحد)، قبل مباراة افتتاح الموسم بين هبوعيل تل أبيب وأبناء سخنين، إجراء احتفال وداع رسمي ومثير للمشاعر للاعب.

وقد احتفل بدير في شهر آذار المنصرم بعيد ميلاده التاسع والثلاثين. لقد بدأ مسيرته في فريق الشبيبة في هبوعيل كفر قاسم، مسقط رأسه. منذ جيل 14 سنة، استحوذ على اهتمام هبوعيل بيتاح تيكفا، بعد أن تميّز في مباراة بين فريقي الشبيبة في الناديين، ولعب في خط الهجوم. مع مرور السنوات انتقل للعب في خط الوسط الخلفي، وكان معروفًا بأنه معرقل ناجح وكان يبسط النظام في وسط الملعب. وقد ارتقى إلى فريق البالغين في العام 1992، واحتل مكانًا دائما في تشكيلة فريق هبوعيل بيتاح تيكفا، في السنوات السبع التالية، وقد سجل 192 مباراة وأحرز 22 هدفًا. منذ بداية طريقه، كان المشجعون يعتبرونه “لاعبا من كل قلبه”: لاعب ينفذ العمل الأسود عوضًا عن لاعبين آخرين ويقدم كل ما لديه دائمًا. إن دخوله إلى قلوب المشجعين قد زاد فضلا لهدف أحرزه في إحدى مباريات الديربي الأولى التي شارك فيها، أمام مكابي بيتاح تيكفا.

شاهدوا هدف وليد بدير الفتى، في ديربي بيتاح تيكفا:

في العام 1999 فاجأ عالم كرة القدم الإسرائيلية ووقع عقدا مع نادي ويمبلدون من البريمير ليغ، الذي عُرف في تلك السنوات بلاعبيه “الملوّنين” الذين يكادون يصلون إلى حد الجنون. على الرغم من الأداء الجيد الذي أبداه، وتم إشراكه في 21 مباراة، إلا أنه واجه صعوبة في الانخراط في الجو الخشن وقرر العودة إلى إسرائيل في نهاية الموسم ذاته. لقد أبقى ذكرى لمشجعي ويمبلدون على شكل هدف أحرزه في أولد ترافورد أمام مانشستر يونايتد.

مع عودته إلى إسرائيل، انضم إلى صفوف مكابي حيفا، وشكل في السنوات الخمس الأولى عاملاً هامًا في الفريق الذي فاز بأربع بطولات دوري. ناهيك عن النجاح الباهر الذي حققه في الإطار المحلي، كان بدير شريكًا في إحدى الحملات الأوروبية الناجحة التي خاضها فريق إسرائيلي ذات مرة، حيث ارتقت حيفا إلى مرحلة البيوت في دوري الأبطال، وسجلت فيه انتصارات كبيرة على أوليمبياكوس اليوناني ومانشستر سيتي، بنتيجة مشابهة – 3:0. وقد لعب بدير ما مجموعه مئتان واثنتان من المباريات مع الخُضر الحيفاويين، وسجل 44 هدفًا – وهو رصيد جميل جدا بالنسبة للاعب خلفي مهمته الرئيسية هي كبح هجمات الخصم. ويتذكر المشجعون العريقون هدف الـ “وولا” الرائع الذي أحرزه أمام مكابي تل أبيب في موسمه الثاني في النادي، والهدف الذي أحرزه أمام روزنبورغ النرويجية، إذ حاولت حيفا الارتقاء إلى دوري الأبطال للمرة الثانية على التوالي.

شاهدوا بدير يطلق صاروخا عن بُعد ليسكن في الشباك مباشرة:

وهدف كاد يوصله إلى دوري الأبطال:

وفي العام 1997، كانت له أول مباراة بين صفوف منتخب إسرائيل، في مباراة وُدية ضد منتخب بلروس. طيلة عقد كامل كان ركنّا هاما في المنتخب، وحتى أنه لعب أحيانا كمهاجم، كما كان في صباه. سجل 74 مباراة في صفوف المنتخب، في فترة كادت ترتقي فيها إسرائيل إلى المونديال واليورو. لقد ترك بصمته على عدّة أهداف رائعة، وخاصة الرأسيات. كانت أقصى ذرواته حين وصل إلى تصفيات مونديال 2006. وقد استضافت إسرائيل فرنسا، التي وصلت لاحقا إلى نهائي كأس العالم، وبعد تأخر إسرائيل بنتيجة 1:0، في الدقيقة 83، رفع الظهير الأيسر، أدورام كيسي، كرة عرضية مرت فوق رؤوس جميع المدافعين. ركض بدير باتجاه الكرة وضربها برأسه بسرعة فائقة، بطريقها إلى حارس المرمى المشهور، فابيان بارتيز.

شاهدوا رأس وليد الذهبي الرائع:

في العام 2005، أعلن عن انضمامه إلى صفوف هبوعيل تل أبيب، حيث لعب في الفريق في المواسم الثمانية التالية، والتي ودعه مشجعوه أمس بدموع الفرح والحزن – على ما كان وانتهى. بسبب سنه، قرر مدربوه نقله إلى موقع المدافع، حيث يمكنهم هناك استغلال تجربته الكبيرة ورؤيته للّعب، بهدف التعويض عن السرعة في الحركة التي كانت تميزه كلاعب شاب. وقد سجل من هذا الموقع فصلا رائعا في مسيرته، حيث أضاف خلاله إلى خزينة كؤوسه بطولة دوري أخرى وخمس كؤوس دولة. تم تعيينه قائدًا للفريق، وحظي بتقدير كبير لقاء قدراته المهنية وقدراته على القيادة، على أرض الملعب وخارجها.

استمعوا إلى الأغنية التي ألفها مشجعو هبوعيل تل أبيب:

لقد تميزت سنواته في زيّ الحُمر بالنجاح على الحلبة الأوروبية، عندما عزز فريق هبوعيل تل أبيب موقعه وارتقى ثلاث مرات إلى مرحلة المجموعات في الدوري الأوروبي. في العام 2010 أضاف إنجازًا آخر وكان أول لاعب إسرائيلي يشارك في دوري الأبطال بين صفوف ناديين مختلفين. لن تكون مفاجأة، إذًا، أن نعرف أن 91 مباراة له في الأطر الأوروبية تشكل رقمًا قياسيًا إسرائيليًا رائعًا، وهي تُضاف إلى مرتبته الثالثة في قائمة أصحاب الأرقام القياسية في دوري الدرجة العليا في تاريخ الدوري.

شاهدوا الهدف الذي أحرزه بدير في الفوز على خيتافي الإسباني في الدوري الأوروبي:

من المؤكد أن الأوصاف ومقاطع الأفلام القصيرة التي عرضتها أمامكم سوف تعرّفكم على شخصية بدير المميزة: لاعب يبذل جهدا في كل لحظة؛ لاعب كرة قدم ذو ركلة ممتازة خارج منطقة الجزاء ومهارات دفاعية من الدرجة الأولى؛ قائد يصغي إليه كافة اللاعبين ولا يرفع صوته، لا في التدريبات ولا في المباريات؛ شخصية دمثة يطمح إلى الانخراط في تدريب الأولاد والشبيبة، حيث يمكنه هناك أن يساهم بخبرته وأحاسيسه القوية.

لذلك، ليس من المفاجئ حين بدأت أنباء اعتزاله كرة القدم، منذ أكثر من سنة، كان مشجعو فريق هبوعيل تل أبيب ينشدون له: “ابقَ، ابقَ”. وقد بقي موسمًا آخر بالفعل، في أعقاب أناشيد المشجعين، واعتزل بعد أن أكمل 359 مباراة في الفريق، أحرز خلالها 33 هدفًا. وكان مسك ختام مسيرته الكروية مباراة ضد فريقه الأسبق، مكابي حيفا، ولا يمكنه ألا يعتزل بشكل أرقى من هذا الشكل…

شاهدوا المشجعين يتوسلون أمامه كي لا يعتزل:

شاهدوا الهدف الأخير الذي أحرزه بدير، قبل لحظة من اعتزاله كرة القدم:

اقرأوا المزيد: 883 كلمة
عرض أقل