ما زال الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، يتابع مسيرته الحثيثة ضد العنصرية في إسرائيل. ريفلين، الذي قدّم البارحة كأس الدوري الإسرائيلي لفريق مكابي تل أبيب، تقدم شخصيًا من لاعبها العربي، مهران راضي، وعانقه عناقًا وديًّا وشخصيًا.
واجه مهران راضي، خلال حرب الصيف الماضي على غزة، هتافات عنصرية من جانب مشجعي فريقه. اندفع مشجعو الفريق، خلال أحد تدريبات فريق مكابي تل أبيب، إلى الملعب وأطلقوا تجاهه هتافات عنصرية وداعمة للجيش الإسرائيلي. ردّ الرئيس ريفلين، الذي كان قد تسلم مهام منصبه كرئيس قبل مدة قصيرة منذ ذلك، من خلال ستاتوس غاضب على الفيس بوك كتب فيه:
“يُمنع التسامح مع العنف. مهران راضي هو مواطن إسرائيلي، لاعب كرة قدم ورياضي متميّز وفخر لدولة إسرائيل. تنبع الهتافات العنصرية ضده من التعامل العنصري والقومي ضد المواطنين العرب الإسرائيليين الذين يُشكلون جزءًا لا يتجزأ من الواقع الإسرائيلي”.
وتابع ريفلين قائلا: “هذه الظاهرة ليست فقط بروز للعنصرية في إسرائيل بل تُشكل عارًا على المجتمع الإسرائيلي المشترك الذي سعينا لإقامته أيضًا”.
يُشار إلى أن ريفلين ذاته هو من المشجعين المتحمسين لفريق “بيتار القدس” بكرة القدم، الفريق الذي يُعرف عن بعض مُشجعيه هتافاتهم العنصرية. حتى أن ريفلين كان مدير فريق بيتار القدس قبل نحو أربعين عاما.
فاز فريق مكابي تل أبيب في هذه المباراة على هبوعيل بئر السبع بنتيجة 6 -2. بهذا حقق فريق مكابي تل أبيب فوزًا ثلاثيًا: كأس البطولة، كأس الدولة وكأس الدوري الإسرائيلي. من المتوقع أن يُنافس فريق مكابي تل أبيب في المباريات التمهيدية لبطولة كأس أوروبا.
الهدف الرائع الذي أحرزه باراك يتسحاكي أمام مكابي حيفا ليس مجرد هدف رائع، بل هدف ذو صدى. بقدراتٍ كهذه ومع ابن كرويف خلف الكواليس، يمكن الإعلان أخيرًا – مكابي تل أبيب سيطر على كرة القدم الإسرائيلية
الهدف الرائع الذي أحرزه باراك يتسحاكي أمام مكابي حيفا ليس مجرد هدف رائع، بل هدف ذو صدى. بقدراتٍ كهذه ومع ابن كرويف خلف الكواليس، يمكن الإعلان أخيرًا – مكابي تل أبيب سيطر على كرة القدم الإسرائيلية
قلّما نحظى بمثل هذا الحدث: حركة واحدة تكون مميزة وتكون لها دلالة على شيء أكبر منها. على الرغم من أن دوري كرة القدم يستمر لأشهر عديدة وطويلة، والدوري الإسرائيلي ما زال في منتصف الطريق، فإنّ هذا الأسبوع شهد حدثًا مميزًا. التقى فريق مكابي حيفا مرة أخرى فريق مكابي تل أبيب على استاد “بلومفيلد”، بينما يحتل الفريق المركز الخامس في القائمة بـ 24 نقطة. بعيداً في أول القائمة يتربع بكل ثقة، فريق الصُّفر من تل أبيب، بـ 38 نقطة – فارق كبير جدا بعد 16 جولة من المباريات.
رغم أنه وقبل المباراة كان فارق النقاط بين الفريقين مكونًا من منزلتين، إلا أن هذا اللقاء ليس لقاءً عاديا. كان فريق مكابي حيفا أمبراطورية كرة القدم الإسرائيلية خلال العقدين الأخيرين. فقد فاز الفريق بعدد لا يحصى من البطولات: رسم طريقا للأندية الأخرى على المستوى الأوروبي، بما فيها أول ظهور لفريق اسرائيلي في دور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، وأنشأ الكثير من اللاعبين الشبان. أهمية فوز مكابي تل أبيب على حيفا لا تكمن فقط في مسألة ترتيب الفرق وجمع النقاط في الطريق لتحقيق لقب الدوري. بل تكمن أهمية الفوز في خلق الأرضية الصحيحة والمناسبة لنمو إمبراطورية.
تمريرة دقيقة رفعها مهران راضي، ضربة رأس قوية من قبل رادا بريتسا – واحد مقابل لا شيء
بعد أداء ضعيف في الشوط الأول، حث مدرب فريق تل أبيب، البرتغالي باولو سوزو، اللاعبين على التقدم وتكثيف الهجوم. فخرجوا من غرف تبديل الملابس ممتلئين بالحماسة، وفي أول ضربة ركنية حُسبت لهم، وجد رادا بريتسا، المهاجم السويدي القوي، مرمى حيفا. الفضل في هذا، بالطبع، يعود الى مهران راضي، لاعب الوسط النشيط الذي يبرع بالركلات الثابتة وبإدارة حركات لعب آمنة. الهدف الثاني أيضا، في الدقيقة 55، جاء بعد ضربة ركنية رفعها راضي. صراع طويل وحثيث خاضه لاعبو الفريق الأصفر وانتهى بتسديدة قوية من قائد الفريق، شيران يايني، من مسافة قصيرة ومباشرة داخل الشباك.
مهران راضي (Botend, vikimedia)
استطاع فريق حيفا تقليص النتيجة بخلاف سير الأمور، إنّما في الدقيقة الـ 70 نسي الجميع ذلك الأمر، مع حدوث اللحظة الهامة في المباراة، وعلى الأرجح في الموسم كلّه. راضي – ومَن يكون غيره – سدد كرة طويلة من وسط الملعب الى باراك يتسحاكي، المهاجم الذي انتظر عند طرف منطقة فريق حيفا. طارت الكرة باتجاهه ومع اقترابها، استدار يتسحاكي بجسمه، ارتفع بالهواء، رفع رجله اليمنى، وسدد كرة “مقص” باتجاه مرمى فريق حيفا. لم تكن أمام حارس المرمى أية فرصة، – ثلاثة لواحد لصالح مكابي وإشارة بدء الاحتفالات – 16 نقطة أضحى الفارق بين العدوين اللدودين.
تسديدة المقص التي سددها باراك يتسحاكي – أية كلمة تُقال هي في غير محلّها(!)
قبل أربع سنوات ونصف اشترى، ملياردير يهودي – كندي يدعى ميتش غولدهار، فريق مكابي تل أبيب والذي كان قد جمع ثروته من خلال شبكة متاجر كندية. وكان أعلن التحدي على هيمنة فريق الخضر من حيفا: استثمار كبير جدا في فئة الشبيبة، توقيع عقود مع طاقم مكون من مهنيين أوروبيين، لديهم تجربة ورؤيا وبشكل أساسي – شراء أفضل اللاعبين الإسرائيليين. هكذا وصل الى تشكيلة الـ 11 لاعباً لاعبون أمثال عيران زهافي، يتسحاكي وأليران عطار (الذي انتقل مؤخرا الى فريق رايمس الفرنسي ولا زال بالإمكان رؤية أدائه)، ومدربون أمثال أوسكار غارسيا، سوزا، وخوردي كرويف.
زهافي أيضاً كان لديه ما يقدمه فيما يخص تسديدات المقص – هدف رائع أحرزه أمام ليون في الدوري الأوروبي قبل 3 سنوات:
لسنوات طويلة، دارت أحاديث في إسرائيل تتعلق بنقص موجود يتمثل بضرورة وجود أداة وصل تربط بين الإدارة والمدرب. شخص يكون له صلاحية إدارية، ومهنية بشكل أساسي – يبقى في النادي لسنوات طويلة ويرسم الطريق. خوردي كرويف، ابن اسطورة كرة القدم الهولندية، يوهان كرويف، ومن تم اختياره لكي يكون مديرا فنيًّا لفريق مكابي تل أبيب، هو الشخص الصحيح – في الوقت الصحيح. يختار لاعبي التعزيز المناسبين، يشدد على إعطاء فرصة للشبان الذين تدربوا ونشأوا في النادي، يعرف كيف يتحدث ويداعب مشاعر المشجعين وكيف يحصل على ثقتهم وبشكل أساسي – يُحضر معه روح كرة القدم الإيجابية – إذ يتيح المجهود الجماعي للنجوم اللامعين أن ينطلقوا بقوة، والدليل على هذا هدف يتسحاكي.
الى أين يقود هذا الأمر من هنا؟ فشل الصُّفر هذا العام في محاولتهم التأهل لدور المجموعات في دوري أبطال أوروبا، بعد خسارتهم أمام بازل السويسري والنجم المصري محمد صلاح. قريباً سيواجهون الخصم ذاته في دور الـ 32 الأخيرة في الدوري الأوروبي، ويبدو أنه وبوجود اللياقة الحالية للاعبين، قد يكون الأمر مختلفا تماما. في الدوري، يبدو أن البطولة مضمونة، ويستطيع كرويف أن يبدأ التخطيط كيف يمكنه في السنة القادمة، في مُلحَق دوري الأبطال، أن يجعل لاعبيه يقدمون لحظات كالتي قدموها هذا الأسبوع. بعد أن أظهروا أن السماء وحدها هي حدّخك، بقي فقط أن يبنوا سلّماً عالياً بما يكفي.
وطالما أننا ذكرنا ابنه، وتحدثنا عن أهداف رائعة، سنختم بهذا الأداء الرائع:
http://youtu.be/B6wr-iuT7ag?t=2m52s