تصدّرت في الأسبوعين الماضيَين عناوين الأخبار في إسرائيل، الحالة المزرية لمستشفى هداسا في القدس. ويتمّ في هذه الأيام في أروقة وزارة المالية ووزارة الصحة تحديد مستقبل هذا المستشفى المركزي، الذي يخدم منذ سنوات طويلة سكّان القدس.
إذن فما الذي أدّى إلى هذه الحالة البائسة لمستشفى هداسا عين كارم؟ حالة لا يتقاضى فيها الموظفون راتبهم الشهري، طوابير لا تنتهي من المرضى وتأخر في العلاج الطبّي لإنقاذ الحياة. وقد أوضح خبراء في السابق وحذّروا من أنّ تساهم الإدارة الفاشلة للمستشفى وغياب الرقابة الداخلية والحكومية في عجز متزايد في صندوق المستشفى.
منذ عام واحد فقط لاحظت وزارة الصحة أنّ حالة الخدمات الطبية في إسرائيل تزداد سوءًا، وأعلنت وزيرة الصحة، ياعيل جرمان (حزب هناك مستقبل)، في نيسان العام الماضي عن إنشاء لجنة لإعادة تأهيل الطبّ في إسرائيل. ومن بين أمور أخرى، ناقشت اللجنة الخدمات الطبّية في المناطق المهمّشة، تأسيس مستشفيات جديدة، إضافة أسرّة للمشافي وتقليل ساعات عمل الأطبّاء. وتناولت اللجنة أيضًا خفض ضريبة الصحّة، بحيث تكون بعلاقة مباشرة مع كمية الراتب، بشكل مماثل لضريبة الدخل.
مظاهرة ضد الحالة المزرية لمستشفى هداسا في القدس (Flash90/Yonatan Sindel)
وفي هذه الأثناء لا يحدث الكثير في الواقع. كلّ شيء يبدأ من الدراسات الطبّية حيث الوضع الأسوأ. يبدو مستقبل الطبّ في إسرائيل قاتمًا، سواء من حيث تدريب الأطبّاء الجدد أو من حيث نقص القوى العاملة الآخذ بالازدياد مع كلّ طبيب يصل إلى سنّ التقاعد. مزيج من الظروف المؤسفة التي يصل فيها المزيد والمزيد من الأطبّاء الكبار إلى سنّ التقاعد، ومن ناحية أخرى القلّة المتزايدة من الشباب الذين لا يتوجّهون إلى الدراسات الطبّية والشباب الذين ينجحون في إنهاء هذه الرحلة التعليمية المرهقة، يشكّلون نسبة ضئيلة جدّا من المجتمع أو من عدد الأطبّاء المطلوبين في الواقع. لم تفهم وزارة الصحة أنّ إسرائيل يمكنها التمتّع بنسبة عالية أخرى من الأطبّاء فقط لو سمحت لأولئك الذين درسوا الطبّ في الخارج بأن يستصدروا التراخيص الطبية، ففي الواقع قد صعّبت على هؤلاء في العقد الأخير.
وكشفت عدّة تقارير صحّية في الأشهر الأخيرة عن الخطوات وعن الكثير من الفساد، المشاحنات، والإجراءات المشبوهة للمستشفيات الحكومية مما أظهر ضعف النظام العام. وجميعها توجّه إلى الحاجة الفورية لفرض سلطة وزارة الصحة على المستشفيات.
تتمتّع دولة إسرائيل بسلّة صحّية فخمة في العالم الغربي، ولكنّ في الخدمة العامة المتوسطة التي ترغب – كأيّ نظام كبير – بإنتاج دخل وتوزيعه على المستهلكين، المرضى، بشكل غير فعّال.
مستقبل الطبّ في إسرائيل قاتمًا، سواء من حيث تدريب الأطبّاء الجدد أو من حيث نقص القوى العاملة الآخذ بالازدياد (Flash90/Yonatan Sindel)
كان نضال الأطبّاء قبل عامين (2012) من أجل اتفاق دائم هو الأكثر إنصافًا، أخلاقيّةً، مهنيّةً، وماليّةً، ولم يكن شبه النضال من قبل المتدرّبين أقلّ من ذلك. في نفس الوقت، أصدر الجهاز الصحي لأسباب ما أجور عالية لبعض الأطباء الكبار في القطاع العام التي ارتفعت في السنوات الأخيرة إلى مستويات ليست معقولة.
وإنْ لم يكن ذلك كافيًا، تمّ الكشف في الأسابيع الأخيرة عن المزيد والمزيد من حالات الفساد وإعطاء الأفضلية للطبّ الخاص والسياحة على حساب المواطنين، والمرضى العاديّين الذين هم بحاجة ماسّة إلى رعاية طبّية عامّة سليمة.
التوجيه في الحدّ من نسبة السياحة الطبّية في المستشفيات، والتي يأتي خلالها المرضى من خارج البلاد من أجل تلقّي علاجات طبّية باهظة؛ لم يتمّ تنفيذه على أرض الواقع، كما يشهد على ذلك أطبّاء من المستوى المتوسّط، في بعض المستشفيات، في أقسام الأورام وليس فيها فقط. ما لا يمكن إنكاره: نعم، هناك مرضى إسرائيليّين يتم إرسالهم للعيادات الخارجية أو للأقسام الداخلية، بينما تمتلئ الأقسام الأكثر ملاءمة لحاجاتهم بمرضى من خارج البلاد. يخاف العديد من الأطبّاء الحديث عن ذلك لأنّهم يعرفون بأنّه لا ينبغي المسّ بالسياحة الطبّية، فهي في عين الإدارة، وهناك أيضًا من بين أمور أخرى توجد الأموال الوفيرة. في الواقع الحالي يُسمح لموظّفي الجهاز الصحي العام بالعمل بعد الظهر في القطاع الخاصّ. وهذا حقّ ممنوح للعاملين منذ تأسيس الدولة، ويبدو أنّ الاشتغال بالطبّ الخاصّ لن يُحظر على موظّفي الجهاز العام في المستقبَل القريب.
يريد العديد من المرضى أن يتمّ علاجهم في الجهاز العام، ولكنّهم يمرّون في طريقهم إليها بعيادة خاصّة لزيارة الطبيب. عدم وجود حلّ لإرادة المرضى يفاقم فقط من هذه الظاهرة من الفساد في الطبّ، وهي ظاهرة حذّر منها خبراء كثيرون منذ أواخر سنوات التسعينات، فقد قيل يومها إنّ واحدًا من بين كلّ ثمانية إسرائيليّين يدفع رشاوى من أجل تلقّي العلاج الطبّي.
والمزيد من حالات الفساد وإعطاء الأفضلية للطبّ الخاص والسياحة على حساب المواطنين (Flash90/Miriam Alster)
يعتبر المركز الطبي هداسا أكثر بكثير من مجرّد مركز طبّي؛ فهو أحد الرموز الكبيرة في القدس وفي الجهاز الصحي الإسرائيلي، وأيضًا، لا يجب أن ننسى، أنّه أحد أكبر المشغِّلين في المنطقة، الذي يدعم آلاف العائلات في القدس. كما يبدو أنّ هداسا لن يُغلق. هو ببساطة أكبر من أن يُغلق، ويخدم الكثير جدًّا من المرضى بحيث لا يمكن إغلاقه.
سيُقرّر مستقبل هداسا في الأشهر القادمة: سيتطلّب من المستشفى أن يصبح أكثر كفاءة، أن يقيل الموظّفين الزائدين، وستدخل الدولة إلى ميزانية المستشفى مئات الملايين من الشواقل، وستُجبر إدارة المستشفى بأن تكون تحت الرقابة الداخلية والخارجية، وسيضطرّ مديرو المستشفى بأن يفكّروا في طرق اقتصادية جديدة لتحسين الخدمات الطبّية الحالية وزيادة صندوق الخدمات الخاصّة والفوائد التي يقدّمها المستشفى لمتلقي العلاج فيه.
سيكون من بين القرارات المتعلقة بموضوع هداسا قرارات صعبة ويجب تحقيق زيادة الكفاءة التي تحتاجها الكثير من الخدمات الطبية الحكومية في إسرائيل إنْ كانوا يريدون البقاء وتقديم خدمات طبّية أفضل للمواطنين. في هذا النقاش هناك الكثير من الأطراف التي تفضّل اتخاذ خطوات الخصخصة، ولكن كما يبدو أن الدولة لا زالت لم تقرّر أيّ طريقة هي الأفضل لإنقاذ الطبّ في إسرائيل.
المصدر الأقرب إلى الحدث الإسرائيليّ
تلقّوا نشرتنا اليوميّة إلى بريدكم الإلكتروني