مقالات هآرتس

ترجمة خاصة بالمصدر. يسرّنا في موقع "المصدر" أن نقدم لكم مقالات مختارة من الصحيفة الإسرائيلية المؤثرة، "هآرتس"، بترجمة خاصة للغة العربية
مواجهات عنيفة في الضفة الغربية في أعقاب اعلان ترامب (Flash90)
مواجهات عنيفة في الضفة الغربية في أعقاب اعلان ترامب (Flash90)

المواجهات الأخيرة تثبت أن حماس والسلطة تسعيان إلى الحفاظ على ضبط النفس

كان مستوى الاشتباكات العنيفة منخفضا، ويرجع ذلك أساسا إلى أن رد فعل الجيش الإسرائيلي كان محدودا. يبدو أن الاعتراف بالقدس يثير غضبا أقل في الشارع الفلسطيني مقارنة بالقيادة الفلسطينية

يُذكر أن المواجهات في الأيام الثلاثة الماضية أسفرت عن مقتل أربعة قتلى وعشرات الجرحى الفلسطينيين وذلك في أعقاب الخطاب الذي اعترف فيه الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل. لم يُشعل إعلان ترامب انتفاضة جديدة حتّى الآن، كما هدد بعض القادة الفلسطينيين، على الرغم من أن نهاية الأسبوع كانت متوترة في القدس والضفة الغربية وبشكل رئيسي في حدود قطاع غزة.

ومنذ إعلان ترامب مساء الأربعاء، تنافست السلطة الفلسطينية وحماس في إدانة هذا الإعلان واحتجتا ضد إسرائيل والولايات المتحدة. وقد زاد زعيم حماس، إسماعيل هنية، من هذه التوترات بعد أن أعلن أن هذا هو الوقت المناسب لاندلاع الانتفاضة الثالثة. ولكن كانت الاستجابة الجماهيرية ضئيلة إلى حد معيّن. يوم أمس (السبت) ويوم الجمعة، شارك الآلاف من الفلسطينيين في مظاهرات في أنحاء الضفة الغربية، انتهى بعضها بإلقاء الحجارة على قوات الجيش الإسرائيلي عند نقاط التفتيش والطرقات الرئيسية.

وأدت تعليمات إطلاق النار الصارمة التي عملت قوات الجيش الإسرائيلي بموجبها إلى أن يكون مستوى المواجهات منخفضا نسبيا، وقد أصيب العديد من الفلسطينيين جراء استنشاق الغاز المُسيل للدموع. ذكر الجيش أنه لم يكن هناك إطلاق نار على المتظاهرين في الضفة الغربية، بل أطلِقت النيران في الهواء فقط وأطلِق رصاص مطاطي. سعت السلطة الفلسطينية إلى عرض قوتها على نطاق واسع ضمن الالتزام بالسيطرة، والحفاظ على التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي استؤنف مؤخرا فقط بعد أزمة البوابات الإلكترونية في الحرم القدسي الشريف في شهر تموز الماضي.

الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يعلن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل (AFP)

لم يُقنع العدد المحدود للمتظاهرين أن الإعلان الأميركي أثار غضب الفلسطينيين في الشارع بشكل مماثل لمستوى الغضب لدى القيادة الفلسطينية. ومع ذلك، وبطريقة غير عادية جدا في السنوات الأخيرة، وربما كجزء من محادثات المصالحة بين الجانبين، نظمت حركة فتح وحماس مظاهرة مشتركة في الخليل، رُفِعت فيها أعلام حماس عَلَنًا، للمرة الأولى، منذ سنوات في الضفة.

في نهاية هذا الأسبوع، كان قطاع غزة الموقع الرئيسي الأكثر توترا، إذ أطلق نشطاء سلفيون متطرفون صواريخ باتجاه النقب خلال ثلاث مرات. ‎ ‎في إحدى الحالات، اعترضت منظومة القبة الحديدية صاروخا، وفي حالة أخرى انفجر صاروخ في مدينة سديروت، مما تسبب في وقوع أضرار ونوبات من الذعر. وورد أن القوات الجوية الإسرائيلية أطلقت النيران على نشيطين من نشطاء حماس وأنهما قُتِلا أثناء تفجيرات مقرات ومستودعات تابعة للجناح العسكري لحماس في إطار السياسة الإسرائيلية التي تفرض على حكومة حماس مسؤولية كبح أنشطة المنظمات الصغيرة.

وفي وقت سابق، أفادت التقارير أن فلسطينيين قُتِلا بنيران قوات الجيش الإسرائيلي أثناء اشتباكات جرت بالقرب من السياج المحيط بالقطاع، شرقي خان يونس. خلافا لإطلاق الصواريخ، في هذه الحالة من الواضح أن حماس هي التي تتزعم التظاهُرات. ولكن في قطاع غزة، كما هو الحال في الضفة الغربية، من الواضح أن حماس تتمالك نفسها في تعاملها مع إسرائيل. وبناء على ذلك، فإن رد الجيش الإسرائيلي كان محدودا نوعا ما ولم يمنع الحركتين من العودة إلى الهدوء المتوتر الذي يُميّز علاقاتهما منذ انتهاء عملية “الجرف الصامد” في قطاع غزة في آب 2014.

مع ذلك، فإن الوضع في غزة لا يزال متوترا لأسباب أخرى، ليست ذات صلة مباشرة بإعلان ترامب. حتّى الآن‎، قد جُمّد اتفاق المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس وتم تأجيل تنفيذه. يمكن أن يُسهم الإحباط العام في قطاع غزة بسبب عدم تنفيذ الاتفاق وفتح معبر رفح الذي وعدت به حماس السكان في زيادة التوتر مع إسرائيل. وفي الخلفية، ما زالت نشاطات المنظومة الأمنية الإسرائيلية مستمرة لإقامة الجدار ضد الأنفاق بعد الكشف عن نفق هجومي حفره الجهاد الإسلامي على الحدود في نهاية تشرين الأول. وتسببت هذه الخطوات أيضا في إثارة بعض الغضب لدى المنظمات الإرهابية في قطاع غزة.

دوليا، انتهت ردود الفعل على الخطوة الأمريكية بسلسلة من الإدانات وجهتها الدول الإسلامية والعربية، البيانات التحفظية التي وجهتها الحكومات الغربية، والاحتجاجات في العديد من العواصم الإسلامية. تشكل الأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين المصدر الأكبر للضجة. لذلك، ليس من المُستغرب أن تشجب تركيا إعلان ترامب، وتعقد مؤتمرا لقادة الدول الإسلامية في أنقرة يوم الأربعاء المقبل.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 594 كلمة
عرض أقل
أطفال فلسطينيون في غزة يجمعون مهملات بغرض بيعها (AFP)
أطفال فلسطينيون في غزة يجمعون مهملات بغرض بيعها (AFP)

ضائقة السكان في غزة تدفع حماس إلى المرونة

وصل قياديو الحركة في القطاع إلى مصر لإجراء محادثات وأعربوا عن استعدادهم لتمويل جزء من الكهرباء للقطاع، في خطوة كانت الحركة قد تجنبتها حتى الآن

قد تشهد الخطوات الأخيرة التي تتخذها قيادة حماس في قطاع غزة، في ظل التقارب من مصر على محاولة لضمان الهدوء في القطاع. هذا الأسبوع، وصلت بعثة من قيادي الحركة إلى القاهرة، وهي تجري محادثات حول الحصار على القطاع بشكل أساسيّ. في هذه الأثناء، وبشكل استثنائي جدا، تعرب حماس عن استعداداها لتوفير الكهرباء للقطاع.

وتفاقم وضع الكهرباء في غزة في الربيع الماضي بعد أن قطعت السلطة الفلسطينية تمويل جزء من الكهرباء في غزة محاولة منها معاقبة حماس. هذا الأسبوع، للمرة الأولى، وافقت حماس على المشاركة في تمويله، بهدف زيادة توفير الكهرباء لتصل إلى ما معدله ست ساعات يوميا. في هذه الأثناء، لم يزداد معدل توفير الكهرباء، لأن شبكة خطوط الكهرباء من مصر إلى القطاع ما زالت لا تلبي معايير متطلبات توفير الكهرباء. تُقدّر إسرائيل أن حماس ستستثمر نحو 90 مليون شيكل في الأشهر القادمة بهدف زيادة إمدادات الكهرباء. قد يؤدي إمداد الكهرباء الذي ستدفع حماس مقابله لمصر، إلى زيادة ساعات توفير الكهرباء من أربع إلى ست ساعات.

وحتى يومنا هذا تجنبت حماس المشاركة في تمويل الكهرباء، لأسباب اقتصادية ورغبة منها فرض التكاليف على السلطة الفلسطينية والحصول على المساعدة الدولية. وردت تقارير في الشهر الماضي في صحيفة “هآرتس” تحدثت عن محادثات بين حماس ومصر بهدف فتح معبر رفح بشكل ثابت والتخفيف بشكل ملحوظ على عملية المرور عبره إذ أن إمكانية التنقل عبره محدودة جدا في يومنا هذا. حتى الآن لم تتحقق التفاهمات. وفق تقارير في وسائل الإعلام العربية، يشارك في وفد حماس إلى القاهرة زعيم الحركة، إسماعيل هنية، القيادي في القطاع، يحيى السنوار، القيادي موسى أبو مرزوق، وزعيم الجناح العسكري، مروان عيس.

وحتى أن هنية أعلن أمس أن الحركة مستعدة لتفكيك حكومة الظل وبدء محادثات مع فتح.

وقد تشكل الخطوات التي تتخذها حماس – المحادثات مع مصر، تمويل الكهرباء والتصريح عن استعدادها لإجراء محادثات تتعلق بالمصالحة – تغييرا إلى حد ما في قيادة الحركة. يبدو أنه خلافا لجزء من التقديرات السابقة، فإن يحيى السنوار تحديدًا، زعيم الجناح العسكري الذي كان مسجونا لأكثر من عشرين عاما في إسرائيل، يدعو إلى التخفيف عن سكان القطاع، وتهدئة التوتر الأمني، وترسيخ الاستقرار قدر المستطاع.

وقال نداف أرغمان، رئيس الشاباك، أمس الأول، للوزراء في جلسة مجلس الوزراء إن حماس تستثمر موارد للاستعداد للاشتباكات العسكريّة المستقبلية مع إسرائيل، واصفا الوضع في القطاع بأنه “هدوء مضلل”. وادعى أن حماس تعاني من ضائقة استراتجية ويصعب عليها عرض إنجازات سياسية أو توفير حل ناجع لحياة السكان الصعبة في القطاع. وقال أيضا إن قياديين في الجناح العسكري لحركة حماس ينشطون مؤخرًا في الأراضي اللبنانية.

وانتقل نشطاء حمساويون للعمل في لبنان قبل أشهر قليلة. ففي السنتَين الماضيتَين، أصبح لبنان المحطة الثالثة التي ينشط فيها نشطاء حماس برئاسة صالح العاروي، الذين كانون قبل ذلك، ينشطون في تركيا، ولكن تم إبعادهم بضغط أمريكي إلى قطر ومن ثم انتقلوا من قطر إلى لبنان، في ظل الضغوطات الشبيهة التي مارستها الإمارات. يرأس العاروري مركز قيادة في لبنان، لديه ذراع في غزة، يبادر إلى ممارسة الإرهاب ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

وفي الآونة الأخيرة، يدور في قطاع غزة صراع القوى الاقتصادية بين قطر والإمارات العربية. فاستثمرت قطر مئات ملايين الدولارات في تأهيل القطاع منذ انتهاء عملية “الجرف الصامد” في صيف 2014. حاليا، هناك محاولة لإبعادها عن غزة، أيضا بسبب الأزمة بينها وبين السعودية والإمارات. في الآونة الأخيرة، بدأت الإمارات العربية المتحدة تستثمر أموالها في القطاع ونقلت مؤخرًا مليون دولار من أجل مشروع البنى التحتية في القطاع عبر القيادي في فتح، محمد دحلان، خصوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ويبذل دحلان الذي يعيش في جزء من أيام السنة في الخليج، جهودا لتعزيز العلاقات بين مصر والإمارات لتنسيق خطوات حماس والسماح له ولأتباعه بأن تطأ أقدامهم القطاع مجددا. باتت حماس قلقة جدا من نشاطات دحلان في القطاع. في إسرائيل، الآراء حول دحلان متفاوتة. ففي الفترة السابقة، وردت أخبار عن علاقات صداقة بين دحلان ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان. يتحفظ مسؤولون آخرون في المنظومة الأمنية وفي القيادة السياسية من دحلان وهم يعتقدون أن كل محاولة لتعزيز تدخله في قطاع غزة معرضة للفشل، كما حدث وهزمته حماس بعد أن سيطرت الحركة على القطاع عسكريّا في حزيران 2007.

وإسرائيل ليست متحمسة لوقف تدخل قطر في القطاع كليا، رغم الحصار السياسي والاقتصادي الذي تمارسه السعودية والإمارات على قطر. فهناك لدى إسرائيل مصلحة معينة في أن تستمر العلاقات بين قيادة حماس ومصر وقطر لا سيما في أوقات الأزمة. فهي ليست معنية بأن تكون متعلقة بأي منهما كوسيط في المحادثات مع حماس.

وفي بداية آب، في ذروة الأزمة السعودية – القطرية، هددت إسرائيل باتخاذ خطوات خطيرة ضد قناة الجزيرة التي تعمل في قطر، إلى درجة إغلاق مكاتبها في إسرائيل مدعية أنها تحرض على الإرهاب. ولاحقا، اكتفت إسرائيل بالتهديد بسحب رخصة عمل مراسل الجزيرة، الياس كرام. وفي النهاية، بعد إجراء جلسة استماع في مكتب الإعلام الحكومي، تم تجميد هذه الخطوة أيضا. يبدو أن هذه التغييرات لا تشهد على التعامل مع المراسل كرام فحسب، بل على العلاقات المعقّدة بين إسرائيل وقطر، ورغبة في حرق كل الجسور معها.

اقرأوا المزيد: 759 كلمة
عرض أقل
زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الى السعودية ولقاءه بالملك سلمان بن عبد العزيز (AFP)
زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الى السعودية ولقاءه بالملك سلمان بن عبد العزيز (AFP)

مصر تنضم للحلبة السورية كوسيط برعاية روسيا والسعودية

إن تدخل مصر المفاجئ في الحلبة السورية هام لإسرائيل أيضا، إذ أن كل دولة تساعد على التصدي للتأثير الإيراني في سوريا تخدم المصالح الإسرائيلية

انضمت لاعبة جديدة ومفاجئة مؤخرًا إلى الحلبة السورية، وقد بدأت تساهم في وقف إطلاق النار محليا. تلقت مصر “تفويضا” من السعودية وروسيا لإدارة مفاوضات بين الميليشيات ونظام الحكم في منطقة غوطة دمشق الشرقية وفي المناطق الشمالية من مدينة حمص، ونجحت في كلا المنطقتين في توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، الأول بتاريخ 22 تموز والثاني في بداية آب. هاتان المنطقتان مشمولتان في خارطة المناطق الآمنة التي اتفقت على إقامتها روسيا، تركيا، وإيران، بالتنسيق مع الولايات المتحدة في شهر أيار.

وتولي إسرائيل أهمية لتدخل مصر، إذ أن كل دولة تعمل على التصدي للتأثير الإيراني في سوريا تخدم مصالحها. والأهم من ذلك، أن الحديث يدور عن شريكة لإسرائيل في الصراع ضد الإرهاب في سيناء، وتدرك كلاهما التهديد الإيراني والخطر الكامن في تفكك سوريا إلى كانتونات. قد تدفع إسرائيل المُشارِكة في النقاشات حول الأحداث في المنطقة الآمنة في جنوب سوريا والتي أرسلت إلى واشنطن في الأسبوع الماضي وفدا أمنيا برئاسة رئيس الموساد إضافة إلى اللقاء المخطط له بين نتنياهو وبوتين بعد غد، الدول العظمى قدما لتشجيع التدخل المصري في سوريا وهكذا تضمن شريكا عربيا آخر إضافة إلى الأردن، قادر على الاهتمام بمصالحها.

ويأتي التعاون المصري عقب خطوة سياسية متعرجة بدأت في بداية ولاية عبد الفتاح السيسي عام 2013، عندما أوضح في مناسبات كثيرة خلافا لسابقه، محمد مرسي، من أتباع الإخوان المسلمين الذي قطع علاقات مصر مع سوريا، أن مصر “تدعم الجيوش القومية لحل الأزمات في المنطقة والحفاظ على الأمن”. لا داعي لتفسيرات أخرى لهذا التصريح إذ أنه يدعم دعما كاملا جيش النظام السوري ونظام الأسد. وأوضح السيسي لاحقا: “يشكل الأسد جزءا من الحل”، وحتى أنه سمح بإقامة لقاءات في القاهرة بين رئيس الاستخبارات المصري وعلي مملوك، قائد الأمن القومي في سوريا.

وجرى لقاء علني من هذا النوع في شهر تشرين الأول عام 2016، ولكن وفق التقارير في وسائل الإعلام العربية، في السنة الماضية، جرت لقاءات أخرى بين كبار المسؤولين المصريين والسوريين. هذا الأسبوع شارك وفد مصري كبير مؤلف من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في اتحاد جمعيات التجارة في معرض تجاري في دمشق وعمل وزير الخارجية السوري وليد المعلم، جاهدا للثناء على الدعم المصري. “يعكس المشاركون في المعرض وعدد أعضاء الوفد رغبة إخواننا المصريين في تعزيز العلاقات بين البلدين”، قال المعلم. في ظل المقاطعة العربية ضد سوريا وإبعادها من الجامعة العربية، فإن مشاركة وفد اتحاد التجارة المصري يشكل أهمية أكبر من الاهتمام التجاري. فهي تنقل رسالة سياسية واضحة.

إن سياسة السيسي الذي يدعم بقاء بشار الأسد في الحكم خوفا من تدهور سوريا ومن التأثيرات التي تلحق بمصر جرائه، لم تلقَ في الفترة الأخيرة رضا السعودية التي طلبت من مصر تعديل سياستها والعمل على إسقاط نظام الأسد كشرط لأية مفاوضات سياسية. حتى أن السعودية عاقبت مصر لأنها دعمت في الأمم المتحدة مشروع قرار روسي، قاطعة تزويد النفط بسعر مخفض لمصر، لهذا اضطرت الأخيرة إلى البحث عن مصادر جديدة للنفط بأسعار السوق ودفعت مقابله من خزينتها التي تعاني من عجز.

ومع مرور الوقت، أصبحت العلاقات المصرية الروسية وطيدة في ظل استئناف العلاقات بين القاهرة وواشنطن بعد ولاية دونالد ترامب، الذي سارع إلى التعبير عن دعمه للسيسي خلافا للعلاقات الباردة التي شهدتها مصر مع إدارة أوباما. لكن ليس في وسع روسيا والولايات المتّحدة أن تشكلا بديلا للعلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والسعودية أو العمل على تسويتها. لقد طرأت التغييرات عندما انضمت مصر إلى السعودية ودول الإمارات العربية المتحدة وفرضت عقوبات على قطر، إذ أن هذا التحالف كان أهم للسعودية من القضية السورية. علاوة على ذلك، تعترف السعودية أنها ليست قادرة على الحسم عسكريّا أو سياسيا في الحرب السورية، وأن سياسة دعم المليشيات التي تنشط ضد الأسد لم تنجح حقا. لم تنجح سياسة السعودية في التصدي أو تقليص التدخل الإيراني في سوريا، وعندما تدخلت تركيا في الحلبة السورية، وفي ظل ما رأته السعودية كتحالف ثلاثي بين تركيا، إيران، وروسيا، لم تكن السعودية والولايات المتحدة جزءا منه، قررت السعودية تغيير استراتيجيتها. يتضح وفق الاستراتيجية الجديدة أن السعودية تفضل تدخل مصر بدلا من تدخل تركيا وإيران دون شك.

تولي روسيا أهمية كبيرة لهذه التطورات. فإذا كانت تعمل مصر وفق جزء من التقارير على استئناف علاقات التطبيع بينها وبين سوريا وعلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وفي حال نجحت في ذلك، فهذا يعني منح شرعية مصرية رسمية، ولاحقا منح شرعية عربية لنظام الأسد. هكذا قد تسحب مصر السجاد من تحت أقدام أردوغان الآمر والناهي في الشأن السوري، وحتى أنها تقدم بديلا عربيا لعلاقة التعلق السوري الحصري على إيران. ولكن من السابق لأوانه أن نحدد أن تدخل إيران في سوريا ودورها قد يتلاشيان في ظل التدخل المصري. إن النظام السوري يعتمد على إيران وروسيا وستتابع هاتان الدولتان دورهما الاستراتيجي في سوريا فيما يتعلق بالحل السياسي.

نُشرت هذه المقالة للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 722 كلمة
عرض أقل
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (Wisam Hashlamoun/Flash90)
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (Wisam Hashlamoun/Flash90)

إسرائيل تتابع بقلق تدهور حالة عباس الصحية

يأمل الجيش الإسرائيلي أن انخفاض حدة الأحداث في الضفة قد يؤدي إلى هدوء تدريجي. بالمقابل، فإن تدهور حالة رئيس السلطة الفلسطينية الصحية قد تسرّع تبديل نظام الحكم في السلطة

تتابع المنظومة الأمنية الإسرائيلية بقلق حالة رئيس السلطة الفلسطينية الصحية، محمود عباس. دخل عباس أمس صباحا (السبت) المستشفى ومكث فيها ساعات قليلة فقط وأجرى فحوص في مستشفى في رام الله ومن ثم أطلِق سراحه. ادعى قادة السلطة أن الرئيس الفلسطيني دخل المستشفى لأنه كان متعبا، وذلك في أعقاب الأحداث التي طرأت في الأسبوعين الماضيين – التوتر الخطير مع إسرائيل في أعقاب الأزمة في الحرم القدسي الشريف.

وفرضت الأزمة مع إسرائيل على رئيس السلطة جدول أعمال مزدحم من أجل متابعة هذه الأحداث، شمل اجتماعات مكثّفة مع مستشاريه وقيادة حركة فتح والسلطة الفلسطينية، وإجراء اتصالات مكثّفة مع زعماء عرب ودبلوماسيين غربيين. خلال الأزمة، وفي سائر أيام الأسبوع الماضي، صعّدت السطلة من تصريحاتها ضد إسرائيل، ومن بين أمور أخرى، ناشدت لإقامة “يوم غضب” في القدس والضفة الغربية أمس الأول، الجمعة. يبدو أن هذا التوجه جاء بشكل أساسيّ بسبب المنافسة بين عباس وحماس حول قيادة الفلسطينيين في صراعهم حول المسجد الأقصى.

ورغم أنه يبدو أن في بيئة رئيس السلطة الفلسطينية هناك رغبة في تقليل حدة الصعوبات التي يعاني منها الرئيس وتقديم تعليلات بديلة، هناك انطباع فلسطيني وإسرائيلي يشير إلى أن حالة عباس الصحية آخذة بالتدهور إلى حد معين في الأشهر الأخيرة وقد يسرع هذا التدهور التغييرات في الحكم في السلطة. بات عباس قلقا من تعزيز العلاقة بين حماس ومحمد دحلان (برعاية مصرية) ويخشى أن ينسق الجانبان خطوات سياسية أخرى ضده.

ويبلغ عباس 82 عاما وصحته جيدة غالبا. في بداية العقد الماضي، عانى محمود عباس من سرطان البروستات ومن ثم من مشاكل قلبية. ويعد الرئيس الفلسطيني مدخنا ثقيلا، حتى أنه في السنة الماضية أجرى تغييرا وبدأ يستخدم السجائر الإلكترونية.

هذا المقال هو جزء من مقال نُشر للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 262 كلمة
عرض أقل
نتنياهو وعباس (AFP)
نتنياهو وعباس (AFP)

من دون هدف واضح في غزة، إسرائيل تراهن وتنجر وراء عباس

يُقدّر المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر أنّ حماس ليست معنية حاليا بخوض معركة جديدة، وما زال يأمل بالتوصل إلى حل لمنع تقليص إضافي لتوفير الكهرباء. ولكن قد يتضح لاحقا أن قرار السماح للسلطة بممارسة ضغط على غزة هو قرار خاطئ

يبدو كأن قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر للشؤون الأمنية والسياسية الذي تطرق قبل يومين (الأحد) إلى الوضع في غزة يتضمن تناقضا داخليا. فمن جهة، سمع الوزراء آراء مسؤولي الاستخبارات بشأن الأزمة الإنسانية الأخذة بالازدياد في القطاع، والتي يعود أحد أسبابها إلى قرار السلطة الفلسطينية لوقف دفع مقابل استهلاك الكهرباء لإسرائيل الذي تستهلكه حكومة حماس في غزة. ومن جهة أخرى، قرر المجلس الوزاري الإسرائيلي – بناء على توصية المنظومة الأمنية – قبول طلب  السلطة وعدم التدخل للتوصل إلى تمويل بديل لتلبية احتياجات الكهرباء في القطاع.

توضح منظمات إنسانية حاليا أن التقليصات الأخرى ستضمن تقليص توفير الكهرباء والحد من توفيره لمدة تصل حتى ثلاث ساعات وربما أقل في اليوم، بينما تُحذر حماس من معركة عسكريّة قريبة ضد إسرائيل. رويدا رويدا، ترد معلومات حول تعزيز تسلح حماس واستعدادها لمعركة عسكرية، حيث تثير نواح معينة فيها قلقا استثنائيا.

هناك بعض التحليلات وراء قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي: ليس في وسع حكومة نتنياهو أن تبدو في نظر ناخبي اليمين، وكأنها ترضخ لتهديدات الفلسطينيين وتوافق على تمويل نشاطات حماس؛ ولا ترغب الحكومة في أن تبدو كداعمة لحماس في المواجهات الداخلية في السلطة الفلسطينية؛ تشير معظم التقديرات الاستخباراتية إلى أنه من الصعب على حماس حاليا شن حرب لأنها أصبحت معزولة عن العالم العربي أكثر من أي وقت مضى، ولأنها تخشى من خسارة دعم قطر؛ وما زال الوزراء يعتقدون أن “بولي سيهتم بالأمور” – سينجح منسق عمليات الحكومة في الأراضي، اللواء يؤاف مردخاي بطريقة معينة هذه المرة أيضا في التغلب على الأزمة، تجنيد دعم اقتصادي خارجي للقطاع أو الحد من ضغط السلطة، بشكل يقلل ممارسة الضغط على حماس ويمنع تفاقم الوضع مجددا.

المدفعية الإسرائيلية تقصف غزة خلال حرب "الجرف الصامد" (IDFׂ)
المدفعية الإسرائيلية تقصف غزة خلال حرب “الجرف الصامد” (IDFׂ)

إلا أن كل هذه التعليلات تنضم إلى مراهنة: أصبحت إسرائيل تتماشى مع الموقف الهجومي الجديد الذي تبناه رئيس السلطة، محمود عباس (أبو مازن)، وتأمل خيرا. أضحت الحاجة إلى كسب رضا عباس الشريك الفلسطيني المثالي الوحيد في المنطقة واضحة (حتى وإن اتهمه وزير الدفاع ليبرمان قبل سنة بالفساد ووصفه كعائق أساسي في دفع المسار السياسي قدما). ليس واضحا تماما إذا حددت إسرائيل مصلحتها في القطاع وما هي الخطوات التي تعمل لصالحها.

بدأ يتضح الآن ما هو هدف عباس: محاسبة حماس على الاستخفاف والتحريض اللذين مارستهما طيلة عقد، حيث فشلت خلاله كل محاولات التوصل إلى تسوية فلسطينية داخلية. هناك شك إذا كان عباس يعتمد على أن الضغط الذي يمارسه سيؤدي إلى انتفاضة سكان غزة ضد نظام حماس الدكتاتوري، ولكن يبدو أنه لن يندم بشكل خاص في حال أدى التدهور الحالي إلى جولة قتال إضافية، حيث تُلحق فيها إسرائيل ضربة أقوى بحماس. في حال كانت الحسابات الإسرائيلية خاطئة، فقد تؤدي التطوّرات الحالية إلى ذلك، خلافا لرغبة الحكومة المعلنة.

من المرجح أن عباس يحظى بدعم من سياسة إدارة ترامب. خلافا للرئيس أوباما السابق، فالرئيس الأمريكي الجديد لا يتردد في وصف حماس منظمة إرهابية يجب العمل ضدها بحزم. تُذكّر زيادة حدة تعامل السلطة مع حماس إلى حد معين بالخطوة السعودية ضد قطر. في كلتا الحالتين، تفسّر حكومات سنية يعرضها ترامب بصفتها حكومات “جيدة” دعم الرئيس كتشجيع لاتخاذ خطوات جريئة أكثر ضد منافساتها على السيطرة.

قذائق تطلق من قطاع غزة نحو إسرائيل في 2014 (AFP)
قذائق تطلق من قطاع غزة نحو إسرائيل في 2014 (AFP)

في جلسة الكنيست، التي حدثت في نيسان من العام الماضي، حول تقرير مراقب الدولة بشأن عملية “الجرف الصامد”، أوضح رئيس الحكومة نتنياهو أنه يرغب في تجنب خوض معركة ضد حماس قدر المستطاع. كذلك في النقاشات في الأيام الأخيرة، قال نتنياهو وبعض الوزراء أقوالا شبيهة. في الوقت ذاته، بدا ليبرمان ووزير التربية، نفتالي بينيت، أمس وكأنهما يتنافسان بشكل استثنائي على عرض آراء أكثر اعتدالا فيما يتعلق بغزة. وحذر بينيت في مؤتمر “هآرتس” من تفاقم الوضع الإنساني في القطاع داعيا لاتخاذ العبر من عملية الجرف الصامد؛ قال ليبرمان “لا نرغب في المبادرة إلى عملية عسكريّة في غزة”. يمكن أن نفترض أن نتنياهو يصرح علنا تصريحات شبيهة في وقتنا هذا أيضًا.

صادف أمس مرور ثلاث سنوات منذ خطف الجنود الإسرائيليين في غوش عتصيون على يد عناصر حماس. ولكن بعد مرور أسبوعين ونصف عُثر على جثث الشبان، حيث دفنهم القتلة في الأرض في منطقة غربي الخليل. غمرت إسرائيل أثناء هذه الفترة أجواء صعبة، غاضبة، وحتى أنه ساد توق لشن حرب. رويدا رويدا، طرأت توترات في منطقة حدود غزة على خلفية وجود شك لدى إسرائيل أن حماس تنوي تنفيذ عملية خطف كبيرة. وبعد مرور أسبوع من العثور على الجثث في الضفة، خاضت إسرائيل وحماس معركة في غزة.

قال وزير الدفاع أثناء الحرب، موشيه يعلون، أمس في مؤتمر “هآرتس” إن حماس  لم ترغب في خوض الحرب في صيف 2014، ولكنها خاضتها بسبب اعتبارات خاطئة. رغم التفاؤل النسبي لدى المسؤولين في الاستخبارات، ورغم عدم وجود نية للتصعيد، قد تؤدي مظاهرة في غزة بجانب الحدود وتخرج عن السيطرة وتنتهي بقتلى إزاء إطلاق نيران على يد الجيش الإسرائيلي، إلى تدهور الأوضاع. هناك مقولة لمارك توين تدعي أن التاريخ لا يعيد نفسه تماما ولكنه يتشابه كثيرا.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع هآرتس.

اقرأوا المزيد: 737 كلمة
عرض أقل
ترقية جمال حكروش (في الوسط) من كفركنا لرتبة لواء في الشرطة الإسرائيلية (المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية)
ترقية جمال حكروش (في الوسط) من كفركنا لرتبة لواء في الشرطة الإسرائيلية (المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية)

المزيد من أفراد الشرطة العرب لن يحل المشكلة

فتح المزيد من مراكز الشرطة في البلدات العربية لن تأتي بنتائج مثمرة دون تغيير السياسات. سكان المدن العربية هم مواطنون في الدولة، ولا يشكلون تهديدا أمنيا. ولكن عليهم (العرب في إسرائيل) الإجابة عن أسئلة صعبة أيضا

أحد المسلسلات المشهورة في العالم العربي في شهر رمضان هو “باب الحارة”. شخصيات هذا المسلسل السوري الذي يبث في موسمه السابع تتغير طوال الوقت – أما صورة الشرطة المحلية التي تعمل برعاية الانتداب الفرنسي لا زالت على حالها. فالضابط المسؤول في الحي شخص فاسد، ولا يساهم في إرساء أمن المواطنين. لذا بدأ سكان الحي في حل المشاكل بأنفسهم مثل النزاعات وحالات الجريمة الخطيرة، وحتى أنهم يتخلون عن أعمال الشرطة كليا مما يؤدي في أحيان كثيرة إلى مواجهات ونزاعات.

حدثت حالة شبيهة مؤخرا في كفر قاسم. بات يعاني سكان المدينة في السنوات الماضية من عنف قاس يتضمن إطلاق النيران وأصبحوا مقتنعين أن منظمات الإجرام وعائلات الإجرام مسؤولة عن جزء من حالات القتل في السنوات الماضية. منذ بداية السنة، قُتل سبعة مواطنون من كفر قاسم حيث قتل ستة أشخاص على خلفية جنائية، ولم يتم الإبلاغ عن تحليل ملابسات الحادثة.

مركز الشرطة المحلي في كفر قاسم بعد أعمال الشغب هذا الأسبوع (Flash90/)
مركز الشرطة المحلي في كفر قاسم بعد أعمال الشغب هذا الأسبوع (Flash90/)

كان قتيلان، ناشطين في لجنة الحماية المحلية التي تعمل برعاية البلدية منذ سنوات، وفي السنتين الماضيتين أصبحت نشطة أكثر. يقول نشطاء في اللجنة وفي البلدية إن الحديث يدور عن مجموعة تعمل على ملء الفراغ الذي تركته الشرطة. وفق أقوالهم، تؤدي لجنة الحماية دورا رئيسيا في حل النزاع ومنع العنف. يعتقد سكان كفر قاسم أن هذا النشاط أدى إلى نزاع مع عناصر الإجرام المنظم مما أسفر عن سقوط ضحايا.

سواء كان ضروريا أم لا، تؤكد إقامة اللجنة على نقص الثقة التي يشعر بها سكان المدينة إزاء الشرطة. في كفر قاسم، خلافا للبلدات العربية الأخرى، مركز شرطة محلي. ولكن بدلا من أن يساهم المركز في دب الثقة في نفوس المواطنين، فالنتيجة عكسية تمامًا. تزيد الحادثة التي طرأت في بداية الأسبوع التي قتل فيها حارس في مركز الشرطة أحد سكان المدينة، محمد طه، من الشعور بالنفور.

مراسم تشييع جثمان الشاب محمد طه من كفر قاسم (Flash90)
مراسم تشييع جثمان الشاب محمد طه من كفر قاسم (Flash90)

تعمل شرطة إسرائيل منذ أشهر على تجنيد أفراد شرطة عرب وفتح مراكز شرطة جديدة في البلدات العربية. ظاهريا، يبدو أن هذه الخطوة ضرورية لتحسين الخدمات والأمن ولكن فعليا لا يأتي هذا المشروع بثماره. السبب بسيط: لا يتعين على الشرطة زيادة الموارد فحسب بل عليها تغيير سياستها تجاه المواطنين العرب الذين هم مواطنو الدولة ولا يشكلون تهديدا أمنيا. يجب على الشرطة نشر نتائج محاربة الجريمة المنظمة وإحداث تغيير جذري في تعاملها مع المجتمَع العربي. في الدولة العصرية والعادلة يجب أن تعمل مراكز الشرطة لخدمة الجميع ويحظر أن تعمل مراكز لليهود وأخرى للعرب؛ على هذه المراكز أن تعمل في أرض الواقع وليس بالأقوال فقط.

إلى جانب ذلك، على المجتمع العربي أن يواجه أسئلة صعبة أيضًا، وأن يعرف أن الشرطة تشكل عاملا هاما في مكافحة العنف، وحتى أنها ليست الوحيدة. بات النسيج الاجتماعي قابل للتفكك، وتتجذر الجرائم المنظمة في أجزاء كبيرة من المجتمَع. تنجح منظمات الإجرام في العمل في الكثير من البلدات بسبب نقص الأطر الملائمة للكثير من الشبان والتعليم غير الملائم.

يجب أن تتصدر التربية، الثقافة، الحوار العام، والاستثمار في الجيل الشاب سلم الأفضليات لدى الزعماء المحليين والدينيين. يظل المجال العام الذي لا يتصدر سلم أفضليات الجيل المثقف والمؤثر مشتعلا. إذا فهم كلا الجانبين الرسالة ووجدا عاملا مشتركا عندها يمكن التحدث عن مستقبل متفائل أكثر. وإلا ستشكل الأحداث في كفر قاسم حلقة في مسلسل ينزف دما.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في موقع هآرتس

اقرأوا المزيد: 485 كلمة
عرض أقل
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطرفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الرياض (AFP)
الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطرفي مقابلة مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الرياض (AFP)

ترامب يتعرض لمعضلة إثر الأزمة المتنامية في الخليج

يقوض قطع العلاقات بين الدول السنية وقطر بشكل دراماتيكي الائتلاف ضد إيران في الشرق الأوسط، الذي أثنى عليه الرئيس الأمريكي. قد تزداد المشكلة حدة إذا ضغطت الرياض على واشنطن للذهاب في طريقها

يعرّض قطع العلاقات الفوري بين السعودية، الإمارات العربية المتحدة، البحرين، مصر والحكومة اليمنية وبين قطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لمعضلة صعبة.

قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط، تحدث ممثلو الرئيس الأمريكي كثيرا في القمة الخليجية التي جرت في الرياض، أثناء زيارة ترامب الرسمية الأولى لها عن قطر. صرح قبل ذلك وزير الدفاع الأمريكي، جيمس ماتياس أن العلاقات بين كلا البلدين جيدة “وتشهد تحسنا”. كان ترامب والإدارة الأمريكية راضيان عن الائتلاف الذي بادرت إليه السعودية، قبل نحو سنة ونصف وهو “الائتلاف السني” الذي يهدف إلى التصدي لتأثير إيران في الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب. حتى أمس كانت قطر عضوة في هذا الائتلاف، ولكنها طُردت منه في أعقاب قطع العلاقات بينها وبين الدول العربية.

السؤال الذي يُطرح الآن هل ستستغل السعودية الاستثمارات الهائلة التي وعدت بها ترامب – أكثر من 300 مليار دولار لشراء معدّات عسكرية ونحو 40 مليار دولار للاستثمار في البنى التحتية الأمريكية – لتطلب من أمريكا أن تسير في طريقها وتدرج قطر في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. إذا استجاب ترامب لهذا القرار، يتعين عليه إخراج معسكر سلاح الجو الأمريكي الأكبر في الشرق الأوسط من قطر ونقله إلى دولة أخرى، ربما إلى الإمارات. ولكن من السابق لأوانه أن نقرر أن هذا هو المسار الذي ستتخذه السعودية طالما أنها تهدف للحفاظ على الائتلاف السني ودخول قطر إلى الائتلاف ثانية.

اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر (AFP)
اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر (AFP)

اقتصاديا لا شك أن قطع العلاقات سيؤثر فورا في قطر. يتضمن قطع العلاقات الدبلوماسية سد المجال الجوي المصري وجزء من دول الخليج أمام طائرات قطر، وقد تلحق هذه الخطوة ضررا بالرحلات الجوية القطرية. سيقلص الحد من التنقل برا من استيرادات قطر. خلافا للعقوبات التي فرضتها السعودية، الإمارات، والبحرين على قطر عام 2014، حيث أعاد جزء من دول الخليج سفراءه ولكن لم تُفرض عقوبات اقتصادية، فهذه المرة يدور الحديث عن خطوة فريدة من نوعها، لم تتخذها من قبل دول الخليج ضد دولة عضوة في مجلس التعاون الخليجي العربي.

فرضت دول عربيّة وقطعت علاقاتها حتى الآن مع العراق في فترة حكم صدام حسين، ومع سوريا وعلقت عضويتها في الجامعة العربية أيضا. جاءت الخطوة الاستثنائية في ظل أقوال حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، حيث أوضح أنه يعارض الموقع العدائي الذي تتخذه دول الخليج والولايات المتّحدة ضد إيران، “الدولة الكبيرة التي تساهم في استقرار المنطقة”، وقال إنه لا يعتبر حماس، حزب الله، والإخوان المسلمين منظمات إرهابية بل حركات مقاومة.

أنكرت قطر أقوال الحاكم مدعية أن قراصنة الإنترنت اخترقوا موقع وكالة الأنباء القطرية وكتبوا هذه الاقتباسات. يدور الحديث عن حرب قراصنة من نوع جديد، وفق ادعاء متحدثين ومحللين قطريين بهدف الحطّ من قدر قطر. فهم يدعون أن هذه العلاقة أقيمت بين الإمارات واللوبي الموالي لإسرائيل الذي يعمل من واشنطن إضافة إلى كبار المسؤولين سابقا في الإدارة الأمريكية، حيث أنها علاقة مبنية على خلافات سياسية في الرأي بين دول الإمارات العربية المتحدة وقطر.

أثارت حرب التسريبات والقراصنة مشكلة كبيرة، حيث نُشر أمس عدد من رسائل البريد الإلكتروني التي تبادلها ظاهريا سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة وبين “معهد حماية الديمقراطية”، وهو معهد أسسه شيلدون أدلسون وإيد برونفمان إضافة إلى يهود أغنياء آخرين ويحظى بتمويلهم. هذا هو معهد للمحافطين الجدد وأقيم بعد أحداث 11 أيلول وهناك علاقات جيدة بين هذا المعهد وبين نتنياهو وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية.

السفير القطري لدى واشنطن، يوسف العتبية (AFP)
السفير القطري لدى واشنطن، يوسف العتبية (AFP)

وفق الرسائل البريدية المُسربة جرى تبادل الآراء والأفكار بين الإمارات وبين كبار المسؤولين في المعهد حول كيف يمكن التعامل مع قطر الداعمة لحماس وإيران. هناك لدى السفير القطري، يوسف العتيبة الذي يعتبر شخصية مرغوبة ومؤثرة في واشنطن، علاقات قوية مع جاريد كوشنير، صهر ترامب ومستشاره المسؤول، وكانت تربطه في الماضي علاقات مع سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، رون درمر. تسلط هذه الاكتشافات المأساة السياسية في الخليج على الإمارات بدلا من قطر، حيث تبدو وكأنها تنسق أعمالها مع إسرائيل، أو على الأقل، مع اللوبي الموالي لإسرائيل المدعوم من قبلها.

تدفع هذه التصريحات الإدارة الأمريكية إلى جبهة معروفة لها أقل، حيث أنه قد تملي موازين القوى بين دول الخليج وبين نفسها سياسات خاطئة. تعرف الإدارة الأمريكية أن الاعتماد الحصري على السعودية والإمارات بصفتها قادرة على دفع السياسة الأمريكية في المنطقة قدما قد يلحق ضررا بالائتلاف العربي ضد إيران أو محاربة الإرهاب. في هذا السياق، لا بد أن نذكر أن الكويت وعُمان لا تتعاونان مع الجبهة التي تعمل ضد قطر، وأن العلاقات بين مصر والسعودية متوترة بسبب ما تعرّفه مصر كاحتكار سعوديّ حصري لإدارة السياسة الإقليمية.

السؤال الذي يُطرح الآن هو من قادر على الوساطة بين قطر والسعودية ودول الإمارات المتحدة، وأية تنازلات ستبديها قطر للعودة إلى “الأحضان الخليجية”. حاولت الكويت هذا الأسبوع الوساطة بين الدول، ولكن باءت محاولاتها بالفشل حتى الآن. يبدو أن السعودية لن تستكفي هذه المرة بطرد نشطاء حمساويين والإخوان المسلمين من قطر، بل سترغب في أن تبدي قطر التزامها بشكل ملحوظ فيما يتعلق بنشاط قناة الجزيرة، الوسيلة السياسية الهامة لدى قطر، وحتى أن تصرح قطر تصريحات واضحة فيما يتعلق بإيران. في هذه المرحلة، من الصعب أن نقدر أن قطر ستوافق على عدم نقل قناة الجزيرة الأخبار أو التخلص من إيران، شريكتها في حقل الغاز الأكبر في العالم.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 776 كلمة
عرض أقل
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، خلال لقاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض (AFP)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يصافح رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، خلال لقاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض (AFP)

حتى ائتلاف دولي لن يساعد السيسي في محاربة داعش

لا يبدو أن الحكومة المصرية لديها برنامج قتال منظم ضد الهجمات التي تُنَفذ في المواقع المسيحية وما زال الجيش المصري يتدرب ويتسلح في حربه ضد داعش وكأنه يخوض حربا ضد دولة وليس ضد منظمة إرهابية

لم يتأثر فرع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مصر بشكل خاص بالصورة المتفائلة للرئيس دونالد ترامب، ملك السعودية، سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهم يلمسون الكرة الأرضية كرمز للتعاون من أجل محاربة الإرهاب. بعد مرور شهر من الهجوم على دير سانت كاثرين في سيناء، والكنيستين في الإسكندرية وطنطا، أعلنت داعش مسؤوليتها عن الهجوم في مدينة المنيا المصرية، حيث أسفر عن مقتل 29 مواطنا مصريا قبطيا، والذي صادف في جدول زمني محدد مسبقا، مع بدء شهر رمضان.

توضح هذه التفجيرات جيدا لماذا لن يكون الائتلاف الدولي الذي تشغله الولايات المتحدة في العراق وسوريا، ناجعا ضد الهجمات الإرهابية في مصر، السعودية، أو الدول العربيّة الأخرى. لا تسيطر داعش في مصر على مناطق مثل المناطق التي تسيطر عليها في سوريا أو العراق. لذلك من الصعب إذا لم يكن غير ممكن شن هجوم ضد قواتها خلال حرب عادية. الدليل على ذلك هو “معطيات حول عدد القتلى” التي تنشرها مصر.

جنازة مهيبة لشهداء حادث المنيا الإرهابى (AFP)
جنازة مهيبة لشهداء حادث المنيا الإرهابى (AFP)

وفق التقديرات في الغرب، يصل تعداد مقاتلي داعش إلى 1000 حتى ‏1,500 ‏ مقاتل في مصر؛ ولكن وفق تقارير الحكومة المصرية، فمنذ منتصف عام ‏2013‏ قُتِل في سيناء نحو ‏6,000‏ من “عناصر داعش” — نحو أربعة أضعاف عددهم المُقدّر. من هم القتلى الآخرون؟ تشير منظمات حقوق الإنسان ورئيس القبائل البدوية إلى حالات قتل بمحض الصدفة للمواطنين، ويعرّف كل مواطن قتيل فورا على أنه من عناصر داعش. في الشهر الماضي، نُشر في النت مقطع فيديو يظهر فيه كيف يقتل الجنود المصريون مواطنَين بعد تحقيق قصير معهما في الشارع، بينما كانت موضوعة جثث مواطنين آخرين إلى جنبهما. أنكرت الحكومة المصرية أن هؤلاء كانوا جنودا، ولكن من الصعب تصديق هذه الأقوال في ظل الحقائق.

إضافة إلى الصعوبة في الحصول على معلومات استخباراتية حول عناصر داعش، وبرامجهم، واستراتيجيات الحرب الفاشلة ضدهم، يجب الأخذ بعين الاعتبار الدافعية المنخفضة لدى جنود الجيش المصري الذي ينشط في سيناء، حيث أن الجنود ليسوا قادرين على القيام بأدائهم. قبل بضع سنوات، عندما كان السيسي، رئيس الأركان، أوضح في مؤتمر للضباط لماذا يصعب على الجيش محاربة الإرهاب. “يشكل الجيش آلة قتل، وليس آلة اعتقال… نحن لا نتحمل مسؤولية محاربة الإرهاب”، قال السيسي. “تتحمل الشرطة وقوات الأمن الداخلي مسؤولية محاربة الإرهاب. بالمقابل على الجيش حماية حدود الدولة”.

طائرات حربية مصرية تحلق فوق الأراضي المصرية في سيناء (AFP)
طائرات حربية مصرية تحلق فوق الأراضي المصرية في سيناء (AFP)

في هذه الأثناء، تغيّرت الاستراتيجية ولكن الجيش ما زال يتدرب ويتسلح وكأنه يحارب وينوي محاربة دول وليس منظمة إرهابية. يشتري السيسي من الولايات المتحدة وروسيا طائرات حربية، دبابات، وسائل نقل مدرّعة ليست صالحة للاستخدام في الحرب المدنية أو الحرب في المناطق الصحراوية في سيناء. لا تسير التدريبات لمحاربة الإرهاب بشكل منهجي وهناك نقص في الخبرة القتالية المنتظمة.

في جزء من الحالات، يسمح السيسي لسلاح الجو الإسرائيلي، لا سيّما للطائرات الحربية الإسرائيلية (وفق تقارير أجنبية) بالعمل في سيناء، في حين أن سلاح الجو المصري يعمل كرد فعل غير ناجع مثلا شن هجوم على معاقل داعش في درنة في ليبيا. لا تهدف هذه الجهمات التي نفذ مثلها سلاح الجو المصري عام 2015 بعد أن قطعت داعش رؤوس 21 قبطيا عملوا في ليبيا، سوى إلى استعراض لإظهار أن الجيش يؤدي عملا معين.

 مشاهد مؤلمة من جنازة شهداء "مذبحة المنيا" (AFP)
مشاهد مؤلمة من جنازة شهداء “مذبحة المنيا” (AFP)

تعرف الإدارة الأمريكية جيدا إخفاقات الحرب المصرية ضد المنظمات الإرهابية في مصر، وكان هذا الموضوع من بين المواضيع المركزية التي طرحها ترامب أثناء لقائه مع السيسي. تحاول الإدارة الأمريكية منذ زمن إقناع الرئيس المصري بإنجاز إصلاحات في طرق عمل الجيش، وتخصيص مبالغ أكثر من المساعدة العسكرية التي يحصل عليها، ما مجموعه 1.3 مليارات دولار، لشراء معدات لمحاربة الإرهاب؛ ولكن السيسي لا يتبنى هذه التوصية سريعا. ستُقلص الولايات المتحدة هذا العام المساعدة المدنية بنحو 40 مليون دولار، بالمقابل ستُجمد نسبة %15 من المساعدة العسكرية وستكون مشروطة بتحسين حقوق الإنسان في الدولة. لن يُفرض هذا التقييد وفق قانون الموازنة على الأسلحة لمحاربة الإرهاب. ولكن هناك شك إذا كان سيُغير هذا الشرط بشكل ملحوظ طريقة شراء المعدات من قبل الجيش والحكومة المصرية ومحاربتهما للإرهاب.

بالمقابل، لم تعد “ولاية سيناء” التابعة لداعش، منذ زمن، تستكفي بالعمل في المنطقة الشمالية من سيناء، حيث وسعت منذ عامين مناطق عملها وبدأت تنشط في المدن الكبرى. ولكن إذا نشطت قواتها سابقا ضد القوى الأمنية المصرية التي تنشط تحديدا في منطقة العريش، ففي السنة الماضية بدأت تعمل وفق استراتيجية أخرى لشن حرب أهلية في مصر. تحظى التفجيرات ضد المواقع المسيحية التي تحدث في أحيان قريبة بتأييد في أوساط جزء من المواطنين المصريين المسملين، وتشهد على قراءة خارطة التوتر في الدولة بشكل جيد. لا يبدو أن النظام المصري لديه حاليا برنامج عمل منتظم من أجل مواجهة هذه المعركة التي لا تتطلب حاليا خبرة قتالية عسكريّة أخرى فحسب، بل تتطلب أيضا عملا وطنيا لنزع شرعية الأيديولوجية المتطرفة، وحظر التمويل الذي تحصل عليه المنظمات الإرهابية من خارج مصر، لا سيّما من سوريا.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 721 كلمة
عرض أقل
بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين في موسكو (AFP)
بنيامين نتنياهو وفلاديمير بوتين في موسكو (AFP)

ما هي المصلحة الإسرائيلية من الاتفاق المرحلي في سوريا؟

روسيا تحث الولايات المتحدة نحو القيام بعملية سياسية في سوريا لإنهاء الحرب وتقف وراء هذه المبادرة مصلحتان إسرائيليان كبيرتان

قد يشهد الإعلان المفاجئ عن زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى واشنطن على تطورات جديدة سعيا لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. من المتوقع أن يلتقي لافروف مع نظيره الأمريكي، ريكس تيلرسون، على خلفية عمليتين تقودهما روسيا في الوقت ذاته: مبادرة للإعلان عن مناطق آمنة (أو “مناطق تشهد مستوى أقل من التصعيد”) في عدة مناطق في سوريا، ومحاولة تحريك اتفاق أوسع لتقسيم مناطق السيطرة في الدولة، قد يؤدي إلى وقف إطلاق النار في المستقبَل.

سبقت زيارة لافروف التي أعلنت عنها روسيا أول البارحة، محادثات هاتفية بين لافروف وبين نظيره تيلرسون وبين الرئيسين، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب. من الصعب أن نصدّق أن لافروف كان سيبذل جهودا ويزور واشنطن للتحدث عن مواقع المناطق الآمنة فقط، التي يتعين على جيوش سلاحي الجو الروسي والسوري تجنب شن هجوم فيها. فهذه خطوة يمكن للوهلة الأولى أن تتفق عليها القيادة العسكرية، لا سيما أن ظاهريًّا تحاول الإدارة الأمريكية تجنب التدخل في القضية. يبدو أن روسيا تحاول حث أمريكا على استئناف عمليات لتحقيق اتفاق شامل.

في تصريحات رسمية، وفي الزيارات الأخيرة التي أجراها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، على حدة، إلى الولايات المتحدة وروسيا، أشارت القيادة الإسرائيلية إلى نقطتي اهتمام مركزيتين من جهتها في سوريا: متابعة الجهود لمنع تزوّد حزب الله بوسائل قتالية نوعية (من خلال شن هجوم جوي إسرائيلي في سوريا أيضا، الذي تتطرق إليه وسائل الإعلام العربية بشكل أساسي)، ومنع اقتراب عناصر حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني من الحدود السورية الإسرائيلية في هضبة الجولان.

محادثات أستانة (AFP)
محادثات أستانة (AFP)

بالنسبة للمناطق الآمنة، يبدو أن إسرائيل لديها مصلحتان واضحتان: الأولى – ألا تكون ملزمة بموجب أي اتفاق كهذا بعدم شن هجوم جوي، في حال كانت هناك حاجة أمنية طارئة من وجهة نظرها. الثانية – أن تتضمن المناطق الآمنة منطقة الحدود في هضبة الجولان (وهكذا تحصل إسرائيل على التزام بعدم شن هجوم جوي سوري على مقربة من حدودها). في محادثات في أستانة عاصمة كازاخستان، تم التطرق إلى المناطق الآمنة في سوريا، من بين أمور أخرى، إلى مدينة درعا الجنوبية، المجاورة للحدود الأردنية التي تقع على بعد نحو 40 كيلومترًا من شرقي الجولان السوري.

وقّع على مبادرة المناطق الآمنة في الأسبوع الماضي في أستانة ممثلو روسيا، تركيا، وإيران. إلا أنه رفض بعض تنظيمات الثوار السورية التي شاركت في المحادثات التوقيع على الاتفاق. لم تشارك تنظيمات متطرفة أكثر مثل جبهة النصر المحسوبة على القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في المفاوضات أبدا.

الحدود الإسرائيلية السورية (Basel Awidat/Flash90)
الحدود الإسرائيلية السورية (Basel Awidat/Flash90)

إضافة إلى المناطق الآمنة يبدو أن موسكو لديها نوايا وطموحات أكثر. فتعتقد روسيا أنه في حال نجحت مبادَرة المناطق الآمنة إلى حد معين، يمكن استغلال هذا النجاح لدفع حل سياسي قدما، إنهاء القتال في إطاره تدريجيا، وازدهار سوريا مجددا، كفدرالية غير مستقرة من حيث مناطق السيطرة، إذ ستُقسّم غالبية المناطق وفق طوائف. تعارض إيران ونظام الأسد هذه التسوية، بسبب خوفهما من أن توافق سوريا في ظروف كهذه على الإطاحة بالأسد من منصب الرئيس، بينما يتم ضمان سلامة الطائفة العلوية والحفاظ على المصالح العسكرية والاقتصادية الروسية المعروفة في سوريا.

احتلت التطوّرات في سوريا مكانة مركزية في زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال جوزيف دنفورد، إلى إسرائيل. التقى دانفور رئيس الحكومة، وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة، جادي أيزنكوت، وكبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي. إضافة إلى الخطوات الروسية في سوريا، تم التطرق إلى الهجوم بقيادة الولايات المتحدة على داعش في سوريا والعراق، وتشارك إسرائيل فيه بشكل أساسيّ من خلال نقل معلومات استخباراتية. هذه هي الزيارة الثالثة للجنرال دانفورد إلى إسرائيل منذ أن بدأ يشغل منصبا في أيلول عام 2015.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 541 كلمة
عرض أقل
جولة اعلامية أجراها حزب الله على طول الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان (AFP)
جولة اعلامية أجراها حزب الله على طول الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان (AFP)

استعراض حزب الله بالقرب من الحدود يأتي في وقت ملائم لإسرائيل

تشكل الجولة الاستثنائية التي أجراها حزب الله للإعلاميين عدم التزام بالقرار 1701 للأمم المتحدة، وفي ظل تصريحات قتالية تطلقها الولايات المتحدة تجاه التنظيم يبدو أن الحديث يدور عن استفزاز غير حكيم

يبدو أن الجولة الاستثنائية التي أجراها حزب الله للإعلاميين على طول الحدود مع إسرائيل في جنوب لبنان، يوم الخميس الماضي، هي محاولة منه للرد على الادعاءات الموجهة إليه داخل الدولة، وفي الوقت عينِه حفاظا على استعراض إخافة الجيش الإسرائيلي. بينما يتم استثمار جزء كبير من قوة الجيش في حماية نظام بشار الأسد الفتاك في سوريا، وبينما تعاني المنظمة من أزمة اقتصادية خطيرة، من المجدي بين الحين والآخر تذكير المواطنين اللبنانيين مَن هو العدو الحقيقي.

ادعى أحد عناصر الجناح العسكري التابع لحزب الله الذي أجرى الجولة للإعلاميين أن إسرائيل تخشى من قوة التنظيم لذلك تتحصن. إثباتا على ذلك عرض الحفريات المكثّفة التي أقامها الجيش الإسرائيلي على طول الحدود في السنوات الماضية. لم يحاول الجيش الإسرائيلي إخفاء هذه الحقائق التي تهدف إلى إبعاد الحرب عن الحدود الإسرائيلية. لقد عرضها في الإعلام الإسرائيلي قبل أكثر من سنة.

المنطق وراءها واضح: بما أن حزب الله عزز قدرات وحدات الكومندوز الخاصة به، قوات رضوان، في الحرب في سوريا، فمن الأفضل زيادة العقبات أمامه لمنع استغلال أية فرصة معينة قد تؤدي إلى دخول كلا الطرفين إلى حرب. عموما يبدو أن الحياة مريحة في قسم وسائل الإعلام التابع لحزب الله: طيلة سنوات، حاول حزب الله أن يظهر نشاطات الجيش الإسرائيلي بصفتها إثباتا على نوايا إسرائيل العدائية. والآن، بعد أن بات الجيش الإسرائيلي يعمل على تحصين الحدود، يشكل هذا شهادة على أن اليهود يخشون. على أية حال، من الواضح أن إسرائيل هي المذنبة.

"أصبح حزب الله محبطا جدا بسبب عدد القتلى الكبير الذي شهده في الحرب في سوريا" (AFP)
“أصبح حزب الله محبطا جدا بسبب عدد القتلى الكبير الذي شهده في الحرب في سوريا” (AFP)

في حين يسلط حزب الله الضوء على الحدود مع لبنان، يمكن القول إن الوضع في سوريا من جهته مختلط، في أحسن حال، رغم كونه جزءا من معسكر الداعمين لنظام الأسد، الذي أصبح المنتصر في السنة الماضية. قال ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي إنه وفق تقديراته لقد خسر حزب الله أكثر من 1.700 قتيل وأصيب 7.000 من عناصره في الحرب في سوريا. يتواجد نحو ‏8,000‏ من مقاتلي حزب الله، نحو ‏30%‏ من قواته المنتظمة، بشكل منتظم في سوريا.‎

صحيح أن التنظيم يكسب تجربة عملياتية واسعة وهامة، ومن المرحج أن ضباطه يتعلمون كيف يديرون أطر قتالية واسعة ويستخدمون وسائل جديدة، وهذا بفضل قربهم من المرشدين الروس الذين ينشطون إلى جانب نظام الأسد وقربهم من ضباط الحرس الثوري الإيراني. ولكن بالمقابل، يعاني حزب الله أيضا من ظواهر الإرهاق. يتقدم الأسد ويستعيد سيطرته على بعض المناطق، لا سيّما بفضل المساعدة الروسية الجوية، ولكن المعركة تدور ببطء ولا ترغب أي من القوات المساعدة للنظام في تعريض مقاتليها للمشاركة في المعارك الدامية في المناطق المأهولة. تقضي قوات حزب الله وقتا طويلا في القتال وتتعرض لأضراره، ويكثر مركز القيادة المشترك المسؤول عن نشاطات نظام الأسد من إرسال هذه القوات إلى مناطق مختلفة تشهد أزمات أثناء القتال.

منذ اغتيال رئيس الأركان في حزب الله، مصطفى بدر الدين قبل نحو سنة بالقرب من دمشق، ليس هناك من يقوم بأعماله (ادعى رئيس الأركان، غادي أيزنكوت مؤخرًا أن بدر الدين قُتِل على يد زعماء حزب الله، على خلفية خلافات داخلية في الرأي في التنظيم).

خسر حزب الله أكثر من 1.700 قتيل وأصيب 7.000 من عناصره في الحرب في سوريا. يتواجد نحو ‏8,000‏ من مقاتلي حزب الله، نحو ‏30%‏ من قواته المنتظمة، بشكل منتظم في سوريا

لقد أجرى القائد البارز في الجيش الإسرائيلي مقارنات مثيرة للاهتمام. ذكر الجيش الإسرائيلي عام 2006 أنه كان مقتنعا أن وضعه ممتاز بعد أن نجح في التغلب على الانتفاضة الثانية ولكن اكتشف في حرب لبنان الثانية أن قدراته العملياتية ليست كافية للتحدي القادم الذي يتعرض له. العبرة واضحة: هناك فرق بين حرب حزب الله المستمرة أمام تنظيمات الثوار العنيفة في سوريا، وبين مواجهة أخرى ضد سلاح الجو، الاستخبارات، والتكنولوجيا الخاصة بالجيش الإسرائيلي.

ولكن، يبدو أن الصعوبة الكبيرة التي يتعرض لها التنظيم هي مادية. فقد قلصت إيران بشكل ملحوظ المساعدة المالية التي تنقلها إلى حزب الله. في الوقت ذاته، ازدادت تكاليف التنظيم المالية الثابتة بسبب الحاجة إلى دعم عائلات الشهداء في سوريا وجرحى الحرب السورية. في الخلفية، خرج جيل من المقاتلين القدامى الذين شاركوا في المعارك ضد الجيش الإسرائيلي في “المنطقة الأمنية” في جنوب لبنان إلى التقاعد وهم يتنظرون الحصول على دعم مالي. يدور في لبنان وفي أوساط الطائفة الشيعية ذاتها جدال مستمر حول الفائدة من مشاركة قوات حزب الله في سوريا وحول ثمن الخسائر المنوطة بها.

أثارت جولة استعراض حزب الله الاستثنائية للإعلاميين – تقليد شبيه تماما تقريبًا للجولات التي يجريها الجيش الإسرائيلي في الجانب الآخر من الحدود في أحيان قريبة – إرباكا هاما في بيروت. سارع رئيس الحكومة سعد الحريري يوم الجمعة إلى إجراء زيارة إلى جنوب لبنان مع وزير الدفاع ورئيس الأركان مشددا على أن حكومته هي السيادية في الدولة. هاجم الحريري الذي حصل على وظيفته كجزء من صفقة سياسيًّة معقدة مع حزب الله (التنظيم المشبته بمشاركته في قتل والده) بشكل مبطن الجولة الأولى. ولكن يبدو أن الضرر قد حدث.

مؤخرا، استغل مسؤولون إسرائيليّون تصريحات الرئيس ميشال عون أن حزب الله هو جزء من قوات الدفاع في لبنان للتهديد أن الجيش اللبناني قد يكون هدفا إسرائيليا في الحرب القادمة. فقد عمل حزب الله على تقويض سيادة الحكومة على طول الحدود، وفي الوقت عينه أظهر عدم التزام واضح بالقرار 1701 لمجلس الأمن، عندما أجرى لقاء بين مقاتلين مسلحين من جنوب الليطاني وهم يرتدون زيا عسكريا وبين الإعلاميين.

إسرائيليا، جاء استفزاز حزب الله غير الحكيم في وقت مناسب. في اليوم الذي جرت فيه الجولة للإعلاميين، صرحت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، نيكي هالي، أثناء جلسة في مجلس الأمن أن إيران وحزب الله هما المجرمان الرئيسيان في الشرق الأوسط ووعدت أن بلادها ستعمل ضدهما. يوم الخميس، في مقابلة للشبكة الشبكة التلفزيونية، فوكس نيوز، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إنه يعتقد أن على إدارة ترامب أن “تلغي أو تغيّر” الاتّفاق النوويّ مع إيران. صحيح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعمل في الحلبة الدولية بنعومة ولكن تأمل حكومة نتنياهو على الأقل فيما يتعلق بمواقفها تجاه إيران وحزب الله أن تساعد الأجواء التي تسود الآن في واشنطن في دفع مصالحها قدما.

نُشر هذا المقال للمرة الأولى في صحيفة “هآرتس”

اقرأوا المزيد: 915 كلمة
عرض أقل