مرّت سنوات طويلة منذ أن انتقل دافيد بن غوريون إلى الصحراء، وعاش في كوخ تقشّر الجصّ من جدرانه في كيبوتس متواضع يدعى “ساديه بوكر”، وصولا إلى اليوم.
جرت تغييرات كبيرة منذ تلك الفترة، سعى خلالها الزعماء الإسرائيليون إلى تقديم نموذج شخصي للبساطة والتواضع، وصولا إلى شراء العديد من الزعماء الإسرائيليين لشقق فاخرة في تل أبيب، القدس وقيصاريا التي تُعتبر إحدى البلدات الأكثر ثراء في إسرائيل.
على خلفية العاصفة التي أثارها تقرير مراقب الدولة في إسرائيل حول نفقات مسكن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، كيف تحوّل زعماء إسرائيل من شخصيات بثّت التوفير القريب من الزهد، إلى تلك الشخصيات التي تشتري وجبات فردية بآلاف الدولارات وتصرّ على الحصول على سرير في رحلة جوّية تستغرق ساعات قليلة؟
قبل 60 عاما، فكّر الناس كما يبدو بطريقة أخرى، فقد أُرسِلوا إلى أماكن نائية من أجل العمل في الأرض والعيش عليها بتواضع كبير. واليوم، فالروح المحرّكة هي “تنظيم النفس من الناحية الاقتصادية والنجاح في الحياة”.
أمامكم بعض الصور والقصص عن قادة إسرائيليين في مختلف الأجيال وكيف عاشوا وبماذا اكتفوا:
اشترى بيجن الشقة الأولى له فقط عندما أصبح كبيرا جدا. لقد عاش معظم أيامه في شقة مؤلفة من غرفتين وفقط بعد أن أصبح فوق سنّ السبعين اشترت له أسرته من توفيراته شقة في القدس.
رئيس الحكومة مناحم بيجن وزوجته يستضيفان الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، في مسكنهما في القدس، عام 1979 (GPO)
كان بن غوريون متطرّفا في أسلوب حياته. عندما انتقل للمرة الأولى إلى كيبوتس ساديه بوكر في النقب عام 1953 كان يبلغ من العمر 67 عاما. حاول حرّاسه أن يؤثروا عليه ليتولى الأعمال البسيطة في حظيرة الخرفان ولكنه أصرّ على القيام بعمل صعب. كانت زوجة رئيس الحكومة الأول لإسرائيل أيضًا، بولا بن غوريون، متقشّفة بطبعها ووافقت على العيش معه في كوخ.
رئيس الحكومة بن غوريون وزوجته يستقبلان الضيوف في مسكن رئيس الحكومة في القدس (GPO)
كذلك، تمتّع رئيس الحكومة إسحاق رابين بالتواضع في فترة تولّيه (تولى مرتين كرئيس لحكومة إسرائيل في عاميّ 1974 و 1992). قال أصدقاء مقرّبون من رابين إنّ مسكن رئيس الحكومة في القدس كان متواضعا، ومن يوم الأربعاء حتى أمسيات السبت كان الزوجان رابين يعودان إلى شقّتهما في تل أبيب. وفي فترة ولايته الثانية أيضًا قسّم رابين إقامته بين القدس وتل أبيب وجدّد الشقة الخاصة في تل أبيب على حسابه. كان لرابين في تلك الشقة غرفة عمل صغيرة وبسيطة، التقى فيها بالضيوف وشاهد مباريات كرة القدم في التلفزيون.
رئيس الحكومة إسحاق رابين يستقبل سفير الولايات المتحدة في إسرائيل في منزله في القدس عام 1976 (GPO)
كان رئيس الحكومة موشيه شاريت (1954) معروفا بتواضعه الكبير. عندما اضطرّ شاريت إلى الاستقالة من منصبه كوزير للخارجية عام 1956، سرّح بشكل فوري سائقه الخاصّ وذهب إلى منزله مشيًا. قال مقرّبون لشاريت إنّه ترك جلسة مجلس الوزراء ورأى سائقه ينتظره في الخارج. توجّه إليه وقال له: “يوسف، لم أعد وزيرا للخارجية بعد. عُدْ إلى المكتب”، وعاد إلى منزله مشيًا. لم يمتلك شاريت شقة خاصة به، وبعد أن استقال من منصبه، لم يكن لديه مكان ليسكن فيه حتى نجح في العثور على شقّة بالإيجار في القدس.
منزل موشيه شاريت في رمات غان (GPO)
وقد تبيّن أيضًا أنّه لم يكن لدى رئيس الحكومة ليفي أشكول (1963) منزلا خاصا به، وبعد أن تُوفي؛ لم يترك خلفه أية ممتلكات. قال زوج ابنته في يوم من الأيام إنّ الممتلكات التي حصل عليها من أشكول كانت أزرار قمصان فقط.
مدخل مسكن رئيس الحكومة ليفي أشكول في القدس في الستينيات (GPO)
كانت غولدا مائير (1969) تعيش في منزل متهالك جدّا حيث كانت فيه تسريبات لا تتوقف في الشتاء. رفضت غولدا أن تُبذّر الأموال العامّة لأجل إصلاحه. وبشكل خاص، كان مطبخ غولدا معروفا. في هذا المطبخ كانت تخبز الكعك بنفسها لضيوفها من كل العالم، وعقدت فيه أيضًا اجتماعات المقرّرات العسكرية لها مع عدد قليل من قادة المنظومة الأمنية في إسرائيل. ومع مرور الأيام، تحوّل مطبخ غولدا “لمفهوم عسكري – سياسي”، يعرّف الاجتماعات التي فيها عدد قليل من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، والذين يجتمعون للنقاش في قضايا أمنية على جدول الأعمال.
غولدا مائير تستقبل ضيوفًا في منزلها الشخصي في تل أبيب، 1978 (GPO)
غولدا في المطبخ في منزلها بالقدس في الفترة التي كانت فيها وزيرة الخارجية في حكومة موشيه شاريت عام 1956 (GPO)
في السفرية الأولى لبيجين عندما كان رئيسا للحكومة إلى الولايات المتحدة، اكتشف أنّه ليس لديه ما يكفي من القمصان. ذهبت زوجته، عاليزا، لشراء بعض القمصان له، وطُلب منها أن تحضر إيصالا من أجل استعادة ثمن القمصان. أجابت بأنّها لن تأخذ إيصالا، لأنّ بيجن سيستخدم القمصان أيضًا عندما ينهي وظيفته.
شمعون بيريس يستقبل الضيوف في مسكن رئيس الحكومة في القدس عام 1985(GPO)
يبدو أن السياسيين في أيامنا ينظرون إلى ما يقومون به كمهنة، وليس كمنصب/ مهمّة عامة. من المعروف في إسرائيل أن نتنياهو وباراك انتُخبا، خسرا، اعتزلا وعادا وفي خلال ذلك ذهبا “ليكسبا الكثير من المال لبيوتهما”. أيضًا رئيس الحكومة الأسبق، إيهود أولمرت، قد جنى الكثير من المال وبسبب بعض الصفقات فهو يخوض اليوم مواجهة قانونية على السلوك غير اللائق – ظاهريا – في تلقي الرشاوى وتجاهل أمور عديدة أثناء توليه للمناصب العليا.
منزل رئيس الحكومة في القدس في فترة تولي نتنياهو، عام 1999(GPO)
منزل رئيس الحكومة في القدس في فترة تولي نتنياهو، عام 1999(GPO)
المنزل الخاص لأسرة نتنياهو في قيصاريا، عام 2015
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني