وُلد عام 1900 في مدينة براشي في إقليم كُردستان، على الحدود التركية – العراقية، ويحمل مذّاك اسم المدينة. الحاخام زكريا براشي، اليهودي الأكبر سنًّا في العالم، هو أيضًا الكرديّ الأكبر سنًّا في العالم. إنه يسكن في القدس، قرب المدينة القديمة، ويُعنى بشكل خاصّ بدراسة التوراة مع تلاميذه، الذين يعينونه على تدبّر أموره اليوميّة.
إنّه فطين ورزين، ويبدو جيّدًا قياسًا بسنّه. وفي مقابلة تُنشَر اليوم في موقع “rudaw”، يروي أنه يتذكر بوضوح أحداثًا جرت قبل ما يزيد على 80 عامًا، بأدقّ تفاصيلها. وهو يعدّد أسماءً، تواريخ دقيقة، وحتّى أسعار بطاقات سفره في الطريق إلى إسرائيل، التي كانت تحت الانتداب البريطاني حينذاك، في الفترة ما بين الحربَين العالميّتَين.
يتحدث براشي عن طفولته القاسية. فبين إخوته وأخواته الثمانية، مات ستّة في طفولتهم، ليبقى مع أختَين أكبر منه. عمل والداه في الزراعة البسيطة، وكذلك نسجا السجادات والملابس الكردية التقليدية، التي اشتُهرت بجودتها العالية. بعد ولادته، غادرت أسرتُه مسقطَ رأسه، وتجوّلت بين القرى والمدن الكرديّة، إذ كان والده يعمل حاخامًا للجاليات اليهودية. بعد الحرب العالمية الأولى، يذكر براشي المجاعة والعوَز. “بعد الحرب، أخذ الأتراك كلّ ما استطاعوا”، يتذكّر. ويضيف: “مَن نجا من الحرب مات في نهاية المطاف جوعًا”.
ورغم التحدّيات، للحاخام براشي ذكرياتٌ محبّبة من طفولته. فحين لم يكن يدرُس التوراة مع والده في المنزل، كان يلعب خارجًا مع أطفال قريته، المسلمين واليهود على حدٍّ سواء. ”كانت لدينا علاقات ممتازة بالمُسلمين الأكراد، الذين كانوا أشبه بالإخوة. لم تكن هناك خصومات بيننا تقريبًا”.
لا يمكن لبراشي أن يقارن بين التوتُّر الحالي بين اليهود والعرب في إسرائيل، وبين العلاقات التي سادت بين اليهود والمُسلمين الأكراد في كُردستان. ”كان ذلك أشبه بجنّة عدن هناك”، يقول، ويتابع: ”اليوم، كلّ شيء هو جُنون”.
في سنّ 15 عامًا، انتقل مع أسرته إلى سندور، المدينة الوحيدة في العراق التي كان جميع سكّانها يهودًا، حيث التقى زوجته، زمورة، التي عاش معها سعيدًا حتّى وفاتها. حين يتحدّث عنها، يمكن رؤية البريق في عينَيه.
“قابلتُها بنفس الطريقة التي يقابل بها الرجال زوجاتِهم اليوم”، يخبرنا بابتسامة. ”في ساحة الرّقص. مساء الجمعة، بعد الوجبة الاحتفاليّة، كان كلّ الشبّان يذهبون إلى الساحة العامّة الكبيرة وسطَ القرية، وكنّا نرقص الرقص الكرديّ حتّى الواحدة بعد منتصف الليل”.
في اليوم التالي، أرسل أباه ليتحدث إلى أبيها، وبعد ذلك بسنة، تزوّجا. رغم أنه لا يقول ذلك صراحةً، فمن الواضح أنّ حبّهما هو أحد أسباب طول عمره، وجعله يعيش حياةً سعيدةً وهادئة.
عام 1936، هاجر برفقة زوجته وأولادهما إلى فلسطين. يروي براشي عن رحلته الطويلة والمنهِكة، بدءًا من المحاولات الفاشلة للحصول على التصاريح المطلوبة، وانتهاءً بالتعب الجسدي الناجم عن الرحلة الطويلة الصعبة والخطيرة جدًّا عبر الموصل، إلى دمشق، ثمّ إلى القدس.
مذّاك، يقطن في القدس ويعيش حياةً متواضعة. وقد واصل على مّر السنين دراسة التوراة، بالتوازي مع عمله. بين الأمور التي عمل فيها: التربية في بلدية القدس، كما كان بين مؤسّسي جمعية يهود كردستان في إسرائيل، كما يُعدّ أحد ناشري مجلّة يهود كردستان. عام 1980، مُنح لقب “عزيز القدس”، فيما مُنح عام 2013 شهادة “مواطن عريق فخريّ”، إذ إنّه المواطِن الأكبر سنًّا في دولة إسرائيل.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني