كان اللواء موتي ألموز، حتى قبل بضعة أيام، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ولكنه أصبح الآن مسؤولا عن قسم الموارد البشرية في الجيش الإسرائيلي، ويُعتبر أحد المقرّبين من رئيس الأركان، غادي أيزنكوت. يحظى ألموز باحترام كبير في إسرائيل رغم أنه يتعرض لانتقادات قاسية من اليمينيين والمتدينين بسبب مواقفه الليبرالية نسبيًّا. في هذه المقابلة، يُجمل ألموز فترة ولايته كمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وبصفته صاحب القرارات الأمنية في إسرائيل في الماضي والحاضر أيضا.
كانت الحملة العسكرية في غزة عام 2014، المعروفة في إسرائيل بـ “عملية الجرف الصامد” حدثا مركزيا خلال فترة منصبك؟
قد تندهشين عندما تسمعين أن “عملية الجرف الصامد” لم تنتهِ من جهتنا. نعم، لم تنتهِ. طالما أن هناك إسرائيليّين محتجزين في قطاع غزة، فالحرب لم تنتهِ. من واجبي بصفتي ضابط جيش ورئيس شعبة الموارد البشرية في الجيش، إعادة الإسرائيليين إلى بيتهم حتى وإن كانوا موتى. هذا جزء من قيمنا، وواجبنا تجاه العائلات والمواطنين الإسرائيليين يملي علينا ذلك.
ماذا يتعين على حماس أن تفهم من هذه الأقوال؟ أنا متأكدة أن عناصر حماس يقرأون موقع “المصدر”
هم يعرفون أن هنالك دَين. أنا لا أدعوهم إلى إجراء مفاوضات ولا أقصد أن هنالك أي جديد. لكن قضية إعادة الإسرائيليين المفقودين تشغلنا جدا. وهذا شيء لا نقوله فقط في الخطابات، إنه حقيقة.
هل تعتقد أن شيئا ما قد يتغير لدى حماس الآن، هل ترغب حماس في تحقيق مكاسب في أعقاب إضراب الأسرى؟
لا أعرف. أعتقد أن حماس تفهم جيدا وضعها في غزة وفي الضفة الغربية. بصفتنا هيئة أمنية مهمتها الأساسية إرساء الأمن الهدوء، أعتقد أن النتائج واضحة. بعد قليل سنحيي ذكرى مرور3 أعوام على “عملية الجرف الصامد” (الحرب على غزة في عام 2014)، وهذه السنوات الماضية شهادة على نجاعة العملية. الهدوء جيد لكلا الجانبين. نحن نعرف أن حماس تعزز قوتها، ونحن نعزز قوتنا بالمقابل.
ما هي استنتاجاتكم من التغييرات الأخيرة التي طرأت في حماس – بدءا من وثيقة المبادئ الجديدة وحتى انتخاب السنوار؟
لا تتضمن الوثيقة أية تجديدات من جهتنا. فهي تعديلات على الصيغة السابقة فقط ولكنها لا تتضمن تغييرا جذريا من جهتنا. حماس منظمة إرهابية تطمح إلى إبادة إسرائيل. هذا موقف واضح ومؤكد. وهو مكتوب في وثيقتها بوضوح. هذه حقيقة ترافقنا كل الوقت.
والسنوار؟
ترغب حماس في أن يكون المسؤول العسكري أسيرا، لديه تاريخ من النضال ضد إسرائيل ويعرف إسرائيل. كنت رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية وتحدثت مع أسرى فلسطينيين كثيرين.
هل تحدثت مع السنوار؟
لا. ولكنني تحدثت مع أسرى محررين فلسطينيين أصبحوا يشغلون مناصب رفيعة المستوى. استنتاجاتي هي أن السجن الإسرائيلي يشكل مدرسة للفلسطينيين لمعرفة العقيدة الإسرائيلية، هذا وفق ما يوضحونه. رغم أنه في السنوات الماضية تقلصت الحاجة إلى خبراء من هذا النوع.
ما الذي تتوقعونه في الحلبة الفلسطينية في السنة القادمة؟
للتأمل في المستقبل علينا تحليل الماضي: تاريخيا، حدثت كل الأحداث بسرعة البرق، أي من درجة 0 إلى 100 مباشرة. فقد شهدنا تصعيدا سريعا وفوريا. من جهة، عندما يتحمل مسؤول معالجة أحداث فوضوية ومتسارعة، عليه بالمقابل اتخاذ خطوات لإعادة الهدوء، والعمل على متابعة الحياة العادية لدى المواطنين من كلا الجانبين. ودليل على ذلك، أنه في السنة الماضية، رغم كل الأحداث، فقد نجحنا في أن يذهب 800 ألف طالب فلسطيني يوميا إلى المدراس. هناك 400 ألف فلسطيني آخرين يتلقون أجرا – حيث يعمل جزء منهم في إسرائيل، ويتلقى جزء آخر أجرا من السلطة الفلسطينية. ففي يومنا هذا يعرف 1.2 مليون فلسطيني من بين 2.2 مليون من كافة الأعمار كيف تسير حياتهم يوميا. أصبحت حياتهم منتظمة.
في غزة، من جهة ثانية، التي تسود فيها بطالة نسبتها 47%، سيطرأ قريبا ارتفاع على درجات الحرارة، ولا تتوفر مكيّفات فيها، والمواطنون على السطوح، يتأثرون بطاقات سلبية لأسباب كثيرة. فليس هناك إطار ينضمون إليه. يذهب السكان إلى البحر، ولا يعملون. مَن يمكن أن يشتري الشاورما، أو الفلافل؟ نفكر دائما ما الذي يمكن أن نقوم به بهذا الشأن.
هل تعتبر الجيش جهة معتدلة أكثر مقارنة بالحكومة اليمينيّة الإسرائيلية؟
لا، فليس هناك خلاف كبير في هذا الشأن. لا أشعر أن هناك توترا أيا كان.
هل انتهت الانتفاضة الثالثة أو موجة الإرهاب وفق تسمية الجيش الإسرائيلي؟
إن لهب الإرهاب منخفض ولكنه قد ينفجر في أية لحظة. لمعلوماتك، لم نسمِ هذه الموجة “انتفاضة” وقد كنا صادقين لأنها لم تتميز بأجواء الانتفاضة. لم تشتعل المنطقة بمعنى أن الشعب أراد الانتقام، ولم نشهد ذلك ببساطة.
ولن نشهد ذلك لأنه قد مضى هذا العصر، وأصبحت الأوضاع تسير على نحو مختلف الآن..
كان من الممكن أن نشهد 40 حالة طعن في يوم، عمليات تُستخدم فيها أسلحة، وقد تكون أكثر حدة من العمليات التي شهدناها حتى الآن. في الواقع، كان الوضع مختلفا؛ كان هنالك تشجيعا من أجل “التنفيس عن التوتر”.
هل تقصد السلطة الفلسطينية؟
نعم. حينما لا تعمل على لجم الانفلات فذا نوع من التجشيع. فالسلطة “لا تقول: كفى!” بل تقول إن الأعمال “شرعية”.
ما رأيك في الإطراء الذي أبداه ترامب لأبو مازن حول التعاون الأمني مع إسرائيل؟
التعاون الأمني قائم لسبب واحد فقط، وهو وجود قاسم مشترك من المصالح لكلا الجانبين. يمكن الاختلاف على أمور كثيرة، لكن لماذا يجب منع الناس من الخروج إلى العمل؟ بالمناسبة، يوجد خلافات عديدة. لا سيما عندما تسود أجواء سلبية، وعندما “تتحطم” العملية السياسية. لهذه الأمور تأثير كبير، فهي ليست منقطعة.
انتقالا إلى الجبهة الشمالية، ماذا يمكن أن تخبرنا عن التنسيق الروسي حول العمليات في سوريا؟
هنالك لقاء كل مدة. المبدأ الموجه هو عدم الاحتكاك.
أطرح السؤال بشكل آخر – هل تعتقد أنه طرأ تغيير في حجم العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي منذ أن أصبحت روسيا مشاركة في سوريا؟
لم يطرأ أي تغيير.
هل هناك تغيير في حجم العمليات منذ اختيار ترامب؟
لا. لن أتطرق إلى التفاصيل، لكن يمكن أن أقول لك إننا نتساءل هل لأن الحلبة أصبحت “مكتظة” أكثر هناك مس بمصالحنا الأمنية؟ الإجابة لا. كل الأسئلة الأخرى هي أسئلة تكتيكية – إذا كان هناك سلاح جو آخر يعمل فعلى سلاح الجو الإسرائيلي أن يأخذ هذه المعطيات بعين الاعتبار.
هل أصبحت إسرائيل أضعف بسبب دعم بوتين لنظام الأسد؟
لا. ليس من الضروري أن تكون الأمور في الشرق الأوسط “إما هذا أو ذلك”. فيمكن أن تكون “هذا وذلك”.
أحد الأسئلة التي تهم قرائنا هو أين تقف إسرائيل بين داعش ونظام الأسد؟
عندما اتخذنا قرارات في الجبهة الشمالية في السنوات الماضية أخذنا بعين الاعتبار السؤال ما الأفضل: داعش أم نظام أسد قوي؟ الإجابة هي أننا لا نتدخل. نحن نساعد في قضايا إنسانية. فهناك الكثير من السوريين الذين ظلوا على قيد الحياة بفضل المساعدة الإنسانية الإسرائيلية.
هل هناك حلفاء لإسرائيل في سوريا؟
لا.
هل تسمع الأصوات في إسرائيل التي تتساءل كيف يمكن الوقوف جانبا وتدعو إلى التدخل في سوريا؟
ليس في وسع إسرائيل التدخل. نحن نقدم مساعدات إنسانية ولا ننشر تفاصيل حولها رغم أنها قد تشكل “مصدرا” للعلاقات العامة. مثلا، التقيت طفلا سوريّا عمره عشر سنوات. فهو لم يتناول الحلوى منذ ثلاث سنوات، لا يعرف الشوكولاطة، ولا يعرف أين والديه. كان يتناول أعشابا طيلة ثلاث سنوات، وطلبت منه والدته أن يذهب إلى الجدار حيث يقع على مقربة منه مستشفى إسرائيليّ يمكن أن يقدم له المساعدة. حصل الطفل حقا على مساعدة إلا أنه لا يريد العودة إلى سوريا. قال لي: “أين سأذهب؟!”. عمره عشر سنوات ولكنه يتحدث كابن عشرين عاما. في إسرائيل هناك الكثير من هؤلاء الأطفال السوريين.
هل تفكر ما الذي يمكن القيام به؟
نحن نحرص على عدم التورط في الحرب في سوريا، فهذه معضلة جدية جدا.
هل يشكل تنظيم داعش تهديدا استراتيجيا خطيرا على إسرائيل أم لا؟
لا أعتقد ذلك، بل أعتقد أننا نعمل ضده بشكل صحيح وهادئ في سيناء والجولان.
ما مدى التعاون بين الجيش الإسرائيلي ومصر فيما يتعلق بداعش في سيناء؟
تعاون موضوعي إلى حد بعيد.
هناك شائعات أن إسرائيل تقوم بدور كبير لصالح مصر، ما رأيك؟
هذه شائعات فحسب. نحن لا نولي اهتماما لها.
في النهاية، بصفتك ستشغل منصب إدارة الموارد البشرية بدلا من منصب المتحدث باسم الجيش، ما رأيك في الجندي الإسرائيلي؟
أعتقد أنه موهوب كثيرًا. فهو يعكس قيم المجتمَع الإسرائيلي بشكل دقيق، ومستعد دائما للتضحية من أجل إسرائيل. ليست هناك أية علاقة بين الآيفون، المال، الهايتك والدافعية للخدمة في الجيش. الجيش يرفض جُنود احتياط معنيين بالخدمة، لا نملك مكان لهم. فالجيش الجهة الأهم في دولة إسرائيل. الشعب يحب الجيش، ويتابع أخباره، ويغضب من وسائل الإعلام التي تنشر أخبار سيئة بحقه. بالتباين، الجندي الإسرائيلي يعبر عن مواقفه دون خشية ويتمسك بها.
هل تعتقد أن هناك تحديًا لدى الجيش الإسرائيلي في مجال التربية؟ تربية مناهضة للعنصرية، وكراهية العرب؟
قبل أسبوع فقط، أدرت ورشة عمل للجنود المبتدئين حول كرامة الإنسان، كيف يمكن اعتقال فلسطيني حتى وإن كنا نعتقد أنه ينوي تنفيذ عملية. تحدثت عن أهمية احترام البشر مهما كانت الظروف.