أحمد داود اوغلو (BRITTA PEDERSEN / DPA / AFP)
أحمد داود اوغلو (BRITTA PEDERSEN / DPA / AFP)

داود أوغلو: تطوّر إيجابي في المحادثات مع إسرائيل

خطوة أخرى لرأب الصدع بين إسرائيل وتركيا: وزير الخارجية التركي يتحدّث عن تقدّم كبير. الفريقان من كلا الدولتين يستعدّان لليوم الذي يلي الاتفاق

“المحادثات تتواصل، ولكن هناك تطوّرات إيجابية”، هذا ما قاله وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في مؤتمر صحفي. وحسب كلام وزير الخارجية التركي، فقد حدث في الآونة الأخيرة تقدّم كبير في المحادثات بين الدولتين، وقد تغلّبتا على العقبات الكبيرة في محادثات التعويضات على أحداث “أسطول الحرّية” قبل أربع سنوات بالضبط، في أيار عام 2010.

وفقًا للتقرير، فقد رفض داود أوغلو التفصيل بالضبط بخصوص قيمة التعويضات التي ستقدّمها إسرائيل لأسر القتلى في الأسطول. ويبدو من كلامه أنّ معظم المشاكل بين القدس وأنقرة تمّ حلّها بالفعل. وقد ذكر أيضًا أنّ المفاوضين ناقشوا موضوع رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو الموضوع الذي تمّ نفيه تمامًا من قبل المسؤولين الإسرائيليين.

وفي الوقت نفسه، ذُكر في إسرائيل اليوم أنّ ممثّلي وزارة الخارجية الإسرائيلية سيشتركون في المحادثات التي تهدف إلى تعزيز التطبيق بين الدولتين. ومع ذلك، فليس الحديث عن حوار رسمي وإنما عن مبادرة معاهد أبحاث من كلا الدولتين: معهد “متفيم” الإسرائيلي ومعهد Gpot التركي. يعمل في كلا المعهدين باحثون خدموا في مناصب عليا في النظام السياسي  في كلا الدولتين.

ووفقًا للتقرير الإسرائيلي، فهي المرة الثانية التي يبادر فيها كلا المعهدين لحدث من “الحوار السياسي” غير الرسمي. وقد جرى اللقاء السابق قبل نحو نصف عام في إسرائيل، ولكن البعثة التركية التي جاءت حينها إلى إسرائيل لم تشمل ممثّلين رسميّين من وزارة الخارجية التركية. ورغم ذلك، فستشمل هذه المرة البعثة الإسرائيلية التي ستصل إلى تركيا أيضًا ممثّلين من وزارة الخارجية، والذين سيجرون لقاءات مع موظّفين في وزارة الخارجية التركية.

وكما هو معلوم، فقد قال رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان قبل أسبوع إنّ المصالحة مع إسرائيل “ممكنة خلال أيام أو أسابيع”، ولكن بعد ذلك أفيدَ أنّ إسرائيل تؤخّر التوقيع على التفاهم.

اقرأوا المزيد: 260 كلمة
عرض أقل
مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)
مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)

ما الذي سيجعل الإسرائيليين يدعمون عملية السلام؟

يشير استطلاع أجراه معهد "متفيم" للسياسات الخارجية الإقليمية إلى أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أنه لا توجد لدى إسرائيل سياسة خارجية واضحة وأنها تتعمد أكثر مما يجب على العلاقات مع الولايات المتحدة.

يشير استطلاع ينشره في هذه الأيام معهد “متفيم” للسياسات الخارجية الإقليمية، إلى أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أنه لا توجد لدى إسرائيل مبادئ موجهة في سياستها الخارجية، تقوم بموجبها بالعمل أو باتخاذ القرارات.

ويشتمل الاستطلاع الذي أجري بين أوساط 500 شخص، عينة ممثلة للسكان في إسرائيل (عرب، يهود، نساء، رجال من الأجيال 18 سنة فما فوق. خطأ العينة 4.5%)، وتبين أن في نهاية تشرين الأول، أن 51% من المجيبين على السؤال أشاروا إلى أنه لا توجد مبادئ واضحة لدى السلطة في إسرائيل بكل ما يتعلق بممارساتها في الشؤون الخارجية.

نسبة الأشخاص الذين أشاروا إلى أن “هناك مبادئ واضحة” مرتفعة نسبيا بين أوساط الشباب حتى سن 52 عاما، وبين أوساط مصوتي الليكود – بيتنا في الانتخابات الأخيرة للكنيست.‎ أما نسب من أشاروا أنه “لا توجد مبادئ” فهي مرتفعة ‎ ‎نسبيًّا‎ ‎بين أصحاب مستويات‎ ‎التعليم العالي‎، بين أوساط مصوتي حزب العمل وبين أوساط مصوتي هناك مستقبل، حزب العمل وأحزاب المركز-اليسار‎.

في رد على السؤال هل يجب على إسرائيل تدعيم سياستها الخارجية على أساس القوة أم استخدام وسائل دبلوماسية، وُجد أن 56% (في الوسط اليهودي) يعتقدون أن على إسرائيل أن تستخدم الوسائل الدبلوماسية أكثر. أجاب 62% من الوسط العربي أن على إسرائيل أن تستخدم المزيد من الوسائل الدبلوماسية. نسبة الأشخاص الذين أشاروا إلى “استخدام المزيد من القوة” مرتفعة نسبيا بين أوساط الشباب حتى سن 52 عاما في الجمهور الحاريدي/المتدين وبين أوساط مصوتي الليكود – بيتنا في الانتخابات الأخيرة للكنيست. نسبة الذين أشاروا “المزيد من الوسائل الدبلوماسية” مرتفعة نسبيًا بين أوساط البالغين ما فوق سن 52 سنة، بين أوساط العلمانيين، ذوي التعليم العالي وبين أوساط مصوتي كافة أحزاب المركز-اليسار في الانتخابات الأخيرة للكنيست.

مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)
مسيرة السلام في تل أبيب (David Katz)

ثمة معلومات أخرى مُستشفة من الاستطلاع تتناول مسألة دعم المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. في السؤال ما الذي سيزيد دعمك لعملية السلام مع الفلسطينيين؟ وُجد أن 44% (بين أوساط السكان اليهود) يعتقدون أن على المجتمع الدولي أن يقترح على إسرائيل حوافز بهدف إنهاء النزاع. بين أوساط السكان العرب في إسرائيل، 48% يعتقدون ذلك.

على الرغم من ذلك، ربع الوسط اليهودي تقريبًا أشاروا إلى أن “لا شيء” سوف يجعلهم يدعمون عملية السلام، بينما 6% فقط من الوسط العربي أشاروا إلى ذلك ونسبة عالية نسبيا لم يعبروا عن رأيهم.‎ ‎ نسبة من ذكروا “حوافز” مرتفعة نسبيا بين أوساط العلمانيين، أصحاب التعليم العالي، مصوتي حزب العمل ومصوتي أحزاب المركز-اليسار.‎ نسبة من ذكروا “لا شيء منهما”، أي لا العقوبات ولا الحوافز، مرتفعة نسبيًّا بين أوساط الجمهور الحاريدي/المتدين (41%) وبين أوساط مصوتي البيت اليهودي (46%)، الأحزاب الحاريدية (31%) والليكود بيتنا (30%).

سؤال آخر تم فحصه في إطار الاستطلاع وهو مسألة الانتماء. طُلب من تم سؤالهم الإجابة على السؤال هل إسرائيل تنتمي إلى الشرق الأوسط أكثر أم إلى أوروبا أكثر. كانت الآراء حول الانتماء الإقليمي لإسرائيل متفاوتة: كانت هناك نسب مشابهة للإمكانيات المختلفة في الاستطلاع عامة.‎ ‎ في الوسط العربي كان هناك عدد أكبر ممن أشاروا إلى أن إسرائيل “تنتمي إلى أوروبا” (33% مقابل 21% في الوسط اليهودي). نسبة من أشاروا أن إسرائيل “تنتمي إلى الشرق الأوسط أكثر” مرتفعة نسبيا بين أوساط الأجيال 30-49 وبين أوساط العلمانيين.‎ ‎ نسبة من أشاروا “إلى أوروبا أكثر” مرتفعة نسبيًّا بين أوساط البالغين ما فوق سن 50 سنة. نسبة من ذكروا “بنفس القدر إلى الشرق الأوسط وإلى أوروبا” مرتفعة نسبيا بين أوساط أصحاب التعليم العالي.‎ ‎ نسبة من أشاروا إلى “لا أحد منهما” مرتفعة نسبيا بين أوساط الجمهور الحاريدي/المتديّن (23%).

اقرأوا المزيد: 519 كلمة
عرض أقل
العلم السوري (Flash90/Rahim Khatib)
العلم السوري (Flash90/Rahim Khatib)

الربيع العربي والفلسطينيون مواطنو إسرائيل

كيف يرى مواطنو إسرائيل الفلسطينيون انقلابات "الربيع العربي"؟ تكشف الباحثة غيداء ريناوي زعبي ما يلي: لا اتفاق في الرأي، وخوف من تحوّل ربيع الشعوب إلى شتاء عربي

في مقالة خاصة وضعتها الباحثة غيداء ريناوي زعبي – المديرة العامّة لمركز “إنجاز”، المركز المهني لتطوير الحكم المحلي للسلطات المحلية العربية – تُنشر للمرة الأولى في المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، متفيم، تتطرق إلى الطريقة التي ينظر بها الفلسطينيون في إسرائيل إلى الربيع العربي.

والخلاصة الواضحة هي أنّ عرب إسرائيل لم يُبلوروا نظرة موحّدة إزاء ما يحدث في الدول العربية، وأنّ ثمة خوفًا كبيرًا من أن ينقلب الربيع العربي شتاءً عربيًّا. وينبع خوف أكبر من نتائج الثورة التي يمكن أن تطيح بالثوار الشباب الذين استهلّوا عملية التمرّد، ومن عملية إخضاعهم لمصالح الدول الغربية.

وتستعرض زعبي في بداية مقالها التحوّلات الاجتماعية، التاريخية، والسياسية التي يمرّ بها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل كخلفية لفهم تعامل أفراده مع ما يحدث في السنوات الثلاث الأخيرة في العالم العربي.

وكما هو معروف، الفلسطينيون في دولة إسرائيل هم أقلية من السكّان الأصليين، تشكّل نحو 20% من سكّان الدولة. وهم يعيشون بشكل أساسيّ في مدن صغيرة وقرى في كل أنحاء البلاد، ولديهم جهاز تربوي خاصّ. ويُعدّ هذا المجتمع شابًّا، ويتواجد في مكانة اجتماعيّة – اقتصاديّة منخفضة. في حرب العام 1948، أضحى معظم أبناء الشعب الفلسطيني لاجئين، سكن بعضهم الضفة الغربية وقطاع غزة، فيما عاش الفلسطينيون الذين بقوا وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية تحت حكم عسكري حتى أواخر الستينات.

وتلفت زعبي انتباه القرّاء إلى واقع أنّ “بين الفلسطينيين مواطني إسرائيل ثلاث مجموعات فرعية تتأثر بشكل خاصّ بعوامل خارجية: النساء، الشبان، والقادة. العناصر الرئيسية المؤثِّرة في هذه المجموعات الفرعية الثلاث هي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، التلفزيون المتّصل بالأقمار الاصطناعية، الأردن كبوّابة للعالم العربي، العولمة، وبالطبع أحداث الربيع العربي”.

مظاهرة عربية يهودية في تل أبيب ضد الأسد (David Katz)
مظاهرة عربية يهودية في تل أبيب ضد الأسد (David Katz)

النقاش بين الفلسطينيين في إسرائيل حول الربيع العربي حادٌّ جدًّا، ويشمل عددًا من المآزق الأخلاقية، السياسيّة، والاجتماعيّة. وتدّعي زعبي أنه حتى ما قبل اندلاع الثورات، كان بإمكان عرب إسرائيل التفاخر بقدرتهم على قيادة “صراعات جماهيرية ضدّ العنصرية والآراء المسبَقة في دولة إسرائيل، في حين كان الشعب في العالم العربي مقموعًا وسلبيًّا. أمّا الآن، فقد فقدوا هذه الأفضليّة”. وتضيف أيضًا أنه “خلال الثورة في تونس ومصر، تحمّس الناس، وأُفعموا بالإلهام من مجرّد ما حدث… امتلأ الناسُ بالفخر لكوننا عربًا. لم يسأل أحدٌ عمّا سيجري في “اليوم التالي” …”

وفقًا لزعبي، بدأت الصدوع الأولى في الإحساس بالبهجة تتشكل مع اندلاع الثورة العنيفة في ليبيا، التي جرى في نهايتها تنفيذ القتل البشع دون محاكمة بالزعيم القذافي.

مظاهرة ضد الضربة العسكرية المتوقعة في سوريا (Flash90/Issam Rimawi)
مظاهرة ضد الضربة العسكرية المتوقعة في سوريا (Flash90/Issam Rimawi)

كان النقاش أصعب في الشأن السوري، لأنّ التدخل الدولي، الغربي، أو الأمريكي في سوريا يُنظَر إليه بطبيعة الحال بشكل سلبيّ. طُرحت أسئلة حرجة بخصوص العلاقات الطائفية بين السنة والشيعة، رغم عدم وجود شيعة بين مواطني إسرائيل العرب. أسئلة تتعلق بالمسيحية مقابل الإسلام، دور شباب الثورة، وكذلك أسئلة حول أقسام المجتمع المختلفة، مثل دور الأُمّ في الثورات.

وتذكر زعبي في مقالها أنّ الإعلام الفلسطيني في إسرائيل، وهو مرآة للنقاشات الاجتماعية، كان شريكًا في هذا الجدال الحامي، قائلةً: “كانت لصحيفة “كل العرب” أهمية كبرى في ما يتعلق بالربيع العربي. كتبت الصحيفة كثيرًا عن هذا الموضوع، لا سيّما ما يحدث في مصر وسوريا، مشدّدةً على قِيَم الثورة وضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان. وكتب في هذا الشأن د. شكري هزال، الذي بيّن المفهوم العقائديّ لمقاومة الحُكم القمعيّ، وحقّ الشعوب في المقاومة، سواءٌ عبر ثورة سلمية أو ثورة مسلّحة”.

وتقتبس زعبي عدّة اقتباسات من هزال الذي كثيرًا ما انتقد وحشيّة الثورات العربية: “من المؤسف ذكرُ أنّ الثورات العربية تبنّت أفعالًا في غاية الوحشية تجاه الطرف الآخر، تمامًا كالأنظمة التي سبقت الثورات، والتي كان المسلّحون الأجيرون من مكوّناتها الأساسية. تسلّلت هذه الوحشية إلى صفوف الثوّار في العالم العربي، ولطختهم بصبغة سلبية. أدّى هذا إلى شكّ المجتمعات العربية حول العالم في مصداقيّة الثورة وموجة الربيع العربي”.

وتورد زعبي مثالًا حيًّا للارتباك وتعدّد الآراء القائم في الشأن السوري: “في 26 آب 2012، نُشر تقرير مفاده أنّ الكاهن السوري فرانسوا أعلن في احتفال تدشين مسجد في كفر كنا أنّ السوريين وسوريا في وضع ممتاز، وأنّ معظم الأنباء التي تبثّها “الجزيرة” وقناة “العربية” عارٍ عن الصحة. لم يردّ الحاضرون (وبينهم كمال خطيب، النائب مسعود غنايم، والشيخ عكرمة صبري) على هذه الأقوال إطلاقًا”.

مظاهرة لنشطاء الحركة الإسلامية في إسرائيل ضد السيسي ودعماً لمرسي (Flash90/Dudu Greenspan)
مظاهرة لنشطاء الحركة الإسلامية في إسرائيل ضد السيسي ودعماً لمرسي (Flash90/Dudu Greenspan)

وحلّلت زعبي آراء ومنشورات رجال الحركة الإسلامية، المقربين من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قائلةً: ” قامت صحيفة الشق الشمالي من الحركة الإسلامية، “صوت الحق والحرية”، التي كثيرًا ما تناولت الربيع العربي، بمهاجمة النظام السوري مرارًا وتكرارًا معتبرةً إيّاه المسؤول الحصريّ عمّا يحدث في سوريا. كذلك، هلّلت الصحيفة لانتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر”.

وتخلُص زعبي في النهاية إلى أنّ ثمّة عددًا من الآراء. فبين عرب إسرائيل، ثمة خشية كبيرة من تدخّل غربي في ما يجري في الدول العربية “يُجهز على كلّ الآمال التي فجّرها الربيع العربي، يزيل الروح الثورية بين الشبّان، ويستبدل الأنظمة الفاسدة بأخرى تابعة وولية للدول الغربية”.

اقرأوا المزيد: 709 كلمة
عرض أقل
المعهد العربي للتخطيط
المعهد العربي للتخطيط

معاهد الأبحاث العربية مهتمة أكثر بإسرائيل

تظهر معاهد الأبحاث العربية التي نشأت في ظل أنظمة تسلطية، اهتمامًا متزايدًا بجوانب مختلفة اجتماعية وسياسية في إسرائيل

تظهر ورقة موقف نشرها مؤخرا كمال علي حسان، باحث زميل في متفيم، المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، امتدادًا جديدًا وواضحًا فيما يختص بازدهار معاهد الأبحاث في العالم العربي في أعقاب “الربيع العربي”.

فعلى حدّ تعبيره، تتحول معاهد الأبحاث الجديدة شيئًا فشيئًا إلى دفيئة في مجال تطوير المحادثات وتبادل المعرفة حول قِيَم ديمقراطية ومدنية. فممثلوها يعملون على إيضاح، تحليل، ومتابعة التغيّرات في الشرق الأوسط، ويبدون اهتمامًا متزايدًا بجوانب مختلفة تتصل بالمجتمع والسياسة في إسرائيل.

ويشارك ممثلو هذه المعاهد في مناسبات ومؤتمرات هامة في العالم وفي بلدان الشرق الأوسط. ويدلّ هذا الواقع على التغيّر الدراماتيكي في نظرة الدول العربية إلى نفسها وإلى الآخر.

بدأت معاهد الأبحاث العربية تنمو في ظل أنظمة تسلطية، وخدمت كأداة بين يدّي السلطات لمنحها الشرعية. عام 2011، شمل التصنيف العالمي السنوي لمعاهد الأبحاث 6545 معهد بحث في العالم. 323 منها (5%) موجودة في دول الشرق الأوسط. 113 من معاهد البحث في الشرق الأوسط موجودة في دول غير عربية – إسرائيل، إيران، وتركيا. أما المعاهد المائتان والعشرة الباقية فموجودة في العالم العربي، ومعظمها موجود في خمس دول: 34 معهدًا في مصر، 29 معهدًا في العراق، 28 معهدًا في فلسطين، 18 معهدًا في تونس، و16 معهدًا في الأردن. ويوضح حسان أنّ هذه المعطيات تشير إلى “غياب الدعم من جانب الحُكّام، والقمع المتواصل للمثقفين ومنع عمليات الدراسة والبحث في الشؤون الداخلية، ما أدّى، بين أمور أخرى، إلى إخفاقات في التنبؤ بأحداث الربيع العربي نهاية سنة 2010”.

رغم ذلك، تزداد حاجة المنظمات، المعاهد، والمثقفين العرب إلى الشراكة في تعزيز إجراءات “الدمقرطة”، البحث، والمعرفة بين مجتمعات الشرق الأوسط. ويدرك مثقفون عرب أنّ هذا الواقع يمكن أن يسهم في قابلية التنقل الاجتماعية وفي تطوير مجتمعات أكثر ديمقراطية في نفس الدول التي تشهد نمو مجتمع مدني ومعاهد أبحاث.

ويذكر حسان بعض الأمثلة على معاهد أبحاث عربية شهيرة، مثل المبادرة المشتركة للأمم المتحدة مع دولة الكويت لإقامة المعهد العربي للتخطيط (API) عام 1966، والتي دفعت دولًا في المنطقة إلى المبادرة لإنشاء معاهد أبحاث وفقًا للنموذج الغربي، ما تجلى في الأهداف، النشاطات، والتوجهات العلمية للتعامل مع شؤون داخلية، ولاحقًا مع قضايا استراتيجية وإقليمية أيضًا. جراء هذه المبادرة، أنشئ عام 1980 المعهد العربي لإنشاء المُدن (AUDI) في السعودية. ويخدم المعهد أكثر من أربعمائة مدينة عربية في اثنتَين وعشرين دولة في الشرق الأوسط.

وعدا الشؤون الداخلية، أو نشر الأفكار والأيديولوجيات العربية المشتركة، عُنيت معاهد الأبحاث كذلك بقضية إسرائيل والحاجة إلى فهم المجتمع الإسرائيلي المجاور. عام 2012، وفقًا لحسان، أعلن مركز دراسات الشرق الأوسط – الأردن، الذي أقيم في المملكة الأردنية عام 1991، عن نشر الترجمة العربية الأولى للتلمود البابلي، في إطار هدفه الذي يقضي بالتعرّف إلى الرواية التاريخية والتراث اليهوديَين. وكان مشروع الترجمة، الذي وُصف كأحد أهم المشاريع في القرن الحادي والعشرين، نتاج عمل دؤوب لعشرات الباحثين من شتى الاختصاصات لنحو خمس سنوات، وعُدّ اختراقًا كبيرًا في العالم العربي من حيث معرفة الآخر في المنطقة.

يُذكَر أنّ عدد المعاهد ازداد بشكل كبير بعد الثورات في العالم العربي مطلع 2011. بالمقابل، شرعت معاهد أبحاث من فترة ما قبل الثورات في عمليات تغيير جذرية، سواءٌ في التنظيم، أو في ماهية وجودة الدراسات. وأحد أهم معاهد الأبحاث في العالم العربي هو مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر. أقيم المركز عام 1968، وركّز على الصراع العربي الإسرائيلي. بدءًا من عام 1972، توسّع نشاطه ليشمل دراسة قضايا دولية مع التشديد على قضايا العالم العربي. ونشر المركز أكثر من 150 كتابًا، وهو يضمّ طاقمًا من نحو 35 باحثًا فقط. وصُنّف المركز بين أفضل خمسين معهد أبحاث في العالَم. منذ الثورة، يختبر المركز تغييرات جذرية وإعادة تنظيم. وبدأ المركز في آذار 2012 عملية تنسيق وإعادة بلورة، عبر ضمّ عاملين جدد من بين الشبان.

د. عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (AFP)
د. عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (AFP)

كما أدى تطور معاهد الأبحاث إلى إقامة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. عام 2011، أُنشئ المركز برئاسة د. عزمي بشارة، الذي يدير مكاتب المركز من قطر في الخليج العربي. ويضمّ طاقم المركز 51 باحثًا ومترجمًا، إضافةً إلى محللين سياسيين وكُتّاب أوراق مواقف ومقالات ثابتة تُنشر في الموقع وتُعرَض في المؤتمرات. ويشكّل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني أحد المواضيع المركزية لأبحاث المركز، وبين الذين يكتبون عنه باحثون ومثقفون فلسطينيون من إسرائيل.

إنّ حجم الدراسات في معاهد الأبحاث العربية وجودتها آخذة في الازدياد بفعل القضايا المتعددة المطروحة على بساط البحث جرّاء أمواج الاحتجاجات. ويدّعي حسان في ورقة الموقف التي كتبها أنه “يرى في هذه المعاهد رغبة ومساعي عديدة لإعادة تعريف أهدافها وعملها، ودمج قوى شابة ومختصة جديدة، تشكّل قوة هائلة في العالم العربي في يومنا. كذلك، أضحى الاستعداد للتعاون مع باحثين إسرائيليين جزءًا من الحديث في العالم العربي. ففي مؤتمر أقيم في المغرب برعاية جامعة سيراكيوز من نيويورك، التقيتُ بأكثر من عشرين باحثًا عربيًّا، اقترح بعضهم أو حتى دَعَمَ إجراء دراسات مشتركة مع معاهد أبحاث ومثقفين إسرائيليين”.

اقرأوا المزيد: 723 كلمة
عرض أقل